معركةُ حنين: أسبابُ هزيمةِ المسلمين ثمَّ انتصارهم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ}[التّوبة: 25 – 26]. صدق الله العظيم.

أسبابُ معركةِ حُنَين

في العاشر من شوّال من السنة الثَّامنة للهجرة، وبعد ثلاثين يوماً من فتح مكَّة، مرَّت علينا ذكرى معركة حنين، وقد جاءت هذه المعركة بعدما قرَّرت قبيلتان من قبائل الطائف، وهما هوازن وثقيف، توحيد جهودهما وبناء جيش قويّ لمواجهة رسول الله (ص).

لقد كانوا يرون أنّ قريشاً قد هزمت لأن لا علم لها بالحرب، بينما هم أولو بصيرة في الحرب وتجربة في القتال فسوف نغلبه.. وقد اختاروا لقيادة جيشهم مالك بن عوف النضري، وكان شاباً عرف بالفروسية والشجاعة، فكان في تدبيره أن جعل النساء والأطفال والأموال وراء ظهور أفراد جيشه، وقد برَّر ذلك بقوله: أردت من جعل كلّ رجل أهله وماله وولده ونساءه خلفه حتى يقاتل عنهم…

لما بلغ رسول الله (ص) بتحركات هاتين القبيلتين، سارع إلى استنفار أصحابه، وأعد لمواجهتهم جيشاً كبيراً مؤلفاً من اثني عشر ألف مقاتل، وجهزهم بالسلاح والعتاد الكافي، وقرر أن يسير إليهم..

أثار هذا الحجم الكبير من الجيش إعجاب المسلمين بقدراتهم وعددهم، وأشعرهم بالزّهو ما بلغوه من قوَّة، حتى قال أحدهم: "لو أتينا عدوّنا ما بالينا.. لن نغلب بعد اليوم من قلّة"، رغم أنّ رسول الله حرص على أن ينبّههم إلى أن لا يعجبوا بأنفسهم، ولا يستهينوا بأعدائهم، وأن يلتفتوا إلى ما يدبَّر لهم بالخفاء.

في هذا الوقت، أرسل مالك بن عوف قائد، جيش هوزان وثقيف، ثلاثة جواسيس له ليأتوه بأخبار المسلمين، فعادوا جميعاً فزعين مما شاهدوه من عدد أفراد جيش المسلمين وقدراتهم، لكن قائدهم مالك لم يتراجع ولم يغيّر خطته الَّتي كان أعدَّها باعتماد أسلوب المواجهة المباشرة واعتماد أسلوب الكمائن.. وأمر لذلك أفراداً من جيشه أن يتقدَّموا الصفوف ويختبئوا خلف الصخور في الطريق التي سيسلكها المسلمون، وأن يباغتوهم عندما يصلون، وهذا ما حصل، فما إن انحدر جيش رسول الله إلى أوّل وادي حنين الَّذي نسبت إليه هذه المعركة، حتى خرج هؤلاء من وراء مكامنهم، وراحوا يرمون المسلمين بالحجارة والنبل والرماح، بينما احتوتهم فئة أخرى بسيوفهم، ما خلق فزعاً شديداً في قلوب المسلمين أدَّى إلى أن تتخلخل صفوفهم، ويلوذ بعضهم بالفرار في الوديان والجبال.

وهذا ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى: {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}.

أزعج فرار المسلمين رسول الله (ص)، وبهذه الصورة، ولكنه رأى أنَّ عليه أن يستدرك الأمر، وأن يتخذ موقفاً ليعيد المسلمين إلى ساحة المعركة، لأنَّ أيّ انتصار يحققه المشركون في هذه المعركة، سيودي بكلِّ الإنجازات التي تحقَّقت في فتح مكة.

لذا اندفع رسول الله (ص) إلى ساحة القتال بالقلَّة من أصحابه الذي ثبتوا معه، وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع)، وتحركوا بكلّ رباطة جأش وإيمان وعزيمة وإرادة، ثم دعا رسول الله (ص) عمَّه العباس، وكان صوته جهورياً، إلى أن ينادي بالمسلمين ويستحثّهم على العودة لينضموا إلى رسول الله (ص) والقلة من أصحابه.

