لا فيتو في الإسلام على الرأي الآخر

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}.

الاختلاف في الرّأي أمر طبيعيّ، وسنّة كونيّة بين البشر، هو ظاهرة صحيّة بين حضارة وحضارة أخرى، وبين أمّة وأمّة أخرى، وفي المجتمع الواحد، وحتّى داخل البيت الواحد، تتباين الآراء حول المسألة الواحدة…

لا عنصريّة في الإسلام

والإسلام لم ينظر إلى صاحب الرّأي الآخر، مهما بعدت شقّة الاختلاف، على أنّه كائن مختلف، أو أنّه من طينة غير طينة البشر، أو هو من عالمٍ غير عالمنا لأنّه يختلف برأيه عمّا نعتقد. فلا أحد خارج دائرة الحوار والتّواصل، والقطيعة غير موجودة في القاموس الإسلاميّ: «لا تقاطعوا، ولا تدابروا ، وكونوا إخواناً…».

ولقد تحدّث القرآن عن الآخر بصفته من أهل الكتاب، مسيحيّاً، أو يهوديّاً، أو مجوسيّاً، أو مشركاً أو كافراً، أو مؤمناً أو منافقاً، إلى آخر هذه المسمّيات، إلاّ أنّ القرآن لم يعتبرها تصنيفات تعطّل الحوار بين البشر، ولا تعوّقه، بل هي في الواقع تشجّع عليه، لأنّها من أسبابه.

لقد خاطب القرآن كلّ هؤلاء بـ «أيّها النّاس»، ولم يستثن، ولم يصنّفهم حسب أجناسهم أو ألوانهم، أو لغاتهم…

فإذا كان الأصل في الإسلام هو مدّ الجسور وفتح الأبواب وردم الهوّة، فلماذا الحال بيننا ليست كذلك؟ فأنت أينما اتّجهت، لا تنفكّ ترى مزيداً من الأبواب الموصدة ومن القطيعة والتّدابر، بصورة بعيدة كلّ البعد عن الإسلام وتعاليمه السّمحة.

 لقد وسّعنا دائرة الآخر من دون مبرّر، ونسفنا الجسور الموجودة، حتّى ضيّقت كلّ جماعة على نفسها، ودخلنا في كهوف الذّات والعائلة والعشيرة والحزب والمذهب والطائفة…

حال الأمّة اليوم

 أليس هذا ما يحدث اليوم، وهو سبب كلّ ما نعانيه من تشتّت وتفتّت وانقسام؟!

لماذا هذا هو حالنا، والإسلام، كما ذكرنا، هو منبع لكلّ ما يزيل الحواجز بين القلوب والعقول؟!

وإذا بحثنا في الأسباب، نرى أنّ المشكلة موجودة على المستويين النفسي والتربويّ، وسرعان ما نكتشف أنّنا لسنا مؤهّلين لقبول أيّ فكرة تختلف معنا، وأيّ رأي آخر يستفزّنا، ونشعر بأنّنا مهدّدون.

وكلّ هذا يحصل معنا، ليس لأنّه لا معرفة لدينا، بل لأنَّ المعرفة لدينا شيء، والواقع شيء آخر… والله سبحانه وتعالى سيسأل كلاً منّا ليس عمّا قرأ أو عرف، بل سيسأله عمّا فعل.

الله يقيسك بالنّتائج، ويريد أن يرى أثر معرفتك وإيمانك في حياتك وفي حياة الآخرين وفي كلّ الحياة، ولكن يبدو أنّ لدينا مشكلة كبرى عند التّطبيق، والشّرخ عميق بين القول والعمل، والأسباب كثيرة، وأبرزها، كما قلنا، تربويّة، ومنذ التّنشئة في الصّغر…

ومن جهةٍ أخرى، هناك أناس يؤذيهم أن يروا النّاس متحاورين متعاونين متحابّين… هؤلاء تحرّكهم عصبيّاتهم ومصالحهم كائناً من كانوا، وأينما حلّوا…

