مظلوميّة الزّهراء(ع) مظلوميّة الإسلام

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 

الخطبة الأولى

لما اشتدّ المرض برسول الله(ص) ودنت منه الوفاة، دعا ابنته الزّهراء إليه، ضمّها إلى صدره، ثم همس في أذنها بكلماتٍ بكت على أثرها، ثم همس في أذنها ثانيةً، فضحكت واستبشرت.

فقيل لها بعدما خرجت من عند أبيها: ما أسرع الضّحك إلى البكاء! فما الّذي دعاك إلى البكاء أوّلاً، ثم الضّحك؟ فقالت حينها: "ما كنت لأفشي سرّ رسول الله في حياته".

وبعد وفاة رسول الله(ص) وانتقاله إلى رحاب ربّه، أجابت السيّدة الزّهراء على هذا التّساؤل وقالت: "عندما همس أبي رسول الله في أذني أوّل مرّة، وأخبرني أنّه نعيت إليه نفسه، لم أتمالك نفسي فبكيت، ولكن عندما همس في أذني مرّة أخرى، وأخبرني بأنّني سأكون أوّل أهل بيته لحوقاً به ضحكت، وتبدّل حزني فرحاً وسروراً".

أيّها الأحبّة: إنّ حبّ فاطمة الزّهراء(ع) لأبيها، تجاوز حدود العاطفة الّتي تكنّها كلّ ابنة لأبيها، إلى حبٍّ عاش كيان رسول الله الرّوحيّ في نبوّته وفي رسالته، فكان الحبّ الّذي امتزج بقلبها وعقلها حتّى استغرق كلّ كيانها، فكان عقلها عقل رسول الله، وقلبها قلب رسول الله، وحياتها حياة رسول الله.

ورسول الله(ص) أحبّ الزّهراء حبّاً لا يفوقه حبّ، وقد عبّر عن ذلك عندما سئل: من أحبّ النّساء إليك؟ فقال: فاطمة. وهو الّذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى…

الحزن على الإسلام

أيّها الأحبَّة: عندما غادر رسول الله إلى جوار ربّه، حزنت السيّدة الزّهراء(ع) حزناً كما لم يعشه أحد، وحزن الزّهراء كان حزناً عميقاً وممتدّاً ومركّباً…

ولمَ لا تحزن الزّهراء؟!

تحزن لعاطفة الفقد الإنساني، وللألم الّذي يُصاب به كلّ إنسان، حين يشعر بأن شيئاً ما من روحه وجسمه وكيانه وحياته قد انتُزِع منه وسيشقّ عليها مفارقته، فكيف إذا كان هو الأب والعماد والسّند والمحامي؟: "فاطمة بضعة منّي، يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما يؤذيها"، "فاطمة بضعة منّي، يسرّني ما يسرّها، ويغضبني ما يغضبها".

تحزن الزّهراء(ع) على أبيها الّذي ملأ عليها دنياها؛ يمرّ عليها، يحدّثها، يشكو همّه إليها، يجد في بيتها أنسه وأمانه، وعندما يسافر، فإنّ آخر بيت يغادره هو بيت الزّهراء، وعندما يعود فإن أوّل بيت يأتي إليه هو بيت الزّهراء.

وكيف لا تحزن الزّهراء(ع) وأبوها هو من تجسّد رحمةً وعطفاً وحبّاً لكلّ النّاس، فكيف لآل بيته؟ وكيف لبضعته الزّهراء؟

وهو الّذي لطالما أشار إليها وقال: "هي بضعة مني، هي قلبي الّذي بين جنبيّ".

ثم إنّ كلّ هذا الحزن الّذي ألمّ بالزّهراء(ع) على المستوى الشخصيّ، لا يمكن أن نفصله عن المستوى الرّساليّ العام؛ فالزّهراء واحدة من المسلمين الّذين فقدوا هاديهم ونبيّهم، ورسول ربهم وخاتم أنبيائه، الّذي انقطع برحيله وحي السّماء، والّذي به أحياهم بعد جاهليّة مظلمة.

