في ذكرى ولادة الإمام المهدي: لنكن أنصاراً للعدل

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء فيها

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}..

نلتقي في الخامس عشر من شهر شعبان بذكرى الولادة المباركة، لمتمم سلسلة الأئمة الاثني عشر من أئمة أهل البيت(ع)، الإمام محمد بن الحسن العسكري صاحب العصر والزمان وأرواحنا لمقدمه الفداء، وله منا كل الولاء.

 

هذه الذكرى التي عندما تأتي تحمل في طياتها تباشير الأمل لكل المستضعفين والمقهورين والمعذبين ولعباد الله الصالحين بأن المستقبل سيكون لهم، هو لن يكون للظالمين وللطغاة والمستكبرين.. هو ما وعد الله به والله لن يخلف وعده عندما قال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.. {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون}.. {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.

 

ومن الطبيعي لدى الحديث عن الإمام المهدي، أن يُطرح علينا سؤال بديهي :كيف تؤمنون بإمام مضى على غيبته ألف ومئة وثمانية وخمسون من ولادته، لا يدري أين هو ولا يتم التواصل معه، ولا يُعلم إلى متى ستستمر هذه الغيبة.. والإجابة على ذلك بكل بساطة، تنطلق أولاً من إيماننا بالغيب، فهو غيب من غيب الله، ونحن أناس نؤمن بالغيب، وهو جزء أساسي من عقيدتنا. وثانياً من روايات وأحاديث بلغت حد التواتر وردت عن رسول الله – الذي لا ينطق عن الهوى – وبعد ذلك عن أهل البيت(ع) أشارت إلى ولادة هذا الإمام وإلى استمرار حياته وإلى الدور الذي سيقوم به.. من ذلك قوله (ص): "إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني: أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في". وهذا يُستدل به على التلازم المستدام بين كتاب الله وسلسلة الأئمة الإثني عشر، وأن الأرض لن تخلو من إمام حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

 

 ومن ذلك ما ورد عن عبدالله ابن مسعود عن النبي (ص)، أنه قال: "لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي… فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً..".

كما ورد عنه (ص): "القائم من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربي عز وجل، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني..".

وفي ذلك ورد الحديث عن الامام العسكري: "ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي.. إلى أن قال : أما أن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقاتون"..

 

     أيها الأخوة والأخوات

لن نستغرق كثيرا كما يستغرق البعض في الحديث عن علامات الظهور بعد أن ثبت وبنص الإمام المهدي(عج) أن لا ظهور له إلّا بإذن الله تعالى ذكره.. هذا ما قال الامام المهدي في وصيته لعلي بن محمد السمري سفيره الرابع والأخير الذي كان صلة الوصل بينه وبين الناس..

فلا أحد يعرف بوقت ظهور الإمام قط، فهذه الحقيقة من الأسرار الإلهية مثل موعد يوم القيامة التي لا يعرف بها أحد إلا الله.. ولهذا يجب أن لا نصدق من زعم ومن يدعي أنه يعلم وقت ظهوره أو يعين له وقتاً.. وقد ورد في الحديث: "كذَبَ الوَقَّاتُون".. نعم هناك روايات أشارت إلى علامات الظهور، ولكن هذه العلامات تحتاج أولاً إلى تدقيق وتمحيص لمدى صحتها وأن تثبت فهي عامة لا يدري متى تحصل في أي زمن وفي أي مكان..

 

إنما ما يعنينا وما ينبغي أن يأخذ من اهتمامنا هو الهدف الذي يسعى اليه الإمام وتنصب كل جهوده لتحقيقه وهو العدل.. فالهدف الذي سيسعى إليه الإمام ويريد أنصاراً وأعوانناً له ؟؟ هو أن تبلغ العدالة أقصى مداها وأن تملأ الأرض بعد أن ملئت ظلماً وجوراً..

 

والعدل هو عنوان ما جاء به رسول الله، فالإسلام دين العدل، وهو ما جاءت به كل الرسالات السماوية التي سبقته..

