قصة أصحاب الكهف: دورس وعبر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

{أمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}

 

  هذه الآيات القرآنية وآيات أخرى تلتها تشير إلى احدى القصص القرآنية وهي قصة أصحاب الكهف، ولأهمية هذه القصة ودلالاتها، سميت هذه السورة بسورة الكهف.

  أحداث القصة جرت في مدينة لم يذكر القرآن اسمها كما لم يذكر زمان حصولها وهذا اسلوب اعتدناه في كل القصص القرآنية التي لم تتحدث عن الأزمنة والأمكنة، لأن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتربية وهو يأخذ من التاريخ ما فيه من عبر ودلالات: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} وهذه القصة كما أوردها القرآن تتحدث عن فتية، لم يكونوا رسلاً ولا أنبياء وانما كانوا مؤمنين واعين ومخلصين، عاكسوا تيار الشرك الذي كان عليه قومهم وراحوا يدعون إلى عبادة الإله الواحد الأحد. وإلى هذا يشير الله: {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا*هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}

 

وقد وصل الظلم والاضطهاد لهؤلاء أن أغضبت دعوتهم إلى التوحيد ملك المدينة فأمر باعتقالهم ورجمهم، و هذا ما دفعهم الى تركها فراراً بدينهم وأن يلجؤوا الى كهف، يملكون فيه حرية العبادة وفيه يخططون لمتابعة دعوتهم.

ولم يزعجهم في الكهف جفافه و ظلمته و برده ما دام كل ذلك في سبيل الله، واكتفوا بأن توجهوا إلى الله قائلين: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} فكان من رحمة الله ومن حكمته أن أنامهم.. وعبر عن ذلك بقوله: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} فقد نام أصحاب الكهف ثلاثمئة وتسع سنوات، وهذا النوم الطويل هو أشبه بالموت، ثم استيقظوا إذ يخبرنا القرآن الكريم {وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} وكانت المفاجأة بانتظارهم، فقد وجدوا المدينة التي تركوها قد تغيرت ببيوتها وعمرانها والأهمّ أن أهلها وحتى ملكها باتوا مؤمنين بوحدانية الله. وليتبين لهم ان التضحيات التي بذلوها في الدعوة إلى الله الواحد قد أثمرت وأنتجت، فبعد مغادرتهم المدينة انتشرت قصتهم، وتفاعل الناس مع رسالتهم حتى عم الإيمان المدينة كلها وتغيرت أحوالها.

 

أيها الأحبة

 هذه قصة قد تبدو عجيبة بأحداثها وقد يناقش البعض في تفاصيلها ولكنها في الواقع ليست عجيبة على مقياس الحكمة والقدرة الإلهية، وهي تحمل الكثير من الدلالات التي سنتوقف عند  ثلاث منها:

 

الدلالة الأولى: لقد أكدت هذه القصة مدى التكريم الإلهي الذي يحظى به عباده المهتدون بهديه، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في آية من آيات سورة الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وفي مكان آخر يقول: {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ} (أي أن الله قوّى قلوبهم وثبتها)، وفي آية ثالثة: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}، وقد بلغ هذا التكريم حدّه الأعلى عندما أنام هؤلاء الفتية سنوات طويلة ثم أفاقهم ليريهم بعد ذلك نتاج جهودهم وتضحياتهم من الدعوة إلى الله.. ويكونوا للناس عبرة.

 

   وهنا نشير إلى أمر قد يغفل عنه بعض الناس، حيث يحسبون أن جهودهم وتضحياتهم التي يبذلونها قد ذهبت سدى لأنهم لا يرون النتائج أمامهم، والواقع أن السعي والتضحيات تُبذر، كالبذور التي تزرع، والتي قد يطول زمن سباتها لكنها تعود فتنبت وتثمر {…إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

 

هؤلاء الفتية زرعوا في أفئدة الناس مواقف التضحية والصبر والصمود وكان لهم الأثر الأكبر في النفوس، وقد يكون لمثل هذه  التجارب مفعول كبير في توعية وإيقاظ المجتمعات ما يتجاوز بأضعاف فعل الكلمات والمدى الزمني للأحداث.

