في يوم العمل والعمّال: أين أمّة العمل؟

 

ألقى سماحة  العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته :

 

قال الله سبحانه وتعالى: {.هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (هود/61)

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(الملك /15(
 
لقد أعلت الاديان من قيمة العمل ورسختها فالانبياء والصالحون  كلهم عملوا، حتى الأعمال اليدوية.. ويُروى عن أحد أصحاب الإمام علي الرضا(ع) قال: رأيت أبا الحسن(ع) يعمل في أرضه، قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جُعلت فداك ، أين الرجال ؟
فقال(ع):
رَسولُ الله (ص) وأمير المؤمنين وآبائي، كُلّهم كانوا قد عَمِلوا بأيديهم، وهو من عَمَل النبيِّين والمُرسلين والأوصِياء والصَّالحين . هنا نقطة اساسية احب ان أشير إليها وهي الخلفية التي تحكم نظرتنا للعمل كمؤمنين وكمسلمين
 
إن الله جعل الانسان خليفة على هذه الارض، وحمله المسؤولية، أن يعمر الأرض بكل ما هو نافع، وهل هناك غير العمل يفجر من خلاله طاقاته الجسدية والفكرية؟ فالعمل هو هدف وجوده. فعندما يعمل المؤمن فهو لا يعمل كما الكثير من الناس من اجل الاسترزاق والعيش فقط،  بل يعمل من اجل  أن يحقق إرادة الله وهدف وجوده… وهذا هو مدلول الآية التي أشرنا إليها:
{…هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود/61) أي أنّ الله خلق الأرض، وفوّض إعمارها إلى الإنسان بالعمل .
وهذه الرؤية للعمل اذا طبقت فهي كفيلة لان تحقق الهدف من وجود الإنسان، فالفرق كبير بينها وبين من ينظر الى العمل كوسيلة للاسترزاق.. لأنه أيها الأخوة والأخوات،  من يعمل من اجل رزقه وراتبه  فقط قد يدفعه ذلك الى ان يغش،   يعبث بالارض او بالبيئة وحتى بالقيم والحياة نفسها.. واذا راعى الارض والبيئة والقيم  فقد يراعي ذلك خوفا من القانون أو العقوبة… اما من هدفه ان يحقق خلافته لله على الارض سيتصرف كمسؤول عنها. وأنه سيسأل عن هذه الأمانة التي بين يديه يوم الحساب، وكلما نال الانسان  درجات  عالية في أمانة الاستخلاف كان الوسام كبيرا

