مواقفُ رساليّةٌ من حياةِ الإمامِ الصَّادقِ (ع)

العلامة السيد علي فضل الله خطبة العيد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}. صدق الله العظيم.

من القربى الّذين أمر الله سبحانه بالاقتداء بهديهم وبمودَّتهم، الإمام السادس من أئمَّة أهل البيت (ع)، جعفر بن محمد الصادق (ع)، هذا الإمام (ع) الذي مرَّت علينا ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر شوَّال، وهو الّذي عرف بالعبادة والعلم والحلم والسَّخاء والكرم ومكارم الأخلاق وبانفتاحه وحواريته.

وقد ساهم الظرف الذي عاشه هذا الإمام (ع) في امتلاكه حريّة نشر علوم أهل البيت (ع) وأحاديثهم، حتى بات مذهب أهل البيت (ع) ينسب إليه، فيقال عنه المذهب الجعفري، فهو عاصر مرحلة أفول الحكم الأموي وبداية الحكم العباسي، ما جعل الحكام الأمويين والعباسيين في شغل عنه؛ الأمويون يريدون إنقاذ حكمهم، والعباسيون يريدون تثبيته.

وقد أشار الشيخ المفيد، وهو من كبار العلماء السابقين، إلى أهمية الدور العلمي للإمام، فقال: "لقد نقل عن الإمام الصادق (ع) من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر ذكره في البلدان، ولم ينقل عن غيره من أئمّة أهل البيت (ع)".

مقصدُ طالبي العِلْمِ

وهذا ما جعله مقصداً لطالبي العلم الذين كانوا يفدون إليه من شتى الأقطار، وحتى ممن يختلفون معه في المذهب.

فقد ورد في سيرته (ع) أنه تتلمذ على يديه أبرز أئمة المذاهب الإسلامية، وفي ذلك ما ورد عن أبي حنيفة النعمان: "لولا السنتان لهلك النعمان"، وهما السنتان اللتان تتلمذ فيهما على يد الإمام (ع).

وقول الإمام مالك بن أنس إمام المذهب المالكي: "ما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادة وورعاً".

وقد نقل أحد الرواة، وهو الحسن بن علي الوشاء، أنه دخل مسجد الكوفة، وبعد وفاة الإمام الصادق (ع) بعشرين سنة، فوجد فيها تسعماية شيخ، أي عالم، كلهم يقولون: حدثني جعفر بن محمد الصادق (ع).

ونحن اليوم سنستفيد من هذه الذكرى لنشير إلى بعض مواقف هذا الإمام (ع):

الرِّبحُ الحرامُ!

الموقف الأوَّل: حصل حين دعا إليه يوماً أحد عمّاله، واسمه "مصادف"، وقال له: إنّ عيالي قد كثروا، وأحتاج إلى مال لتدبّر شؤون معيشتهم، وطلب من مصادف أن يتجهَّز للخروج مع قافلة من التجّار إلى مصر، وأعطاه ألف دينار يستعين بها في تجارته مع هؤلاء.

وفي الطريق، التقى مصادف والتجّار الذين معه بقافلة خرجت للتوّ من مصر تريد العودة إلى بلدها، بعدما أنهوا أعمالهم، فسألوهم عن حال السّوق ومدى حاجة الناس إلى البضاعة الّتي جاؤوا بها، فقالوا لهم ليس بمصر منها شيء، والنّاس هم بأمسّ الحاجة إليها. عندها اتّفق التجّار، ومعهم "مصادف"، على أن يستفيدوا من فقدان هذه البضاعة في مصر، وأن يضاعفوا الرّبح من خلال مضاعفة الثّمن الذي يبيعون به، وهذا ما حصل.

فلما عادوا، دخل "مصادف" إلى الإمام الصّادق (ع)، وهو يعتقد أن الإمام (ع) سيسرّ بهذا الربح الوفير، لكنَّ الإمام (ع) قال مستغرباً: ما أظنّ أنّ البضاعة التي بعتها تؤدّي إلى هذا الرّبح. فأخبره "مصادف" بما جرى، وكيف تواطأ مع باقي التجّار ليحصلوا على هذا الرّبح.

هنا، غضب الإمام (ع) غضباً شديداً، وقال لمصادف: تتحالفون على قوم مسلمين ألّا تبيعوهم إلّا بربح دينار بدينار؟ لا والله لا آخذ هذا الربّح، سآخذ الكيس الذي فيه رأس مالي، أمّا الكيس الآخر، فأرجعه إلى من أخذته منه، فأنا لا آكل مالاً بالباطل وهو على حساب الآخرين، ثم قال: "مُجَالَدَةُ السُّيُوفِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ الْحَلالِ".

