معركة أحد: دروس وعبر

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 
قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.. صدق الله العظيم.
 

في الخامس عشر من شهر شوال ومن السنة الثالثة للهجرة خرجت قريش لحرب المسلمين بقيادة رسول الله(ص) في معركة أحد.. وقد أعدت قريش لهذه المعركة كل ما تستلزمه من عدة وعتاد لتحقيق نصر كانت تريده ثأراً لهزيمتها النكراء في معركة بدر ولتستعيد  شيئا من هيبتها..
 

وهي لذلك أخرجت معها النساء كدافع معنوي للرجال على القتال والصمود لأن انهزام المقاتلين أو فرارهم يعني أن تقع النساء في الأسر وهو ما كان يأباه العرب..
 

وصل خبر خروج قريش إلى رسول الله عبر عمه العباس بن عبد المطلب الذي بقي في مكة ولم يهاجر مع رسول الله(ص) إلى المدينة.. فاستشار في ذلك رسول الله(ص) أصحابه، وهذا دأب رسول الله فهو لم يكن يتفرد في قراراته، فقد كان يستشيرهم في كل ما يريد الإقدام عليه رغم أنه لم يكن بحاجة إلى استشارتهم وهو المسدد من السماء ومن قال عنه الله سبحانه وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.. ولكنه كان يريد أن يحيي فيهم روح المشاركة ويحثهم على التفكير معه، فهو لم يقل لهم يوماً أنا أفكر عنكم واستريحوا من التفكير، بل كان يقول لهم فكروا معي وأشيروا علي.. وفي ذلك التزام بأمر أراده الله أن يحكم حياة المسلمين في كل حركتهم ومواقعهم ولم يستثنى منه أحد حتى النبي(ص).. {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}..
 

وعندما كان القرار بملاقاة المشركين خارج المدينة، خرج رسول الله(ص) لملاقاة جيش قريش في معركة غير متكافئة لا من ناحية العدد ولا العدة، فقد كان جيش المشركين يقدر بأربعة آلاف فارس مع كامل العدة والعتاد فيما لم يتجاوز عدد المسلمين السبعماية مع نقص في العتاد، لكن ذلك لم يؤثر في معنويات المسلمين ولا في إرادة القتال لديهم،وهم من نزلت فيهم الآية: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}..

 

وقد اعتمد رسول الله(ص) في هذه المواجهة خطة عسكرية، وكان قوامها أن يحمي ظهر جيشه من التفاف قريش على جيش المسلمين.. ولذلك وضع رسول الله(ص) على مرتفع جبل اسمه "عينين الظفر" مطل على ساحة المعركة وعلى المدينة جماعة الرماة وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم: "انضحوا الخيل عنا بالنبل واحمونا لنا ظهورنا حتى لا يأتونا من خلفنا، إلزموا مكانكم لا تبرحوا منها إن كانت لنا أو علينا فلا تفارقوا مكانكم"..

 

بدأت المعركة ولم يمضِ وقت طويل إلا وتركت قريش أسلحتها وولت هاربة مخلفة وراءها غنائم كثيرة..

في هذه اللحظة اقترف عدد كبير من الرماة خطأً مميتاً عندما قرروا أن يغادروا موقعهم الذين أمرهم رسول الله(ص) بالبقاء فيه رغم تحذير قائد الموقع عبد الله بن جبير لهم، حتى يحصلوا على صفوة الغنائم وحجتهم أن المعركة انتهت والنصر تحقق..

 

هنا استغل خالد بن الوليد الذين كانت عينه على هذه الثغرة قلة عدد الرماة في ثغرة الجبل، فحمل بمن معه من الرجال على الموقع وقتل القلة الباقية عليه وباغت جيش المسلمين من خلفهم في شكل مفاجئ فأمعن فيهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح فتفرقت جموع المسلمين، مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من المسلمين منهم الحمزة عم رسول الله ومصعب بن عمير حتى أشيع أن رسول الله(ص) قد قُتل فيما فر أكثرهم إلى الجبال المحيطة بأرض المعركة وفي الصحراء ولم تبق إلا قلة من المسلمين مع رسول الله ثبتت وبقيت تقاتل وتذب عنه..

 

وقد برزت في هذه المعركة أسماء ممن ثبتوا،ـ برز اسم علي(ع) الذي تذكر الروايات أن سيفه كسر لشدة ما قاتل استبسالاً في المعركة ودفاعاً عن رسول الله(ص)، فجاء إلى النبي(ص) فقال له أن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي فأعطاه رسول الله(ص) سيفه ذا الفقار فما زال يدفع به عن رسول الله(ص).. حتى نزل جبريل ينادي: "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار"، وبرز الصحابي أبو دُجانة الذي جعل جسده ترساً يقي رسول الله به سيوف المشركين ورماحهم ونبالهم وحجارتهم حتى استشهد بين يدي رسول الله وبرز دور المرأة التي كان لها مشاركة فاعلة، حيث يذكر اسم أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية التي قال عنها رسول الله(ص): "ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني"..