فالعمل على إعمار الارض، أيها الأحبة، على درجة  من الأهمية لتكون على رأس العبادات.عن الرسول(ص) أنّ: "العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال" " ما من مسلم يغرس غرسة أو يزرع فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة
أيّها الأحبة
من هنا نفهم لماذا اختزن الاسلام في تعاليمه و احكامه  وتشريعاته ما يضمن علاقات عمل منتجة وسليمة  بين العامل ورب العمل ولماذا شدّد القرآن على صفتين أساسيتين للعامل هما اللتان أشار اليهما الله في حديثه عن ابنة شعيب عندما اقترحت على أبيها أن يستأجر النبي موسى(ع):
{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}(القصص/ 26)   إذاً هما صفتان أساسيتان يجب أن يتوفرا لدى العامل كي يكون منتجاً: وبنفس الصيغة ورد عن النبي يوسف { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }(يوسف/55)  وكما تعلمون اليوم فإن مشكلة الأمانة هي ما تعانيه المؤسسات، حيث يجب ان تبقى العيون مفتحة عشرة عشرة  خشية التلاعب بالارقام والحسابات وغيرها،  ولذا تضطر الى وضع الكاميرات والمراقبة  منعا من تضييع الوقت والجهد والتصرف بغير مسؤولية في مقدرات العمل. والايمان عزّز هذه القيمة عندما اعتبر "المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم". وبطبيعة الحال لا يمكن للمؤمن الا ان يكون امينا، ففي الحديث: لا دين لمن لا أمانة له. والأمانة كنز المؤسسات التي يعمل فيها ورأسمالها البشري الضروري "لا دين لمن لا أمانه له"  والامانة وحدها لا تكفي على اهميتها،  اذا لم يواكبها معرفة وكفاءة وقدرة على المنافسة   هذا يجرنا للحديث عن تجربة الاسلاميين في الادارة أو الحكم. أحيانا يؤخذ عليهم انهم قد يملكون صفة الامانة والاخلاص ولكن قد يفتقدون الى  المعرفة أو الخبرة  فلا يكفي للطبيب أن يكون متديناً كذلك النائب أو رئيس البلدية أو المختار أو رئيس مؤسسة أو مديرها، فالكفاءة مطلوبة في أبسط الأعمال وأعقدها والإتقان في العمل عنصر أساسي أيضاً لنجاح أي عمل، وفي الحديث :" رحم الله من عمل عملاً فاتقنه"والإتقان يحتاج إلى صبر وحسّ مسؤولية، وهو لا يتحقق بمعزل عن المهارة والقوّة والأمانة..  ايضا لاحظ الاسلام ان الجمود يقتل الطاقة والإبداع .. ويجعل العمل متأخراً ومتراجعاً فالله لن يكتفي بحساب الإنسان على أداء عمله بل سيحاسبه أيضاً، لماذا لم يكن الأفضل عملاً، والأكثر تميزاً فيه والاكثر تطورا: من تساوى يوماه فهو مغبون .. وقيمة كل امرئ ما يحسنه .. بعض الناس للاسف  يبقى أداؤهم هو نفسه ومنتجهم هو نفسه لا يزيدونه او يعدلونه او يكيفونه .. فتراهم قد سبقهم السوق ونافسهم الآخرون وتعطلت اعمالهم هنيئا للمؤسسات بعمال يخافون الله يشعرون دوما برقابته والخوف منه، فلا يتلاعبون ولا يغشّون ولا يخدعون أو يخونون ولا يدخلون جيوبهم ولا الى طعامهم او طعام اولادهم الا المال النظيف الحلال الطاهر غير المشكوك  فيه.
هؤلاء هم ضمانة مؤسساتنا وينبغي ان يتم استثمارهم، وأن يوضعوا على الراحات، ويخشى ان يصبحوا عملة نادرة أيها الأحبة
وفي الوقت الذي يختزن فيه الاسلام كل مقومات العامل المثالي للانتاج   ايضا اراد ذلك لرب العمل، فصاحب العمل الذي يخاف الله يعطي العامل حقه كاملاً،  فلا ينتقص من حقه، فهو يعمل بمضمون الآية:
{..وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ..}(هود/85)
وورد في الحديث :
"ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، من هؤلاء رجل استأجر أجيراً ولم يعطه حقه" فرب العمل الذي تحكمه  اخلاقيات الاسلام والايمان
فلا بد أن يُعطى  العامل حقه المادي كاملاً وحقه المعنوي، فلا يُهينه ولا يُسيئ إليه، ولا يحمله فوق طاقته.  رب العمل الملتزم  باخلاقيات الايمان يرحم ويقدر ويعفو،  وهذا من شأنه ان يجعل مناخ العمل مناخا مريحا وصحيا وبالمقابل  يتمسك العاملون بالعمل لديه ومن المؤكد ان  يحسن انتاجهم ايضا  
حيث الدراسات واضحة التي تربط بين سلوكيات رب العمل وتعاطفه وتواضعه وعدم تعاليه وبين ازدياد انتاج العاملين لديه..
ثم إن العامل ورب العمل  محكومان معاً بقانون ان الله  هو الرازق وهو الذي يقسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حراما، وان القناعة  كنز، وان الباقيات الصالحات هي خير ثوابا وخير املا 
بهذه المنظومة الاخلاقية لا بد ان تتحسن ظروف العمل، وبالتالي ظروف الانتاج حيث تلعب الموارد البشرية جزءاً اساسيا فيها
أيها الأحبة
قد يقول قائل: أين حالنا من كل هذا في مؤسساتنا التي تحمل هوية الدين والاسلام .. هذه فرصة  لندعو كل المؤسسات الاسلامية لا ان تلتزم بقوانين العمل الجارية فقط، بل ان تتفوق عليها وتتقدم. مطلوب منها ان تنتج تجربة قائمة على  النظرة الاسلامية للانسان العامل وحقوقه، علما ان الاسلام يرفض اي ظلم وانتقاص من صاحب أي حق، فكيف إذا كان ممن يبذلون ويتعبون ويكدون ..نحن نقول دائماً إن لم نستطع أن نقدم تجربة إسلامية على مستوى الدولة، فلنعمل على تحقيقها من خلال المؤسسات التي تحمل عنواناً إسلامياً. فالعنوان ليس امتيازاً، بل هو مسؤولية.  ولتكن هذه المؤسسات قدوة لغيرها.
وهنا يحضرني ان اذكر تجربة رائدة للصحابي الجليل سلمان الفارسي ، عندما كان حاكماً على المدائن، يومها جمع العمال وأصحاب المصانع والحِرف وقال لهم :" إعلموا أن الإسلام حرّم كنز المال، وبخس الأجير حقه، فإن للمال سلطانه… أريد من أهل كل حرفة أن يختاروا شيخاً لهم فإذا وقعت مظلمة على عامل منكم فليشكُ لشيخ حرفته"
وسلمان الفارسي أراد بذلك أن يؤكد النظرة الإسلامية التي لا تعترف بوجود شيء اسمه الصراع الطبقي بين طرفي الإنتاج: العامل ورب العمل. همُّ الإسلام ينصب على علاقة عادلة بين الطرفين. علما ان هذه التجربة بدأت بالعمل النقابي قبل أن يعرفه العالم
أيها الأحبة
بمناسبة يوم العمل الذي مرت علينا ذكراه قبل أيام، وفي ظل الظروف الإقتصادية الصعبة، ندعو الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها في إيجاد خطّة اقتصادية تساهم في التنمية  وتسيير عجلة الإقتصاد، والخروج من حالة الجمود القاتل الذي بات يهدد العمال في أعمالهم.
ونعيد التأكيد على ضرورة التلاحم بين أرباب العمل والهيئات الاقتصادية والعمال لإيجاد صيغة تضمن للجميع حقوقهم،  وتمنع الإنهيار الاقتصادي الذي نبشر به كل يوم.
 