لقد أراد الإمام (ع) من خلال موقفه هذا، أن يبيّن لكلّ من يريد أن يعمل في التّجارة، أو يسعى إلى أيّ كسب مادّيّ، أن لا يتجرد من المشاعر الإنسانيَّة والقيم الأخلاقيَّة التي لا بد أن تكون حاضرة في التجارة، كما في كل شأن من شؤون الحياة، فالتاجر أو كلّ من يريد أن يكسب مالاً، من حقه أن يربح أو أن يحصل على فائدة من وراء عمله، لكنّه لا بدّ لهذا الربح من أن لا يكون فاحشاً ويتجاوز الحدّ الطبيعي والمتوازن، وسبباً للإضرار بمن يحتاجون إلى بضاعته أو إلى ما عنده من خدمة أو عمل.

وقد حذَّر القرآن الكريم من هذه الحالة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.

وورد عن رسول الله (ص): "رحم الله عبداً سمحاُ إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى".

رفضُ الاتّهامِ على الظنّ

الموقف الثاني: كان للإمام الصادق (ع) صديق لا يكاد يفارقه، هذا الصديق غضب يوماً على أحد عمّاله، وقال: يا بن الفاعلة؟ وفي ذلك إشارة منه إلى أنّ أمّه ارتكبت فاحشة الزنا.. فلما سمعه الإمام (ع)، رفع يده فصكّ بها جبهته، ثم قال: "سبحان الله! تقذف أمَّه، قد كنت أرى أنَّ لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع"، قال: جعلت فداك، إنَّ أمَّه سنديَّة مشركة، فقال: "أما علمت أنَّ لكلّ أمَّة نكاحاً، يحتجزون به من الزّنا؟!".

يقول راوي الحديث: فما رأيته يمشي معه حتى فرَّق الموت بينهما… أي أنّ الإمام قاطعه بعد هذا الموقف.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال موقفه هذا، أن يشير إلى خطورة اتهام إنسان في عرضه أو في كرامته، أو تحميله صفة هو بريء منها أو بعمل لم يقم به.

فلم يجز الإسلام أن يُنعَتَ إنسان، أياً كان دينه أو مذهبه أو موقفه السياسيّ، بأيّ صفة، أو يتَّهم بالقيام بعمل ما قبل أن يتمَّ التثبت منه، وبالصورة التي أشار إليها رسول الله (ص)، عندما قال رداً على سؤال أحدهم حول الشّهادة: "ترى الشّمس؟"، أجاب، نعم، فقال (ص): "على مثل هذه فاشهد أو دع"، فلا تبنى الأحكام، كما غالباً، على الظنّ أو على أني سمعت أو هكذا قيل لي.

وهو ما نهى عنه الله سبحانه عندما قال: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}.

أولويّةُ الإصلاحُ بينَ الإخوة

الموقف الثالث: حصل عندما مرَّ المفضل بن عمرو، وهو أحد أصحاب الإمام الصادق (ع)، على رجلين يتشاجران، فوقف عندهما لمعرفة سبب الخلاف، فلما علم أنَّ سبب الخلاف هو على ميراث لهما من أبيهما، دعاهما إلى منزله، وأعطاهما ما كانا قد اختلفا عليه، وكان المبلغ كبيراً، فشكراه على ذلك، لكنّ المفضل سارع إلى أن يقول لهما: إنّ ما فعلته ليس من مالي، بل هو مال أودعه عندي الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، فهو قال لي: هذا المال دعه عندك، فإن رأيت خلافاً بين أصحابنا في شيء وكان حلّه بالمال، فابذل من هذا المال للإصلاح بينهم.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال ذلك أن يبين الصورة التي يريد لشيعته أن يكونوا عليها، هو يريدهم أن يكونوا مصلحين، وأن يسارعوا إلى إطفاء أيّ خلاف يحدث بين الإخوة داخل البيوت أو في الأحياء وداخل القرى، سواء كان مذهبياً أو دينياً أو سياسياً، ولو اقتضى ذلك أن يبذل الرجل ماله أو جهده وهو واجب عليه، وهو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

وقال: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.

وقد ورد عن رسول الله (ص): "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصَّلاة والصِّيام والصَّدقة؟!… إصلاح ذات البين، فإنَّ فساد ذات البين هي الحالقة".

وفي الحديث: "صدقة يحبّها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا".

