مقابلة موقع النشرة الإلكتروني : حسينيّو هذا الزمان ليزيديّيه: كلُّ يومٍ عاشوراء! (2)

لا، العاشر من محرّم ليس يوماً للبكاء والنحيب، وعاشوراء ليست مناسبة محدودة بدمعةٍ على إمامٍ مظلوم..
العاشرُ من محرّم هو على العكس من ذلك يومُ نُصرة المظلوم على الظالم، يومٌ جسّد بالدم الطاهر انتصار الحقّ على الباطل، يومٌ استطاعت معه دماءٌ طاهرة أن تفعل الكثير..
العاشرُ من محرّم هو اليوم الذي أطلق ما اصطلح على تسميته بالمدرسة الحسينية، مدرسةٌ قد نكون أحوج ما نكون إلى الإقتداء بتعاليمها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، خصوصاً بعد أن بات شعار "كلُّ يومٍ عاشوراء كلُّ أرضٍ كربلاء" جزءًا لا يتجزّأ من واقعنا..
 
لتنقية عاشوراء من الأساليب المسيئة..
 
انتهى الجزء الأول من التقرير العاشورائي مع القراءة النقديّة الموضوعيّة للطقوس المعتمَدة، خصوصًا تلك التي تسعى لتصوير الإمام الحُسَين بمنظر المهزوم والمذلول، بشكلٍ مجافٍ للحقيقة والواقع، وكذلك الطقوس التي لا تخدم الهدف السامي والنبيل بتعميم عاشوراء وتوسعة آفاقها، حتى يستفيد منها الجميع، بعيداً عن المفاهيم المزيّفة المزروعة في أذهان الكثيرين.
يقود هذا الحديث سريعاً إلى نقاشٍ لا بُدّ منه حول بعض الاساليب المعتمَدة مثل ضرب الرؤوس، إدماؤها أو ضرب السلاسل، أو المشي على النار أو غير ذلك من الأساليب التي باتت تسيء إلى كربلاء وهي لا تعبّر عن شخصية الحسين. وفي هذا السياق، يوضح العلامة السيد علي فضل الله أنّ الحسين ما ضرب رأسه ولا أصحاب الحسين ضربوا رؤوسهم ولا هم ضربوا السلاسل على ظهورهم، ويتوجّه عبر "النشرة" إلى كلّ الذين يضربون رؤوسهم بالسيوف بدم بارد أو الذين يجلدون ظهورهم بالقول: "اعملوا على أن يكون ذلك في مواقع التحدّي، وهذا الدم لا بدّ أن ينزف في موقعه الصحيح لا أن ينزف على الأرض بطريقة استعراضية".
وفيما يؤكد السيد فضل الله، في سياقٍ موازٍ، على ضرورة التبرّع بالدماء لعلها تُوظَّف لخدمة المحتاجين أو المجاهدين، يشدّد على أنّ هذه الأساليب غير شرعية لأنه لا يجوز للإنسان أساساً أن يسيء إلى جسده، لأنّه ينبغي أن يكون أميناً عليه، ويلفت إلى أنّها غير فعّالة أيضاً، إذ إنها تضيّق مساحة عاشوراء وتقلّل من شأنها فيما المطلوب هو العكس، موضحاً أن كثيرين يتراجعون عن التفاعل مع مناسبة عاشوراء بسبب هذه الدماء وهذه المناظر.
أكثر من ذلك، ينفي السيد فضل الله أن تكون هذه الطقوس من شعائر الله، موضحًا أنّ الشعائر ورد النصّ فيها وهذه لم يرد النص فيها، وهي لم ترد لا من الحسين ولا من رسول الله ولا وردت في القرآن ولا هي الأسلوب الذي اعتُمد في التاريخ الإسلامي في كلّ مراحل صفاء هذا التاريخ، ويقول: "هذه عادة جاءتنا من طقوس معينة كان يمارسها بعض الهنود، أو من غيرهم، المهم أنها جاءت من جهات ربما كانت أساليب التعبير لديهم على هذه الطريقة فنقلوها، ونحن طبعاً لا نرى ذلك صحيحاً بل مسيئاً وبالتالي لا بدّ من العمل على الإقلاع عنها".
 