وندعو أرباب العمل إلى أن لا يصمّوا آذانهم عن مطالب العمال، ليعقدوا طاولات حوار للوصول إلى مساحات مشتركة من التفاهم والتوافق على نقاط تؤمن مصلحة الطرفين، فالجميع في مركب واحد.
في الوقت الذي نقول فيه للعاملين: أبعدوا السياسة عن معاملكم ومصانعكم وأماكن عملكم وعن عملكم النقابي  إن ما يعانيه العامل في الجنوب أو الشمال هو نفس ما يعانيه عمال البقاع والجبل… كفى شرذمة، كونوا الفئة المشرقة في هذه الأرض، بدلاً من أن تذروكم الأزمات على بيادر السياسة هنا وهناك
أيها الأحبة
في يوم العمل والعمال، نتوجه إلى أمتنا، ندعوها الى استنفار جهودها من أجل أن تستعيد ركبها في الحضارة، فلا يجوز لأمة اعتبرها رسول الله أمة العمل، الأمة التي أوصاها نبيها أن لا تسأل الناس شيئا، أن تكون بعض أراضها بوراً، وأن تكون مستهلكةً تحتاج إلى الآخرين في كل شيئ، في الوقت نفسه نتوجه الى عمالنا بالتقدير لكل العمال.. الـذين يكفيهم تكريماً هو ان عملهم عبادة وأن اليد التي يعملون بها قبلها رسول الله وقال هي يد يحبها الله ورسوله.
بوركت هذه الأيدي، هي أيدي خير وعطاء :
{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(التوبة/105)

 

الخٌطبة السياسية

 

عباد الله.. أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله.. التقوى التي هي عز الدنيا وزاد الآخرة.

هذه التّقوى الّتي نتعلّمها بأبرز معانيها من الصدّيقة الطّاهرة، بضعة رسول الله، وروحه الّتي بين جنبيه السيّدة الزّهراء(ع)، الّتي مرّت علينا ذكرى ولادتها في العشرين من جمادى الثانية.. التّقوى الّتي عبّرت عنها حبّاً لله.. قياماً بالليل حتّى تورّمت قدماها..

وعبرت عن هذا الحب عندما رضيت من رسول الله(ص) بأن يستبدل الخادمة بتسبيحة تقول فيها: الله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثة وثلاثين مرة، وسبحان الله ثلاثة وثلاثين مرة.. بالرغم من آثار التعب والإعياء والمعاناة والمشقة التي كانت تعانيها.

وقد عبرت عن حبها لله في دعائها: " فَرِّغنِي لما خَلقتَنِي لَهُ، وَلا تُشغِلنِي لما تَكَفَّلتَ لي به، ولا تعذِّبنِي وَأنا أستغفرُك، وَلا تَحرِمني وَأنَا أَسأَلُك.. اللَّهُمَّ ذَلِّل نَفسِي فِي نَفسِي، وَعَظِّم شَأنَكَ في نَفسي، وأَلهِمْنِي طاعَتَك، وَالعَمَلَ بِما يُرضِيكَ، والتجنُّبَ لما يُسخِطُك يا أرحَمَ الرَّاحِمِين".

