مخاوفُ الرَّسولِ (ص) وتحذيراتُهُ لأمَّتِهِ في ذكرى وفاتِه
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم} صدق الله العظيم.
ذكرى وفاته (ص)
نلتقي اليوم، في الثَّامن والعشرين من شهر صفر، بذكرى وفاة الرَّسول الأكرم (ص)، هذه الذّكرى الَّتي تعيدنا إلى مشاعر الألم والحزن الَّذي عاشه المسلمون يوم غادرهم نبيُّهم إلى رحاب ربّه، بعدما أخرجهم من جهلهم وتخلّفهم وضلالهم وانحرافهم، وكان لهم أبًا ومعلّمًا وهاديًا ومبشّرًا ونذيرًا ورحمةً.
هذا الحزن الَّذي عبَّر عنه أمير المؤمنين (ع)، حين وقف على قبر رسول الله (ص) قائلًا:
“بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤونِ (منابع الدّمع من الرّأس)، وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلًا، وَالْكَمَدُ مُحَالِفًا، وَلَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ، وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ. بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ... فإنَّا لله وإنّا إليه راجعون”.
ونحن، عندما نستعيد هذه الذّكرى، فإنّا لا نستعيدها حتّى نتذكَّر رسول الله (ص)، فرسول الله (ص) حاضر معنا في كلّ وقت، ولا يمكن أن ننساه، فهو من يتردّد ذكره على المآذن كلّ يوم، ومن نذكره في كلّ صلاة نؤدّيها، حين نشهد له فيها بالرّسالة، بعد أن نشهد لله بالوحدانيّة، ولا ننهي صلاتنا حتّى نسلّم عليه، وهو من نصلّي عليه استجابةً لأمر ربّنا، ومشاركةً له لملائكته، عندما قال لنا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ومن نشهده في كلّ أمر نقوم به أو قرار نتّخذه.
إنّما نستعيد ذكراه حتّى نجدّد عهدنا معه بالاقتداء بسيرته، والأخذ بسنّته، والسّير على هديه، لنبلغ ما دعانا الله سبحانه وتعالى إليه عندما قال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
ونحن اليوم، سنغتنم هذه المناسبة، لنستعيد بعض ما كان حذَّر رسول الله (ص) ممّا كان يخشى منه على أمَّته، هذه الأمّة الّتي بذل كلّ جهده حتّى أخرجها من جهلها وتخلّفها وتفرّقها وعصبيّاتها، إلى أن بلغ بها أن أضحت خير أمَّة أخرجت للنّاس.
التَّحذير من التَّنازع
وأوّل هذه المخاوف، تحذيره لهم من أن يتفرّقوا شيعًا، ويتنازعوا أمرهم فيما بينهم عندما يختلفون، بعد كلّ الّذي بذله من أجل توحيدهم، ومدّ جسور التّواصل بينهم ومع الآخرين، وهو ما عبّر عنه للّذين قدموا معه للحجّ أثناء تواجدهم في منى في آخر حجّة له، وهي الّتي تسمّى حجّة الوداع، عندما وقف خطيبًا بهم وقال لهم: “أيّها النّاس، إنَّ دِماءَكُم وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا – وهو البيت الحرام – إلى يوم تلقون ربّكم، ألا هَلْ بلَّغْت؟ قالوا: نعم قال: الله اشهد، فليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلغ أوعى من سامع”. ثمّ قال: “أيُّها النّاس: إنّما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لامرئ مال أخيه إلّا عن طيب نفسه، ألا هل بلَّغت؟ اللَّهمَّ فاشهد”. ثمّ قال: “فلا ترجعنَّ بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض”…
وقد جاء هذا التّحذير لهم في موقع آخر ممّا ورد في سيرته، حيث يذكر فيها أنَّ أحد رجالات اليهود، لما رأى تآلف المسلمين من قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة، بعد العداء الشّديد الّذي كان بينهم قبل دخولهم في الإسلام، أمر شابًّا من اليهود أن يذهب إليهم ويجلس معهم ويذكّرهم بالحروب الّتي جرت بينهم، والمآسي الّتي حصلت خلالها، والأشعار الّتي كان يقولها كلّ منهم تجاه الآخر، فأثار مشاعرهم، ووصل بهم الأمر إلى أن تنادوا: السّلاح السّلاح، وراح كلّ منهم يجيّش جماعته، فعلم رسول الله (ص) بذلك، فخرج إليهم غاضبًا من فعلهم، وقال لهم: “أبدعوى الجاهليَّة بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف بين قلوبكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفَّارًا؟! فعرف القوم أنّها نزغة من الشّيطان وكيد من عدوّهم، فألقوا السّلاح من أيديهم. وما أكثر الَّذين يعملون على استثارة التَّاريخ ممّا كان يحدث فيه من مآسي وحروب وخلافات لإثارة الفتن واستعادتها.
