قضاء الحاجات قيمة رسَّخها القرآن

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}. صدق الله العظيم.

 

قيمة رسَّخها القرآن

يحدّثنا القرآن الكريم في هذه الآيات الكريمة، عن قيمة ضروريّة يريد الله لها أن تترسّخ في الحياة، وهي الإسراع بالسعي إلى مدّ يد العون للناس، ومساعدتهم وقضاء حوائجهم، والتخفيف من معاناتهم، ومن دون تمييز.

وقد اعتبرت الآيات هذه القيمة تعبيراً عمليّاً عن الإيمان بالله واليوم الآخر؛ وفي ذلك، ورد في الحديث: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"، "ليس منّا من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم".

فالطَّاقات والإمكانات الّتي يمتلكها الإنسان، سواء كانت مالاً أو خبرة أو رأياً أو علاقات أو نصيحة، لا يحقّ له، وبصرف النظر عن حجمها، أن يبخل بها على أحد؛ مادام هناك من يحتاج إليها. فطاقة أيّ إنسان ليست ملكاً له وحده، بل للآخرين فيها نصيب، هو استفاد من الآخرين للحصول عليها، وعليه أن يفيدهم بها، وسيسأله الله عن ذلك: {ثمّ لتُسأَلنَ يومئذٍ عن النّعيم}[التّكاثر: 8].

وقد ورد في الحديث: "إنَّ الله لم ينعم على عبدٍ بنعمةٍ، إلا وقد ألزمهُ فيها الحجَّة من قبله، فمن منَّ الله عليه فجعله قويّاً، فحجّته عليه القيام بما كلّفه، واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه، ومن منَّ الله عليه فجعله موسَّعاً عليه، فحجّته ماله، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء بنوافله، ومن منَّ الله عليه فجعله شريفاً في نسبه، جميلاً في صورته، فحجّته عليه أن يحمد الله على ذلك، وألا يتطاول على غيره، فيمنع حقوق الضّعفاء لحال شرفه وجماله".

وللأسف، يتأفّف البعض من سؤال النّاس وطلباتهم منه، ويراها منّةً يمنّن بها عليهم، وهو لا يعلم أنّه يقوم بواجبه، وأنّه سيُسأل عن كلِّ سائل كان بالإمكان أن يساعده في ما يملك، والحديث الشَّريف يقول: "لا تردّ سائلاً ولو من شطر حبَّة عنب أو شقّ تمرة".

وقد أخبرنا الإمام عليّ (ع) عن رسول (ص)، وهو الأعرف به، أنّه: "ما سُئِل رسول الله شيئاً فقال لا، وما ردَّ سائلاً عن حاجةٍ إلا أتاه بها".

تكريم السّائل واحترامه

وقد حرص رسول الله (ص) على تأكيد هذه السّيرة، حتّى مع الخوف من كذب السَّائل وعدم صدقه. ولذا، عندما جاء رجل إلى رسول الله (ص)، قال له: أفي المال حقّ سوى الزَّكاة؟ قال: "نعم، على المسلم أن يطعم الجائع إذا سأله، ويكسو العاري إذا سأله". فقال له الرَّجل: إنَّه يخاف أن يكون كاذباً، فقال له الرَّسول (ص): "أفلا يخاف صدقه؟".

بل أكثر من ذلك، هو اعتبر أن لا بدّ لقاضي الحاجة من أن يشعر بتكريم السَّائل له عندما يسأله، لأنَّه بذلك جعله يحصل على كلِّ البركات الّتي تنتج من قضاء حوائج النَّاس في الدّنيا وفي الآخرة، وقد ورد في الحديث: "من نعم الله عليكم، حاجة النّاس إليكم". وقد كان الإمام زين العابدين (ع) يستبشر عندما يأتيه طالب حاجة، ويقول: "جاء من يحمل لي زادي إلى يوم القيامة".

المبادرة إلى المساعدة

ولم يكتف الإسلام بدعوة الإنسان إلى قضاء حوائج النّاس ومساعدتهم إذا ما سألوا ذلك، بل دعاه إلى أن يبادر إلى التفتيش عنهم. البعض يقال له ساعد فلاناً، فيقول لم يسألني، فكيف أعطيه؟! فالقيمة ليست في أن تساعد فقط من يدقّ بابك أو هاتفك ـ مع أهميَّة ذلك ـ إنَّما في أن تساعد من لا يدقّ الباب أو الهاتف. فهناك من الناس من لا يتحمَّل ذلَّ السّؤال أو بذل ماء الوجه. هؤلاء الصّامتون الّذين تصدق فيهم الآية الكريمة: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافً}[البقرة: 273].