سياسة التّحريض

ونرتفع باللّعبة إلى أبعد من ذلك، لنصل إلى السياسة وإلى الدّين، إذ بتنا نلاحظ بوضوح أنّ التّحريض بات سياسةً، وصارت له محطّات إعلاميّة ويُخصّص له ميزانيّات.. وهذا الأمر نراه أيضاً في منتديات الحوار والتّواصل الاجتماعي…

وعندما نصل إلى الشّأن الدّيني، حيث يفترض أن تحلّ الرّحمة والتّسامح واللّغة الهادئة، ترى نموذجاً مثاليّاً لانعدام الحوار ولشدّة القسوة وطغيان الانفعالات والرّغبة بتدمير الآخر وإلغائه وشطبه إلى حدّ التّكفير والتّضليل والتّفسيق وما إلى ذلك.

ألسنا أمّة مفلسة تعجز عن استحضار قيمها ومبادئها، لا حسن عندها ولا أحسن ولا حسنى ولا إحسان ولا خفض الجناح ولا رحمة؟!

أبهذه الطّريقة نوصل الفكر والحقّ من ديننا؟ لا والله، بل إنّنا بهذا الأسلوب نبعد العالم من حولنا…

الهرب من الحوار ضعف

أيّها الأحبّة: لقد اعتبر القرآن أنّ الحوار ليس ترفاً، بل هو واجب، وحدّد لنا الهدف منه، وهو الوصول إلى الحقيقة، وليس تحقيق مكاسب على حساب الآخر: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ? وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى? هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ .قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ: 24-25].

 فالإسلام يعتبر أنّ الحوار المنتج هو الّذي يصل بك إلى رسم أرضيّة مشتركة مع صاحب الرّأي الآخر، تكون منطلقاً إلى الحقيقة والتّفاهم.

لقد نهى الإمام عليّ(ع) عن الاستبداد بالرّأي: «من استبدّ برأيه هلك، وخاطر بنفسه من استغنى برأيه»، ولهذا يدعونا إلى الشكّ الإيجابي وممارسته: «اتّهموا عقولكم، فإنّ من الثّقة بها يكون الخطأ».

وفي موضوع الانفتاح والحوار، قد يسأل سائل: هل يمكن أن تكون نقاط الحوار مع صاحب الرّأي الآخر سبباً لتشويش الفكر الّذي نحمله أو تمييعه؟

والجواب عند الإمام الصّادق(ع)، إمام الحوار الّذي تعلّمنا منه أنّ الفرق كبير بين أن تحاور وبين أن تتخلّى عن مبادئك وأفكارك.

تعلّمنا من سيرته أنّ القويّ هو من يحاور والضّعيف هو الّذي يهرب من الحوار، والفرق كبير بين من يستعمل عضلات عقله ولسانه، ومن يتّكل على عضلات يده وزنده ومخزون السّوء لديه.

مدرسة الإمام الصّادق(ع)

كان الإمام الصّادق(ع) نموذجاً راقياً في تطبيق مفهوم الإسلام لمخاطبة الرّأي الآخر؛ ناظر(ع) العلماء والمتكلّمين والزّنادقة والملحدين والمعتزلة والخوارج، وكان أسلوبه أسلوب القرآن، الأسلوب الهادئ، الرّصين، المدعوم بالبراهين، وبالأخلاق العالية الرّفيعة، حتّى قال أحد الزنادقة: "ما رأيت أحداً يستحقّ اسم الإنسانيّة مثل جعفر بن محمد الصّادق".

ترى، ماذا كان الإمام(ع) يريد من حواره مع كلِّ هؤلاء، أكان يريد أن يسجِّل موقفاً، أو ليظهر من يحاوره أنّه ضعيف وليس ندّاً له؟ لا. كانت الحقيقة هدفه، والوضوح غايته، ولم يضع قيوداً أو شروطاً، لا في شكل الحوار ولا في مضمونه، لم يضع محرّمات، كلّ شيء كان قابلاً لأن يطرح على بساط البحث.

