من يتحمَّل مسؤوليَّة الانحراف والفساد في الواقع؟!

 

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. صدق الله العظيم.

نشهد في واقعنا الكثير من مظاهر الانحراف مما نراه على الصَّعيد الإيماني والأخلاقيّ، أو في استشراء الفساد والظّلم والطغيان، والذي قد يصدر عن أفراد أو جماعات أو دول.

ومن الطبيعي القول إنَّ ما يجري يتحمَّل مسؤوليَّته من يقوم به، أو من يشجِّعه أو يسوِّق له أو يبرِّره ويعطيه الشرعيَّة، أو من يؤمّن له التغطية.

 

منطق خطير!

ولكنّ هناك مسؤوليَّة غالباً ما لا يُلتَفت إليها ولا تؤخذ بالاعتبار، وهي المسؤوليَّة التي تقع على عاتق السّاكتين، أو ما يسمّى بالأكثريّة الصامتة، وهم من يرون أمامهم الظّلم والفساد والانحراف والطغيان، أو تصل إليهم أخباره، ولكنّهم يرون أنفسهم غير معنيّين بما يجري، ولذا لا يتخذون موقفاً، ويفضّلون الجلوس جانباً، اعتقاداً منهم أنهم بذلك لا يتحمّلون مسؤوليَّة ما يجري، لأنهم على الحياد ولم يشاركوا فيه، أو لأن لا طاقة لهم على مواجهة المشاكل التي غالباً ما تحصل في مواجهة الانحراف بكلّ تلاوينه.

وقد يرى البعض شرعيّة هذا الموقف من قول الله: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَ}، وأنهم لا وسع لهم للوقوف في وجه الانحراف، أو بحجّة {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.

ولتفشِّي هذا المنطق، صرنا نسمع كثيراً من يقول: لا دخل لي، أو نسمع تعابير اليأس من إصلاح الواقع: ماذا ينفع الكلام؟ أو القول إنَّ نقطة في بحر لا تؤثّر، أو فالج لا تعالج، أو هل وقفت الأمور عليّ؟…

إنَّ من الواضح خطورة هذا المنطق عندما يستشري في المجتمع، فهو يقوِّي ظواهر الانحراف، ويعزِّز حضورها، وقد اعتبره القرآن الكريم سبباً لهلاك المجتمعات وسقوطها: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}، وفي آية أخرى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، فشرط نجاة المجتمعات من الهلاك والدَّمار وسلامتها، هو وجود مصلحين فيها.

وقد مثَّل رسول الله (ص) على ذلك بقوله، إنَّ مثلهم: "كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا؛ فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعاً، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعاً".

 

حيادٌ مرفوض

لذا، كان موقف الإسلام حاسماً من هذه الظاهرة، فهو دعا الإنسان إلى أن يكون له موقف من أيّ انحرافٍ أو ظلمٍ أو فساد، بأن يقف أمام الظّالم ليثنيه عن ظلمه، وأمام الفاسد ليوقف فساده، وأمام المنحرف لردعه عن انحرافه، أيّاً كان هذا الظالم أو الفاسد أو المنحرف.

فقال عزَّ وجلَّ في حديثه عن بني إسرائيل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. وقد أوحى الله عزّ وجلّ إلى النبيّ شعيب (ع): "إني معذّب من قومك مائة ألف؛ أربعين ألفاً من شرارهم، وستّين ألفاً من خيارهم، فقال (ع): يا ربّ! هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي".

وقد ورد في حديثٍ لرسول الله (ص): "إنَّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضَّعيف الذي لا دين له. فقيل: وما المؤمن الضّعيف الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر".

وفي الحديث: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَذَّبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَامَّةَ بِالْخَاصَّةِ".

وقد ورد في الحديث: "إذا رأى المنكر فلم ينكره وهو يقدر عليه، فقد أحبَّ أن يُعصَى الله، ومن أحبّ أن يُعصَى الله، فقد بارز الله بالعداوة".

لماذا ثار الحسين (ع)؟!

إذاً، هناك مسؤوليَّة جعلها الله على عاتق عباده، فهو لا يريد الإنسان الصّامت الذي لا دور له ولا حضور ولا تأثير فيما يجري من حوله، بل يريد الإنسان الواعي والناطق والفاعل الذي لا يضعف أمام المنكر ولا يستكين له.

وهذه الصّورة هي التي نستحضرها هذه الأيّام، ونحن نستعيد ذكرى عاشوراء، وكلّ التضحيات التي عاشها الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته، فالحسين (ع) لم يتحرَّك إلا من منطلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "إني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنَّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين"، ثم حثّ الناس على التحرّك معه، فقال: "ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟!".