خطر المنافقين
ثاني ما نذكره ممّا نبَّه إليه رسول الله (ص) أمَّته، عندما قال: “إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ على أمَّتي، كلُّ منافقٍ عليمُ اللِّسانِ”.
فقد كان رسول الله (ص) يخشى أن يتصدَّر الأمّة الإسلاميّة من يتفنّنون في الخطاب، ويملكون من خلاله القدرة على التّأثير في الجمهور، وهم لا يستخدمونه لإيصال الحقائق إلى النَّاس وتوعيتهم وتنبيههم إلى المخاطر الّتي تحدق بهم وما يؤدّي إلى نهوضهم، بل يعمدون إلى كلّ ما يدغدغ عواطفهم، واللّعب على الخلافات فيما بينهم، وغرائزهم الطّائفيّة والمذهبيّة والسّياسيّة، لتفجير الصّراعات والفتن بينهم، ليعيثوا بعدها في الأرض فسادًا… وهذا هو ما حذَّر منه الله سبحانه عندما قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. ولذلك، كان رسول الله (ص) يريد للسّامعين أن ينتبهوا إلى من يقول وليس فقط إلى ما يقال.
وهنُ الأمَّة أمام الأعداء!
الخوف الثّالث هو ما ورد في الحديث الَّذي يحذّر المؤمنين من الاستكانة إلى كلّ من يريد النّيل من دينهم، ومن عزّتهم وكرامتهم، والعبث بأرضهم وثرواتهم، وجاء فيه: “يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا”. وفي ذلك تحذير منه لأمّته، وأنّه سوف يتكالب عليها من يريدون النّيل منها وتبديد عناصر قوّتها، والعبث بمقدّراتها واستباحة أرضها… كما تتداعى الأكلة إلى وعاء الطّعام، يريد كلّ منهم أن يأخذ منه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. عندها قَالُوا: “وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ”، ويراد بالغثاء ما يحمله السّيل من زبد وأعواد وقشّ وأشياء لا قيمة لها، فيطفو على وجه الماء ثمَّ يذهبه السّيل.
وما يعنيه رسول الله (ص) في ذلك، أنَّ الأمَّة سوف تكون ذات عدد، ولكنَّها بلا وزن حقيقيّ، لأنَّ عددهم الكثير لن يكون له قيمة، وسيكون بلا تأثير وفاعليَّة. ثمّ قال: “وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ”، فيقول قائل: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا – لأنّكم ستتعلّقون بالدّنيا، ولأجل الحصول عليها، ستتنازلون عن مبادئكم وقيمكم وعزّتكم وحرّيتكم – وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ”، عندما تفضّلون الحياة على الموت، عندما تدعو الحاجة إلى التّضحية بالنّفس من أجل الحفاظ على حريّة أوطانكم وحريّة قراركم.
الوفاءُ للرّسالةِ والرَّسول
أيُّها الأحبَّة، لقد أراد رسول الله (ص) من خلال ما حذّرنا، أن يقي أمَّته من الوقوع في الفتن والانحراف والضّلال، وللأسف، فإنَّ الكثير ممّا حذّر منه نراه ماثلًا في واقعنا.