كان همّ الآخرين الّذين يجلسون معه من زنادقة وملحدين، أن يشكّكوا في الإسلام وفي خطّ أهل البيت(ع)، أمّا همّ الإمام، فكان أن يعيدهم إلى جادة الصّواب، وأن ينقّي آراءهم، وكان صدره يتّسع ويتّسع حلماً وصبراً، وبذلك كرّس مدرسةً في كيفيّة مقاربة الرّأي الآخر، بصرف النّظر عمّن يكون، وبماذا يؤمن…

حتّى إنّه علّمنا إذا شتمنا أحد أن نقول: «من شتمك فقل له: إن كنتَ صادقاً في ما تقوله فأسألُ الله المغفرة، وإن كنتَ كاذباً فأسألُ الله أن يغفر لك».

وكان الإمام يربّي أصحابه ويدرّبهم على الحوار، ويمنع كلّ من يضيق صدره بالرّأي الآخر ولا يحسن إدارة الحوار أن يدخل في أيّ نقاش…

أيّها الأحبّة، في ذكرى ولادة الإمام الصّادق(ع)، الإمام الذي ننتمي إلى مدرسته الّتي هي مدرسة رسول الله(ص)، نتوقّف مليّاً عند مفردة الحوار، لأنَّنا اليوم أحوج ما نكون إلى تفعيل هذه المفردة في كلّ حياتنا؛ أن نعيش بالفعل مناخ الحوار الصحّيّ من دون خوف أو وجل…  

اللّهمّ اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وممن يحسنون الإصغاء، واجعلنا ممن يبشّرون ولا ينفرون، وممن لا يضيق صدرهم بأحد من خلقك. اللّهمّ مكّنّا من إيصال دينك ورسالتك بالحكمة والموعظة والجدال بالّتي هي أحسن، والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ومن التّقوى أن نلتزم بما ورد عن أحد أصحاب الإمام الصّادق(ع)، وهو زكريّا بن إبراهيم، حين قال: كنت نصرانيّاً فأسلمت وحججت، فدخلت على أبي عبدالله الصّادق(ع)، فقلت: إنّي كنت على دين النصرانيّة، وشرح الله صدري بالإسلام، وأمّي مكفوفة البصر، ولا تزال على دينها، فكيف أتعامل معها؟ قال لي(ع): "أنظر أمّك فبرّها، وإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك…".

وعندما رجعت إلى الكوفة حيث أسكن، نفّذت وصيّة الإمام الصّادق في شأن أمّي، فقالت لي: يا بنيّ، ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني، فما الّذي أرى منذ هاجرت ودخلت في الإسلام؟ فقلت لها: رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرّجل هو نبيّ، فقلت: لا، ولكنّه وصيّ وابن نبي، فقالت: يا بنيّ، إنّ ما تفعله معي يؤكّد أنّ دينك خير دين، فاعرضه عليّ، فعرضته عليها، فدخلت في الإسلام، وعلّمتها الصّلاة، فصلّت الظهر والعصر والعشاء، ثم عرض لها عارض في اللّيل، فقالت: يا بنيّ، أعِد لي ما علّمتني، فأعدته عليها، فأقرّت به مجدّداً، وتوفّيت وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله، فلمّا أصبحت، كان المسلمون هم الّذين غسّلوها، وكنت أنا الّذي صلّيت عليها…

أيّها الأحبّة، لم يحتج هذا الشابّ إلى جهد كبير كي يقنع أمّه بالإسلام، فهو لم يتحدّث عنه طويلاً، فقد اكتفى بأن أراها هذا الدّين بسلوكه وأخلاقه وحُسن تعامله، حتّى شاهدت صورة الإسلام، فانفتح قلبها وآمنت به.

أيّها الأحبّة، لتكن صورتنا في الحياة هذه الصّورة، الصّورة الّتي دعا إليها الإمام الصّادق(ع) عندما قال: "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم".

فلنكن الدّعاة إلى الله بأخلاقنا، بابتساماتنا الّتي ترتسم على وجوهنا، باستقامتنا، بعدلنا بإخلاصنا، بتسامحنا، وحينها سوف نجد أنّ الأبواب الموصدة والمغلقة تنفتح لنا، دعونا نكون بالإسلام حلاً لمعالجة آلام النّاس، بدلاً من أن نكون المشكلة لهم، وبذلك سنكون أكثر قدرة على مواجهة التحدّيات.

