مقابلة موقع النشرة الإلكتروني : الحُسين لدُعاة التفرقة: لا تقتلوني ثانيةً! (1)

 

 
 
كُتِب الكثير عن ذكرى عاشوراء..
 
كُتب الكثير عن طقوس إحياء الذكرى، وعن الجدل القائم بين المدارس الإسلامية المختلفة حول شرعية ووظيفة بعض هذه الطقوس، وكُتب الكثير أيضاً عن مفاهيم الثورة الحُسينية والدروس والعِبَر التي تختزنها في الداخل..
لكن، أبعد من كلّ ما كُتِب، بقيت المفاهيم المزيّفة التي وجدت للأسف الشديد من يتطوّع لنشرها من دون حسيبٍ أو رقيبٍ، حتى باتت في أذهان الكثيرين وكأنّها أمرٌ واقعٌ، مفاهيم تحاول حصر ثورة الإمام الحسين في إطارٍ مذهبيٍ ضيّق، بل يسعى بعضُها إلى تصوير المناسبة وكأنّها لزيادة الفُرقة لا العكس..
 
خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي‌ أُمَّةِ جَدِّي‌
 
"إنِّي‌ لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً وَلاَ ظَالِماً؛ وَإنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاَحِ فِي‌ أُمَّةِ جَدِّي‌"، بهذه العبارات، أطلق الإمام الحُسَين ثورته التي أضحت مدرسة بكلّ ما للكلمة من معنى، مدرسة في تحدّي الظلم والاستبداد، مدرسة في الوفاء والإخلاص، وقبل كلّ ذلك في التضحية والفداء.
هي ثورةٌ تحمل عنوانَ الإصلاح، وبالتالي تمسُّ الإنسانَ بصفته الإنسانيّة أولاً وأخيراً، بغضّ النظر عن انتماءات هذا الإنسان الطائفية والمذهبية، وما يُقال بخلاف ذلك لا يخدم سوى تشويه صورتها والتقليل من شأنها، عن سابق تصوّرٍ وتصميم. هو لسانُ حال العلامة السيد علي فضل الله، خطيبُ وإمامُ مسجد الإمامَين الحسنَين، إذ يلفت، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ شخصية الإمام الحسين هي شخصية إسلاميّة عامّة يؤمن بها كلُّ المسلمين دون استثناء ويقدّسونها ويجلّونها، موضحًا أنّهم جميعاً ينقلون عن النبي محمد قوله "حُسَيْنٌ مِنّي وأنا من حُسَين"، كما يوردون أيضاً الحديث "الحَسَنُ والحُسَيْنُ سَيِّدا شباب أهل الجنّة"، وكذلك أنّ "الحَسَنَ والحُسَيْن إمامان قاما أو قعدا".
وفيما يخلص السيّد فضل الله إلى أنّ تقديس شخصية الحُسين هو أمرٌ جامعٌ لكلّ المسلمين، يلاحظ أنّ الذين استُشهدوا في كربلاء أيضاً هم إمّا كانوا من نسل الحُسَين ونسل رسول الله وعلى هذا المستوى كان لهم موقعهم في نفوس كلّ المسلمين وذلك انطلاقًا من قوله تعالى "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى" (سورة الشورى – الآية 23)، أو من أصحاب الحسين والكثير من هؤلاء كانوا من أصحاب رسول الله، وبالتالي هؤلاء لهم قداستُهم أيضاً عند كلّ المسلمين، ومن لم يكن من أصحاب رسول الله فهو كان من الذين يُعرَفون في الواقع الإسلامي بالتزامهم وإيمانهم وانتمائهم إلى الإسلام بعنوانه العام.
 