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} والقسط هو العدل.. والعدل الذي دعانا إليه الله سبحانه وجسّده الرسول الاكرم والأئمة عليهم السلام قولا وعملاً، هو العدل الشامل مع الجميع، الواضح وضوح الشمس، كما والميزان فيه دقيق لا يتأثر بالأهواء والعواطف أو بالمصلحة الفردية والعائلية، والقبلية والجهوية، وهذه ميزة تربوية ضابطة في الإسلام، ولذا نجد الله سبحانه يحذر الإنسان من الانجرار وراء بغضه أو عداوته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.. أو الانجرار وراء عاطفته التي تجعله ينحاز لمن يحب فيجافي الحق فيما يقول أو يفعل.. مما أشارت إليه الآيات: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ…}..

 

إن العدل قيمة تستقيم بها الحياة.. هو القضية الجامعة للبشر.. هو السبيل لإعطاء كل ذي حق حقه..

 بالعدل تُمنع التعديات على كرامة الإنسان، بالعدل يتحقق الاستقرار والطمأنينة، ويتحقق الأمان. وتتضاعف البركات وتسكن القلوب وتهدأ النفوس.. بالعدل يكون الإنسان إنساناً..

وقد ورد عن رسول الله(ص): "عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها..".. "العدل جُنّة واقية، وجَنّة باقية"..

 

لذلك أن نتبع الإمام المهدي وأن نكون من أنصاره والممهدين له، هو يعني ان يكون العدل هاجسنا، يرسم علاقاتنا مع الله ومع أنفسنا ومع الناس والحياة.. فيكون هو المقياس.. الذي نعيش به كلماتنا ومواقفنا ومشاعرنا وعواطفنا وتقيمنا للأشخاص والجهات والمواقع لا نحيد عنه مع الصغير والكبير ومع القوي والضعيف والغني والفقير حتى لو كلفنا ذلك ما كلفنا..

 

ولتكن ذكرى ولادة الامام المهدي يوماً نقف فيه، لنعبّرعن حبنا وولائنا، بالقول والعمل..

لكن كيف؟

 

أن يبدأ كل بنفسه، يبحث في تفاصيل حياته على مظالم حصلت منه مادية كانت أو معنوية، أن يراجع كل منا قضاياه وملفاته المفتوحة ويدقق في مواقفه ومعاملاته التي جرت مع الناس بيعاً، شراءً، تجارة.. وغير ذلك، فيعيد الحق إلى أصحابه ويصلح ما فسد من ذلك، أو يطلب المسامحة ممن يكون قد ظلمهم. نعم قد يكون الموقف محرجا ولكنه أهون من الاحراج يوم القيامة.. ونستذكر هنا قول النبي في حديثه مع أصحابه آخر أيام حياته: "ألا وإن أحبكم إلي من أخذ حقاً إن كان له، أو حللني، فلقيت الله وأنا طيب النفس".. إلى أن قال: "أيها الناس! من كان عنده شيء فليرده ولا يقول فضوح الدنيا، وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة"

 

وبعد النفس ينظر كل منا من حوله : في بيئـته ومكان عمله، في ساحاته الاجتماعية، ساحاته الافتراضية..عن مظلوم ينتصر له، أوعامل يعيد له حقه، أوقضية حق يدعمها، أو فساد يمنعه..

إن ساحات الظلم وانتهاك الحقوق ومع الأسف، تمتد وتتوسع والعدل أصبح غريباً في الكثير من ساحاتنا ومياديننا، والكثيرون ساكتون عن الدعوة إليه أو مواجهة ظلم الظالمين.. فما أحوجنا إلى من أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، يقولون الحق ولا شيء غير الحق، حتى لو كان على حسابهم ولو لم يترك لهم الحق صاحباً أو صديقاً..

 

إن الانتماء إلى الإمام المهدي والالتزام بولايته ليس من نصيب البطالين والساكتين والاتكاليين الذين ينتظرون منه أن يقوم عنهم بمسؤولياتهم.. هو بأيدي العاملين لله، الباذلين جهودهم وطاقاتهم في سبيله، هو لحاملي رايات الحق والعدل.. هؤلاء الذين يحيون الأرض بعد موتها.. الذي قال عنهم الإمام الكاظم: "ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل.."