وقد حذَّرهم من عواقب التخلّي عن هذه المسؤوليّة، عندما قال: "سمعت رسول الله (ص) يقول: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسُنّة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله"، أي معه في النّار.

فلا بدَّ للإنسان في منطق الحسين (ع)، الّذي هو منطق رسول الله (ص)، أن يرفض الانحراف في أيّ موقع كان، ومهما بلغت قوَّته. نعم، من خلال القدرة التي يمتلكها، والله في ذلك لا يكلِّف الإنسان إلا وسعه، ولا يحمِّله أكثر من طاقته، ولذا ورد في الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

المهمّ أن يغيِّر بالوسائل التي تتوفَّر بين يديه، ولا يبرِّر سكوته بالضَّعف.

إنّ الإمام الحسين (ع) لم يكن ليترك كلّ هذا الواقع الفاسد من حوله، ويجلس جانباً على التلّ لينتظر ما يجري، أو ليرضخ للأمر الواقع ويقبل به، بل كان يرى أنَّ من مسؤوليّته الشرعيّة والأخلاقيّة تجاه الناس، أن يقف بوجه هذا الواقع، وهو يعرف حجم الأعباء التي يتحمّلها.

لقد كان الحسين (ع) قادراً لو سكت وتراجع، أن يبلغ الخزائن، وتفتح له الأبواب، كان يكفيه أن يوافق على يزيد الحاكم الفاسد القاتل للنّفس المحترمة، وأن يضع في الصّندوق ورقة تأييد له، لكنّه لم يفعل، وقال بكلّ وضوح: "ومثلي لا يبايع مثله". وعندما خيِّر بين الموت والتّوقيع على اختيار الفاسد والظّالم والقاتل، لم يتردَّد، وقال: "إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلّا سَعادةً، وَالحَياةَ مَع الظّالمين إِلّا بَرَماً".

فنحن حتى نكون حسينيّين جادّين في ولائنا للحسين (ع)، لا بدّ أن نكون على صورته، بأن نحمل الهدف الذي لأجله انطلق، ولأجله ضحّى، ولأجله استشهد، بأن نكون من السّاعين إلى إصلاح واقعنا، أن ننتفض على كلّ فاسدٍ وظالمٍ ومنحرف، أن لا نقبل به مهما كان شأنه، ومهما كانت طائفته ومذهبه، فهناك قطيعة بين الحسين (ع) وبين الفاسدين والمفسدين والظّالمين واللاعبين بمصالح النّاس، فلا يمكن أن نكون مع الحسين ونذرف الدّموع ونقيم المجالس، ولا نقف في مواجهة المنكر والانحراف والفساد، فالحسين (ع) صاحب رسالة إصلاح وجهاد وتضحية وموقف، وعلاقته معنا بمقدار علاقتنا برسالته وبما تنطلق به.

فريضة وليست خيار

أيّها الأحبّة: إنَّ كثيراً مما نعانيه من فسادٍ وطغيانٍ وظلمٍ وانعدامٍ للبركات والخيرات، يعود إلى تركنا هذه المسؤوليَّة وتغاضينا عنها، حتى إنَّنا بتنا نمرّ على المنكر في بيوتنا، في شوارعنا، في مواقع عملنا، في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والدّيني، وكأنّنا لم نر شيئاً، وحتّى دون الاستنكار القلبيّ.

إنَّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وإصلاح الواقع ليس خياراً، بل هو واجب، تماماً كما هي الصَّلاة والصّوم والحجّ، بل هو من أوجب الواجبات، لأنَّ به تُقام الفرائض، وتَأْمَن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، كما ورد في الحديث.

إنَّ علينا أن نبقى حاضرين في السَّاحة، لممارسة هذه الفريضة، وبالحكمة المطلوبة، حتى لا يطمئنَّ الفاسدون والظالمون إلى ارتكاباتهم التي إن لم تحاصَر، فسوف تمتدّ إلى كلّ واقعنا.

لقد صدق الإمام الحسين (ع) عهده مع الله، وصدق أصحابه ما عاهدوا الله عليه، فلنصدق عهدنا مع الله، ونكون من أولئك الّذين قال الله عنهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي في أجواء ذكرى عاشوراء بالموقف الّذي عبّر عنه الحرّ بن يزيد الرياحيّ. والحرّ، كما تعرفون، كان من أبرز قادة جيش عمر بن سعد، وقد تولّى محاصرة الحسين (ع) ومن معه من أصحابه وأهل بيته عندما وصل إلى كربلاء، ليمنعه من العودة إلى المدينة والدّخول إلى الكوفة.