ثم يأتي مستوى آخر لحزن الزّهراء، وهو يتعلّق بما حصل من أحداث متسارعة، رافقت وفاة رسول الله(ص)؛ إنّه الحزن على الإسلام، حيث شعرت بالخطر على مشروع الرّسالة، عندما جعلت الخلافة في غير موقعها الّذي نصّ عليه رسول الله، فذهبت إلى غير وصيّه وحبيبه أمير المؤمنين عليّ(ع).

مظلوميّة الزّهراء

أيّها الأحبَّة: في كلّ مناسباتنا، وكما ذكرنا في أيَّام عاشوراء، تُواجهنا وتلحّ علينا الأسئلة،  فالبعض يحاول أن يعقلن المناسبة بعيداً عن أيّ عاطفة، والبعض يسير بها بلبوس عاطفيّ انفعاليّ فيه جلد للذّات، أمّا نحن، فنقول لا هذا ولا ذاك قد ينصف هذه المناسبة أو تلك، فنحن نحتاج إلى أن يكون حزننا رساليّاً، يتمازج فيه العقل والقلب، لأنّ الحزن البشريّ عاطفيّ وانفعاليّ ويذوي مع الأيّام، إلا الحزن الرّساليّ، فإنّه يصمد ويكبر ويتجذّر مع الأيّام، وإلا كيف نفهم حزننا في عاشوراء الممتدّ منذ ألف سنة وأكثر؟!

وبالنّسبة إلى الزّهراء، أيّها الأحبّة، فنحن نؤكّد دائماً مظلوميّتها، ونبكي لحزنها؛ حزنها الّذي في عمقه لا يدركه إلا الله وأبوها، حزنها الّذي مهما تخيّلناه لن نفهمه، لأنها ليست امرأة عاديّة، وهي سيّدة نساء العالمين، وأبوها هو رسول الله، ومظلوميّتها هي مظلوميّة الإسلام، ولا يمكننا أن نفصلها عنه.

نعم، نحن نتحفّظ، لكن أين؟ نتحفّظ ومع الكثيرين في ضرورة عدم اختصار صورتها بصورة النّائحة، نواحاً معطّلاً للحياة، نواحاً يفقدها خصوصيّتها الرّساليّة وتربيتها، وهي المعلّمة والمربّية، وهي الّتي ما حادت عن تعاليم أبيها.

كانت تكتفي بدموعها الحارّة، تذرفها عند مقام أبيها، حيث ذكره المستمرّ على لسانها. لقد بكت السيّدة الزّهراء(ع) رسول الله بدموع سخيّة، لكنّه بقي بكاء الصّابرين المحتسبين، ونحن لا نوافق على ما يتحدّث به البعض، أنّها جزعت بحيث ضجّ أهل المدينة من بكائها وصراخها، حتّى جاؤوا إلى عليّ(ع) ليحلّ هذه المشكلة، فبنى لها بيت الأحزان. فكيف للزّهراء أن تجزع، وهي تعيش في كيانها وصايا أبيها ورسالته، فلا يمكن لها إلا أن تنفّذ وصيّته، وخصوصاً وصيّته الّتي قال فيها: "يا فاطمة، إذا أنا متّ، فلا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تنادي بالويل والثّبور، ولا تقيمي عليّ نائحة"، ولهذا قال الإمام عليّ(ع): "مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم، فإن فاطمة بنت محمد(ص) لما قُبض أبوها، ساعدتها بنات بني هاشم، فقالت: دعوا التّعداد وعليكنّ بالدّعاء".

لهذا، علينا أيّها الأحبّة، أن لا نقبل أن يتمّ تصوير الزّهراء(ع) بشكل يسيء إلى كونها القدوة لنساء العالمين، وقدوة لكلّ أمّهات وزوجات الشّهداء اللّواتي كنّ بكلّ صبر وتجلّد يرضين بقضاء الله، ويزفنّ أبناءهنّ شهداء له إلى يومنا هذا.