الاقتداءُ بالإمام (ع)

أيُّها الأحبَّة: هذه المواقف هي بعض من سيرة الإمام الصادق (ع)، والتي أظهرت لنا مدى إنسانيَّة هذا الإمام وحرصه على أن لا يُتَّهم إنسان بالباطل مهما كان موقعه، وعلى معالجة الخلافات التي تحدث داخل المجتمع وعدم تركها تتفاعل.

إننا مدعوون في ذكرى وفاة هذا الإمام إلى الأخذ بهذه المعاني في واقعنا ومجتمعنا، والتي بها نعبِّر عن حقيقة حبّنا وولائنا لهذا الإمام وعن التزامنا بها.

لقد غادر الإمام الصادق (ع) الحياة وعينه على شيعته، يريد منهم أن يكونوا أينما حلّوا، وحيثما كانوا، علامة فارقة وشامة بين الناس وقدوة لهم، ولذا كان يقول: "أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ (ع) فيكون زينها، أدَّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تُسأل العشيرة عنه، ويقولون: من مثل فلان؟ إِنّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث".

فلنكن على مستوى آمال هذا الإمام (ع)، والتي هي آمال رسول الله (ص)، وما يريده الله سبحانه، والتي بها نعبر عن حقيقة ولائنا لله ولرسوله ولأهل البيت (ع).

ولنتوجَّه بتحايانا إليه قائلين: السَّلام عليك يوم ولدت ويوم انتقلت إلى رحاب الله ويوم تبعث حياً.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام جعفر الصادق (ع) لأحد أصحابه، وهو عبد الله بن جندب، حين قال:

"يا بْنَ جُنْدَبٍ، حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنَا أَنْ يَعْرِضَ عَمَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَكُونَ مُحَاسِبَ نَفْسِهِ، فَإِنْ رَأَى حَسَنَةً اسْتَزَادَ مِنْهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ.

يَا بْنَ جُنْدَبٍ، الْمَاشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَالسَّاعِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَاضِي حَاجَتِهِ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ.

يَا بْنَ جُنْدَبٍ، بَلِّغْ مَعَاشِرَ شِيعَتِنَا وَقُلْ لَهُمْ لَا تَذْهَبَنَّ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، فَوَاللهِ لَا تُنَالُ وَلَايَتُنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الدُّنْيَا، وَمُوَاسَاةِ الْإِخْوَانِ فِي اللهِ، وَلَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ يَظْلِمُ النَّاسَ.

يَا بْنَ جُنْدَبٍ، صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَسَلِّمْ عَلَى مَنْ سَبَّكَ، وَأَنْصِفْ مَنْ خَاصَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ كَمَا أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يُعْفَى عَنْكَ، فَاعْتَبِرْ بِعَفْوِ اللهِ عَنْكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَمْسَهُ أَشْرَقَتْ عَلَى الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَأَنَّ مَطَرَهُ يَنْزِلُ عَلَى الصَّالِحِينَ وَالْخَاطِئِينَ؟!".

فلنستوص بوصايا هذا الإمام، والتي بها نعبِّر عن صدق ولائنا له، ولنكون أفضل وأكثر حضوراً في المجتمع الذي نعيش فيه، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.

حمايةُ إنجازِ التَّحرير

والبداية من المناسبة العزيزة التي مرّت على اللبنانيين، وهي عيد المقاومة والتحرير في ذكراها الثانية والعشرين.

هذا العيد الذي يأتي كل سنة ليذكّر اللبنانيين بالإنجاز الكبير الذي تحقّق لهم، وبالقوة التي بلغوها، عندما استطاعوا هزيمة أعتى قوّة في المنطقة، والجيش الذي لطالما رسم في الأذهان الصورة الوهمية بأنه جيش لا يقهر، لينعم بعدها كل اللبنانيين بنسائم الحرية، والشعور بالعزة، والإحساس بكرامة الانتماء إلى وطن لم يستجد أحداً حتى يحصل على أمنه واستقراره وحريته، بل جاء بكدّ أيدي أبنائه.

إنّ على اللبنانيين أن يشعروا بالفخر والاعتزاز بأنّ هناك في هذا الوطن من لم يديروا ظهورهم للعدوّ الّذي احتلّ أرضهم، والطامع بمياههم وثرواتهم، وكانوا في ذلك واعين إلى أنّ هذا العدوّ لن يخرج بقرارات دوليّة، ولا بتوسل الدول الكبرى الراعية له، ولا بتقليب كفّ على كفّ، بل كما كان يريد، بالاستسلام لشروطه المذلة.

