مسؤولية الكلمة وتأثيرها

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

قال الله سبحانه وتعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.. صدق الله العظيم..

 

لا يشك أحد بمدى الخطر الذي تتركه الكلمة على حياة الإنسان كفرد أو على استقرار المجتمعات والأوطان..

عندما تخرج الكلمة عن وظيفتها فبدلاً من أن تكون كما أريد لها أداة للتواصل بين الناس، وتفاعل الآراء والأفكار وبث روح المحبة والتآلف وبعث الخير في النفوس، تتحول إلى أداة لزرع الفتن والأحقاد والتوترات أو لنشر الفساد والانحراف والرذيلة.. هو يزداد بعد تطور وسائل الإعلام والتواصل، حيث لم يعد للكلمة حواجز تقف عندها على مستوى الزمان والمكان وصار بالإمكان لأي واحد من موقعه أن يطلقها..

 

وإلى ذلك ورد تحذير رسول الله(ص) عندما قال: "إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغتِ يَكتب الله تعالى بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يَكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه".

 

وقد ورد في الحديث: "رُبّ كلام أنفذ من سهام".

وقد قال الشاعر:

جراحات السنان لها التـئـام *** ولا يلتام ما جرح اللســان

وقد جاء في الحديث: "رُبَّ لِسَانٍ أَتَى عَلَى إِنْسَانٍ"، و"كَمْ مِنْ دَمٍّ سَفَكَهُ فَمٌ".. حتى ورد: "بلاء الإنسان من اللسان".

وهذا يتجلى في الآخرة أيضاً، فعن رسول الله(ص) لما سأله أحد أصحابه وهو معاذ بن جبل عما يدخله الجنة ويباعد من النار.. فأخبره كما يقول الحديث ثم قال له(ص): "ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت بلى يا رسول الله.. قال: كف عليك هذا.. وأشار إلى لسانه.. قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به.. قال:  ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم".

 

ولذلك جاء في الحديث: "يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح وطبعاً الصورة هنا مجازية للدلالة فيقول أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً فيقال له خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام..".

ومن هنا كان تشديد الرقابة من الله على اللسان أكثر من غيره من الجوارح: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}..

فقد وكل الله باللسان ملكاً خاصاً معداً إعداداً خاصاً للقيام بهذه المهمة الخطرة في حسابات الله بآثارها ونتائجها.. قال سبحانه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}..

 

ولهذا عندما رأى أمير المؤمنين(ع) رجلاً يتكلم بكلام من دون وعي وتدبر لطبيعة كلامه أو لنتائجه.. قال يا هذا أتدري ماذا تفعل أنك تملي على حافظتك كتاباً إلى ربك فتكلم بما يعنيك ولا تتكلم بما لا يعنيك..

 

ومن هنا حثت الآيات والأحاديث الإنسان على أن يشدد الرقابة الذاتية على كل كلمة قبل إطلاقها أو كتابتها أو  بثها توقياً لمنزلقات هذه الكلمة ومنعاً من الوقوع في محاذير تبعاتها.. وقد اعتبرت هذا التدبير هو علامة فارقة لتميز المؤمن من غيره..

 

 

ففي الحديث عن الإمام علي(ع): "إن قلب المنافق من وراء لسانه لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلَّم بكلام تدبَّره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه، وإن المنافق يتكلَّم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه".

 

وقد ورد: "لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه"..

وفي الحديث: "صلاح الإنسان في حبس اللسان".. "مَا مِنْ شَيْ‌ءٍ أَحَقَّ بِطُولِ السِّجْنِ مِنَ اللِّسَانِ".. "سلامة الإيمان في حفظ اللسان"

 

ولذلك ورد أن بعض صحابة رسول الله(ص) كانوا يضعون حصاة في ألسنتهم أو يكتبون ما يقولون ويتدبرونه جيداً قبل أن يقولوه حتى يتوقوا تبعات كلماتهم..

 

ونحن عندما نتحدث عن اللسان فلكونه الوسيلة الأبرز للتعبير وإلا الأمر يتعلق بكل وسائل التعبير بما يكتب وبما يدون عبر مواقع التواصل وغيرها.

 

وقد جاءت التشريعات لترسم خارطة طريق للكلمة لا بد أن تتحرك ضمن دائرتها..

وهي تشددت في النهي عن الغيبة والكذب والنميمة والسخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والسب والشتيمة والكلام البذيء والقول بغير علم وبدون دليل واضح، واللغو والكلام اللاهي والخوض بالباطل.

 

وهي في ذلك حملت الإنسان لا مسؤولية الكلمة التي تصدر فحسب بل تداعياتها وآثارها..