لكي لا تبقى عاشوراء في حدودها الجغرافية..
 
وإلى جانب الدعوة لتنقية عاشوراء من الأساليب التي باتت تسيء إليها أولا وأخيراً، دعوةٌ موازية للتطوير يوجّهها السيد فضل الله، في سياق حديثه لـ"النشرة"، حيث يلفت إلى أنّ الأساليب الحالية ليست أساليب مُنزَلة، مشدّدًا على وجوب أن "يكون هناك أساليب ننقل من خلالها عاشوراء إلى أكبر قدر ممكن من الناس".
ويطرح السيد فضل الله، في هذا السياق، فكرة تقديم مسرح عاشورائي متميّز ليس كيفما كان أو تقديم فيلم تلفزيوني يشارك فيه أشخاص يُحسنون تقديم شخصيات عاشوراء، كما يقترح أيضاً فكرة العمل على تقديم السيرة بطريقةٍ حديثة فيها كلّ العاطفة وكلّ المعاني السامية، ويقول: "نريد أن نطوّر الأساليب خصوصاً أنّ العصر الآن تتنوّع فيه الأساليب وبات هناك أساليب جديدة ووسائل جديدة لا بدّ من الإستفادة منها، وهذا ما ندعو إليه اليوم"، ويضيف: "لا نريد أن تبقى عاشوراء في حدودها الجغرافية والمكانية، نريد أن نوسّعها، ولكن هذه التوسعة تحتاج إلى أسلوب".
 
ثورة قابلة أن تصل إلى كلّ مكان
 
رغم كلّ هذه الملاحظات النقدية والموضوعية، هناك حقيقة ثابتة لا يمكن لأحد نكرانها. عقودٌ بل قرونٌ مرّت ولا تزال الثورة الحسينية حيّة ونابضة ولا يزال المسلمون يحيونها سنوياً بنفس الحماس والزخم. السرّ في ذلك ليس معقّداً وفقا للعلامة السيد علي فضل الله الذي يختصره، في حديثه لـ"النشرة"، بطبيعة الثورة وطبيعة الشعارات التي انطلقت بها إلى جانب شخصية الإمام الحسين وكلّ الذين كانوا معه والأهداف التي سعَت إليها.
وفيما يشدّد السيد فضل الله على أنّ أيّ ثورة مهما سُوِّق لها إذا لم تكن تمتلك في داخلها مقوّمات إستمرارها لا تستمرّ، يشير أيضاً إلى أنّ إبقاء الجانب العاطفي أيضاً كان له دور أساسي في خلود هذه الثورة، إلى جانب الحرص في التوجيه على جانب زيارة الإمام الحسين وزيارة شهداء كربلاء، مشيراً إلى أنّ كلّ هذه الأمور كان لها دور أساسي في إبقاء هذه الثورة حيّة ونابضة بالحياة في كلّ المراحل.
الأهمّ من كلّ ذلك، وفقاً للسيد فضل الله، يبقى أنّ الإمام الحسين لم يكن لديه مشروع خاص ولا حتى أسلوب خاص، فالحسين انطلق من المشروع والأسلوب الإسلامي والقرآني، ومن خلال ذلك، فإنّ هذه الثورة قابلة أن تصل إلى كلّ مكان لكن المشكلة في طريقة إيصالها، ودائماً المشكلة ليست بالفكرة بل أحياناً بالأسلوب، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (سورة النحل – الآية 125).
 