 فعندما تحضر أمام الإنسان أو الجماعة قضية حق مجبولة بالأثر العاطفي للتضحية، فإنها تصل إلى العقل كما إلى القلب، ومثل هذه التضحيات هي المفتاح الذي يؤدي لتفاعل الانسان معها وتتحول إلى موقف يتخذه الأفراد والمجتمعات. ومن هنا كانت تضحية أصحاب الكهف بأن هجروا ديارهم وتخلوا عن حياة الرفاهية التي كانوا يعيشون في كنفها، واختيارهم الهجرة الى المجهول قبل العثور عليهم في الكهف، كان له الأثر الأكبر في تخليد ذكراهم لأجيال متتابعة عند قومهم، رغم أن تأثيرهم المباشر في واقعهم كان محدودا.

 

الدلالة الثانية: هذه القصة كما هو عموم القصص القرآني، بليغة موجزة وبالتالي عندما يفصّل الله سبحانه وتعالى في أي جانب من جوانبها فإن في ذلك مدعاة للتدبر، كقوله تعالى لتبيان الآلية التي من خلالها حفظت أجساد "النوام السبعة" {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} أي تدخل الكهف وتميل عنهم ولا تقع عليهم مباشرة حفظاً لأجسادهم {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} حتى لا تنعقر جنوبهم (كما يفعلون اليوم في المستشفيات) {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} فالكلب ميّت ولكنه متخذ وضعية التأهب لحمايتهم.

 

والتأمل في هذه الأيات يهدي إلى السنن الإلهية التي أجراها الله في هذا العالم والتي هي تبع للأسباب الطبيعية والتي من خلالها يرزق الله ويهدي وينصر ويغير ما بقوم. فقدرة الله سبحانه وتعالى لا تقف عند حد، وهو القادر أن يحيي ويميت بكلمة من لدنه وفي آيات عديدة يبين الله أن على الإنسان، كما على الجماعة، إن أرادت العون منه سبحانه أن تأخذ بالأسباب التي يسخرها الله لعباده، لا أن يضرب الإنسان كفا بكف وينتظر من دون سعي ويشقى أن يأتيه العون والفرج.

 

والدلالة الثالثة والاخيرة:  هي الدعوة الى عدم الجدال او الحديث عن الأمور التي لا فائدة منها فكرياً او عقيدياً او عملياً، مما اعتاد الناس الدخول فيه، ولذلك نجد الله في هذه القصة يدعو إلى الكف عن الجدال في اعداد هؤلاء، فماذا ينفع الناس لو عرفوا مثلا عدد أصحاب الكهف، يكفي أن يعرفوا قصتهم و يستلهموا منها عبر التضحية والثبات في سبيل الله ولهذا يقول تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم…} أي اتركوا الأمر ولا تشغلوا أنفسكم.

و في نفس هذا الإطار نلفت إلى أنه من الإشكاليات التي قد تطرح على بعض تفاسير القرآن هي القابلية إلى ملء الفراغات في القصص القراني بما يتعارض أساساً مع النص نفسه {نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} فيتم الإستعانة بأخبار أو تفاصيل لا تصمد أمام التحقيق العلمي من ناحية أو أمام الدقة في المصادر التاريخية أو كونها استندت إلى الإسرائيليات في سردياتها، وهذا ما قد يستغله البعض للإساءة أو لوضع علامات إستفهام حول صحة ما ورد في القصص القرآني ويُشكِل على القرآن بسبب مضامين مفسريه. والقرآن من ذلك براء {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

 

اي ان اكساء وملء فراغات هيكل القصص القرآني ليس مطلوباً (وإن كان الدافع لذلك هو المزيد من الشرح والتوضيح) لأنه يُخشى أن الزيادات والحيثيات حول الأمكنة والأسماء ومرات الاسباب والأقوال  أن لا تصمد فيما بعد أمام النقد العلمي أو الاكتشافات أو روايات أخرى وخاصة كما ذكرنا  لحاظ الاسرائيليات في هذه الزوايد التي تحتاج للكثير من التحقيق.

 

 أيها الأحبة، هذا بعض من غيض هذه القصة قصة أصحاب الكهف  وقد نحتاج ان نعود إليها مرة أخرى للوقوف على المزيد من عبرها ودروسها

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي صمّام الأمان من الزلل والانحراف، وقد جعلها الله مفتاحاً للفرج، وعوناً على المصاعب والتّحديات.