هؤلاء يحتاجون إلى من يبحث عنهم، كما قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) في كلمته لكميل بن زياد: "مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا في حاجة من هو نائم". وها هو الإمام زين العابدين (ع) الّذي أُطلق عليه لقب صاحب الجراب، جراب اللّيل الّتي كان ينقل فيه ما يلبّي حاجات النّاس، يتركها أمام أبوابهم، ولا يكلّفهم حتى عناء الشّكر.

وفي الحديث: "من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدّنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدّنيا والآخرة"، "إنّ الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، "مَن كان في حاجة أخيه المسلم، كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه".

فأيُّ تكريمٍ هو هذا التَّكريم؛ أن يكون الله عزّ وجلّ بذاته العليَّة في حاجة هذا الإنسان المعين لغيره، يقضيها له وييسّرها، ويعطف قلوب الخلق عليه، فيبادرون إلى خدمته ومساعدته عندما يحتاج هو إلى ذلك، ثمَّ هو يوم القيامة، وبينما يتصبَّب النَّاس عرقاً، وتضطرب قلوبهم، وتتلاحق أنفاسهم، وتشخص أبصارهم، تأتي يد القدرة الإلهيَّة والعناية الربّانيَّة تربت على كتفيه، وتمسح دمع عينيه، وتبدّل الخوف أمناً، والحزن سعادةً، والحرّ ظلاً ظليلاً؟!

فقد ورد في الحديث: "إذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدَّم أمامه، كلّما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة، قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن، فيقول له المؤمن: من أنت؟ فيقول: أنا السّرور الّذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن".

عاقبة من لا يساعد

وفي الموقع المقابل، الّذين يعيشون الأنانيّة، ولا يسألون عن حاجات النّاس، ولا يسعون إلى سدِّها، هؤلاء لن يكونوا بمنأى عن عذاب الله وسخطه. الأحاديث تقول: "أيّما رجلٍ مسلمٍ أتاه رجل مسلم في حاجته، وهو يقدر على قضائها، فمنعه إيَّاها، عيّره الله يوم القيامة تعييراً شديداً، وقال له: أتاك أخوك في حاجةٍ قد جعلت قضاءها في يديك، فمنعته إيّاها زهداً منك في ثوابها. وعزَّتي وجلالي، لا أنظر إليك اليوم في حاجة".

وفي الحديث: "أيّما مؤمن حبس مؤمناً عن ماله وهو محتاج إليه، لم يذق والله من طعام الجنّة، ولا يشرب من الرَّحيق المختوم".

ولا يقف الأمر عند حدود الآخرة، فرغم أهميَّة الأمر، إلا أنَّه في الدّنيا أيضاً لن يبارك الله بالطَّاقات والنِّعم الّتي لا تقوم بمسؤوليَّة خدمة النَّاس وتلبية حاجاتهم، فقد ورد في الحديث: "إنَّ لله عباداً اختصّهم بالنِّعم، يقرُّها فيهم ما بذلوها للنَّاس، فإذا منعوها، حوَّلوها منهم إلى غيرهم". وقد ورد أيضاً: "من كثرت نعم الله عليه، كثرت حوائج النّاس إليه، فمن قام بما يجب منها، عرَّضها للدَّوام والبقاء، ومن لم يقم بما يجب، عرَّضها للزّوال والفناء".

التَّعاون في الخير

أيُّها الأحبَّة، إنّنا في هذه المرحلة الصّعبة حيث يزداد الفقراء فقراً، وتزداد معاناة الناس ووجعهم وحاجاتهم، أحوج ما نكون إلى استنفار إرادات الخير في واقعنا، إن كان ذلك على مستوى الأفراد أو الجمعيّات أو اللجان أو الهيئات، لنسدّ بذلك كلّ الثغرات؛ ثغرات الفقر واليتم والصحّة والجهل والتّوجيه والتربية… وكلنا يعرف مدى الآثار الكارثيّة التي قد يبلغها هذا الواقع إن لم يتمّ التعاون عليه، ففي ذلك التّعبير عن إنسانيّتنا وعن إيماننا وعن عبوديّتنا لله.

فقد ورد في الحديث القدسيّ: "الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ، ألطفهم وأسعاهم في حوائجهم".

وفي الحديث: "إنّ الإنسان إذا بلغ القمّة في العبادة، أصبح مشّاءً في حوائج الناس".

وفي الحديث: "ولأن أعول أهل بيت من المسلمين؛ أسدّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكفّ وجوههم عن النّاس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة وحجّة، ومثلها ومثلها، حتى بلغ عشراً، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين"..