عاشوراء لم تكن لمرحلة دون مرحلة
 
أبعد من كلّ ما سبق، ماذا لو نقلنا هذه الثورة إلى واقعنا اليوم؟ أليست الظروف التي دفعت إلى ثورة الإمام الحسين ماثلة اليوم وبأقسى صورها؟ أليس الظلم والإستبداد الذي حاربه الإمام الحُسين هو نفسه الذي يُمارَس اليوم على كلّ المستويات؟ أليس الإصلاح الذي توخّاه الإمام الحسين في أمّة جدّه هو أحوج ما يكون إليه المنتمون لهذه الأمّة اليوم، وهم يرون الممارسات الشاذة التي تحصل باسم الإسلام، بل تشويه صورة الإسلام باسم الإسلام؟ أليس الأهم من استذكار التضحيات والبطولات الإقتداء بسيرة الإمام الحسين فعلاً لا قولاً؟
"عاشوراء لم تكن لمرحلة دون مرحلة"، يقول السيد علي فضل الله لـ"النشرة"، رداً على هذه التساؤلات، متحدّثًا في الوقت عينه عن أساليب متعدّدة للمواجهة، حتى بالنسبة لأهل البيت، فهناك أسلوب الحسين، وهناك أسلوب الحسن، وهناك أسلوب الإمام الصادق، وهناك أسلوب الإمام علي، بمعنى أنّ هناك أساليب مختلفة متنوّعة، لأن لكلّ مرحلة أسلوبها.
لكنّ السيد فضل الله لا يُنكر أنّ الظروف التي مهّدت لثورة الإمام الحُسين ماثلةٌ أمامنا اليوم، ويتحدّث في هذا السياق تحديدًا عن الإنحراف في تشويه صورة الإسلام، لافتًا إلى أولئك الذين يقتلون ويذبحون تحت عنوان "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ويشدّد على ضرورة العمل لدعوة هؤلاء إلى أن يعيدوا النظر بطريقة تفكيرهم، بآلياتهم، بأساليبهم التي تسيء إلى الإسلام. وفيما يشير إلى أنّ الإسلام رحمة وانفتاح وأنّ القتال هو حالة إستثنائية، يشدّد على ضرورة الإنفتاح على هؤلاء لمعالجة واقعهم والأسس التي ينطلقون منها سواء كانت فكريّة أو دينيّة أو فقهيّة أو تشريعيّة أو تربوية.
 
تحدّياتٌ عامة وفسادٌ متمادٍ
وفي إطار الحديث عن التحدّيات على المستوى العام، يلفت السيد فضل الله إلى أنّ بلاد المسلمين لا تزال تعاني في داخلها من فِتَن، كما يشير إلى التوتّرات بين المسلمين، سواء كانت بين السنّة والشيعة أو بين السنّة أنفسهم أو بين الشيعة أنفسهم، أو حتى على مستوى عشائري وقبلي، ويتحدّث أيضاً عن الإستكبار بوصفه التحدي الذي يواجه العالم الإسلامي والذي يعمل على سلب المسلمين من ثرواتهم، من إمكاناتهم، من مقدّراتهم.
ومن جملة التحدّيات، التي يتحدّث عنها السيد فضل الله، "وجود الكيان الصهيوني وهو الخطر الأساس"، كما يؤكد، معتبرًا أنّ كلّ ما يواجهه العالم الإسلامي والعربي الآن هو لحساب الكيان، لافتًا إلى أنّ هذا الكيان يقف متربّصاً لا يريد أن يكون أحد أقوى منه، لا يريد أن يملك أحد العلم كما يملك، وهو على مستوى القوة يحارب الذي يريدون أن يمتلكوا  تقنية نووية حتى لو كانوا لا يريدون استخدامها لحساب السلاح النووي ولكن هو عنده ترسانة نووية يحارب أي تطور تقني وعلمي فيما هو يسعى لأن يكون الأكثر تطورا.
ومن المستوى العام إلى الواقع الداخلي لكلّ بلد، يبقى الفساد الذي حاربه الإمام الحسين هو العنوان الأبرز، وهو موجود في لبنان، كما يؤكد السيد فضل الله، على مختلف المستويات، ويلفت في هذا السياق إلى مظاهر الإستئثار بالمال العام، القوانين التي لا تُطبَّق، سياسة إبن ستّ وإبن جارية، بل إنّ كلّ طائفة تسعى أن تحمي حتى المجرمين في داخلها، إضافة أيضاً إلى الانحراف الأخلاقي وغير ذلك.
 