 

لقد ساهمت تضحيات تلك الثلة من أصحاب رسول الله(ص) في نجاة رسول الله رغم ما أصابه من جراح، ومن حسن الحظ أن أبا سفيان عندما وصلت إليه شائعة مقتل رسول الله(ص) تراجع عن الاستمرار بالقتال واكتفى بما حصل..

لقد شكلت معركة أحد هزيمة نفسية لكثير من المسلمين وكادت تودي بكل المعنويات التي حصلت لهم في معركة بدر.. لكن الآيات القرآنية التي نزلت أبان المعركة وخلالها كانت كافية لترميم آثار الانكسار ولتؤكد للمسلمين أن خسارة جولة لا تعني خسارة معركة..

 

فقد نزلت أكثر من ستين آية في ذلك وهي وردت في سورة آل عمران على وجه الخصوص، نورد بعضها لتبقى في الذاكرة دائماً ولنستلهم منها معاني الثبات والقوة التي تسندنا في مواجهة أية إحباطات أو تهويلات إعلامية وهزائم نفسية يسعى إليها من لا يريدون خيراً بنا وفي هذه المرحلة بالذات..

 

فمن هذه الآيات الكريمة: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.. فلا يأس ولا إحباط ولا قنوط في قاموس المؤمنين إن هم عاشوا الإيمان..

 

وآية أخرى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..}..

ومن ثم ترد آية عن الثبات: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}..

وبعدها آيات عن مصير الشهداء: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}..

 

لقد جاءت هذه الآيات لتبلسم جراح للمسلمين، وقد أفاض عليها رسول الله من أخلاقه الكريمة.. فهو بعد المعركة لم يعنفهم بل احتضنهم برحمته، لكنه عمل على أن ينفض عنهم غبار الهزيمة، حتى نزلت الآية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}..

 

وهو بذلك حوّل الهزيمة التي حصلت وفي فترة وجيزة إلى انتصار تجلى في الأحزاب وخيبر وتوج في فتح مكة..

إن مسؤوليتنا كبيرة ونحن نستعيد ذكرى معركة أحد.. أن نعي الأسباب التي أدت إلى الهزيمة التي لحقت بالمسلمين بعد نصر مؤزر حتى لا تتكرر الهزيمة.. فللنصر أسبابه الواقعية وللهزيمة أسبابها ولا ينبغي اعتبار الغيب هو العامل الوحيد للانتصار أو الإيمان هو وحده كاف لذلك، هو عامل مساعد لكنه ليس كل شيء..

 

والسبب الأول: هو عدم الانضباط العسكري ومخالفة أوامر النبي(ص) للرماة بالبقاء في الثغر في الجبل والذب عن ظهور جيش المسلمين، فحتى يتحقق النصر فلا بد مع الإيمان وجود خطة عكسرية ولا بد من الالتزام الدقيق بها والأخذ بكل بنودها..

 

السبب الثاني للهزيمة، فهو حب الدنيا والحرص على حطامها والذي دفع بالبعض من جيش المسلمين الانصراف إلى جمع الغنائم ووضع الأسلحة..

وهو ما حذر منه رسول الله(ص) عندما قال: "أخشى أن تُبْسَطَ عليكُمُ الدُّنيا، كما بُسطت على من كان من قبلَكُم، فتَنافَسوها".. فحب الدنيا والتنافس عليها سبب للهزيمة..

 

السبب الثالث: فهو الغرور وفقدان التواضع الذي أصاب بعض المسلمين بفعل الانتصار الذي تحقق في معركة بدر لدرجة أن أنسى بعض المسلمين قوة العدو وجعلهم لا يحذرون خططه ومكره مما أوقعهم فيما وقعوا فيه..

 

لقد استفاد المسلمون من دروس معركة أحد ولذلك تلاحقت انتصاراتهم بعد ذلك في الأحزاب وخيبر والنصر المؤزر في فتح مكة.. وهذا ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار في كل معركة بين الإيمان والكفر..

ولنسأل الله بصفاء قلوبنا أللهم انزع عنا حب الدنيا من قلوبنا واجعل لسان حالنا إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبال إن وقعنا على الموت أو وقع الموت، وأن نكون ممن يستحق وعده لعباده بالنصر والتأييد يا أرحم الراحمين..