بلغت صرخات رسول الله (ص) والعباس مسامع المسلمين، فتجاوب جميعهم، وأخذوا يعودون وبسرعة إلى رسول الله (ص)، وهم يقولون له: لبّيك لبّيك يا رسول الله، وأقبلوا إلى حيث كانت المواجهة مع المشركين في وادي حنين، فأعاد رسول الله (ص) تنظيم صفوفهم، ثم حملوا عليهم حملة رجل واحد. وما هي إلا ساعات، حتى انهزم المشركون بقيادة مالك بن عوف ومن معه، وأعلنوا عندها إسلامهم، بعدما رأوا بأمّ أعينهم أخلاق رسول الله (ص) وسماحته وعفوه.

وبهذا تحوَّلت الهزيمة التي عاشها المسلمون إلى نصر مؤزَّر، ما ثبَّت دعائم الإسلام في الجزيرة العربية، وأوصل صوت الإسلام إلى كلِّ أذن تسمع وعين تبصر وقلب يعي.

منْ دروسِ المعركة

أيّها الأحبّة: لقد كان درس حنُين بليغاً، ونحن أحوج ما نكون إلى التوقّف عند بعض العبر:

أوّلاً: أنَّ النصر لا يتحدّد بكثرة العدد والعتاد ولا بقلّته، فقد نصر الله سبحانه وتعالى المسلمين في بدر رغم أنهم كانوا قلّة في العدد والعتاد، وقد قال الله سبحانه: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللهِ}[البقرة: 249]، وقال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران: 123]، فيما غُلبوا في البداية في معركة حنين رغم كثرة عددهم وعتادهم، ما يعني أنَّ النصر لا يتحقق بكثرة العدد ولا الهزيمة بقلّته، فهو لا يتحقق إلّا بالأخذ بأسبابه؛ من الإيمان بالله والتوكّل عليه، والاستعداد للتضحية في سبيله، ومن الإعداد الجيد، وحسن التّخطيط والإدارة السليمة للمعركة، والتقيد الدقيق بالخطة، وعدم الغرور والاستخفاف بالعدوّ.

ثانياً: لقد أشارت هذه المعركة إلى خطورة الإعجاب بالنَّفس أو الزهو، وما قد يتركه من تداعيات على المستوى الفرديّ، وأيضاً على المستوى الجماعيّ، والتاريخ ينبئنا كم من الدّول والحضارات والجيوش سقطت تحت تأثير شعورها المفرط بالقوَّة، فلم تعد تبالي بكلِّ نقاط الضَّعف الّتي كانت تنخر جسدها، ولم تلحظ مواقع القوَّة المتنامية لدى الآخرين، لذلك حذَّرت الأحاديث من هذه الآفة، حيث ورد: "العجب يفسد العقل"، "العجب يظهر النقيصة"، و"من دخله العجب هلك".

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى تداعيات ذلك في هذه المعركة، عندما قال: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[التّوبة: 25].

ثالثاً: لقد تحدَّث الله في الآيات التي أشارت إلى هذه المعركة إلى نعمة السّكينة والطّمأنينة التي يمنحها الله للمؤمنين، وإلى التّسديد الذي يحظون به ليثبّتهم في مواقعهم، عندما يخلصون النيّة والإيمان والعمل في المعركة. قال الله تعالى: {ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ}[التوبة: 26].

وإلى هذا، أشار الله في آية أخرى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً}[الفتح: 4].

رابعاً: لقد أظهر رسول الله (ص) في هذه المعركة رحمة الإسلام رغم كلّ ما فعل أعداؤه معه ومع أصحابه، عندما عفا عن أسراهم، وعندما سمع أنّ هناك من أصحابه من يريد قتل الأطفال المشركين، ثأراً لما أصابهم في هذه المعركة، قال لهم: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرّية؟! ألا لا تقتل الذرّيّة". فقالوا: يا رسول الله، إنّما هم أولاد المشركين! فقال (ص): "أوَليس خيارُكم أولادَ المشركين؟! كلّ نسمة تولَدُ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانُها".