 
نحتاج إلى نَفَس عاشوراء
إزاء كلّ ما سبق، أين نحن من نهج الإمام الحُسَين؟ أين نحن من روحية عاشوراء؟ كيف نطبّق السيرة الحُسينية لنواجه كلّ مظاهر الفساد والإنحلال في المجتمع؟ ما هو المطلوب من أنصار الإمام الحُسين ليكونوا أوفياء لعهودهم التي لا ينفكّون يردّدونها، خصوصاً في أيام عاشوراء؟
برأي السيد علي فضل الله، فإنّ ما نحتاجه هو ببساطة نَفَس عاشوراء، أن يكون همّ الفرد أن يأمر بالمعروف، أن ينهى عن المنكر، أن يصلح، لا أن تصبح اهتماماتنا هامشية، ولعلّ التشرذم الطائفي المذهبي الذي بات مصدر مشكلة في لبنان بدل أن يكون مصدر غنىً هو خير شاهِد على ذلك. ولذلك، يرى أنّ عاشوراء يجب أن تغيّر شيئاً، ويقول: "مع الأسف تأتي وتمرّ مرور الكرام، نبذل جهوداً وأموالاً وطاقات تُبذَل وتُصرَف لكن دون نتيجة".
ويعتبر السيد فضل الله أنّ المطلوب ليس استدرار الدموع والبكاء فقط إحياءً لعاشوراء ولا البقاء في العناوين العامة، بل الإستفادة من دروس الثورة الحسينية لإحداث تغييرِ ما، ويوضح أنّ اللطم الخفيف وغير العنيف وغيره من المظاهر ليست مرفوضة إلا أنّها لا يجب أن تكون الهدف، فهي أولاً وآخراً وسائل لإبقاء هذه الفكرة حيّة، لإبقاء حيوية شعارات الحسين، لإبقاء حيوية الشخصيات التي كانت في كربلاء.
 
ما أحوجنا إلى مبادئ الحُسَيْن!
في الختام، وإزاء كلّ ما تقدّم، يبدو الدرس الأول الذي يفترض أن نأخذه من الحسين ومن ثورته المباركة هو موضوع الوحدة في داخلنا، موضوعٌ يصرّ عليه السيد علي فضل الله، مستندًا في ذلك إلى ما يسمّيه حرص الإمام الحُسَيْن في كربلاء على الحوار، على الكلمة الطيّبة، وهو الذي كان حريصاً على أن يفتح قلوب الآخرين.
"نحن بحاجة في واقعنا الإسلامي إلى هذا المناخ من الحوار الذي أرساه الامام الحسين الذي كان مع أعدائه يبكي لحال الذين وقفوا في وجهه"، يقول السيد فضل الله، ويضيف: "نريد أن تكون هذه الروحية في واقعنا حتى نستطيع أن نخرج من هذا التوتّر، الكلام القاسي، التوتر في التعبير، التوتر في الممارسة، في أساليبنا، ونرجع للغة الحوار التي نتعلّمها من الحسين".
"رغم كلّ هذه الدماء، كان طابع كربلاء هو طابع الحوار، طابع الكلمة الطيّبة، طابع الخُلُق العالي"، يقول السيّد فضل الله، في زمنٍ تبدو فيه هذه "الثوابت" وكأنها أصبحت في "خبر كان"، بالنسبة لرافعي راية الحُسين قبل غيرهم للأسف الشديد!
 
 

Leave A Reply