لقد أقفل الأسبوع الماضي على أصداء العمليّة النّوعيّة الَّتي جرت في مزارع شبعا، والَّتي أظهرت مدى القوّة والعزيمة والإرادة التي تمتلكها هذه الأمّة، وأثبت أنَّها قادرة، إن وحّدت جهودها وطاقاتها، ووجَّهت بوصلتها تجاه هذا العدوّ، على دحره ومنعه من امتلاك حريّته في العبث بالأمن والمقدّسات، رغم معرفتنا بحجم الصّعوبات والتّضحيات.

فهذا العدوّ يستفيد دائماً من تشتّتنا، ومن تضييع البعض منا للبوصلة، ومن الّذين يصرّون على نقل المعارك إلى داخل هذه الأمّة، ويوجّهون العداء إلى هذا المذهب أو ذاك، أو هذا الدّين أو ذاك، أو هذا البلد أو ذاك، أو هذه القوميّة أو تلك، بدلاً من العداء لعدوّها الأساس، بحيث يُترك العدوّ يتغطرس ويتجبّر، بل قد يسعى البعض إلى الاستقواء به ومداهنته.

 

وقد تكون الخطورة أكبر عندما يستعير البعض العنوان الإسلاميّ والشّعارات والفتاوى الإسلاميّة، بحيث يستبيح الدّماء والبلدان، ويعبث بالأمن والاستقرار، ويهدّد كلّ مواقع القوّة الموجودة في أكثر من بلد، تحت هذه العناوين، وهذا الّذي نعانيه في هذه المرحلة، فيما بات يُسمى بالمنطق التكفيريّ، الَّذي يعبَّر عنه بأكثر من مجموعة.

إنّ هذا المنطق هو ما يتهدّد لبنان في أمنه، سواء في الداخل أو في حدوده الشّرقيّة، وقد بات الخطر الأساس في سوريا والعراق واليمن وليبيا، كما أنه يستنزف الجيش المصريّ في سيناء، ويفجِّر المساجد في باكستان، كما حدث في صلاة الجمعة الفائتة، ويتفنّن في قتل الأسير دون مراعاة لأخلاقية التعامل معه، كما حدث للطّيار الأردني، ويستبيح الزائرين اللبنانيين في دمشق، والقائمة تطول.

 

إنَّ هذا الواقع الخطير الَّذي لم تعد تقف حدوده عند ما يتعرَّض له الحجر والبشر، وما يُستتبع من استنزاف للقدرات وللقوة، بات يسيء إلى صورة العالم العربيّ والإسلاميّ، وإلى قيم الإسلام ونصاعتها وإشراقتها، حتى باتت أفعال هؤلاء تشكّل حاجزاً يمنع من وصول الإسلام إلى عقول الآخرين، ويهدّد انتشاره.

ومن هنا، نحن بحاجة إلى استنفار كلّ الجهود، وبذل كلّ الطاقات، لمواجهة هذه الظّاهرة، لتوازي حجم الأخطار الّتي تنتجها، فلا ينبغي الاقتصار فيها على المعالجة الأمنيّة، بل قد تؤدّي هذه المعالجة وحدها إلى تقوية حضورها، بحيث تبدو في وجدان الكثيرين أنها مظلومة، ولا سيَّما إذا كانت الحرب تتحرك تحت عنوان دوليّ، كما يحصل في التّحالف الدّوليّ، لذلك، لا بدَّ من أن يواكب الجهد الأمنيّ بجهد فكريّ، فهذه الجهات تتغذّى على أفكار ومدارس فكريّة، لا بدَّ من إظهار تهافتها، وعدم ثبوتها أمام النقد. وهنا، دعونا ولا نزال ندعو إلى ضرورة تنقية الكتب من كلّ ما يستفيد منه هذا المنطق، في تكفيره وإجرامه.

 

ويبقى الأساس هو الحاضنة الَّتي تؤمّن لهؤلاء الإمكانات الماليّة والدَّعم السّياسيّ والأمنيّ، وأن لا يكون هناك إرهاب مقبول، لأنه ابن ستّ، وآخر غير مقبول، لأنه ابن جارية، ويُصفَّق لإرهاب يتعرَّض لمذهب معيّن أو بلد، فيما يندّد به عندما يتعرّض لمذهب آخر، أو دين آخر، أو بلد آخر..

