معركة بدر الكبرى: دروس وعبر

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.صدق الله العظيم

 

في رحاب هذا الشهر المبارك شهر رمضان، وفي مثل هذا اليوم في السابع عشر منه، نستعيد ذكرى معركة بدر، ذكرى الانتصار الذي حققه الله للمسلمين بقيادة رسول الله(ص) على جبروت قريش وطغيانها.

 

لقد شكل هذا الانتصار محطة تحوّل في الجزيرة العربية، فقد كسر هذا الانتصار التفوق و الكبر الذي كانت تعيش عليه قريش منذ زمن ، وهي التي كان يقال عنها "ما ذلت منذ عزت" وأصبح المسلمون بعده قوة تهاب ويحسب لها حساب وهو أسس للانتصارات التي حصلت بعده…

 

حتى سمى القرآن الكريم هذا الانتصار بيوم الفرقان لكونه اليوم الذي انقلبت فيه كفة التوحيد وما جاء به رسول الله بعد ما كان يميل قبله لمصلحة الشرك والمشركين..

 

ونحن عندما نستعيد هذه الذكرى لا نستعيد بذلك انتصاراً حققه المسلمون في التاريخ فحسب.. بل لنأخذ منه دروساً وعبراً نحن أحوج ما نكون إليها في هذه المرحلة حيث يشتد الصراع بين الحق والباطل وبين العدل والظلم وحتى نستلهم معاني هذا الانتصار لنوفر شروطه وحتى يتكرر كل مكان وزمان.

 

لقد كانت البداية حين نزلت الآية {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} والتي أذنت لرسول الله(ص) وللمسلمين بالقتال بعد أن صبروا طويلاً على أذى قريش والذي لم تقف حدوده عند ما جرى لهم في مكة من تعذيب وحصار ومؤامرات وصلت إلى حد السعي لاغتيال رسول الله(ص)، بل تمادت قريش في طغيانها حين راحت تؤلب اليهود و القبائل في داخل المدينة وخارجها على المسلمين للنيل من قوتهم وإضعافهم و تعد العدة لذلك.

 

و في ظل التهديدات و الإعتداءات المتواصلة والمتكررة من قريش, كان رسول الله(ص) يعلم أنّ الرئة التي تتنفّس منها قريش هي الطريق الذي كانت تسلكه قوافلها التجاريّة، الممتدة من مكة إلى الشام، وهذا الطريق يمر بمحاذاة المدينة، فكان قراره لإضعاف قريش بتهديد هذا الطريق.. ولم يكن الهدف من هذا التهديد هو سلب هذه القوافل كما يحلو للبعض أن يتحدث، بل الضغط على قريش حتى ترعوي عن غيها من التعرض لهذا الدين الجديد وتمنع عن تأليب الناس عليه وتسمح للمسلمين بحرية المعتقد و الدعوة.. الى ما يؤمنون بما دعاهم اليه الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وكانت أداة التّنفيذ لديه سرايا مقاتلة، خفيفة الحركة، مهمّتها أن تعيق حركة قوافل قريش..

 

لم تعبأ قريش بهذا اللون من التهديدات ولم تقم برد فعل عنيف لكن الامر تغير عندما خرج رسول الله (ص) ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من المهاجرين والانصار الى منطقة دفران على مقربة من بدر للاستيلاء على قافلة لقريش فيها جل أموالها والتي كان من المقرر أن تمر من هناك يومها وصل الخبر الى ابي سفيان قائد القافلة عبر عيون فعدل مسيرة قافلته واختار مساراً آخر جعلها تفلت من أيدي المسلمين فخرجت قريش بعد ما علمت بالأمر من مكة بكل رجالاتها بجيش يقدر بألف فارس بقيادة أبي جهل وهي لم تتراجع رغم افلات أبي سفيان ونجاة قافلته لإعادة هيبتها ورأت أنها فرصتها للقضاء على رسول الله والمسلمين معه.

 

وصل خبر خروج جيش قريش الى رسول الله (ص) فما كان منه الا أن استشار أصحابه. فقد كان رسول الله(ص) بين خيارين إما أن يرجع إلى المدينة وإما أن يقاتل من حيث كان متمركزا وهو الذي لم يعد نفسه للقتال لا من حيث العدد ولا من حيث العدة.. وقف يومها أحد المهاجرين وهو المقداد بن عمرو وقال: "يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لنبيّعن موسى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون..