أيّها الأحبَّة: فليبدأ كلّ منا، وكبرنامجٍ عمليٍّ يوميّ، بسؤال نفسه، كما كان أمير المؤمنين يسأل نفسه في كلّ صباح ومساء :«يا نفس، إنَّ هذا يومٌ قد مضى عليك لا يعود إليك أبداً، والله سائلك عنه فيما أفنيته، فما الّذي عملت فيه؟ أذكرت الله أم حمدتيه، أقضيت حقّ أخ مؤمن؟ أنفّست عنه كربته؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففت عن غيبة أخٍ مؤمنٍ بفضل جاهك؟ أأعنت مسلماً؟ ما الّذي صنعت فيه؟».

جرّبوا هذا البرنامج، التزموا به، وستختبرون السّكينة الّتي تسيطر على كيانكم، كلّ كيانكم، جرّاء راحة البال لفقيرٍ دعا لكم بالتّوفيق، ولمريضٍ دعا لكم بالصّحّة وطول العمر، ولصاحب حاجةٍ دعا لكم بقضاء حوائجكم، ولمكروبٍ دعا الله لكم أن يُنفِّس همّكم وغمّكم.. وتتصاعد الدّعوات، وتقبل من لدن قاضي الحاجات، ومن إليه منتهى الطّلبات، ويأتي الجواب: "ثوابك عليّ، ولا أرضى لك ثواباً دون الجنَّة".

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه وتعالى عندما قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

 

وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.

إنَّنا أحوج ما نكون إلى الاستهداء بهذه الآيات والأخذ بها، في وقت يراد لنا أن نكون وقوداً للفتن والتوترات على كلّ الصّعد، والتي تجعلنا لقمةً سائغةً لمن يريدون الإطباق على أرضنا وثرواتنا ومقدَّساتنا ومستقبلنا، والدفع بنا إلى حيث يريدون، وهم لا يريدون لنا الخير.

لقد دلَّت هذه الآيات على أنّ السّبيل للخروج من الأزمات بأن نعتصم بحبل الله ولا نتفرَّق عندما نختلف في أدياننا ومذاهبنا ومواقعنا وقومياتنا، وأن نتذكَّر دائماً كم ساهمت الوحدة في تقوية ساحتنا، وعزَّزت حضورنا على امتداد التّاريخ وفي الحاضر، وأننا بها نستطيع أن نواجه التحديات.

 

تحدّيات أمام الحكومة!

والبداية من لبنان، حيث لايزال اللبنانيون ينتظرون أن تبصر الحكومة النور، وأن تزول العقد التي لاتزال تقف أمام تأليفها، وهي قابلة لأن تزول عندما يخرج الجميع من الاستئثار ومن أنانيّاتهم الفئوية والخاصّة. ومن المؤسف والمحزن أن تكون هذه التعقيدات لها علاقة بتعزيز الأحجام والدّور لجني المزيد من المكاسب على أكثر من صعيد، أو ترجيح الكفّة لما يؤثّر في رسم صورة الاستحقاقات المقبلة، فيما البلد يعيش حالةً من الانهيار تهدّد مصيره ومصير الناس الذين باتوا لا يستطيعون تلبية الحدّ الأدنى من معيشتهم. ونحن نأمل أن يعي الجميع مسؤوليّتهم تجاه وطنهم ومواطنيهم، وأن يخرجوا من حساباتهم الخاصّة التي تتعنون بالحسابات الطائفيّة والمذهبيّة لحساب الوطن، وأن يسرعوا في تأليف حكومة تخرج البلد من عنق الزّجاجة.

إنّنا كنّا ولانزال نرى أنَّ الحلَّ في هذا البلد لن يكون إلا بحكومة تتشارك فيها كلّ القوى الفاعلة في سياق برنامج إصلاحي، بعد أن أصبح واضحاً أن لا حلّ لمشاكل البلد وإخراجه من أزماته وتأمين الاستقرار فيه إلا بحكومة كهذه، ولكن يبقى هذا الأمر طموحاً، ولا يبدو أنه متوافر الآن.

ولذلك، ستنتظر الحكومة الجديدة الكثير من التحدّيات والعوائق والصعوبات إن تألّفت بالصورة التي يتم تداولها، فهي لن تحظى برضا العديد من القوى السياسية الفاعلة، ولا يبدو أنها ستحظى بثقة الذين خرجوا إلى الشارع، وقد لا تنال رضا الخارج الَّذي رهن دعمه للبنان بشروط قد لا تتوافر في هذه الحكومة، لكنَّنا، ورغم كلّ الصعوبات والتحدّيات، نرى أنها قادرة على تجاوز كل هذه العقبات، إن تعاون الجميع فيما بينهم على برنامج عمليّ وواقعيّ لإخراج البلد من أزماته، ولا سيَّما الاقتصادية والنقدية، وخرجوا من كلّ الحسابات الخاصّة والمصالح الفئويّة والاستئثار والكيديّة، إلى العمل لمصلحة كلّ اللّبنانيّين بكلّ تنوّعاتهم ومواقعهم؛ الموالين والمعارضين، والقريبين والبعيدين.