كما عبّرت عن هذا الحبّ في كلّ حياتها الّتي لم يكن فيها شيء لذاتها.. منذ أن فتحت عينيها على الحياة وحتى أغمضتهما.. فعاشت لله بنتاً وزوجة وأماً ورسالية ومجاهدة..

أيها الأحبة: لنتعلم من السيدة الزهراء كل هذا الحب.. أن يكون الله أحب إلينا من أبنائنا وأمهاتنا وأهلنا وكل الناس.. أن نعبر عن هذا الحب بالحب لخلقه، فالخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.. بأن نكون حاضرين في كل مواقع الخير.. أن نكون عوناً للفقراء والمساكين.. أن نكون قوة للمستضعفين والمقهورين.. أن نكون حاضرين في كل قضايا أمتنا، حيث المرحلة تحتاج إلى الصوت الواعي.. الصوت الذي يقي الأمة من الفتنة التي باتت هاجسنا في كل العالم العربي والإسلامي.. وهذا ما نشهده في العراق، الذي خرجت فيه الأحداث عن طابعها المطلبي، لتأخذ بعداً مذهبياً وعنفاً يتلاقى مع تعقيدات الداخل وتداخلات الخارج مع إعلام مجيِّش للحساسيات المذهبية والطائفية…

إننا ونحن نستشعر الخطر الكبير على العراق، نخشى أن يتكرر فيه المشهد السوري، إلا أننا لا نزال نراهن على وعي الشعب العراقي بكل فئاته ومكوّناته، ورفضه الانجرار وراء الفتنة المذهبية وكل الساعين لإحيائها، بعدما استطاع إسقاط هذه المؤامرة في أيام الاحتلال.. هذه الفتنة التي لم تجرّ إلا الويلات على هذا الشعب واستقراره…

ومن هنا، فإننا نكرر الدعوة للشعب بضرورة الاستمرار في الحوار الجاري بين الدولة والمعارضة، للخروج بحلول تضمن للجميع أن يشعروا بإنسانيتهم وحقهم في العيش الكريم…

وإننا ومن خلال لقاءاتنا الأخيرة مع المسؤولين العراقيين، لمسنا جديةً في الاستماع إلى كل المطالب وحلها ضمن القوانين، حيث لا فرق لديهم بين مذهبٍ وآخر أو قومية وأخرى…

ونحن نريد لكل القوى المؤثّرة في العراق وخصوصاً الإقليمية منها، أن تعمل على إطفاء الحريق، لا أن تسعى لصبّ الزيت على النار، إعلامياً وسياسياً واستخباراتياً، لأن هذا الحريق إذا امتد ـ لا سمح الله ـ فستصل شراراته إلى هذه المواقع عينها {واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة}..

وفي السياق نفسه، لا تزال سوريا تعيش معاناتها، في ظل استمرار سياسة الاستنزاف لهذا البلد بكل مكوناته، تحقيقاً لأهداف الدول الكبرى في إضعافه ومنع أدائه لدوره في المنطقة، وما يزيد الأمور تعقيداً، ما أُثير مؤخّراً حول استخدام السلاح الكيماوي ليكون تمهيداً لتدخل أوسع في الأزمة السورية..

ومن هنا، فإننا نعيد التأكيد على الداخل والخارج، بضرورة العمل سريعاً لإخماد النيران التي باتت تأكل أخضر هذا الوطن ويابسه، فلا يكفي إحصاء المنازل المدمرة وأعداد اللاجئين داخل سوريا وخارجها، والخسائر الكبرى في الاقتصاد والأمن وغيرها، بقدر ما ينبغي العمل لإخراج هذا البلد من محنته ومعاناته، من خلال حوار المؤثرين في الداخل والخارج، الذي هو الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة ووقف نزيف الدماء والدمار…

وعلى هذا الأساس، فإننا نعوّل كثيراً على الأنباء الإيجابية التي برزت مؤخراً حول تقارب بين مصر وإيران لحل هذه الأزمة، وإحياء اللجنة الرباعية، حيث تضم السعودية وتركيا إلى هذه المساعي، ونأمل أن تساهم لإيجاد الحل النهائي للأزمة…

وإلى جانب ذلك، نحن نرى في حادثة الاعتداء على ضريح الصحابي الجليل حجر بن عدي الكِندي، مسألة في غاية الخطورة، كونها تمثل عدواناً كبيراً على هذا الرمز الإسلامي الجامع، ونحن نرى في ذلك عدواناً ليس على الضريح فحسب، بل على التاريخ الإسلامي، وعلى حركة الدعوة الإسلامية التي قدمت لنا هذه النماذج الكبرى التي يدعونا الإسلام للوفاء لها والاقتداء بحركتها، لا الإساءة إليها بهذه الطريقة التي تمثل الوحشية بكل المقاييس..