كذلك نحن تحفّظنا ونتحفّظ عن الأخذ بالرّوايات غير المنطقيّة أو غير الثّابتة سنداً ومضموناً، أو الّتي لا تتناسب مع مقام السيّدة الزّهراء(ع)، لجعلها الأساس الّذي ننظر من خلاله إلى شخصيّة الزّهراء، أو من أجل أن نؤكّد مظلوميّتها، فمظلوميّتها هي لسان حالنا وحال كلّ المسلمين المنصفين.

الحزن المسؤول

أيّها الأحبَّة: إنَّ حزن السيّدة الزّهراء(ع) كان كبيراً، ولكنّه لم يكن حزناً معطّلاً، بل انعكس على مسؤوليّاتها الّتي كانت كبيرة، وقد تجلّت في حفظ كلّ التّضحيات الّتي بذلها رسول الله(ص) والمسلمون لتثبيت دعائم الإسلام، وتقوية حضوره، ولا سيَّما أنَّ عناصر الشّرك والكفر والنّفاق لم يتوقّفوا عن الكيد للإسلام، وكانوا ينتظرون أيّ فرصة سانحة للانقضاض عليه وإنهاء وجوده.

 والكثير منكم سمع مراراً كيف تحرّكت فاطمة(ع) مع عليّ(ع) لمنع أيّ فتنة يمكن أن تحدث في الواقع الإسلاميّ ويستغلّها كلّ الّذين يريدون شرّاً بالإسلام، وكانت أمينةً على الشّعار الكبير الّذي أطلقه عليّ(ع) حين أبعد عن الخلافة: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين".

ولذلك وقفت معه، لمنع نشوب حرب داخليّة تجهز على كلّ إنجازات أبيها وأصحابه، ولكن في الوقت نفسه، رفعت الصّوت عالياً، كي تظهر كلّ الحقائق الّتي تتعلّق بسلامة المصير الإسلاميّ وعدم طمسها، ولذلك تحرّكت وبقوّة في كلّ الاتجاهات، وحتّى حين كانت في مرضها، وزارتها نساء المهاجرين والأنصار لعيادتها، أعلنت عدم رضاها عمّا يجري من وقائع لغير مصلحة الإسلام، إذ قالت: "أصبحت والله عائفةً لدنياكنّ، قاليةً لرجالكنّ… وما الّذين نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته لحتفه".

وهكذا تحدّثت إلى رجال المهاجرين والأنصار، حين جاؤوا إليها ليعتذروا عمّا بدر منهم، بعدما سمعوا قولها لنسائهم، وأظهروا النّدم على عدم وضع الحقّ في نصابه.

ولم تقف عند هذا الحدّ، بل ذهبت إلى مسجد أبيها رسول الله، لتعلن الموقف أمام الّذين أساؤوا إليها في حقّها في فدك. وبالطّبع، لم يكن هدفها فدكاً كأرض، بل كقضيّة ظلم، لتشير إلى الظّلم الّذي أخذ يستشري في أمّة رسول الله، ورفعت الصّوت عالياً أمام الّذين ظلموها، وبيّنت الحقائق بالدّليل الدّامغ. وظلّت على هذا الموقف، إلى أن قاربتها المنيّة، فطلبت من عليّ أن يدفنها  ليلاً وسرّاً، وأن لا يسير في جنازتها من ظلمها.

تأكيد الولاء

أيّها الأحبّة: في ذكرى وفاة السيّدة الزّهراء الّتي تمرّ علينا هذه الأيّام، يتجدّد الحزن لوفاة بضعة رسول الله وحبيبة قلبه، لنؤكّد الولاء لمن عبّرت أفضل تعبير عن الموقف الصّلب والجريء والرّافض لأيّ ظلم وانحراف.

ولقد كانت الزّهراء(ع) نموذجاً في الصّبر والجهاد، وكانت مثالاً يقتدى لكلّ بنت وزوجة وأمّ ورساليّة.

في ذكرى وفاة السيّدة الزّهراء(ع)، نستعيد حزن عليّ وحزن الحسن والحسين وزينب(ع)، وهم يودّعون أمّهم الطّاهرة، المملوءة حبّاً وحناناً وعاطفة، الأمّ الّتي لم تعمل أيّ شيء لنفسها، بل كانت حياتها لأجل النّاس، الجار عندها قبل الدّار، الأمّ الّتي لم تعرف راحة ولا هدوءاً.