العدوّ يضرب سوريا

والبداية من سوريا، ففي الوقت الّذي تزداد المعاناة في هذا البلد قتلاً ودماراً ومجازر، يدخل العدوّ الصّهيونيّ على الخطّ ليُغير على مواقعها الاستراتيجيّة مجدّداً، مستغلاً ما يجري في داخل سوريا، إضافةً إلى الانقسام العربيّ حولها، ليضرب مواقع القوّة في العالم العربي، ويمنعه من الاستمرار في صناعة القوّة.

إنّ هذا الأمر يستدعي موقفاً جادّاً من الدّول العربيّة في مواجهة هذا الكيان، فلا تكتفي بإصدار البيانات بقدر ما ينبغي أن تتّخذ موقفاً صلباً عملياً، لأنّ السّكوت على ضرب عاصمة عربيّة سيمهّد للمزيد من الاعتداءات عندما يرى العدوّ مصلحة له في ذلك.

كما يحتاج البلد إلى التّكاتف في الدّاخل لمواجهة العدوّ، والإسراع في إجراء حوارٍ داخليّ يعيد إلى هذا البلد قوّته ودوره، وإلى الشّعب السوريّ حقّه.

إنّنا من هنا، نؤكّد أهميّة ما انطلقت به بعض أطياف المعارضة، والأصوات الّتي أكّدت مبدأ الحوار والمفاوضات، بعدما وعت أبعاد المؤامرة الدوليّة في استنزاف سوريا ماديّاً وبشريّاً، وإسقاط كلّ مواقع القوّة الموجودة فيها.

الدّور المصريّ في خطر

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الأحداث المتسارعة، والتطوّرات المتلاحقة في مصر، تشغل بال الغيارى والحريصين في العالم العربي والإسلامي، وتُلقي بثقلها على الأمّة، بالنّظر إلى الآمال الكبيرة الّتي عقدتها الشعوب العربيّة والإسلاميّة على الدّور المصري في العالمين العربي والإسلامي، والمخاوف الكبرى من أن تذهب هذه الأحداث بمصر بعيداً من تطلّعاتها وآمالها وطموحاتها.

إنّنا نخشى على مصر، وعلى دورها في العالم العربي والإسلامي، ونحرص على العنوان الإسلاميّ الّذي انطلق مع تجربتها الوليدة.

إنّنا نعتقد أنّ هناك الكثير من القوى العالميّة وحتّى الإقليمية الّتي تراهن على سقوط هذه التّجربة في السّاحة المصريّة ليُصار إلى الإجهاز عليها، ليقال إنّ المشكلة هي في الإسلام السياسي، وفي الحركات الإسلاميّة الّتي تحسن أن تلعب دورها في المعارضة، ولا تملك الإمكانيّات الّتي تخوّلها الحكم وإدارة البلاد.

ومن هنا، ندعو القيادات الّتي جاءت تحت عنوان الإسلام، إلى أن يكون في سلّم أولويّاتها العمل لتقديم صورة الإسلام الحقيقيّة، إسلام العدالة، إسلام المشاركة والمشاورة، إسلام الانفتاح على الآخر، إسلام تقبّل الآخر…

كما ندعو إلى الحوار المفتوح بين السّلطة بما تمثّل، والمعارضة بكلّ أطيافها، وإلى التّفاهم بين القوى الإسلاميّة والقوى الأخرى، من علمانيّة ويساريّة، على قاعدة حفظ البلد وتهيئته لصياغة أوسع دور على مستوى الأمّة، ونريد لهذا التّفاهم أن ينطلق على أساس الأولويّات الّتي تُبقي مصر قاعدة أساسيّة في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ، وأن تكون رافداً لكلّ الأحرار في العالمين العربي والإسلامي، وأن يُصار إلى حماية اقتصادها وأمنها وسلامها الدّاخليّ بما يؤسّس لتوازن دورها وحركتها على مستوى الحاضر والمستقبل..

تضميد الجراح العراقيّة

وننتقل إلى الساحة العراقيّة، الّتي لا تزال تعاني من الانقسام السياسي والتوتّر الأمني، في ظلّ تداخلات إقليميّة وغير إقليميّة لا تريد لهذا البلد الاستقرار، ليكون جزءاً من مشهد الاهتزاز المترامي الأطراف في المنطقة كلّها.

