مسؤوليَّةُ الأهلِ حيالَ أولادِهم في وصايا لقمانِ الحكيم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور}[لقمان: 17]. صدق الله العظيم.

مَنْ هوَ لقمانُ الحكيم؟

أشارت هذه الآيات الكريمة إلى مواعظ عدَّة جاءت على لسان لقمان الحكيم. ولقمان الحكيم كما تذكر سيرته هو من أسوان بمصر، وقد عاصر النبيّ داوود (ع) وأخذ منه العلم، وهو – كما أشار رسول الله (ص) – لم يكن نبيّاً، ولكنَّه كان عبداً كثير التفكّر، حسن اليقين، أحبَّ الله فأحبَّه ومنَّ عليه بالحكمة.

وقد ورد في الحديث عنه عن الإمام الصّادق (ع): "والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسَب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنَّه كان رجلاً قوياً في أمر الله، متورّعاً في الله، عميق النظر، طويل التفكّر… وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء، ويتعلَّم من العلوم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، وكان لا يظعن – أي لا يسافر – إلَّا في ما ينفعه، ولا ينظر إلَّا في ما يعنيه، فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة".

وقد توجَّه بمواعظه إلى ولده، حيث حرص على أن تكون ممزوجة بالعاطفة، وفي ذلك إشارة منه إلى مدى المسؤوليَّة التي كان يشعر بها تجاهه ومحبَّته له، من باب توعيته وتوجيهه للقيام بمسؤوليَّاته تجاه ربه وتجاه نفسه وتجاه الناس من حوله.

وهذه المسؤوليَّة هي ما ينبغي أن تكون هاجس كلّ أهل، ومن أولويات اهتماماتهم، وهي ليست منّة منهم عليهم، بل هي حقّ الأبناء على الآباء.

وإلى هذا أشار الإمام زين العابدين (ع) عندما قال: "وَأمَّا حَقُّ وَلَدِكَ، فَتَعْلَمَ أنَّهُ مِنْكَ وَمُضَافٌ إلَيكَ فِي عَاجِلِ الدُنْيَا بخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَأَنَّكَ مَسْؤولٌ عَمَّـا ولِّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الأَدَب وَالدّلالَةِ عَلَى رَبّـهِ وَالْمَعُونةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَفِي نفْسِهِ، فَمُثابٌ عَلَى ذلِكَ وَمُعَاقَبٌ، فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيِّنِ بحُسْنِ أَثرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، الْمُعْذِرِ إلَى رَبّهِ فِي مَا بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَالأَخذُ لَهُ مِنْهُ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ".

ونحن اليوم سنتوقَّف عند بعض مواعظ لقمان التي وردت في الآيات التي تلوناها، وهناك الكثير منها سنتركه لأحاديث لاحقة، لدورها في بناء أنفسنا.

دعوتُهُ إلى إقامةِ الصَّلاة

الموعظة الأولى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ}. هي دعوة منه لولده إلى إقامة الصَّلاة بأدائها بأجزائها وشرائعها، وهذه الدعوة هي التي توجَّه بها الله عزّ وجلَّ إلى رسوله (ص)، عندما قال له: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَ}. وهذا يعود إلى أهمية الصَّلاة، فالصَّلاة هي أفضل تعبير شكر لله سبحانه، ولذا عندما قيل لرسول الله (ص)، وقد تفطَّرت قدماه من كثرة الصَّلاة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟!".

وكما تساهم الصَّلاة في تذكير الإنسان بربِّه وبمسؤوليَّاته تجاهه، كما ورد في الحديث: فـ"الصَّلاة معراج روح المؤمن إلى الله تعالى"، فقد أرادها الله عزَّ وجلَّ أن تكون صمَّام أمان من الانحراف ووقاية له منه، وإلى هذا أشار الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45].

وقد ورد في الحديث أنَّ أحد صحابة رسول الله (ص) استنكر في محضره (ص) أن يصلِّي الرجل في ما هو يرتكب الفواحش، فقال رسول الله (ص): "إنَّ صلاته تنهاه يوما ما".

وقد جعلت الصَّلاة لتكون كفَّارة لذنوب الإنسان وتطهيراً له منها، ولذلك فسِّرت الآية {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: 114] بالصَّلاة.