 

و كذلك كان موقف الأنصار فوقف سعد بن معاذ وقال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، وأعطيناك عهودنا ومواثيقنا على السّمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت ونحن معك، فوالدي بعثك بالحقّ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته، لخضناه معك، وما تخلّف منّا رجل واحد.. إنا لصُبر في الحرب، صُدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقَر به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله..".. فعزم النبي(ص) على القتال و استعد لذلك رغم قلة العدد والعتاد مسدداً بثقته بالله وأنه لن يخذله وأن الله عند وعده حين قال "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين"

لما رأى رسول الله(ص) جموع قريش قد أقبلت بعديدها وعدتها توجه إلى ربه بالدعاء: "اللَّهمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهمّ فَنَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتنِي.. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض أبداً"..

 

وبدأ القتال والتحم الجيشان، حيث أبدى المسلمون شباباً وشيوخاً وفتياناً بسالة واستعداداً للتضحية قل نظيرها، حتى أن أحدهم ويدعى عمير بن الحمام قال للنبي(ص) وفي يده تمرات يأكلهن، يا رسول الله: بَخٍ بَخٍ، ما بيني وبين أَن أَدخل الجنة إِلا أَن أقتل في سبيل الله، ثم قذف التمرات من يده ليسرع الى لقاء ربه ولا يتأخر حتى ينتهي من ثمراته وقاتل حتى استشهد.. وجاء المدد الإلهي ليعزز موقعهم المعنوي و الإيماني والذي تحدث عنه الله بقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} أما موارد الاستجابة فهي أولا :  أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *أما ثانيا": إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وثالثا": وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * ورابعا":إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ }..

 

ولم يمض وقت طويل حتى يتحقق النصر المؤزر للمسلمين بفعل جهادهم وتضحياتهم وتسديد الله لهم وفرت قريش من أمامهم وهي تجر أذيال الخيبة والهزيمة التي لم تعهدها، بعد أن قتل منهم سبعون من رجالها، أبرزهم أبو جهل وأمية بن خلف وأسر سبعون.

 

لقد أظهرت هذه المعركة والتي هي أول معركة يخوضها المسلمون عن مدى الحكمة التي تجلت في قيادة رسول الله(ص) وإدارته لها وعن شجاعته.. والذي قال عنه علي(ع): "لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله(ص) وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً".. وعن الدور الذي قام به علي(ع)، فقد قتل نصف قتلى بدر وهو شارك المسلمين في النصف الآخر، وعن مدى حرصه على رسول الله(ص)، فقد كانت عينه لا تفارقه حتى أنه كان يترك المعركة بين الحين والآخر ليتفقده.. وقد روى عنه أنه كان يأتي إليه فيجده ساجداً وهو يقول يا علي يا عظيم..

 

وبعد الانتهاء من المعركة، عدّل الرّسول(ص) قواعد التعامل مع الأسرى.. حين فرّق الأسرى بين أصحابه ليكونوا معهم في بيوتهم وعبر عن الخلق الإسلامي في التعامل معهم، وقال لأصحابه: استوصوا بهم خيراً.. وأطعموهم من أحسن ما يطعمونه أهليكم ووصل الأمر ببعضهم أنّهم كانوا يقدّمون إلى الأسير خير ما في المنزل من طعام… بعد ذلك رد كلّ أسير افتداه أهله بالمال إليهم، أمّا الفقراء الّذين لم يجد أهلهم ما يفتدونهم به، فقد أطلق سراحهم من غير فدية، على أن يُعلّم واحدهم عشرة من أولاد الأنصار القراءة والكتابة.

 

أيّها الأحبّة:

نتعلم من انتصار بدر الثبات، فلم يخضع المسلمون في بدر للتهاويل ولا لحرب الأعصاب.. ولا للماكينات الإعلامية التي كان تصور قريش بأنها قوة لا تقهر، ما ذلّت مذ عزّت".. لقد أزال هذا الانتصار القناع عن هذه الأسطورة وأظهرها على حقيقتها وعلّمنا عدم الخضوع للأوهام ولا للإعلام المضلل بل أن نعيش الثقة بالله أولاً ومن خلاله بالنفس من دون اكتراث لما يثيره الطغاة في الإعلام والدعاية..