إنّنا في الوقت الّذي نقدّر الجهود الّتي تبذلها الحكومة العراقيّة والفعاليّات السياسيّة والدينيّة، ندعو الشّعب العراقيّ بكلّ أطيافه، إلى الاستجابة للأصوات الحكيمة الّتي انطلقت لتحذّر من أخذ البلد إلى مسارات الانقسام والتشظّي السياسي والمذهبي والطائفي، ونقول لكلّ القوى السياسيّة المعنيّة: سارعوا إلى تضميد هذا الجرح، ولا تنكأوا جراحاتكم بالمزيد من الكلمات اللاهبة والمتشنّجة، فقد جرّبنا كلّ هذه الألاعيب النّاريّة الحارقة في لبنان، كما جرّبها الكثيرون في المنطقة، وما أنتجت إلا الخراب والدّمار والفشل.

البحرين: الحوار المأمول

أمّا في البحرين، فإنّنا نأمل أن تكون الدّولة الّتي أطلقت إشارات الحوار صادقةً في دعوتها المعارضة إلى الحوار، ونشدّد على المعارضة أن تسارع إلى اغتنام هذه الفرصة للمشاركة في الحوار بصدر مفتوح، لأنّ إزالة العوائق التقنيّة والتّعقيدات الكثيرة من أمام هذا الحوار، هو الّذي يقود إلى الحلّ الّذي نتطلّع إلى أن يكون قريباً لما فيه مصلحة البلد والمعارضة والشّعب.

لبنان: لقانونٍ يحمي التنوّع

ونصل إلى لبنان، الّذي لا يزال يترنّح تحت وطأة الخلافات حول قانون الانتخاب، بين من يستثمر العصبيّات الطائفيّة، ومن يعمل على تحريك الخصوصيّات المذهبيّة والحساسيّات المناطقيّة وغيرها، وبين من يستعجل الخلاص كيفما كان، وبأيّ قانون كان، بحجّة أن الوقت يداهمنا.

إنّنا نقول للجميع: إنّ البلد يحتاج إلى شجاعة قصوى في اتخاذ القرار حول قانون انتخابيّ عادل، قانون يلبّي طموحات اللّبنانيّين، وخصوصاً الشباب اللّبناني الّذي بدأ يدير ظهره للبلد، ويهاجر زرافاتٍ ووحداناً ليُبدع في ما وراء البحار، ويترك أرضه لطبقة سياسيّة وجد أنّها أضعف من أن تدير بلداً أو أن تحمي إنسانه ومستقبله.

نحن بحاجة إلى قانون يحمي الشّباب ويطلق العنان لإمكاناتهم، قانون يحمي التنوّع اللّبنانيّ ولا يلغيه، قانون يحفظ المرأة اللّبنانيّة ويعطيها الدّور البارز داخل المجلس النيابيّ وخارجه، بعدما أثبتت أنّها تستحقّ أن تكون في موقع حماية البلد جنباً إلى جنب مع الرّجل.

الحوار حول الزّواج المدنيّ

أمّا في موضوع الزّواج المدني، الّذي أصبح عنصراً جديداً من عناصر الإثارة الداخليّة، فإنّنا ندعو إلى بقاء الحوار حوله في الأطر العلميّة والشرعيّة، بعيداً عن السّجال الحادّ، والكلمات الانفعاليّة، ودراسته بروح موضوعيّة تراعي الجانب الشّرعي وعدم الإخلال بواقع الأسرة والمجتمع.

أيّها اللّبنانيّون، لقد آن الأوان للخروج من المتاريس الطائفيَّة، والحفر المذهبيَّة، والكهوف الحزبيَّة المغلقة، إلى فضاءات التَّعارف والتَّواصل، لبناء البلد على أسس متينة، وحماية السّفينة الّتي تتهدَّدها كلّ أمواج المنطقة وتيّاراتها.

التاريخ: 20 ربيع الأوّل 1434 هـ  الموافق: 01/02/2013 م

Leave A Reply