إننا في يوم المقاومة والتحرير، نحيّي كلّ من قدموا لأجل هذا الوطن الغالي والنفيس، ولا يزالون حاضرين في ساحة المواجهة، وهم على استعداد لأن يقدموا المزيد. ونستذكر في هذه المناسبة الشّهداء الذين ضحّوا بأنفسهم، ولم يبخلوا على وطنهم بأغلى ما عندهم، والجرحى الذي عانوا، ومنهم لا يزال يعانون الجراح، والذين اكتووا بنار الأسر، وكلّ الذين كانوا سنداً للمقاومين بتوجهيهم وكلماتهم ودعائهم وبأموالهم، ومن كانوا كهفاً حصيناً لهم، وكل الذين صبروا وتحمّلوا ضيم الاحتلال وظلمه وغطرسته ولم يذلّوا أنفسهم له.

إننا ندعو اللبنانيين إلى أن يحفظوا هذا التاريخ جيداً؛ أن لا ينسوه ولا يمحوه من ذاكرتهم، وأن لا يسمحوا لأحد بأن يشوه صورته لحسابات ضيقة، أو يحمّله أوزاراً ليس مسؤولاً عنها، أو اتهامات هو بريء منها.

إن الأمَّة الواعية هي التي تعتزّ بمن حرّروا أرضها، وترفعهم على الأكفّ، وتحفظ لهم جميلهم، وتردّ عنهم كلّ من يريد بهم سوءاً، ولا تقف عند ذلك، بل تحميه وتراكم عليه ولا تطعن فيه، ولا سيما في مواجهة عدوّ لا يزال يتربص بهذا البلد براً وبحراً وجواً، ويتهدَّد ثرواته، في وقت يجري المناورات على حدوده استعداداً لعدوان قادم.

إننا نعي جيداً هواجس بعض اللبنانيين ولا نتنكّر لها، من أن يتحوّل سلاح المقاومة إلى غير وجهته، أو أن يخلّ بالتوازن في هذا البلد، ولكن معالجتها لا تتمّ عن طريق الدعوة إلى إفقاد لبنان قوّة ومنعة أثبتت جدارتها وقدرتها على حماية البلد، وشكلت توازن ردع مع العدو، بقدر ما تتم عن طريق حوار ندعو إليه، ونراه إن حصل بروحيّة الحرص على سيادة هذا الوطن وحمايته، يساهم في إزالة هذه الهواجس.

هل ينهارُ البلد؟!

ونبقى على الصعيد المعيشي والحياتي الذي بلغ حدّاً لا طاقة للبنانيين على تحمّله، بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، والذي بات بلا ضوابط، والتصاعد المستمرّ في أسعار المحروقات والغاز ورغيف الخبز والتّكاليف الباهظة لتوفير الكهرباء والدواء، وما بات يهدّد قدرة القطاع الاستشفائي، في وقت يستمرّ الانسداد السياسيّ، بعد تحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، من دون أن يتوفر لها إمكانات تؤهّلها للقيام بالتخفيف من حدّة هذه الأزمة، فيما تستمرّ التجاذبات على صعيد انتخاب رئيس المجلس النيابي وهيئة المجلس، والخوف من عدم الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تقوم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها لإنقاذ البلد.

ونحن في الوقت الذي نتساءل عن الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع في الأسعار وما الذي يراد منه، فإننا ندعو إلى ضرورة معالجتها، والإسراع في إنجاز الاستحقاقات القادمة، وإزالة أي عراقيل سياسية أو غير سياسية من أمامها، فالمرحلة لا تتحمل الفراغ، وليست مرحلة ليّ الأذرع أو عضّ الأصابع، أو مرحلة مناكفات وصراعات وتسجيل نقاط، بقدر ما هي مرحلة إنقاذ شعب لم يعد قادراً على التحمل، وبلد يتداعى وينهار، ولن تقف تداعيات ما يحصل على الصعيد الاجتماعيّ، بل ستتعدّى ذلك إلى الأمن الذي يخشى من اضطرابه وفقدانه.

تحذيرٌ للعدوِّ

وأخيراً، إننا نحيِّي مجدَّداً الشعب الفلسطيني على تصدّيه للاحتلال الصهيوني، ونحذر العدو من تداعيات استمراره بالعبث بالمسجد الأقصى، وفرض أمر واقع له فيه كما يسعى، وندعو في ذلك إلى وقفة عربية وإسلامية مع الشعب الفلسطيني وقواه تكون بمستوى هذا الحدث، لمنع هذا العدوّ من الاستمرار بجرائمه في حقّ المسجد الأقصى وكلّ الأماكن المقدَّسة في القدس، وفي سلب حقوق الشعب الفلسطيني.