 

وقد جربناه في لبنان في مواجهة الاحتلال الصهيوني، حيث مضت عقود من الزمن، والإنسان العربي يعيش وهماً اسمه الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، إسرائيل زرعت في أذهاننا أنها متى شاءت تستطيع أن تغزو، وتقتل وتصادر، وأن لا جيش عربياً يستطيع الوقوف في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، ليعروه وليظهروا هشاشة هذا العدو..

 

لقد خلدت لنا معركة بدر مشاهد ومواقف تفسر لنا كيف يمكن للعين أن تقاوم المخرز.. والحقيقة القرآنية: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}.. والأثر الذي يتركه الدعاء الذي هو السلاح الأمضى في التحديات وعند أي غم أو هم طبعاً هذا لا يعني عدم العمل فهو لا بد أن يكون باعثاً للعمل لأن الله لا يستجيب لعباده إلا وهم في مواقع العمل والجهاد

هي، لم تكن مشهداً مضيئاً من الزمن فحسب، ولكنها كانت مشهداً مؤسِّساً، ومنارةً لكلّ دعاة الحرية والتعبير في مواجهة الظلم والاستعباد والقهر..

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين…

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين، عندما توجَّه بوصيته إلى ولديه الحسن (ع) والحسين (ع) وكل من بلغه أمرها، ومن خلالهما إلى كلّ المؤمنين: "أوصيكم بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما رسول الله (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام.. وإنَّ البغضة حالقة الدّين، ولا قوّة إلا بالله، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم، يهوِّن الله عليكم الحساب..

 

الله الله في الأيتام، لا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: من عال يتيماً حتى يستغني، أوجب الله له الجنّة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النّار. والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم، والله الله في جيرانكم، فإنَّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصينا بهم حتّى ظننَّا أنّه سيورّثهم.

 

والله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنّه إن تُرِك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به مَنْ أمَّه، أن يغفر له ما سلف من ذنبه.. والله الله في الصَّلاة، فإنّها خير العمل، وإنّها عمود دينكم. والله الله في الزّكاة، فإنّها تطفئ غضب ربِّكم، والله الله في صيام شهر رمضان، فإنَّ صيامه جنّة من النّار.. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معايشكم…".

 

ثم قال(ع): "قولوا للنّاس حسناً، كما أمركم الله عزّ وجلّ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فيولي الله الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتّواصل والتّباذل والتبارّ، وإيّاكم والتّقاطع والتّدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتّقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

 

أيّها الأحبّة، ونحن نستعيد في التّاسع عشر من هذا الشهر المبارك، ذكرى اليوم الذي خضبت فيه لحية أمير المؤمنين الشريفة بدمه الزاكي، وهو يتعبد لله في صلاته، علينا أن نعي أنَّ علياً لن يكتفي منا بأن نعبر عن ولائنا له بأن نبكيه ونذرف الدموع عليه، هو يريدنا أن نكون على صورته، أن نعمل بوصيّته، أن نتّخذها منهاجاً، فبذلك نخلص لعليّ، ونتابع مسيرته، ونواجه التّحدّيات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي تتواصل فيه اللقاءات والاتصالات لتشكيل الحكومة العتيدة الّتي ينتظرها اللبنانيون، في ظل إبداء كل القوى السياسية حرصها على أن تبصر النور في المدى القريب، وإن كانت الوقائع لا تؤكّد ذلك، بعدما رفعت هذه القوى سقف مطالبها وشروطها، وبعد عدم وضوح مدى التداخلات الإقليمية والدولية، إلى حدٍّ يصعب الحديث معه عن ولادة قريبة لها، أسوة بأكثر الحكومات السّابقة.