 

إننا سنبقى نتطلع إلى ذلك اليوم الذي نسأل الله أن يكون قريباً وندعو من أعماق أعماق قلوبنا:

"اَللّـهُمَّ أَرِنا الطَّلْعَةَ الرَّشيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَميدَةَ، وَاكْحُلْ ناظِرينا بِنَظْرَة منّا إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بنا مَحَجَّتَهُ، وَأَنْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ آزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللّـهُمَّ بِهِ بِلادَكَ، وَاَحْيِ بِهِ عِبادَكَ".. يا أرحم الراحمين..

 

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء ليلة النصف من شعبان؛ هذه الليلة المباركة بحدِّ ذاتها. نعم، ما يزيدها شرفاً هو ولادة الإمام المهدي (عج)، فهذه الليلة من أفضل الليالي بعد ليلة القدر، وفيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، هي ليلة آل الله عزّ وجل على نفسه أن لا يردّ فيها سائلاً ما لم يسأل المعصية.

 

وقد كان رسول الله (ص) يحرص على إحياء هذه الليلة بالعبادة، وتصف إحدى زوجاته ذلك الإحياء فتقول: "افتقدت رسول الله منتصف ليلة الخامس من شهر شعبان، فوجدته ساجداً في إحدى زوايا البيت، وهو يقول: "سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي.. أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السموات والأرضون، وانكشفت له الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين من فجأة نقمتك، ومن تحويل عافيتك، ومن زوال نعمتك، اللهم ارزقني قلباً تقياً نقياً، ومن الشرك بريئاً، لا كافراً ولا شقياً..".

 

وتكمل زوجته، أنه ظلّ على ذلك طوال الليل، يدعو ويصلي ويذكر الله ويقرأ القرآن، لا يكلّ ولا يملّ حتى طلع الفجر.

فلنتأسَّ، أيها الأحبة، برسول الله، ولنغتنم فرصة هذه الليلة، فلا تضيع منا بركاتها وخيراتها، فنحن أحوج ما نكون إلى تعزيز علاقتنا بالله وبلوغ ثوابه والتضرع إليه، ليكشف عنا كربنا، ويفرج همومنا، ويجعل مستقبل أيامنا خيراً من ماضيها، ونصبح أقدر على مواجهة التحديات!

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي أحيا الذكرى الـ44 للحرب المشؤومة التي اندلعت في 13 نيسان من العام 1975. ومن المؤلم أنّ الكثير من القيادات السياسية التي تعاقبت على حكم البلاد، ومنذ اتفاق الطائف، لم تأخذ بأيٍّ من عبرها ودروسها لاستعادة بناء الدولة العادلة القوية القادرة، والبعيدة كل البعد عن الفئوية بكل تشكيلاتها الطائفية والمذهبية والحزبية، أو لتعزيز السلم الأهلي المهدّد اليوم بانهيار أسسه الاقتصادية والاجتماعية، بفعل الفساد الذي لم يوفّر مؤسَّسة في الدولة إلا ونخرها في مختلف دوائرها وقطاعاتها.

ففي هذه الأيام، يشعر اللبنانيون بأنهم أمام حرب من نوع جديد تتهدّد واقعهم ومستقبلهم، وتتمثّل بالحرب الاقتصادية التي تدخل كل بيت. وقد ارتفع صوت المسؤولين مؤخراً بالتحذير من خطورة ما نُقبل عليه على الصعيد المالي والنقدي والاقتصادي، بالنظر إلى خدمة الدين المتصاعدة، وإلى العجز في الميزانية، والفساد القائم.

 

ونحن في الوقت الَّذي نرى إيجابية في العمل لمواجهة هذا الخطر الَّذي يُنذر بما هو أخطر من الحرب، لكن يحقّ لنا أن نتساءل: هل كان المطلوب أن تصل أرقام الدين العام إلى حوالى مئة مليار دولار، حتى يستفيق المسؤولون ويبدأ الحديث عن إجراءات تقشفية؟! ألم يكن من المفترض أن يستجيب هؤلاء لتحذيرات الخبراء الاقتصاديين، وللدعوات المتكررة من كلِّ الحريصين على مصلحة البلد، حتى يتداركوا الأمر قبل الوصول إلى هذا المستوى الخطير الذي وصل إليه البلد؟!