وورد في الحديث: "إذا قام الرجل إلى الصَّلاة، أقبل إبليس ينظر إليه حسداً لما يرى من رحمة الله التي تغشاه".

لكن هذا لا يعني أيّ صلاة، بل الصّلاة الواعية والخاشعة، التي يقبل الإنسان فيها بقلبه على الله تعالى وعلى الله وحده، وهي الَّتي دعا إليها الله سبحانه عندما قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون: 1 – 2].

الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكر

الموعظة الثانية للقمان الحكيم، هي دعوته ولده إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأن لا يكتفي بأن يكون عاملاً بالمعروف وتاركاً للمنكر، بل أن يكون غيوراً على إيمان النَّاس من حوله، القريب منهم والبعيد، والهادف إلى دفعهم إلى ترك كلّ قبيح في القول والفعل والمسار، وهذا ما أشار الله إليه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.

وهذه المسؤوليَّة لم تجعل خياراً، بل هي واجب وفريضة على كلِّ مسلم ومسلمة، أشار إليها الله سبحانه عندما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التّوبة: 71]، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104].

فيما حذَّر (ص) أيضاً من ترك هذا الواجب، لما لهذا الترك من تداعيات سلبية وخطيرة على الفرد والمجتمع، ففي الحديث: "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فيولّي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم".

وفي الحديث عن رسول الله (ص): "إنَّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضَّعيف الذي لا دين له". فقيل: وما المؤمن الضَّعيف الذي لا دين له؟ قال: "الذي لا ينهى عن المنكر، ولا يدعو إلى المعروف" خشية الناس.

لكنَّ هذا الواجب لن يحقِّق الهدف المرجوَّ إذا لم يكن بالأسلوب المؤثِّر والفاعل، وهو الذي أشار إليه الله سبحانه بقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النَّحل: 125].

وهو الَّذي أشار إليه الله عندما تحدَّث عن رسوله (ص): {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: 159].

الصَّبرُ على المكاره

والوصيَّة الثالثة لولده هي: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، والَّتي يدعوه فيها إلى أن يمتلك العزيمة والإرادة والقوَّة عندما تواجهه التحديات، سواء تلك التي تتحدَّى إيمانه عندما يدعو إلى المعروف وينهى عن المنكر، أو عند البلاء الذي أشار إليه الله سبحانه، عندما قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 155]، فلا يضعف تجاهها ولا تجاه الأعداء الذين يريدون كسر إرادته، حيث لا تنال مطالب الحياة ولا بلوغ الأهداف ولا ما وعد الله من أجر كبير إلَّا بالصَّبر.

بعدها دعا لقمان الحكيم الإنسان إلى التَّواضع وعدم التكبّر مهما علا موقعه وكبر شأنه وكثرت إمكاناته، وإلى البشاشة وحسن التَّواصل مع الناس ومراعاة مشاعرهم: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان: 18 – 19].

مسؤوليَّتُنا حيالَ أولادِنا

أيّها الأحبَّة: إننا أحوج ما نكون إلى أن نستهدي بهذا النَّموذج الذي قدَّمه الله عزَّ وجلَّ إلينا، بأن نحسن إلى أبنائنا، بأن نحضنهم ونرشدهم ونربّيهم، حتى لا يكونوا أبناءنا بالجسد وأبناء الآخرين بالعقل والمسار، ممن لا يريدون بهم خيراً في الدّنيا والآخرة، ولنعمل بما حذَّر الله به الآباء والأمَّهات، عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التّحريم: 6].