أيّها الأحبّة: إنّنا أحوج ما نكون ونحن نواجه التحدّيات، إلى أن نستلهم كلّ هذه المعاني التي تجعلنا أقوى وأشدّ وأقدر على مواجهتها، وتؤدّي بنا إلى النصر والعزّة، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع): "اعْلَمُوا، عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وَحُفَّاظَ صِدْقٍ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ، لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ دَاجٍ، وَلاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ، (باب عظيم مغلق) وَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ".. ثم قال: "مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وَأَسْرَعَ الأيَّامَ فِي الشَّهْرِ، وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ!"…

فلنستحضر عندما نكتب، وعندما ننقل خبراً، وعندما نؤيد، اليوم الَّذي نقف فيه أمام الله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}. ومتى وعينا ذلك، سنكون أكثر وعياً وقدرة على مواجهة التحديات.

مسؤوليَّةُ الانتخاب

والبداية من الانتخابات التي ستكتمل فصولها في الخامس عشر من شهر أيار، بعد التي جرت في الخارج، والتي على أساسها سيختار اللبنانيون ممثليهم لأربع سنوات قادمة، ستكون حبلى بالمسؤوليات والاستحقاقات التي تقع على عاتق المجلس الجديد، بعد المنحدر الَّذي وصل إليه البلد، والمعاناة التي تواجه اللبنانيين على كل الصعد، والتي لم يعودوا قادرين على تحمل أعبائها.

ومن هنا، فإنّنا نجدّد دعوتنا للمواطنين إلى أن يكونوا على قدر المسؤوليَّة في اختيار من يمثلهم؛ أن يدرسوا جيداً توجّهاتهم، أن يدرسوا تاريخهم، ومدى صدقهم وأمانتهم وقدرتهم على الصّمود أمام إغراءات المال والسلطة، وكفاءاتهم وإمكاناتهم، ومدى حضورهم على صعيد التشريع أو الرقابة، وهل سيقفون معهم ويعبرون عنهم عندما تواجههم الأزمات والصّعوبات.

إننا لا نريد للبنانيين أن ينطلقوا في خياراتهم من منطلق عاطفي أو عصبوي أو لقاء خدمات قدِّمت إليهم أو أعطيات أو حسابات خاصَّة أو مصالح فئوية، بقدر ما نريدهم أن يفكروا من وحي الآلام التي عانوها ويعانونها، وعلى قدر الآمال التي يطمحون إليها ببناء وطن يريدونه ونريده أن يكون قوياً بسياسته واقتصاده وأمنه، وقادراً على حماية نفسه، لا يتسول ولا يستجدي الآخرين الَّذين لن يعطوه إلَّا بأثمان باهظة، بلداً عزيزاً حراً بعيداً من الارتهان والتبعية، وخالياً من الفساد والهدر الذي أكل أخضر لبنان ويابسه ولا يزال، وبعيداً من السياسات التي جرَّت الويلات على اللبنانيين، سياسات الإلغاء والإقصاء والعزل والتهميش لأيّ طائفة من طوائفه، وأيّ مكوّن من مكوناته.

إن على اللبنانيين أن يعوا أن أصواتهم هي السِّلاح الأمضى بين أيديهم، فلا يضيعوها ولا يفرطوا بها، وأن يضعوها في الموضع الصحيح الذي يُعذرون فيه أوَّلاً لدى ربهم، وبعد ذلك لدى الوطن الذي من واجبهم أن يحفظوه إلى الأجيال القادمة، وأنهم عندما يضعون أصواتهم، فإنّهم بذلك يقررون مستقبلهم ومستقبل أولادهم ومصير وطنهم.

وأنا على ثقة بأنَّ اللبنانيين الذين خبروا المرحلة السابقة بكلّ ما جرى فيها، قادرون على أن يميزوا بين من كان الأمين والصادق والحريص على الوطن وإنسانه ولم يساوم في كل ذلك، ومن أراده بقرة حلوباً له ولمن حوله، ما جعله رهينة الخارج يتلاعب به كما يشاء.

حفظُ المقاومة

إنّ على اللبنانيين أن لا يغفلوا وهم يحددون خياراتهم، أنَّ هناك عدواً يتربص بأمنهم وثرواتهم، ويرى لبنان دائماً نقيضاً لمشروعه العنصري، أن لا يسمحوا لأحد بالتفريط بما تحقَّق من إنجازات وفَّرت لهم الأمن والسَّلام والاطمئنان، وخلقت توازن رعب مع العدوّ يمنعه من استباحة الوطن كما كان يفعل سابقاً، وجعلته يهابهم بعدما كان هذا البلد مسرحاً له.