إنّ اللبنانيين التوّاقين إلى بناء دولة العدالة، سيكونون سنداً وعوناً لأيّ حكومة تكون على قدر طموحاتهم وأمانيهم، من خلال برامجها وأعمالها والفريق الّذي سيتولّى المهمات فيها، وسيصبرون معها لبلوغ هذه الطّموحات وتحقيق الأماني.

ويبقى لنا في هذا المجال أن نجدِّد دعوة الناس الذين عبّروا عن توقهم لبناء دولة تحترم إنسانهم وكرامتهم، وتخرجهم من معاناتهم، إلى أن يبقوا مصرّين وثابتين على ما دعوا إليه، وأن يراقبوا البرنامج والمسار، وأن لا يتخلّوا عن دور أثبتوا أنهم قادرون على التأثير الإيجابي فيه.

 

الثّورة مشروعة.. ولكن!

وفي هذا المجال، عشنا في الأيام الماضية مظاهر من الغضب الشعبي الذي لايزال قائماً، ونحن نحذّر من تداعيات بعض التعابير الطائفية الحادّة التي تؤثّر في مشروعية مطالبه المحقّة، ونرى من حقّ المواطنين أن يعبّروا عن غضبهم من أداء الدولة والسياسة النقدية للمصرف المركزيّ، والإذلال الَّذي يعيشونه على أبواب المصارف وعلى المستوى المعيشي، ولكن حذارِ من الوقوع في الفخّ الّذي يريده لهم المتضرّرون؛ فخّ التخريب والإساءة إلى الممتلكات الخاصَّة والعامَّة والفوضى، ليسهل ضرب تحركهم والإجهاز عليهم. ونحن في الوقت الذي ندعو المتظاهرين إلى عدم اللّجوء إلى العنف والفوضى، ندعو القوى الأمنيّة إلى تحمّل مسؤوليّتها في حماية حقّ التظاهر، لا أن تكون أداة لقمع الشَّعب الذي خرج ليطالب بحقوقه وحقوق اللّبنانيّين جميعاً.

ونريد في الوقت نفسه للمعارضة التي ستتشكَّل من القوى السياسيَّة، تصويب مسار الواقع السياسيّ، لا الاكتفاء بتسجيل النقاط أو وضع العصيّ في الدواليب، فالبلد لا يتحمَّل هذه السجالات، ونريدها أن تكون السبَّاقة في تقديم البرامج الفضلى للإنقاذ، مستفيدةً من التحرّك الاحتجاجي في الشارع، والذي بدوره يسعى إلى إخراج البلد من أزماته ويسير به نحو الاستقرار.

 

حتّى لا ينقسم العراق

أمّا في العراق الَّذي دخل مرحلة جديدة بعد دعوة مجلس النوّاب فيه إلى خروج القوات الأجنبية من الأراضي العراقيّة، فإنّنا لا نريد لهذه الدَّعوة أن تكون باعثاً لانقسام داخلي، بل أن تأتي في سياق رؤية وطنيّة شاملة تستوعب هواجس مكوّنات الشعب العراقي القوميّة والطائفيّة والمذهبيّة، وتنزع الذرائع التي يتمسك بها بعض الفرقاء ليبرّر سلوكاً انفصالياً أو تقسيمياً لا نراه يصبّ إلا في خدمة المشروع الصهيوني، وتستند إلى رفض الشعب العراقي عموماً لكلّ ابتزاز خارجي يراد منه إخضاعه سياسياً واقتصادياً، من خلال تهديده بالحصار والإفقار والجوع وحجز عائداته النفطية وغيرها.

إنّنا نريد للعراقيّين أن ينطلقوا من هذه الرؤية الوطنيّة الجامعة التي تجسّد تطلّعاتهم وأحلامهم ورؤيتهم لعراق موحَّد ومتحرِّر ومستقلّ وحاضن بعدالة لكلّ التنوّعات، وندعو إلى معالجة كلّ القضايا من خلال المصلحة الوطنيّة العليا، والعمل في الوقت نفسه على الإصغاء لمطالب النّاس وصرخاتهم وسعيهم للإصلاح وبناء دولة عصريَّة خالية من الفساد والمفسدين والنَّهب والنَّاهبين، فلا يجوز نسيان مطالب النَّاس في ظلِّ هذه الظّروف، مهما كانت معقَّدة وصعبة وخطيرة.

Leave A Reply