ودائماً نذكر بالحديث الذي ينبغي أن لا ننساه حتى نعي جيداً ما تؤدي إليه كلماتنا التي غالباً ما نطلقها من دون حساب أو من دون علم أو بفعل حالة غضب وانفعال.. "أنه يؤتى للإنسان يوم القيامة بقارورة فيها دم ويقال له هذا نصيبك من دم فلان، فيقول أنا لم أقتل ولم أجرح.."، فيقال: ربك لا يسهى ولا يغفل وحكمه الحق، ولكن صدرت منك كلمة إلى فتنة ودم، فأنت مسؤول عنها.. ولذلك يقول سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}..

 

ولم تقف التوجهات الإلهية عند ذلك بل هي دعت الإنسان إلى تفحص الكلمة قبل إطلاقها وإلى حسن انتقائها.. بأن لا يتكلم إلا بالكلام الأحسن على مستوى الفكرة.. الكلام الذي يترك أثراً طيباً على الآذان فلا تمجه الآذان ولا ينفر منه القارئ.. الكلام الذي لا يتسبب بفتنة، بل الذي يدخل إلى القلوب ويحرك العقول..

 

وإلى هذا أشار عز وجل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.. حيث دعا إلى القول الأحسن كما على مستوى الفكر وفي الخطاب وعند الجدال وأثناء الحوار في مواجهة الخصم.. فأنت عندما تقف بين كلمتين لا تختر الحسن بل اختر الأحسن.. لكي تنساب إلى قلب الآخر وعقله فلا يكون هدفك تسجيل النقاط عليه أو تفريغ حقدك بل إطفاء الباطل عنده وتقريبه من الحق أو إدخاله فيه..

 

فبدلاً من أن تواجه المختلف بكلام قاسٍ وجارح وامتهان لشخصه أو لكرامته.. أو أن تقول له أنت على باطل أو أنت كافر أو ضال، قل له استمعت أو قرأت وجهة نظرك، أنا أحترمها.. ولكن لو سمحت لي ببعض الملاحظات وأبديت ملاحظاتك له.. ألا تقربه بذلك إلى فكرك ألا تجعله يصغي إليك..

 

وهذا ما نجده عند رسول الله(ص).. ورسول الله(ص) كان يحرص إذا عرف بخطأ أحد من أصحابه أن لا يواجهه حتى يخدشه، بل يقف أمام الناس وهو بهم ليعظ الناس جميعاً ويوجههم أن لا يقعوا في هذا الخطأ ويبين لهم سبل العلاج.

أما لماذا فلأن الشيطان ينتظر أن تصدر منا الكلمات المشبعة بالعداء والتوتر والحقد والمسيئة والمهينة، ولذلك قال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.. والنزغ يعني في اللغة الإفساد، فالشيطان الحاقد على الإنسان من أولويات مشروعه أن يثير الفتن بين الناس..

 

ونحن بحاجة إلى أن نفتح القلوب بدلاً من أن نغلقها وأن نطفئ نيران العداوة والبغضاء بدلاً من أن نوقدها وأن نؤلف بين النفوس بدلاً من أن نباعد بينها وأن نوصل كلمة الحق والخير بدلاً من أن نبعد عنها..

 

وقد بين الله سبحانه أهمية نتائج هذه الكلمة وآثارها عندما قال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا..}.

 

فقد شبه الله الكلمة الطيبة بالبذرة التي تصبح شجرة والشجرة تحمل الثمار، وفي كل ثمرة بذرة، أو آلاف البذور، وفي كل بذرة شجرة تحمل أيضاً آلاف البذور.. فمن بذرة صغيرة تُصنع غابة كبيرة..

 

هكذا الكلمة الأحسن، الكلمة الطيبة نراها تنتشر تتحرك في كل الآفاق لتستقبلها القلوب وتطلقها كل الألسنة لتعمم السعادة والخير والطمأنينة وتقتلع الأحقاد وتزيل الهموم وتخفف الآلام في كل مكان تصل إليه وهي التي تؤتي أكلها كل حين ويبقى تأثيرها على مدى الزمن..

 

وقد ورد في حديث عن رسول الله: "والذي نفسِي بِيَدِهِ ما أنفَقَ الناسُ مِن نَفقَةٍ أحَبَّ مِن قَولِ الخَيرِ"…

وفي وصايا الإمام الصادق(ع) إلى شيعته: "معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، احفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول".

 

وقد ورد في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع) في ذلك: " حقُّ اللسان إكرامه عن الخنا، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس، وحسن القول فيهم".

 

أيها الأحبة:

إن كلماتنا تمثل التعبير العملي عن شخصياتنا، فكما لا نحب ألا نظهر أمام الآخرين إلا بالمظهر الجميل على مستوى الشكل واللباس.. فلنحرص على أن لا نظهر إلا جميل قلوبنا وعقولنا وكياننا..