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الله المسلمين بعد معركة أحد، فبعد أن عمدت نساء من قريش، ومنهنّ هند زوجة أبي سفيان، إلى التمثيل بجثامين الشهداء، تعاهد المسلمون فيما بينهم، على أنهم لئن أظفرهم الله بالمشركين يوماً، سيمثلون بهم بمثلة لم يمثلها أحد من العرب، وأن الواحد من المسلمين بثلاثين منهم، فنزل جبريل ليبلغهم وصيّة الله لهم: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}.

 

فالإسلام ليس دين انتقام وردود فعل وانفعال، هو يربّي أتباعه على أن لا يغفلوا، وفي أشد الظروف وأصعب الحالات النفسية، عن أن يكونوا عادلين، حتى مع أعدائهم، وأن يكونوا على درجة عالية من الإحسان، حتى لو فعلوا معهم ما فعلت نساء قريش.

 

هذه وصيَّة الله فلنتقبَّلها، ولتكن منهجنا في كلِّ ما نتحرك به، فلا ننطلق من ردّ فعل على ما يتصرف به أعداؤنا معنا. بهذه الروح، واجه رسول الله والمسلمون أعداءهم، وبها نواجه أعداءنا وكلّ التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث لا يزال اللبنانيون ينتظرون أن تفرج لهم القوى السياسيَّة عن الحكومة التي يتحدَّث المسؤولون عن تشكيلها، ويقولون إنَّها تحتاج إلى مزيد من الوقت، من دون أن يوضحوا السّبب، فما السّبب في ذلك؟ هل هو نتاج تعقيدات الداخل؟ وأيّة تعقيدات هي هذه التّعقيدات؟ أم أنه نتيجة عدم الرّغبة عند البعض في إجراء مقاربة موضوعيَّة لما أفرزته الانتخابات، والانصياع لما حدث من تبدّل في موازين القوى، أو أن التأخير هو استمهال يتحدث عنه البعض من الخارج، انتظاراً لمعطيات ستظهر نتائجها في المنطقة، وهي تنعكس على لبنان.

 

ومع الأسف، يحصل هذا الأمر في الوقت الَّذي تعترف كل القوى السياسية، وبالفم الملآن والصريح، بمدى حجم الأزمات التي تعصف بهذا البلد، ولا سيما في هذه المرحلة، حيث الحديث المتواتر عن بلوغ البلد حافة الانهيار الاقتصادي والمالي أو اقتراب الاستحقاقات الدولية ــ الإقليمية، التي سوف تنعكس على البلد، في ظلّ تطورات الوضع الميداني والسياسي في سوريا، أو الضغوط التي تمارس على إيران، وعلى فريق أساسي في الحياة السياسية في لبنان، وازدياد الضغط الأميركي لوضع صفقة القرن موضع التنفيذ، حيث سيكون لبنان أمام استحقاق رفضها، لعدم تضمنها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، وهو ما يؤدي إلى تكريس التوطين، ولو بنحو غير مباشر.

 

إننا أمام ذلك، نعيد دعوة المسؤولين إلى أن يصارحوا اللبنانيين بحقيقة ما يجري على المستوى الحكومي، والسبب الذي دعا ويدعو إلى هذا التأخير، رغم كل ما يجري أو سيجري في الداخل والخارج، فهذا من حقهم.

 

إن من المؤسف أن نجد في هذا العالم من يأتي إلى لبنان، كما حصل في الزيارات الأخيرة، أو من يهتم به ويبدي استعداده لمساعدته، وإن كانت الأسباب مختلفة لذلك، فيما اللبنانيون أنفسهم، وهم المكتوون بنار مشاكله، في شغل عنه.

 

إنَّ على كلّ القوى السياسية التي تمسك بزمام المسؤولية أن لا تكتفي بتوصيف المشاكل، أو بنعي البلد اقتصادياً وإنمائياً، أو بإلقاء التهم على الدولة، كما يحصل، حتى ضاع اللبنانيون ولم يعودوا يعرفون من هي الدولة التي يوجّه إليها الانتقاد، بل بالتراجع لمصلحة الشعب، من خلال تسهيل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على حساب المصالح الخاصة، وتقديم الحلول الناجعة، لإخراج البلد من أزماته، وجعله قادراً على مواجهة التحديات والاستحقاقات.

 

ونصل إلى البقاع، الّذي أثبت، وبالوقائع التي تؤكّدها أجواء الارتياح التي عبَّر عنها المواطنون والقوى السياسية، ما كنا قلناه من حرص أهالي هذه المنطقة وفعالياتها على وجود الدّولة، وأنَّ المشكلة لم تكن في أبناء المنطقة، ولا في القوى السياسية الفاعلة، بل بعدم أداء الدولة لمسؤولياتها أو لعدم إقدامها على ذلك.