لذلك، نقول لمن يواجهون الإرهاب: إنّ هذا الإرهاب لا بدَّ من أن يواجه بالجملة، وإلا كما رأينا في الواقع، سينعكس في النهاية على الَّذين غضّوا النظر عنه، أو صفَّقوا له، أو أيّدوه. والحاضنة الأساس لهذا الإرهاب، تبقى في هذه المرحلة متمثلةً بالتّوتّر والانقسام والخلاف الحادّ.. ومن هنا، نرى أنّ مواجهة هذا الإرهاب، تكون بالعمل على تبريد السّاحات الدّاخليّة، وإزالة التّوتّر والتّشنّج من داخلها، فقد كان ذلك كلّه بمثابة الرئة الّتي يتنفس منها.. فلا يمكن للمواجهة أن تثمر في ظلّ هذا التوتر الّذي يعبث بالسّاحات المختلفة.

 

ومن هنا، تدعو الحاجة إلى تعزيز لغة الحوار والتواصل، ومدّ الجسور، وقبول الآخر، لتكون بديلاً من لغة التقاطع والتراشق بالكلمات الحادّة والسّباب واللعن.. ونحن عندما ندعو إلى حوار، فلا ندعو إلى أيّ حوار، بل إلى الحوار الجادّ والموضوعي الهادف الّذي يؤدي إلى نتائج، لا حوار الشّكليات.

وفي الوقت الّذي نبارك اليقظة التي يعيشها العالم العربيّ في مواجهة هذا الاتجاه الإرهابي التكفيري، نستغرب أن يكون من في هذا العالم قد استيقظ الآن، والتفت إلى خطورته، بعدما أمعن في بلادنا في السّابق خراباً وتفتيتاً، حتى بات علاجه صعباً.

ونحن في لبنان، وانطلاقاً من الحرص على مواجهة هذا المنطق التكفيري الَّذي بات يتهدّدنا، نؤكّد أهمية الحوار الجاري، وندعو إلى تثبيته، وإلى أن يتوسّع ليشمل مواقع أخرى، فلا يمكن مواجهة هذا التحدّي بالترهّل والانقسام والضّعف الداخليّ..

 

ونحن هنا، نثمّن القرارات الّتي اتخذت، والّتي عبّرت عن جدّيتها مسارعة الجميع إلى البدء بتنفيذها قبل ساعة الصّفر التي حُدِّدت، وذلك بإزالة الشّعارات واللوحات الحزبيّة، والتوافق على ذلك، وكلٌّ في موقعه، وبالتعاون مع الدولة، ومواجهة عادة إطلاق الرصاص الّتي باتت تلازم إطلالة المسؤولين، والَّتي لم تعد تداعياتها الخطيرة تقف عند حدود ملاحقة الرصاص الطائش للناس في بيوتهم، أو سياراتهم، أو في الشوارع، والّتي تصيب منهم مقتلاً أو جرحاً أو رعباً، بل باتت تساهم في استفزاز الآخر في الموقع السّياسيّ أو المذهبيّ أو الدّينيّ، وهي قد تفسح المجال للعابثين بأمن البلد، ليسعِّروا الفتنة، أو يدخلوا من خلالها..

 

إنَّ هاتين الخطوتين، رغم رمزيّتهما، لهما الكثير من الأهميّة إن استتبعتا بالكفّ عن التصريحات الحادّة، كالتي أطلقت في الأيام السّابقة، بعد ردّ المقاومة في مزارع شبعا..

إنّنا نعيد التشديد على ضرورة اتّساع هذا الحوار وغيره، ليشمل كلّ القضايا الّتي يعانيها المواطن، سواء السياسيّة أو الأمنيّة أو المعيشيّة، ونريد لهذا الحوار أن يدخل كلّ ساحات العالم الإسلاميّ، حتى لا نعيش الإحباط، ونخضع لسياسة التّقسيم النفسيّ الّذي يمهّد للتّقسيم الواقعي.
 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :  16 ربيع الثاني 1436هـ الموافق : 6 شباط 2015م

 

Leave A Reply