 

وهذا لا يعني أن نداري ونجامل الآخرين ونقدم لكل واحد ما يناسبه حتى يقبلنا أو يرضى عنا.. بل نقدم ما نحن عليه بصدق وشفافية وبقالب جميل يتناسب ومنطلقاتنا الدينية والتربوية.

 

إننا أحوج ما نكون إلى الكلمة الطيبة أن نعود ألسنتنا عليها حتى نتقي بها الفتن والتوترات والتشنجات، ومواقع سوء الظن التي تحمل الكلمة المحامل السيئة لشحن النفوس بالكراهية والأحقاد..

 

فبالكلمة الطيبة نتأسى برسول الله(ص) الذي تحدث الله عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..}.

وهي وحدها التي تقبل عند الله.. {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}..

وبها نبلغ ما عند الله الذي يقول: {أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما دعانا إلى أن لا نتكلم بغير علم، وإلى أن ندقّق بالكلمة التي نسمعها، وبالصورة التي نراها، وبالفكرة التي ترد إلى أسماعنا وتطرق آذاننا أو تبلغنا، فهو يريدنا أن نكون الواعين، لكي لا يتلاعب أحد بفكرنا وقناعاتنا ومشاعرنا وعواطفنا، فيأخذنا إلى حيث يريد، بل أن نكون حيث ينبغي أن نكون..

 

وإلى ذلك أشارت وصية الله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}، أي أن لا تتبع إلا العلم واليقين والحجة الدامغة والدليل الواضح البيّن الجليّ، الذي يكون كالشمس الواضحة عند إشراقها، والَّذي تملك أن تشهد الله عليه، وأن تدافع عنه بين يدي من يعلم حقائق الأشياء، ومن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا ينبغي أن تُبنى قرارات أو مواقف أو أحكام على أساس الظن أو الاحتمال أو على أساس ما سمعته أو ما قيل لك، فقد ورد في الحديث: "إن من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك"، و"لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ… الْبَاطِلُ: أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ".

 

وما أكثر الأحكام التي نطلقها ونحصد نتائجها السلبية، ثم نندم ونعتذر! والندم الأساس هو في الآخرة، حين نأتي وقد ظلمنا الناس، وهتكنا حرماتهم، وأسأنا إليهم، حتى يقال لنا: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}، ولذلك، قدِّم حسابك لربك، وانظر ماذا يكون الجواب! ومتى وعينا ذلك، سنكون أكثر دقةً ومسؤوليةً ووعياً، ولن نفرط في إيماننا وفي وحدة أمتنا، وسنكون قادرين على مواجهة التحديات.

 

لبنان

 

والبداية من لبنان، الَّذي لا تزال تعبث فيه الأزمات على المستويات كافة، من دون حلول يشعر معها اللبنانيون بأنهم في بلدهم، وتضمن لهم عيشهم الكريم، وتشعرهم بأنَّ هناك دولة جلّ همها أن تعالج مشكلاتهم وتسهر على حاجاتهم وأمنهم وأمانهم.

 

ونبدأ بسلسلة الرتب والرواتب، التي ينتظر إقرارها شريحة واسعة من اللبنانيين من المعلمين وموظفي القطاع العام، وهي حق طبيعيّ لهم. ورغم أجواء التفاؤل التي تشاع، فإننا لا نجد واقعية لها، فالرافضون على رفضهم، والمطالبون بها لا يعلنون أنّ وراءها ضرائب جديدة، لن تقرّ بدونها، ولن يجازف أحد بفرضها على عتبة الاستحقاقات الانتخابية.

 

أما أزمة الكهرباء، فلا تزال تتفاقم بفعل زيادة التقنين في هذا الصيف الحار، ولا حلول سريعة في ظل التجاذب المستمر حول البواخر وآليات استئجارها. وبالطبع، هذا الأمر لن يكون حلاً للأزمة، فالحل يكون بتوفير معامل لتوليد الكهرباء. وما يبعث هنا على الخجل والأسى، أن تتحضَّر سوريا لتدشين معملين على أراضيها لتوريد الطاقة، رغم الحرب القاسية التي تعاني آثارها منذ سبع سنوات، فيما يعجز لبنان في السلم عن إنشاء معمل للكهرباء.

 

وبالنسبة إلى التعيينات في المواقع الشاغرة في الدولة، فهي لا تزال محكومة للمحاصصة، ولكنها بالطبع ليست محاصصة طائفية أو مذهبية، وإن عنونت بذلك، إنما هي محاصصة بين المواقع السياسية التي تلحظ في التعيينات المنتمين إليها أو القريبين منها أو المحسوبين عليها.