في هذه الذّكرى، لنستعد ما قاله عليّ(ع) وهو يؤبّن الزّهراء ودموعه تنهمر من عينيه قائلاً:

"السَّلام عليك يا رسول الله، عنّي وعن ابنتك النّازلة في جوارك، والسّريعة اللّحاق بك. قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي، إلا أنّ في التأسّي لي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعزّ. فانَّا لله وإنّا إليه راجعون. فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرّهينة، أمَّا حزني فسرمد، وأمَّا ليلي فمسهّد، إلى أن يختار الله لي دارك الّتي أنت بها مقيم".

والسّلام على الزّهراء يوم ولدت ويوم انتقلت إلى رحاب ربها ويوم تبعث حيّة…

 والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ويكفينا من التّقوى قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر: 73].

ومن القصص الّتي وردت، وفيها من العبر الكثير، القصّة الّتي وردت عن ذي القرنين، فقد جاء أنّه لما أحسّ بدنوّ أجله، قال لأمِّه: "يا أمّاه، إذا أنا متّ، فاصنعي أحسن الطّعام، ثم أحضري إليه كلّ إنسان لم تصبه مصيبة، فليأكل منه، ليكون مأتمي فريداً من نوعه، لا يشبه مآتم بقية النّاس، ويكون لك في ذلك أجمل الذّكر".

فلمّا مات ذو القرنين، عملت أمّه بوصيّته، وصنعت طعاماً فاخراً، ثم دعت جميع النّاس إلا من أصابته مصيبة أو نزل به بلاء.. فلمّا حضر الوقت المعيّن، لم يأتِ أحد من النّاس، فتألّمت لذلك، وقالت: ما بال النّاس دعوناهم ولم يلبّوا دعوتنا مع كلّ هذا الطّعام الفاخر والمقام العالي لذي القرنين عند النّاس؟ فقيل لها: لم تقصّري في الطّعام ولا في الدّعوة، ولكنّك استثنيت من لم تصبه مصيبة، وليس أحد في الدّنيا إلا وقد أصيب بمصيبة أو ابتلي ببلاء، فلا تستغربي، فلن يأتي أحد. فعلمت الأمّ أنّ ذا القرنين أراد بوصيّته أن يعزّيها ويسلّيها بفقده، وأن يريها واقع الدّنيا على حقيقتها، وأنّ الدنيا هي دار مصائب وابتلاءات، فلا نخرج من مصيبة إلا ونقع في مصيبة أخرى؛ من فقد أب أو أمّ أو أخ أو قريب أو صديق أو عزيز، ولا نخرج من ابتلاء، من مرض أو خسارة أو معاناة، إلا ونقع في غيره.

ولذلك لم يرد لنا الله هذه الحياة لنستكين لها، لنحزن على فقد شيء منها، لنتقاتل عليها، كان واضحاً معنا عندما قال لنا: {وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوان}[العنكبوت: 64].. فأعدّوا الزّاد في الدّنيا، لتصلوا إلى تلك الدّار وقد هيّأتم لكم فيها مقاماً أميناً.

فلنتزوّد أيّها الأحبّة، ولنستعدّ لأداء مسؤوليّاتنا، فالمسؤوليّات لا تقف عند حدود ما اعتدناه من صلاة وصوم وحجّ وخمس وزكاة، بل هي أيضاً مسؤوليّتنا عن الحرية والعدل والوحدة ونبذ الفتن، وهو ما نحتاج أن نواجهه، حيث لا يزال العالم العربي والإسلامي يعاني في كثير من مواقعه حالة عدم الاستقرار نتيجة تحدّيات الدّاخل وتدخّلات الخارج.