فلنحرص في ذكراه على أن نكون الأوفياء لرسالته، والأمناء عليها، بأن نعمل – كلّ في موقعه – على أن نعالج كلّ ما تعانيه أمّتنا، وهو كثير وصعب، لأنّنا بذلك، وبذلك فقط، نخلص لرسول الله (ص)، والّذي نتوجّه إليه اليوم في ذكراه قائلين: “السَّلام عليك يا رسول الله، السَّلام عليك يا حبيب الله، أشهد يا مولاي أنَّك قد أقمت الصَّلاة، وآتيت الزّكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصًا حتّى أتاك اليقين، فجزاك الله عنَّا وعن أمَّتك خيرًا كثيرًا”.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما حذَّرنا منه رسول الله (ص) وخاف على أمّته من أن تقع فيه، عندما قال: “لا تَزالُ هذِهِ الأمَّةُ تَحْتَ يَدِ اللّه وفي كَنَفِهِ، ما لَم يُداهِنْ قُرّاؤها أُمَراءَها، ولَم يُزَكِّ عُلَماؤها فُجَّارَها، وما لَم يُهَنِّ خِيارُها أشْرارَها، فإذا فَعَلوا ذلكَ، رَفَع اللّهُ عَنْهُمْ يَدَهُ، ثُمَّ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ جَبابِرَتَهُمْ”.
يشير رسول الله (ص) في هذا الحديث إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى لن يؤيّد أمَّةً ولن يسندها، إن هادن أخيارُها أشرارَها، بأن راحوا يجاملونهم ولم يتّخذوا منهم موقفًا، وعندما يعلي الأبرارُ مواقعَ الفجّار، بأن يعظّموا شأنهم، ويثبّتوا لهم حضورهم، ويعزّزوا لهم مكانتهم، رغم فجورهم واستهانتهم بربّهم، وعندما يميل العلماء والواعون في الأمَّة إلى من يملكون مواقع السّلطة، بأن يكونوا من جماعتهم، ويبرّروا لهم أفعالهم ويدافعوا عنهم، ويعطوهم الشّرعيَّة، حتّى لو ظلموا وأفسدوا واستهانوا بمقدّرات النّاس ومصالحهم ومستقبلهم، ليحظوا بما عندهم من موقع أو مال.
إنّنا أحوج ما نكون إلى الاستهداء بهذه الوصيّة، لنكون الأمَّة العادلة الّتي ترفض الوقوف مع الظّلم والانحراف والفساد مهما علا، وبذلك نكون أكثر وعيًا ومسؤوليَّةً وقدرةً على مواجهة التَّحدّيات.
الاعتداءات.. ومسؤوليَّة الدَّولة
والبداية من الاعتداءات الإسرائيليَّة الّتي تستهدف أيّ مظهر للحياة في القرى المتاخمة للشَّريط الحدوديّ، لمنع الأهالي من العودة إليها أو إعمارها، فيما لا تتوقّف الاغتيالات الّتي تطاول اللّبنانيّين، والغارات الّتي نشهدها وشهدناها أخيرًا في بعض المناطق الجنوبيَّة، والّتي استُخدمت فيها الصّواريخ، ولأوَّل مرَّة منذ اتّفاق وقف إطلاق النَّار، ما يدعو مجدّدًا الدّولة اللّبنانيَّة إلى القيام بالدّور المطلوب منها في حماية مواطنيها، وإشعارهم بأنّها حريصة على أمنهم، وأنّها تبذل جهدها في مواجهة هذه الاعتداءات، ولا تدير ظهرها لهم، إن لم يكن على الصّعيد العسكريّ، فعلى الصّعيد الدّبلوماسيّ.
يحصل ذلك فيما لا يزال لبنان تحت وقع القرار الَّذي صدر عن الحكومة اللّبنانيّة بسحب أيّ سلاح خارج الدّولة، والّذي يشمل سلاح المقاومة، بعدما أدَّى إلى الانقسام الّذي حصل حوله، والّذي يخشى من تداعياته، والّذي نأمل أن تبذل الجهود للوصول إلى صيغة تحول دون ذلك.
اتّفاق بلا ضمانات
في هذا الوقت، جاءت زيارة المبعوث الأميركيّ لتثبيت هذا القرار وجمع اللّبنانيّين حوله، لكن من دون أن يحمل معه أيّة ضمانات بأنَّ دولته الرّاعية لهذا القرار ستلتزم بهذا الاتّفاق بايقاف العدوّ لاعتداءاته، وانسحابه من المواقع الّتي يحتلّها، وعودة الأسرى الّذين يقبعون في سجونه، رغم أنَّ ذلك ورد في ورقته الّتي أقرَّت. وهذا يؤكّد ما قلناه سابقًا، من ضرورة إعادة النَّظر بهذا القرار، بغياب أيّ ضمانات بقيام العدوّ بتنفيذ ما عليه، حيث لا يمكن أن يفقد لبنان موقعًا من مواقع قوَّته، فيما لا يزال سيف هذا الكيان مسلّطًا عليه، وفيما لم تتوقَّف اعتداءات العدوّ، وضرورة أن تثبت الدّولة موقفها، بأن لا يتمّ التّعامل مع هذا البلد على أنّه مهزوم وضعيف، بحيث يملى عليه وليس له الحقّ أن يملي، وحتّى أن يناقش.