وعلينا أن لا نكتفي بذلك، بل أن نواكبهم، حتى لا يتسلَّل الانحراف إلى فكرهم ومشاعرهم وسلوكهم وأخلاقهم وأهدافهم في الحياة، من خلال الضخّ الذي يتمّ عبر وسائل الإعلام أو مواقع التَّواصل أو الجوّ المحيط بهم، حتى نضمن استمرارهم في السَّير في الاتجاه الصَّحيح، فلا يخدعهم أحد ويملي عليهم ما فيه إساءة إلى دنياهم وآخرتهم، وبذلك نؤدِّي مسؤوليَّتنا تجاههم، ونعذر إلى الله في هذه الأمانات الَّتي أودعها عندنا، فلا يكون حالهم ما أشار إليه سبحانه عندما قال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّ}[مريم: 59]، وحتى لا نخسرهم في يوم الحصاد، يوم القيامة، حيث هناك الخسران المبين: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزّمر: 15].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله (ص) أحد أصحابه، وهو أبو ذرّ الغفاري، عندما قال له: "يا أبا ذرّ، أتحبّ أن تدخل الجنَّة؟ فقال: نعم، فداك أبي يا رسول الله. فقال النبيّ (ص): فاقصر من الأمل، واجعل الموت نصب عينك، واستح من الله حقَّ الحياء… يا أبا ذر، إنَّ ربّك يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجلٌ يصبح في أرضٍ قفرٍ، فيؤذِّن ويقيم ثم يصلِّي، فيقول ربّك عزَّ وجلَّ للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلِّي ولا يراه أحدٌ غيري، فيُنزِل سبعين ألف ملك يصلّون وراءه، ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. ورجلٌ قام من اللَّيل يصلّي وحده، فسجد ونام وهو ساجدٌ، فيقول: انظروا إلى عبدي! روحه عندي وجسده ساجدٌ لي. ورجلٌ في زحفٍ، فيفرُّ أصحابه ويثبت هو يقاتل حتى يقتل".

أيُّها الأحبَّة: إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا، حتى نكون بها أكثر وعياً ومسؤوليَّة وعملاً بطاعة الله عزَّ وجلَّ، وأقدر على مواجهة التحدّيات.

التَّحذيرُ من تداعياتِ الفراغ

والبداية من هذا البلد، حيث يستمرُّ الفراغ في موقع رئاسة الجمهوريَّة، بعدما لم تفضِ الجلسات المتكرّرة لانتخاب الرَّئيس إلى أيّ نتيجة، في ظلّ إصرار القوى السياسية المتمثلة في المجلس النيابي على مواقفها التي بات يحكمها التصعيد، وعدم قدرة أي منها على ترجيح الكفة لحسابه، فيما لم تنفع كل الجهود التي تبذل في الداخل والخارج – حتى الآن – في تليين المواقف والوصول إلى التَّوافق المطلوب على اسم رئيس للجمهورية لتتم عملية الانتخاب، ما يبقي البلد في أتون الفراغ بكلِّ تداعياته إلى أجل نخشى، مع كلِّ اللبنانيّين، أن يكون طويلاً.

ونحن على هذا الصَّعيد، نجدِّد دعوتنا لكل القوى السياسية المتمثلة في المجلس النيابي، إلى القيام بمسؤولياتهم تجاه مواطنيهم الذين يمثِّلونهم، في الإسراع بإنجاز هذا الاستحقاق، والخروج من حال المراوحة التي بتنا نشهدها، والعمل بكلّ جدّ للوصول إلى توافق على رئيس جامع للبنانيّين، قادر على إخراجهم من معاناتهم، وإخراج البلد من المأزق الذي وصل إليه.

إنَّ من المعيب أن يبدو المجلس النيابي الذي يمثِّل تنوّعات المجتمع اللبناني والقوى السياسيَّة الفاعلة فيه، غير قادر على إنجاز هذا الاستحقاق، وفي ظرف عصيب كالذي يمرّ به البلد، وبما يبرر عندها الحديث عن الحاجة لتأمين حصوله إلى تدخل خارجي أو إلى مؤتمر إقليمي أو دولي.

إننا نضمّ أصواتنا إلى كلِّ الأصوات التي تحذِّر من الاستمرار في دوامة الفراغ هذه، وضرورة الخروج منها لتجنّب تداعياته على صعيد الداخل، ولتأمين القدرة على مواجهة الاستحقاقات التي لا تنتظر على الصَّعيدين الاقتصادي والمعيشي أو الأمني للمواطن، أو تبعات التَّغييرات الخطيرة التي لا بدَّ من أن تترك تأثيرها في الساحة اللبنانيّة، سواء ما يجري على صعيد الكيان الصهيوني أو ما يجري في المنطقة والعالم.