 

ونحن في هذا المجال، نعيد التأكيد على القوى السياسية أن تتواضع في مطالبها، وأن تخرج من حساباتها الخاصّة ومصالحها إلى حساب الوطن، لتسهيل مهمّة رئيس الحكومة المكلّف وولادة الحكومة، بعدما أصبح واضحاً، وبما لا يقبل الشّكّ، مدى الأخطار الّتي تحدق بالداخل اللبنانيّ، بفعل تفاقم الوضع الاقتصاديّ والأزمات الاجتماعية والمعيشية وارتفاع نسبة البطالة، إضافةً إلى ما يجري في الخارج، حيث التجاذب الدولي والإقليمي على أشدّه في أكثر من ساحة، وهو يأخذ بعداً عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وعقوبات مالية، والّذي ما كان لبنان بمنأى عنه وهو لن يكون كذلك في المستقبل. ونحن في الوقت الذي ندعو إلى الإسراع إلى تأليف الحكومة لإكمال عقد المؤسسات الدستورية، فإننا لا نريدها أية حكومة وكيفما كان.

 

لقد وعد اللبنانيون بأن محاسبة العهد الجديد وتقويم أدائه ستكون بعد الانتخابات وما ينتج منها. ولذلك، هم ينتظرون أن تكون هذه الحكومة؛ حكومة العهد، على مستوى الآمال والطموحات التي وعدوا بها، بأن تكون حكومة كفاءات تقدم فيها القوى السياسية أفضل ما عندها والقيام بأعباء الوزارات التي ستتولاها.. أن تكون حكومة تعمل وتنتج، لا حكومة مناكفات وصراعات، حكومة خالية من الفساد والصفقات، حكومة تخطط لا ترتجل، حكومة تعمل لمصلحة مواطنيها كل مواطنيها، لا حكومة يستغل كل عضو فيها موقعه الوزاري لحساب طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي.. حكومة تزيل آثار الماضي وإحباطاته..

 

لقد أصبح من الملحّ أن تستعيد الدولة ثقة مواطنيها، وثقة العالم بها، وهو الّذي يتحدّث عن أزمة تطبع الحياة السياسية والأداء الحكومي في هذا البلد.

 

لقد كشف مؤتمر سيدر الأخير عدم ثقة المانحين بإدارة اللبنانيين للملفات التي يراد دعمها، لحجم الفساد المستشري وانعدام الشفافية.. ومن هنا، وحرصاً على هذا البلد، فإننا نقف مع كل الداعين إلى اصطفاف جديد بعيد من كل الاصطفافات التي أدت إلى انقسام اللبنانيين، إلى اصطفاف عنوانه وطن جامع ومواجهة واسعة لمكافحة الفساد.. وطبعاً لا تشتمل على الفاسدين.

 

إننا نأمل أن تنشأ هذه الجبهة، سواء داخل الحكومة أو خارجها، بعد أن أعلنت كل القوى السياسية حرصها على مواجهة الفساد، لتشكيل وسيلة ضغط على كل من لا تزال تسول له نفسه بأن يجعل من البلد بقرة حلوباً له.. ودائماً نؤكد أن مهمة مواجهة الفساد ليست سهلة، بعدما تجذر الفساد ومد أذرعه وأمن له شبكة مصالح من الصعب تفكيكها أو إزالتها..

 

وبالانتقال إلى ما يحصل في البقاع، الذي تصاعد الفلتان الأمني فيه إلى حد غير مسبوق، وراح يهدد حياة المواطنين وأرزاقهم وممتلكاتهم.. فإننا في هذا المجال، في الوقت الذي نرفض اتهام هذه المنطقة بأنها خارجة عن القانون وعن منطق الدولة، ونرفض اعتبار أهلها مدانين.. نرى أن من يقوم بذلك فئة قليلة لا تمثل طابع هذه المنطقة وجل مواطنيها، وهي التي كانت ولا تزال تشكل خزاناً أساسياً للقوى الأمنية، من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام، وندعو الدولة إلى القيام بمسؤولياتها، وأن تستعيد هيبتها، وأن تفرض النظام على هذه المنطقة..

 

ولكننا من باب الواقعية، وحرصاً على إتمام هذه المهمة، نرى ضرورة وقوف القوى السياسية الفاعلة مع الدولة في أداء مهمتها، ورفع الغطاء الكامل عن المطلوبين والمثيرين للشغب، لا أن تكتفي بالإعلان عن هذا الدعم، ولا تتحمل التبعات التي تحدث من أي خطوة أمنية قد تقدم عليها..

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 17رمضان1439هـ الموافق:1 حزيران 2018م
 

Leave A Reply