فلبنان رغم كلّ الَّذي تعرَّض له، لا يزال يملك من عناصر القوَّة، إن هو استفاد منها، ما يؤهّله للوصول إلى ما يضمن سيادته على أرضه وقراره الحرّ عليها.
خطرٌ على المنطقة
لقد آن للّبنانيّين أن يعوا مخاطر هذه المرحلة الَّتي ترسم فيها خرائط جديدة للمنطقة الّتي لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها، والّتي برزت بكلّ وضوح بكشف العدوّ عن نيّاته ببدء تنفيذه لمشروع إسرائيل الكبرى، والّتي يدخل لبنان من ضمنها، وأن يكونوا أمناء على هذا البلد، فيتمسّكوا بسلاح الموقف الثَّابت المصرّ على استعادة أرضه، وحفظ قوّته ومناعته واستقلاله الّذي لأجله قُدّمت التّضحيات الجسام من كلّ أبنائه، وأن لا ينخدعوا كما يراد لهم، بالأماني والوعود المعسولة الّتي تقدّم إليهم، والّتي أثبتت وقائع الماضي والحاضر أنّها لا تسمن ولا تُغني من جوع، وأن تتوحَّد جهودهم في مواجهة عدوّهم بدلًا من مواجهة بعضهم بعضًا، والّتي تضعف موقفهم، وتشتّت جهودهم، وتذهب بريحهم…
ليكن الاستهداف للعدوّ
ولعلّ من المؤسف والمثير للتَّساؤل، أن نسمع أصواتًا من قيادات دينيَّة وأخرى سياسيَّة، ممّن لا يزال يصوّب نيرانه في هذا الوقت، وفي قلب المعركة، على الدَّاخل اللّبنانيّ، باستهداف فئة من اللّبنانيّين ومكوّن من مكوّناته قدّمت أغلى التّضحيات في مواجهة هذا العدوّ، ولا تزال تقدّم، وجراحها شاهدة على ذلك، فيما كنّا نأمل أن تتَّجه مواقف الإدانة نحو العدوّ الّذي كان هو السَّبب في كلّ ما يعانيه هذا البلد بكلّ طوائفه ومذاهبه، والَّذي كان ولا يزال يرى لبنان نقيضًا له، وكلّ اعتداءاته الّتي لم تتوقّف منذ عقود، شاهدة على ذلك.
إنَّ على الجميع أن يعوا أن لا خيار في هذا البلد إلّا بالتّواصل والتّعاون والتّلاقي بين كلّ تنوّعاته، فلا يمكن أن يبنى بلد باستعداء فئة أو مكوّن كان له دوره في بناء هذا الوطن، ولا يقوم الوطن إلّا به.
غزّة.. والصّمود
ونصل إلى غزّة الّتي يهدّد العدوّ مجدّدًا بالسّيطرة عليها، وهو ما يستكمله في الضّفّة الغربيّة.. ومع الأسف، يجري كلّ ذلك تحت نظر العالم، وقد يكون بمباركة من دوله الكبرى.
إنّنا أمام ذلك، نحيّي الشّعب الفلسطيني على صموده وثباته ومقاومته لهذا المشروع رغم قلّة القدرات والإمكانات، كما نحيّي كلّ الأصوات الّتي ترتفع في هذا العالم لمساندة هذا الشَّعب والحريّة له. ولعلَّ من المؤسف أن لا نشهد صوتًا ينطلق من العالم العربيّ أو الإسلاميّ ليساند هذا الشّعب، أو حتّى ليواسيه فيما يعانيه، سوى ما نشهده من الشّعب اليمني الَّذي يصرّ على مساعدة هذا الشَّعب رغم وعيه لحجم التّضحيات الّتي سيتحمّلها لأجل ذلك، فلا ينبغي لهذا العالم أن يشهد مجدّدًا نكبة هي أقسى من النّكبة الأولى، نظرًا إلى التّداعيات الّتي قد تنشأ عنها.
***