محاضراً في اليسوعيَّة حول الواقع الاجتماعي في لبنان فضل الله: الوطن يعتزّ بالّذين تجاوزوا ذواتهم وساعدوا الفقراء والمحتاجين

شارك العلَّامة السيِّد علي فضل الله في النَّدوة التي أقيمت في الجامعة اليسوعيَّة تحت عنوان: “الواقع الاجتماعي في لبنان”، وشارك فيها المطران غي بولس نجيم، ووزير الشؤون الاجتماعيَّة الدكتور هكتور الحجار، والأستاذ جو حاتم، وحضرها حشد من الشخصيات الدينية والاجتماعية والثقافية والمهتمّين في هذا الشَّأن.

    استهلَّت النَّدوة بالنشيد الوطني اللبناني، فكلمة ترحيبية من رئيس جامعة القديس يوسف  الأب الدكتور سليم دكاش، ثم ألقى العلَّامة السيِّد علي فضل الله كلمةً عبَّر في بدايتها عن شكره وتقديره لمنظّمي هذا اللّقاء على إتاحتهم الفرصة لي لأكون بينكم لنتبادل الآراء والأفكار للوصول إلى صيغة تعاون فيما بين العاملين في شأن الخدمة الاجتماعيَّة، وبينهم وبين وزارة الشؤون الاجتماعيَّة، سعياً لتعزيز الجهود التي تبذلها المؤسَّسات الاجتماعيَّة، وجعلها تصبُّ في الاتجاه الصَّحيح، ولضمان استمرارها في هذا الظَّرف العصيب الَّذي يمرّ به وطننا، والَّذي، مع الأسف، يتفاقم يوماً بعد يوم.

وأضاف: إنَّنا نعيش في كلّ الواقع الصَّعب الذي عاناه هذا الوطن العزيز، ولا يزال يعاني بفعل واقع سياسي أدار ظهره للنَّاس ولآلامهم ومعاناتهم، لكن كان من دواعي اعتزاز هذا الوطن، أن يكون فيه من قرَّروا أن يتجاوزوا حدود ذواتهم، أو حدود عائلاتهم الصَّغيرة، ليفكروا بمسؤوليَّة وبجدارة بمن عصفت بهم ظروف الحياة، إمَّا لفقر أو مرض أو إعاقة أو عجز، فكانوا فعلاً وواقعاً اليد الحنون المعطاءة الَّتي امتدَّت إليهم، حيث عبَّروا بذلك عملياً عن إنسانيتهم، وعن المحبة والرَّحمة، بما يمثل أصدق تعبير عن إيمانهم، حيث لا يمكن لإنسان أن يعيش الإيمان وهو يدير ظهره لآلام الآخرين ومعاناتهم، ولا يتحرَّك بكلِّ جهد لخدمتهم، ويرى ذلك واجباً عليه لا منّة، وهو ما أرادته الكتب السماويَّة من الإنسان.

 وأشار إلى أنَّ هؤلاء الذين يعبِّرون عن إنسانيَّتهم بهذه الصّورة، هم في الوقت نفسه إنما يعبِّرون عن حبّهم لهذا الوطن وحرصهم عليه، فالوطن لن يكون عزيزاً قويّاً مقتدراً وحرّاً إلا بمساعدة الضّعفاء فيه وانتشالهم من ضعفهم، وسيبقى منقوصاً إذا بقي هؤلاء على حالهم، وعندها يصبحون مشكلة للوطن واستقراره، وتهديداً لمستقبله، وسيفقد بذلك طاقات حيَّة كان يمكن لها أن توفِّر لها الظّروف أن تبدع.

 وقال: لقد جاءت الأديان السماوية وكلّ الشرائع السماوية لتغذّي في الإنسان روح العطاء، ليكون كما الله في خلقه، يعطي بدون حساب وعطاؤه للجميع، لذلك دعت الإنسان أن يعطي ويبذل وينفق حتى الإيثار، وأرادت للعطاء أن يكون شاملاً، أن لا يقف عند حدود من يملك مالاً، فلا يظنّ من لا يملك المال أنَّه لا يتحمل المسؤوليَّة ويسقط عنه الواجب، بحجَّة أن ليس لديه ما يعطيه، حيث لديه الكثير في هذا المجال، فالعطاء يتخذ أشكالاً كثيرة، كلّها تحمل صفة الخير للناس، وقد جعلت الرسالات السماوية هذا العطاء مقدَّساً، عندما اعتبرته عبادة من العبادات يتقرَّب بها الإنسان إلى ربِّه، ويستحقّ به جنَّته والكرامة عنده، بل قمَّة العبادة…

 وشدَّد على الحاجة إلى تعزيز هذه المعاني، وجعلها استراتيجية لنا في بلد ينعم بالأديان والمذاهب، فبها نبني وطناً متكاملاً متعاوناً يتعاون كلّ أبنائه على النّهوض بأعباء الضّعفاء فيه، عندما تعجز الدَّولة عن القيام بمسؤوليَّتها، أو عندما تقصِّر بها، إن على صعيد الجهود والمبادرات الفرديَّة أو غيرها، وإن كنا نرى أنَّ الجهود الجماعية والعمل المؤسَّساتي هي الأسلم والأبقى.

وقدّر دور هذه المؤسَّسات وما تقوم به، داعياً الدولة إلى أن تمدَّ يد العون إليها، بعدما أخذت تنوء بأعبائها التي باتت تفوق قدراتها على الحمل، وندعوها أيضاً إلى أن تعتبر العمل الاجتماعي من الأولويَّات التي يجب أن تحظى بالعناية المشدَّدة، كما نؤكِّد مدّ جسور التواصل في ما بين هذه المؤسَّسات، والعمل لإيجاد صيغة عمل مشترك لتبادل المعلومات، والتعاون في العطاء الذي نريده أن يصل إلى الجميع، ولا سيَّما من لا يظهرون أنهم من أهل الحاجة، وتدفعهم نفوسهم العفيفة إلى عدم المطالبة، وأن نبعد عملنا الاجتماعيّ عمَّا عهدنا من انقساماتنا، إن على الصَّعيد الطائفي أو المذهبي أو السياسي، ليصل الخير إلى الجميع، ونقدِّم أنموذجاً من خلاله، فنحن جميعاً في مركب واحد؛ ننجو معاً، ونغرق – لا سمح الله – معاً. ومن جهتنا، فإننا في مؤسَّساتنا الاجتماعية، من رعائية وصحية وخدماتية وتربوية في المبرَّات، يدنا ممدودة إلى جميع المؤسَّسات وإلى الدولة، ولنا ملء الثقة بأنَّنا قادرون على فعل الكثير بتعاوننا وتلاقينا فيما بيننا ومع الوزارة.

ونوَّه بدور معالي وزير الشّؤون الاجتماعيَّة الّذي يسعى، وعلى مدار السَّاعة، لإسناد هذه المؤسَّسات ورفدها، ولا يوفِّر جهداً في هذا الطَّريق، ومن خلال المساعدات المباشرة الَّتي تقوم بها الوزارة، وبالتَّعاون مع المؤسَّسات الدوليَّة لدعم ذوي الحاجة وتخفيف العبء عنهم.

***