لذا، فإنه من المؤسف أن هناك من بنى مشروعه الانتخابي تحت شعار نزع سلاح المقاومة، هذا السلاح الذي وجد لحماية الوطن كلّ الوطن، وسيبقى على ذلك.. في وقت يرى الكلّ بأمّ عينه ا العدوّ مستمرّاً في استباحة بره وبحره وجوه وسيادته، ولا يتوانى أن يهدّد ويتوعّد قراه ومدنه، وهو يقوم اليوم بأضخم مناورة عسكرية على حدوده لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها، إن لم تقع اليوم، ففي المستقبل الذي قد يكون قريباً.. وفي وقت يدير ظهره للمطالب اللبنانيَّة، ويستعدّ للبدء بالتنقيب عن النفط والغاز ولو على حساب حقوقنا وثرواتنا.

التفرّغُ لبناءِ الوطن

ونبقى في إطار هذا الاستحقاق الانتخابيّ، لنعيد التأكيد على ضرورة إتمام هذا الاستحقاق الانتخابي بعيداً من أجواء التوتر والانفعال الذي يخشى أن ينعكس على الأرض. ونقول لمن يعيش التوتر في داخله، أن مكان التعبير عن هذا التوتر هو في صناديق الاقتراع؛ لا في أي موقع آخر، فالانتخابات وجدت للتعبير عن خيارات اللبنانيين، وليست لزيادة الشرخ والانقسام بين مكوِّنات الوطن التي لا خيار لها إلا أن تعيش وتعمل معاً.

إنّنا نريد لمرحلة ما بعد الانتخابات أن تكون مرحلة يتفرَّغ فيها الجميع لبناء وطن لا نريده أن يضيع أو يتداعى أو يتسوَّل حتى يحصل على حاجاته وأدنى متطلّباته، أو يستجدي صندوق النقد الدولي لشراء خبزه في مقابل الارتهان لشروط قد تؤدِّي إلى ارتهان البلد لسياسات خارجيَّة تمسّ بثرواته وسيادته.

إننا نريد لكلّ القيادات اللبنانية، سياسيّة كانت أو روحية، أن تعي أن المخرج لعلاج هواجسها ومخاوفها الَّتي تجعلها تنظر بريبة إلى الطوائف الأخرى، هو في عودة الثّقة بين أطرافها، لكنّ ذلك لن يحصل بالتراشق بالاتهامات والتخوين، بل بالحوار البنّاء الموضوعي والهادئ والبعيد من الصخب الإعلامي، والّذي به تزول الهواجس وترتفع الأوهام.

ونحن على ثقة عندها بأنَّ القيادات اللبنانية تستطيع أن تصل إلى موقف موحَّد يعيد بناء الدولة على أسس راسخة، تتيح مواجهة الأزمات على كلّ الصّعد، إن صفت النيَّات وأصغى كلٌّ إلى الآخر بعيداً كن الخلفيات والأحكام المسبقة.

مأزقُ العدوّ

وبالانتقال إلى فلسطين، حيث يستمرّ العدوّ الصهيوني في استكمال مشروعه العنصري الذي أدى إلى نكبة فلسطين، والتي نعيش اليوم ذكراها السنوية، فنراه يواصل ممارساته العدوانيَّة تجاه الفلسطينيين، سواء في الحصار الدائم لقطاع غزَّة لإخضاعه، أو في ممارسته القتل في الضفة الغربية وهدم البيوت والاغتيال، وكان آخر جرائمه هو اغتياله للإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، والَّذي يشير إلى عمق المأزق الذي يعيشه هذا الكيان بعد العمليات التي طاولت عمق كيانه، وإلى خوفه من الصَّوت الذي يفضح جرائمه بحقّ الشعب الفلسطينيّ. ومن هنا، فإنّنا نشدّ على أيدي الشعب الفلسطيني، وندعوه إلى الاستمرار في الدّفاع عن هذه القضيَّة، الذي به وحده يحقّق هذا الشعب أهدافه، ويحصل على حقوقه كاملة غير منقوصة.