 

هذا الرجل وقف يوم العاشر من محرَّم أمام خيار صعب؛ بين أن يلتحق بصفّ الحسين (ع)، ومن وراء ذلك أن يقتل، إذ لا أمل بنصر عسكري لجيش الحسين (ع) بهذا العدد، ولكن وراء ذلك رضوان من الله ونعيم، أو أن يبقى مع عمر بن سعد، ومعنى ذلك، أن تكون له الدّنيا والمناصب والمواقع، ولكن بعد ذلك النّار، وما أدراك ما النّار!

 

كان الموقف صعباً، والقرار فيه خطيراً. لذا، عندما رآه أحد رجاله وهو يرتعد، ظنَّ أنه يرتعد خوفاً، وقال له: "أنت ترتعد، ولو قيل لنا من أشجع أهل الكوفة ما عدوناك!"، فأجاب: أنا لا أرتعد خوفاً، ولكنّي أخيّر نفسي مع من أكون. وأخيراً، أخذ خياره، ثم لكز فرسه، وهو يقول: "فوالله، لا أختار على الجنّة شيئاً، ولو قطِّعت أو أحرقت".

 

وانطلق إلى الحسين (ع) مطأطئ الرأس، وهو يقول: "يا أبا عبد الله، بعدما فعلت ما فعلت، هل لي من توبة؟!"، فقال له الإمام: "إن تبت يتب الله عليك"، وطلب أن يكون أوّل شهيد بين يديه، فقاتل حتى استشهد. ويومها، أعطاه الحسين (ع) وساماً، ويا له من وسام! عندما قال له: "أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة". لقد كنت حراً، لم تأسرك الدنيا ولا زخارفها وبهارجها وكلّ ما فيها، فهنيئاً لك.

 

هذا الخيار هو خيار الواعين، هو الخيار الَّذي نقف أمامه كلّ يوم، ففي كلّ يوم، نقف بين طريقين؛ طريق يوصلنا إلى الجنّة، وطريق يوصلنا إلى النّار، أن نختار بين شهواتنا وغرائزنا وعصبياتنا وأطماعنا، وبين أن نكون مع ديننا وقيمنا وعزّتنا وحريتنا.. فليكن قرارنا قرار الحرّ، أن لا نختار على طريق الجنة شيئاً، وكلّ شيء لأجلها يهون. ومتى وعينا هذا الطريق، فإنّنا سنكون أحراراً وأقوى على مواجهة التحدّيات.

 

لبنان يصدّ العدوان

والبداية من لبنان، الذي استطاع في الأيام الماضية أن يردّ على عدوان العدوّ، وأن يعيد قواعد الاشتباك إلى حالها، بعد أن حاول العدوّ تغييرها وفرض إرادته باستباحة لبنان متى يريد.

لقد أظهرت المقاومة حكمةً بالغةً في إدارة الصّراع مع العدوّ، فهي في الوقت الَّذي حرصت على الردّ على هذا العدوّ وإظهاره بمظهر العاجز وغير القادر على منع هذا الاعتداء أو الردّ عليه، كانت حريصة كلّ الحرص على أمن المواطنين واستقرارهم في قراهم.

ولا شكَّ في أنَّ ما حصل، سيجعل العدوّ الصهيوني يفكّر كثيراً قبل أن يقدم على أية مغامرة جديدة، كما أنه رفع من معنويات اللّبنانيين، ومنحهم ثقة إضافية بالقدرة على تحرير ما تبقّى من أرضهم، وبإمكانية انتزاع حقّ لبنان كاملاً بثروته النفطية والغازية في البحر، وأكّد وحدة الموقف اللبناني في مواجهة هذا العدوّ. لكن ما حدث لا ينبغي أبداً أن يجعلنا ننام على حرير هذا الإنجاز، لأنّ العدوّ الّذي تعرَّض لجراح قاسية في كبريائه، وأرغم على القبول بمعادلات تلجم عدوانه، لن يتورّع عن انتهاز أية فرصة لاستعادة الاعتبار والهيبة المفقودة منذ العام 2006، ما يتطلَّب إبقاء الحذر والجهوزيّة لمواجهته، ولا سيّما بعد التصريحات التي صدرت عن رئيس وزراء هذا العدوّ، والاتهامات التي صدرت بحقّ المقاومة.

 

الخطر الاقتصاديّ!