 

وإذا كان هناك من خلاف حول آلية التعيينات، بين من يدعو إلى إبقاء الآلية المعتمدة في السابق، والتي تجعل أمر اختيار الأسماء بيد مجلس الخدمة المدنية، وبين إلغائها، فالآلية السابقة لم تنفذ أصلاً، حتى تجري المطالبة بها، ولن تنفذ في ظل سعي كل فريق للاستئثار بالوظائف لحسابات تتعلق به، لتثبيت موقعه داخل منطقته أو طائفته، أو لتثبيت دوره في أية استحقاقات قادمة..

 

ونحن في هذا المجال، نعيد التأكيد على الجميع الكفّ عن التلاعب بمصائر اللبنانيين ومقدراتهم، ولا سيما في المواقع الحساسة، فنحن نريد الموقع للأمين والكفوء، بعيداً عن انتمائه الديني والسياسي. نعم، نحن مع الأمانة والكفاءة، ولذلك، قلناها ونقولها، إنَّ الكفوء ــ الأمين الَّذي ينتمي إلى أيّ دين أو مذهب غير ديننا أو مذهبنا، هو أقرب إلينا ممن ينتمي إلى ديننا ومذهبنا ولكنَّه لا يتَّصف بالأمانة، ولا يملك كفاءة في عمله، فقرابتنا في مواقع المسؤوليّة هي قرابة الأمانة والكفاءة.

ونبقى في لبنان، الَّذي لا تزال البقعة المضيئة فيه تتَّسع، متمثلةً بالذين يسهرون على أمن البلد؛ هؤلاء الذين تظلّ عيونهم مفتوحة لحماية حدوده الجنوبية من عدو غادر، وحدوده الشرقية من الإرهاب، من خلال تفكيك الخلايا الإرهابية أو السعي لإنهاء البؤرة المتبقية على الحدود، بعد أن أصبح واضحاً خطر استمرار وجودها.

 

وهنا، نثمّن كلّ جهد يبذل لإيجاد حل لهذه البؤر من خلال المفاوضات، تجنباً لمعركة قادمة. وهذه المرة، يجمع اللبنانيون كلهم على ضرورة الحل، بعد أن وعى الجميع خطورة بقائها على الداخل اللبناني. وبالطبع، سيكون الموقف اللبناني هذه المرة بعيداً عن كل الاعتبارات الطائفية والمذهبية التي كانت تعيق أي تحرك في هذا الاتجاه أو أي معالجة لما يجري داخل مخيمات النازحين.

 

العراق

ونصل إلى العراق، الّذي تمكّن بوحدته من تحرير الموصل من الإرهاب الذي عاث فساداً في مساحة كبيرة منه، ليؤكد أن الإرهاب ليس عدواً لفئة عراقية بعينها، بل هو عدو للعراقيين جميعاً.

 

إنَّنا في الوقت الذي نهنئ العراقيين على هذا الإنجاز، الذي يؤكّد حيوية الشعب واستعداده للتضحية بالغالي والرخيص من أجل وطنه، نرى أن هناك طريقاً لا يزال طويلاً قبل الحديث عن إنهاء هذه الظاهرة في الأماكن المتبقية والتصدي للخلايا النائمة، في الوقت الذي لا بدّ من أن نعالج الأسباب التي أدت إلى تغلغل الظاهرة في العراق وتناميها، وهي مسؤولية الدولة وكل القوى الفاعلة، كي لا تولد داعش أخرى بثياب جديدة، وبعناوين جديدة.

 

اليمن

ونبقى في اليمن، لنشير مجدداً إلى استمرار معاناة الشَّعب فيه، وحجم الكارثة الإنسانية التي تحدثت عنها تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، حيث تنتشر فيه الأمراض، وخصوصاً الكوليرا، رغم آثارها الخطيرة، فضلاً عن استمرار مسلسل الموت والقصف والتدمير الذي يطاول البلد بأهله وبنيته التحتية.

 

لقد آن الأوان، رأفة بهذا الشعب، لإيقاف أتون الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات التي هي السَّبيل لحل أزمة هذا البلد، والحفاظ على حقوق مكوناته.

 

فلسطين

وأخيراً، نحيي العملية الفلسطينية البطولية في القدس، التي تأتي كرد طبيعي على ممارسات العدو الصهيوني تجاه القدس والأقصى والتدنيس المستمر له، وهي تأكيد عملي على بقاء جذوة المقاومة لدى الشباب الفلسطيني مشتعلة، رغم كل حملات التيئيس التي تواجههم من الداخل والخارج.

 

وفي الوقت نفسه، ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى الوقوف مع هذا الشعب، في صبره وجهاده، وفي إصراره على الصلاة في المسجد الأقصى، الذي اتخذ الاحتلال قراراً بمنعهم من أدائها فيه، هو الأول منذ العام 1969.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

الموافق: 14 تموز2017م التاريخ : 20 شوال 1438هـ

 

 

Leave A Reply