الحُسين لم يطلق شعاراته مذاهبياً
 
محاولات البعض تصويرَ الإمام الحُسين وكأنّه يخصّ مذهبًا دون غيره لا تبدو واقعية على الإطلاق، ولعلّ الشعارات التي أطلقها الإمام نفسُه في توصيفِ ثورته خيرُ دليلٍ على ذلك، وهو القائل: "أيّها الناس إني سمعت رسول الله يقول كلّ من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يُدخِله مدخله ألا إنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واستأثَروا بالفيء وعطّلوا الحدود وأنا أحقّ من غيري"، و"أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى‌ عَنِ الْمُنْكَرِ".
الحسين عندما أطلق كلّ هذه الشعارات فهو لم يطلقها مذاهبيًا، يؤكد السيد فضل الله، الذي يفنّد ظروف الثورة الحسينية بإشارته إلى أنّ هناك أناساً استأثروا بالفيء وبأموال الناس العامة وعطّلوا القوانين، حتى بات هناك قوانين تُطبَّق على الفقراء ولا تُطبّق على الأغنياء، وتُطبّق على الناس الضعفاء وليس على الذين لهم مواقع نفوذ في المجتمع. وبالتالي، يرى السيد فضل الله أنّ الحُسين كان يسعى إلى إصلاح الواقع الإسلامي كَكُلّ، مسجّلاً أنّ موقفه من يزيد على سبيل المثال لم يكن لحساباتٍ مذهبية أو عشائرية أو ما إلى ذلك، كما أنّه لم يكن شخصياً، مذكّراً في هذا السياق بقول الحسين: "يَزِيدُ رَجلٌ فاسقٌ فاجِرٌ قاتلٌ للنَّفسِ المُحتَرَمة وَمِثلِي لاَ يُبايِعُ مِثلَهُ"، ما يعني أنّ مشكلته معه أنه فاسقٌ فاجرٌ قاتلٌ للنفس المحترمة، وهذه هي العناوين التي انطلق منها الحسين في رفضه لبيعة يزيد.
 
لإحياءٍ جامِعٍ لمجالس عاشوراء
 
في المحصّلة، الحسين لم يكن في كلّ شعاراته يعمل على إثارة الجوّ المذهبي، بل كان خطابُه عاماً وشاملاً، كما يؤكّد السيد فضل الله، الذي يدعو، في موقفٍ لافِتٍ ومنسجِمٍ مع قضية الوحدة الإسلاميّة التي لطالما رفع لواءها والده الراحل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، كلّ المسلمين إلى أن يحيوا مجالس عاشوراء.
"ندعو إلى أن لا تبقى مجالس عاشوراء هي مجالس فقط للشيعة، وإنّما ينبغي أن تكون لكلّ المسلمين بل ندعو أيضاً إلى أن تكون للجوّ الديني الإنساني لأنّ شعارات الحسين كانت شعارات عامّة"، يقول السيد فضل الله، في سياق حديثه لـ"النشرة"، لافتاً إلى حرص الإمام الحُسين على الحوار وهو الذي بقي حتى الليلة الأخيرة يحاور ولم يقاتل إلا بعد أن فُرض عليه القتال، بل إنّه كان حريصًا على أن يقف بين كلّ شهيدٍ وشهيدٍ ليدعو مقاتليه إلى إعادة النظر بموقفهم تحت عنوان: "كونوا أحرارًا في دُنياكُم".
وإذ يعتبر السيد فضل الله أنّ ثورة الحُسَين تحمل طابعاً إسلامياً إنسانياً دينياً عاماً، يشدّد على أنّ طقوس الإحياء لا يجب أن تكون بالضرورة نفس الطقوس بين الجميع، رافضًا الحديث عن أساليب منزَلة على هذا الصعيد، ويقول: "فلتعمل كلُّ جهةٍ على إحياء عاشوراء كما تريد وعلى طريقتها، المهمّ أن نحيي عاشوراء"، ويضيف: "لا نريد أن يستفيد الشيعة فقط من معاني هذه الثورة، من آفاقها، من رحابتها، بكلّ العناوين التي طرحتها. نريد أن يكون لكلّ الناس، بمواجهة الظلم والطغيان والفساد والانحراف، دور في الاستفادة من معاني هذه الثورة وفي تأجيج روح الثورة لديهم".
 
إساءاتٌ بعنوان حبّ الحُسَين..
 