العراق: الاحتقان المتصاعد

ففي العراق، يستمرّ الاحتقان السياسيّ على أشدّه، من دون أن تبدو حتّى الآن بوادر حلّ. ومع الأسف، بات هذا الاحتقان يُعطى طابعاً مذهبيّاً، حيث الحديث عن غبن مذهب لآخر، ويأتي كلّ هذا وسط التّفجيرات المتنقّلة الّتي تحصد المزيد من الضّحايا، في ظلّ صمت عربيّ وإسلاميّ، وكأنّ الدّم النّازف ليس عربيّاً وإسلاميّاً.

إنّنا أمام هذا الواقع الدّامي، نجدّد الدّعوة إلى القيادات العراقيّة لضرورة التّلاقي والتّواصل وتجاوز الحساسيّات الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة والمصالح الخاصّة، للنّهوض بالعراق وشعبه، ومنع كلّ المؤامرات الّتي تستهدف أمنه واستقراره ودوره الرّياديّ. إنّ المرحلة الصّعبة تحتاج إلى الكبار الّذين يضعون مصلحة العراق فوق كلّ الاعتبارات.

سوريا: لغة الحوار المفقودة

أمّا سوريا، فلا تزال على حالها، حيث يستمرّ نزيف الدّم والدّمار لكلّ شيء، في ظلّ تصاعد الحديث عن الحسم والحسم المضادّ، واستقدام المزيد من السّلاح والمقاتلين، وتضاؤل الحديث عن لغة الحوار والتعقّل.

إنّنا أمام هذا الواقع الّذي بات يدمي قلوبنا، ونحن نرى سوريا الّتي كانت موقعاً متقدّماً في العالم العربي والإسلامي، تصل إلى ما وصلت إليه من اقتتال داخليّ وتدخّل خارجيّ، نعيد تنبيه الجميع في هذا البلد إلى أن لا يسقطوا ضحايا اللّعبة الاستكباريّة الّتي تسعى لاستنزاف كلّ القوى المتواجدة في هذا البلد، القوى العسكريّة والبشريّة والماديّة، ليأتي الحلّ بعد إضعاف الجميع لحساب مصالح الدّول الاستكباريّة، التي لن تكون في أولويّاتها مصلحة سوريا ودورها الرّياديّ في العالم العربي، بل مصالحها في المنطقة وأمن الكيان الصّهيونيّ.

ومن هنا، نجدّد الدّعوة لكلّ الغيارى على هذا البلد، سواء في الدّاخل أو الخارج، بالعمل بكلّ جديّة لإيقاف نزيف الدّم والدّمار، حيث العنف لن يجلب إلا العنف والدّمار والأحقاد وخراب هذا البلد.

وفي هذا الإطار، نحذّر من مخاطر التّداعيات التي تترتّب على ما يجري في الدّاخل السوريّ وانعكاسه على الساحة اللّبنانيّة، والّذي تجلّى أخيراً في القصف الّذي طاول الهرمل ومحيطها، وأدّى إلى سقوط عدد من الضّحايا.

وفي الاتجاه نفسه، لا بدّ من التحرّك لمعالجة ملفّ النّازحين السّوريّين، الّذي تزداد أعباؤه ومسؤوليّاته في ظلّ تزايد أرقامه، وقد تحمل الأيّام القادمة أرقاماً إضافيّة.

يوم الأسير في فلسطين

أمّا في فلسطين، فإنّنا نحيّي وقفة الشّعب الفلسطينيّ في يوم الأسير، مع الآلاف من الأسرى الفلسطينيّين الّذين تعرّضوا ولا يزالون لأبشع أنواع التّعذيب الجسديّ والنفسيّ، من دون أن تقوم مؤسّسات حقوق الإنسان الدوليّة والأمم المتّحدة بواجباتها تجاه هؤلاء، ومن دون أن تخصّص الجامعة العربيّة ومنظّمة التّعاون الإسلامي جزءاً من نشاطهما لحسابهم.

إنّنا نريد لهذه الوقفة أن لا تكون مرتبطة بالمناسبة، بل أن تستمرّ لفضح هذا الكيان العنصريّ وممارساته العدوانيّة الظّالمة.