إننا، مع الأسف، لا نزال نعيش في ظل دولة لا تخطّط، هي تتحرك بوحي ردود فعل لما يجري على أرض الواقع، أو بوحي الآخرين الذين يملون عليها سياستهم.

 

لقد سمعنا في الأيام الفائتة كلاماً من أكثر من مسؤول عن انهيار قد يصل إلى حد عدم إمكانية دفع الرواتب، وعن ضرورة القيام بإجراءات قاسية لمنع هذا الانهيار ولسد العجز في الخزينة، ولكن سرعان ما بدأ يظهر التنصل من هذا الكلام، فلا يدري المواطنون لماذا صدر هذا الكلام ولماذا تم التراجع عنه! ومن هنا، فإننا ندعو كل القيادات السياسية إلى أن يكونوا أكثر شفافيةً ووضوحاً في مقاربتهم للواقع الاقتصادي وما آل إليه حال البلد.. وأن يكونوا صادقين معهم.

 

إنّ من الواقعية القول إنَّ هناك مشكلة حقيقية في هذا البلد تهدّد الواقع الاقتصادي، لكن علاج هذه المشكلة لا يتم بالأسلوب المتّبع الذي يسعى للمسّ بلقمة المواطنين أو بحاجاتهم ومتطلبات عيشهم الكريم، بل برسم خطة متكاملة لمواجهة مكامن الهدر في الدولة والفساد فيها، وبأن تأخذ الدولة حقها في الأملاك البحرية، وأن يتم ضبط الإنفاق في سفرات المسؤولين وزياراتهم، والمصاريف الكبرى التي تُنفق على مباني الدولة المستأجرة للوزارات والإدارات، والكلفة المالية التي تُنفق على الحمايات المخصصة لهذا المسؤول أو ذاك، وصولاً إلى الصفقات التي تتم على حساب مصالح الناس، وإعفاء الشركات الكبرى من الضرائب، وعدم الاقتراب من المصارف، والعقود التي تتم بعيداً عن دائرة المناقصات، والجمعيات الوهمية، والتوظيف العشوائي، والكثير الكثير من مزاريب الهدر، والإعفاء الضريبي الذي يحصل لحساب هذا المنتفذ أو ذاك، وكلفة المستشارين والرواتب الخيالية وغير ذلك.

 

لقد كان الأجدر بالمسؤولين أن يبدأوا من هنا حتى يشعر الناس بالصدق في المعالجة، ليتفهّموا ما يستهدفهم من ضغوط، وحتى لو كانت على حسابهم.

 

إنني أكرر ما قلته سابقاً من أننا لسنا أمام بلد فقير، بل أمام بلد سُرقت خيراته، ونُهبت ماليته العامة، ويراد ربما لثرواته البحرية في النفط والغاز.. أن تُنهب، وأن يتم تقاسمها في المستقبل، ليبقى البلد بقرة حلوباً لمصلحة طبقة الفاسدين، الذين لم نر ـ إلى الآن ـ أن أحداً منهم تم القبض عليه أو محاكمته، على الرغم من الإجماع الكلامي لدى المسؤولين على محاربة الفساد والمفسدين!

 

ذكرى مجزرة قانا

وأخيراً، نستعيد هذه الأيام المجزرة الرهيبة التي حصلت في قانا في العام 1996، وراح ضحيتها أكثر من مئتي شخص بين شهيد وجريح، والتي دلّت بوضوح على إرهاب العدو الصهيوني الذي لا يحترم المدنيين، وحتى قوات الأمم المتحدة. ومع الأسف، هذا الأمر لا يدعو إلى إدانة هذا الكيان واعتباره دولة إرهابية من قبل الدول الكبرى.

 

إننا نضع الذكرى برسم كل الذين يدعون إلى التطبيع مع هذا الكيان، ويسعون لتقديمه حمامة سلام في هذه المنطقة.. ويرون أنه من عوامل الأمن والاستقرار فيها.. ونتوجه في هذه المناسبة للبنانيين، لدعوتهم إلى مزيد من الوحدة في مواجهة هذا الكيان الذي لا يزال يتهدد جوهم وبحرهم وبرهم ويهدد ثروتهم النفطية.

 

 

Leave A Reply