لكن ألا تساهم الطقوس التقليدية المتّبعة في تغذية جوّ الانقسام هذا؟ وألم يحن الوقت لتطوير هذه الأساليب بشكلٍ أو بآخر؟
لا يتردّد السيد علي فضل الله في الدعوة، إزاء ذلك، إلى "نقاشٍ موضوعي" في ما يُقدَّم. هو لا يشكّ للحظة بأنّ كلّ الذين يقدّمون عاشوراء بأيّ أسلوب من الأساليب ينطلقون من حبّهم للحسين، حبّهم لأهل البيت، حبّهم لما انطلق به الحسين، ولكنّه يدعو إلى أن تُناقَش هذه الأساليب.
وللسيد فضل الله ملاحظاتٌ على ما يُقدَّم بدءاً من السيرة التي يُفترَضُ أن تُقدَّم بصورة صحيحة، كما هي، كما نزلت، وذلك على اعتبار أنّ الحسين ليس بحاجة لإضافات غير صحيحة ولو توخّت إثارة الدمعة، ويقول: "نحن بحاجة إلى دراسة هذه السيرة بكلّ موضوعية، أن تقدّم على صفائها ونقائها لأننا قد نسيء إلى الحسين وإلى كلّ ثورته وإلى أهدافها إذا لم نفعل ذلك"، ويتابع: "لا يجوز لنا أن ننسب إلى الحسين ولا إلى أصحابه ولا إلى كلّ كربلاء شيئاً لم يحدث لأنّ هذا كذب ولا يجوز للإنسان أن يكذب لا بالأمر الشخصي ولا بالأمر العام".
وفي سياقٍ موازٍ، يرفض السيد فضل الله منطق "الغاية تبرّر الوسيلة" الذي يرفعه البعض لذلك، أو حتى قول البعض "نحن نكذب لهم لا عليهم"، في إشارة إلى أنّ الهدف هو صالحُ أهل البيت أولاً وأخيراً، ويقول: "الكذب أساساً لا يجوز لا لهم ولا عليهم، وأكثر من ذلك، هم لا يريدون ذلك، وهذا أمر كانوا حريصين على التأكيد عليه".
 
لا لتصوير الحُسَين بصورة الذليل والمنكسر!
 
وعلى مستوى الأساليب أيضًا، يدعو السيد فضل الله إلى أن تكون هذه الأساليب متناسبة مع شخصيّة الإمام الحسين ومع طبيعة الذكرى، ومن هذا المنطلق، يرفض أن تؤدي هذه الأساليب إلى الإساءة إلى شخصية الإمام الحسين بحيث يبدو بصورة الذليل، المنكسر والمهزوم، أو تبدو شخصيات كربلاء بهذه الصورة، فيما هي الشخصيات التي قدّمت أعلى معاني العنفوان، ويقول: "علينا أن نقدّم الحسين وكلّ الذين كانوا في كربلاء بصورتهم الصحيحة، التي عنوانها وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي‌ إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ، وهَيْهَات مِنَّا الذِّلَّة، وإِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً"، ويشير إلى أقوالٍ أخرى لأهل بيته وأصحابه في نفس الخانة، ومنها قول عليّ الأكبر "‎ألسنا على الحق؟ لا نبالي أن نموت محقين"، وقل العباس "والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبداً عن ديني"، فضلاً عن عبارة السيدة زينب الشهيرة "اللهم تقبّل منّا هذا القربان".
 
 
من يقتل الحسين باسم الحسين؟
هي هذه الصورة التي تجمع في الوقت عينه بين العاطفة والشموخ والبطولة التي يدعو السيد فضل الله إلى تعميمها، وذلك لكي يكون الحُسَين قُدوة ليس فقط للذين يُصابون بعزيز أو بفقد إنسان كما يريد البعض لعاشوراء أن تكون، بل أيضاً صورة ونموذجاً للبطولات والتضحيات.
ولعلّ "كلمة السرّ" تكمن هنا، كلمة تتخطّى مبدأ استذكار التضحيات إلى الاقتداء بها قولاً وفعلاً، حتى لا يصبح الحسين أسيرَ مذهبيّة البعض، مذهبيّة لا تفعل في الواقع سوى "قتل" الحُسَين مرّات ومرّات وباسم الحُسين نفسه للأسف الشديد، في تشويهٍ ممنهَجٍ لحقيقة ثورته خدمةً لـ"يزيديي" هذا الزمان، وما أكثرهم.
 
وللحديث تتمّة…
 
 

Leave A Reply