إننا نحذّر من أن هذه العقلية لا يمكن أن تكون مؤهلة للبناء وللتغيير على أسس صالحة، لأن من يعتدي على التاريخ لا يمكن أن يرحم الحاضر، أو أن يصنع الفارق في المستقبل، كما أن ذلك يضاعف المخاوف من الاعتداء على مقامات أخرى، ولذلك نؤكد على المرجعيات الإسلامية كلها، أن تظهر الموقف الشرعي من هذا الاعتداء وأن تدينه إدانة حاسمة وواضحة، حتى لا يلتبس الأمر على الناس وسط هذه الفوضى المدمرة التي لم ترحم الأحياء ولا الأموات، كما نؤكد على ضرورة أن ينطلق هذا الموقف في مواجهة العقل التكفيري الذي من شأنه أن يكون عبئاً على سوريا وتطلعات شعبها نحو الحرية وقبول الآخر، وعلى المنطقة كلها. وعلى كل من يحمل شعارات التغيير والحرية، ألا يسقط هذه الشعارات من خلال هذه الممارسات، أو حتى من خلال السكوت عليها..

إننا نشعر بالخوف على سوريا في ظل استمرار هذا النهج الذي يلتقي مع خطط الآخرين الساعية لاستنزاف هذا البلد على جميع المستويات…

أما لبنان، الذي لا يزال يعيش أزمته الحكومية والنيابية وترددات ما يحدث في سوريا، فقد بات الأمر يستدعي من اللبنانيين جميعاً إجراء حوار جدي ومعمّق للخروج من هذه الدوامة وتداعياتها بدل التراشق بالكلمات والاتهامات التي باتت خبز اللبنانيين اليومي..

وعلى الجميع العمل لتحصين الداخل من الفتنة التي بتنا نخشى من وقوعها عاجلاً أو آجلاً، كما نخشى من أي استغلال صهيوني لما يجري في الداخل والمحيط للقيام بعدوان محتمل..

وفي هذا المجال، فإننا نحذر مما حصل أخيراً في مشهد الضعف الكبير الذي أظهرته الجامعة العربية بالتخلي عن أراضٍ فلسطينية من حدود الـ67 تحت عنوان تغييرات طفيفة، الأمر الذي يشجّع العدوّ الصهيوني على التصلب أكثر في مواقفه العدوانية ويغريه مجدداً لمطالبة العرب بتنازلات جديدة…

وإن هذا الوضع في ظل الثورات العربية، يمثل أكبر خسارة لهذه الثورات، حيث ستتساءل الشعوب عن معنى هذه التنازلات والتي لم تكن تحصل حتى في ظل الأنظمة السابقة التي سقطت وتداعت بفعل حركة هذه الشعوب. ولذلك، علينا في لبنان وفلسطين وكل مكان أن نقف مع أولئك الذين أصروا على شعار: فلسطين عربية إسلامية من النهر إلى البحر.

وبالنسبة إلى مخطوفي أعزاز، فإننا في الوقت الذي نقدر الجهود التي تُبذل من الدولة اللبنانية لإطلاق سراحهم، ندعو كل المؤثرين في هذه القضية إلى التدخل لمعالجتها، وعدم إبقاء هذا الجرح الإنساني رهينة اللعبة السياسية أو مطالب لا علاقة للمخطوفين بها…

أيها المسؤولون، إن المنطقة من حولنا تضجّ بالأحداث، وإن الفوضى السياسية والأمنية توشك أن تقترب من ساحاتنا الداخلية، وخصوصاً مع كل المواقف الانفعالية الصادرة من هنا وهناك.. وبالتالي، لا مجال للجميع إلا الإسراع في استغلال الفرصة الراهنة، وإيجاد الحلول اللازمة، قبل أن تسقط هذه الفرصة من جديد، ونعود إلى دوامة الفوضى والفراغ واللااستقرار…

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :23 جمادى  الثانية 1434هـ الموافق :3ايار 2013م
 

 

Leave A Reply