لبنان: الحلّ بالتوافق الوطنيّ

أمّا في لبنان، فلا يزال اللّبنانيّون ينتظرون حكومة عتيدة تعالج المشاكل والأزمات الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة المتصاعدة، وتتلافى تداعيات ما يجري حولهم، متطلّعين إلى حكومة يتلاقى فيها الجميع بعيداً عن سياسة الغالب والمغلوب، أو سياسة الإقصاء لهذا الطّرف أو ذاك.

إنّنا نخشى أن يكون هناك من يفكّر في هذا البلد بعدم الاستعجال في تأليف الحكومة أو في القانون الانتخابيّ، ريثما تنجلي الأوضاع في المحيط ويعرف مسار الرّياح فيها، في الوقت الّذي نريد لهؤلاء أن يعيدوا النّظر في رهانهم، ونقول لهم: كفانا في هذا البلد رهانات على تحوّلات الخارج، فلقد جرّب الكثيرون ذلك، وراهنوا على تغيير هنا وتغيير هناك، فعانوا وعانينا، ولا نزال نعاني من كلّ هذا الرّهانات، فالبلد محكوم بالتّوافق والتّلاقي والتّعاون بين كلّ أطيافه ومواقعه السياسيّة، إن لم يكن عاجلاً فآجلاً. فلنوفّر على البلد أزماته ومعاناته في سياسة الانتظار، ولنسارع إلى تحقيق توافق وطنيّ، حيث لا حلّ لهذا البلد بدونه.

ومن هنا، ندعو الفرقاء اللّبنانيّين إلى ضرورة الاستفادة من أجواء التّوافق الإقليميّ والدّوليّ على تبريد الأمور، والّتي ساهمت في حصول التّكليف للوصول إلى التأليف بأسرع وقت ممكن.

ملفّ المخطوفين في سوريا

في هذا الوقت، تبقى معاناة المخطوفين اللّبنانيين في سوريا، حيث ندعو الدّولة اللّبنانيّة إلى أن لا تتناسى مسؤوليّاتها تجاههم، وألا تعتبر نفسها في إجازة من هذا الملفّ حتّى تشكيل الحكومة، بل عليها أن تولي هذه القضيّة كلّ اهتمام، وخصوصاً لجهة التّواصل مع السّلطات التركيّة الّتي يمكنها أن تقوم بدور حاسم في هذه المسألة، إضافةً إلى غيرها من الأطراف. وعلى المسؤولين ألا يتوجّهوا باللّوم إلى أهالي المخطوفين وتحرّكاتهم لإطلاق سراح ذويهم، لأنهم صبروا كثيراً، وكانوا نموذجاً في التحمّل، وبالتّالي، فقد آن الأوان لكي تتحرّك الدّولة على أعلى المستويات، حتى يشعر هؤلاء بأنّ هذا الملفّ بات في موقع المعالجة والمتابعة الحقيقيّة، بعيداً عن كلّ مماطلة وتسويف.

تفجير بوسطن: إدانة واستنكار

وأخيراً، إنّنا أمام هذه الموجة من العنف الدّامي الّتي هزّت الولايات المتحدة الأمريكيّة، نؤكد الموقف الإسلاميّ الحاسم منها، في أن التعرّض للأبرياء هو عملٌ محرَّم ومُدان، ولا يجوز بأيّ شكل من الأشكال، ونحن في الوقت الّذي نستنكر التعرّض للأبرياء في كلّ هذه الأعمال والتّفجيرات الوحشيّة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، لا بدّ من أن نرفع الصّوت عالياً مستنكرين استهداف الأبرياء في ولاية بوسطن الأمريكيّة.

ونريد لهذا الاعتداء، على الرّغم من عدم معرفة من قام به إلى الآن، أن يكون مناسبة تجعل أمريكا تعيد النّظر في سياستها تجاه الشّعوب المقهورة والمستضعفة، لتبقى بمنأى عن ردود الفعل أو الخوف من ردود الفعل، فلا أمان لهذا العالم إلا بالعدل وإعطاء الشّعوب حقوقها. فهل تفكّر أمريكا في ذلك، ولو لمرّة واحدة، وعند ذلك ترتاح ويرتاح العالم؟!…

 

Leave A Reply