 

لكن يبقى على الدّولة أن لا تكتفي بالحل الأمني لكل ما كان يجري في هذه المنطقة، بل لا بد من أن يُواكب ذلك بخطة إنمائية جادة تؤدي إلى تحريك العجلة الاقتصادية، لحماية أبنائها من أن يكونوا عرضة لمن يستغلون حاجاتهم المادية ومتطلباتهم.

 

اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

من جهة ثانية، مرَّ علينا قبل أيام اليوم العالميّ لمكافحة المخدّرات؛ هذه الآفة التي باتت من أخطر الآفات التي هددت البشرية في تاريخها، وتهددها في حاضرها ومستقبلها، بل هي معضلة العصر.. وآثارها لا تقف على المدمنين، بل على أمن المجتمع واستقراره.

 

إنّنا نرى أنَّ مجتمعنا كغيره، وبفعل أسباب عديدة، ليس محصّناً من هذه الآفة، بل هو مستهدف في ذلك، الأمر الذي يتطلَّب من كل الجهات والعناصر أن تتضافر جهودها، بدءاً من البيت والأسرة، إلى المدرسة، إلى كلّ من هو مسؤول ــ والكلّ مسؤول ــ في المجتمع، للتعاون لمنع انتشار هذه الآفة بين فتياتنا وفتياننا وفي المجتمع.

 

ونحن في الوقت الَّذي نؤكّد أهمية ما تنجزه الأجهزة الأمنيَّة في ملاحقة مروّجي المخدرات وشبكات صناعتها وتعاطيها وبيعها وما إلى ذلك، ونقدر هنا الجهود التي تبذل، إلا أنّنا نرى أن هذا العمل الأمني ليس كافياً وحده، بل لا بد من أن يواكب بخطة تنموية متكاملة، تتحمل فيها الدولة والأحزاب والهيئات المدنية والأهلية والرسمية المسؤولية في عملية التنسيق والتعاون لمحاصرة هذه الآفة وتحصين مجتمعنا منها.

 

إنّنا نريد لهذا اليوم أن يكون يوم استنهاض لمواجهة هذه الظاهرة، بالوقاية والعلاج، وإخراج من وقعوا فيها من مأساتهم.. ونحن بدورنا، ومن موقع مسؤوليتنا في مواجهة هذه الظاهرة، وضعنا الحجر الأساس لبناء مؤسسة تعنى بذلك.. ونأمل أن نوفّق من خلال الطيّبين أمثالكم لإنجازها.

 

حادثة حي السلم

ونقف عند الحادث المؤسف الذي حصل في حي السلم والذي أودى بحياة شاب بطريقة مأساوية يدل ذلك على ارتفاع نسبة التوتر والعصبية ومنها مؤخراً العصبية الكروية التي تتحكم في واقعنا ما يؤدي إلى استسهال القتل والذي يحتاج إلى معالجة جادة وإلى دور ينبغي أن يقوم به الباحثون في الشؤون التربوية والاجتماعية والأخلاقية.

 

 

ذكرى رحيل المرجع فضل الله

وأخيراً، نلتقي بعد أيام، في الرابع من تموز، بالذكرى السنوية الثامنة لرحيل سماحة المرجع المجدد السيد محمد حسين فضل الله (رض)، الذي نعمنا بوجوده ردحاً من الزمن في حياتنا معه.. حين حلَّق بنا في فضاء الروح والخلق والإنسانية والوعي والمعرفة، وشعرنا من خلال مواقفه وحكمته بالعزة والكرامة والحرية والقوة والعنفوان، وبأنَّ هناك جسراً مفتوحاً يربطنا بالآخر، أياً كان هذا الآخر، إنساناً أو ديناً أو مذهباً أو موقعاً سياسياً.. حيث لا انغلاق معه ولا عصبية ولا تقوقع، بل العقل مفتوح والقلب مفتوح والبيت مفتوح.

 

ونحن، وبعد ثماني سنين على غيابه، لم نشعر للحظة واحدة بأنه غائب أو بعيد عنا… هو حاضر نراه في فكره الحيّ، وفي وصيّته المتحركة، وفي فقهه المتجدّد دائماً، وفي دوره الرسالي، وفي المؤسّسات التي تركها بين أيدي الناس الذين شاركوه فيها.

ولقد وفت الأمّة للسيّد (رض) في كل ما قدمت، ولا تزال، في حضورها في كلّ ميادينه.. وفي يوم الأربعاء، سنكون معاً لنجدّد له عهد الوفاء، لا لشخصه، بل للرسالة التي آمن بها، وللمسؤوليات التي عهد إلينا بها، وللقيم التي أفنى حياته وتحمل ما تحمل من أجل تثبيتها..

نسأل الله له الرحمة وعلو الدرجة، إنه مجيب الدعوات.

 

Leave A Reply