وفي الوقت نفسه، فإننا نحذِّر من استحضار الخطاب التصعيدي، والّذي يراد منه شدّ العصب واستمالة الجمهور، نظراً إلى التداعيات الخطيرة التي قد تترتب عليه.

تردٍّ في الواقعِ المعيشيِّ

ونبقى على الصعيد المعيشي والحياتي، حيث يستمرّ التردّي، والذي نشهده في الارتفاع المستمرّ في أسعار السِّلع والموادّ الغذائيَّة والدواء والاستشفاء وكلفة الكهرباء والنَّقل، والذي سيتفاقم عند بدء تنفيذ الضَّرائب التي صدرت في الموازنة.

ومن هنا، فإننا ندعو حكومة تصريف الأعمال إلى أن لا تتسرَّع في البدء بالضَّرائب والزيادات قبل توفير الظروف التي يتمكَّن معها المواطنون من تحملها، وهي لن تتوافر قبل تحريك العجلة الاقتصادية وزيادة الرواتب والأجور.

كما ندعوها إلى تفعيل دورها في مرحلة الفراغ هذه، والقيام بكلِّ الخطوات اللازمة لمنع استمرار البلد في حال التردّي والانهيار، وأن لا تنكفئ عن الدور المطلوب منها لكونها حكومة غير مكتملة الصلاحية، فالبلد لا يحتمل الفراغ حكومياً ولا تشريعياً، رغم إدراكنا أن المجلس النيابي في مرحلة انتخاب، لكن الضَّرورات دائماً تبيح المحظورات.

قانونُ الكابيتال كونترول

ونبقى مع قانون الكابيتال كونترول، والذي وإن جاء متأخّراً، فقد كنا نريده قبل أن يهرِّب كبار المتمولين وذوو النفوذ أموالهم، وقبل أن تصل المصارف إلى الحال الذي وصلت إليه، لكن الحاجة إليه ماسَّة، لضمان انتظام البلد على الصعيد المصرفي ولضمان أموال المودعين.

ومن هنا، فإنَّنا ندعو إلى إقرار هذا القانون، ولكننا لا نريده أن يشكِّل صك براءة لمن أفسدوا وهرَّبوا أموالهم بغير وجه حقّ، أو لحماية المصارف من مطالبة المودعين لحقوقهم عندها.

أمَّا على صعيد مواجهة الفساد، فإننا ندعو إلى ضرورة استمرار العمل بكلّ جدّ ومسؤوليَّة لفتح هذه الملفَّات، وفي كلِّ مواقعها، وعدم ضياعها في متاهات السياسة أو التَّسويات.

العبثُ بالأمنِ التركيِّ والإيرانيّ

وفي مجال آخر، وعلى صعيد التَّفجير الذي أدَّى إلى سقوط العشرات من الضحايا والجرحى في أحد شوارع إسطنبول، والذي استهدف استقرار تركيا، فإنَّنا ندين هذا العمل الإجرامي، وندعو إلى الوقوف بكلِّ حزم في مواجهة من يريدون العبث بأمن هذا البلد واستقراره.

ونحن في الوقت نفسه، ندين كل المحاولات الرامية إلى النيل من استقرار إيران وأمنها، والنيل من وحدتها، إن من خلال العبث بأمنها الدَّاخلي، أو زيادة طوق الحصار عليها وتوسعته، وكلّنا ثقة بأنَّ الشعب الإيراني الذي واجه كلَّ التحديات سابقاً، سيواجهها الآن، ولن يسمح لها بأن تنال منه وتحقِّق أهدافها.

عمليَّةُ سلفيت البطوليَّة

وأخيراً، إننا نحيِّي العملية البطولية التي جرت في سلفيت في فلسطين المحتلَّة، والتي أثبتت من جديد أن الشعب الفلسطيني قادرٌ على تجاوز كلّ الإجراءات التي يقوم بها الاحتلال، وأنَّه لا أمن ولا أمان للمستوطنين في الضفّة الغربيّة وكلّ المستوطنات والأرض الفلسطينية في ظل وجود الاحتلال، وأنَّ كلَّ إجراءات العدوّ من اغتيالات واعتقالات لن تثني الشعب الفلسطيني عن أن يتابع جهاده في مواجهة الاحتلال والإذلال الَّذي يمارسه هذا العدوّ تجاه الشعب الفلسطيني.