وبموازاة ما جرى، يبرز خطر الوضع الاقتصادي الَّذي يهدّد لقمة عيش اللّبنانيّين وحريتهم، وحتى أمنهم وسيادتهم، والذي استدعى الاجتماع الذي حصل في بعبدا، وجمع القوى السياسيّة، لتدارس كيفية الخروج من هذا الواقع، بعدما منحت الدولة فرصة ستّة أشهر لتصويب مسار هذا الوضع، تجنّباً لانهيار قادم لا محالة.

إنّنا نأمل أن يثمر لقاء بعبدا الاقتصادي القيام بكلّ الإجراءات التي تمنع البلد من الدخول في عين العاصفة، وفي النفق المظلم الذي قد يدخل البنود الإصلاحية الأساسية في مقبرة اللجان المقترحة للمعالجة، أو تحت وطأة المناكفات والصّراعات السّياسيّة التي لاتزال تشهدها الساحة، وإن كان الكثيرون يأخذون عليها عدم تحديدها للآليات العملية لمكافحة منظومات الفساد والهدر، أو الحديث عن كيفية تطبيق التوصية المختصّة باستعادة أموال الدولة المنهوبة ومحاكمة الفاسدين.

 

إنَّ اللّبنانيّين في أغلبهم يريدون ألا يستسهل المسؤولون فرض المزيد من الأعباء عليهم، بعد أن فاقت طاقتهم الاحتمال، ويريدون من الدولة أن تُحمّل كلّ الّذين جمعوا الرّساميل الكبرى على حساب الأوضاع المعيشية للناس مسؤولية المعالجة.

في هذا الوقت، تبرز قضية العقوبات الاقتصادية التي تهدد القطاع المصرفي، والتي تصيب قطاعاً حيوياً من الاقتصاد اللبناني، وتهدد قدرات اللبنانيين ومصالحهم، والتي تستدعي تدخّل الدولة اللبنانية، ولا سيّما المصرف المركزي، الذي كان يتطلّع إليه اللبنانيون، لأنّه الضامن لحسن سير أداء هذه المصارف وللأموال المودعة فيها.. وندعوها إلى تحمّل مسؤوليتها الكاملة تجاه مواطنيها، وإلى العمل على الإسراع لعلاج كل النتائج التي ترتبت على إغلاق أحد المصارف، والوفاء لما وعدت به المودعين، ووقاية اللّبنانيين من أيّ خطر قد يتهدّد أموالهم. إن الدولة اللبنانية لا يمكن أن تتخلّى عن مسؤوليّتها في أداء دورها تجاه مواطنيها وحفظ حقوقهم.

 

انتهاك الحرم الإبراهيميّ!

وفي فلسطين، نتوقّف عند فصل جديد من فصول العدوان الصهيوني على المقدّسات الدينية فيها، بعد اقتحام رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو الحرم الإبراهيمي الذي هو تحت السيادة الفلسطينية في مدينة الخليل، في محاولة لتكريس بسط سيادة الاحتلال على هذا الحرم كاملاً، والذي يضم مقام النبي إبراهيم وزوجته سارة، ولتكريس تثبيت حقّ المستوطنين في المدينة.

إننا نرى أنّ هذا الاقتحام هو تعدٍّ صارخ على مشاعر كل العرب والمسلمين، لما يمثله من رمز ديني، ونحن على ثقة بقدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة هذا التحدي المتواصل، ونريد من السلطة الفلسطينية وكل الدول العربية والإسلامية، أن تقف الموقف الصلب في مواجهة هذه الانتهاكات الصهيونية المتمادية للمقدّسات، سواء في الخليل أو القدس، واتخاذ الإجراءات الرادعة والحاسمة.

 

مسؤوليّتنا يوم العاشر

وأخيراً، تطلّ علينا بعد أيام ذكرى العاشر من محرَّم، التي نستعيد فيها معاني العزة والبطولة التي عبّر عنها الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته في مواجهة الظلم والفساد والاستهتار بمصالح الناس وبمقدّراتهم.

إننا نريد لهذه المناسبة أن تكون مناسبة يجتمع حولها حاملو قضايا العزة والحرية والعدالة من أيّ دين كانوا، وإلى أيّ مذهب انتموا، ليكون صرخة مدوّية في مواجهة الظالمين والطغاة والمستأثرين بمصالح الشعوب.

إنَّ جمهور عاشوراء معنيّ بأن يقدم هذه الرسالة الإنسانية الوحدوية، وأن يبعد عاشوراء بكلّ تعبيراتها عن كل ما يسيء إلى صورتها النقية الأصيلة، سواء في الفكر أو الأسلوب، لتبلغ بأهدافها أبعد مدى ممكن.

 

Leave A Reply