موقع الزّهراء (ع) عند الله والرَّسول

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}. صدق الله العظيم.

منطق رسَّخه الإسلام

ورد في سبب نزول هذه السّورة، أن المشركين نعتوا رسول الله (ص) بالأبتر، بعد وفاة أولاده الذّكور؛ القاسم وعبد الله، ولم يبق عنده سوى الإناث. والأبتر تطلق على من لا أولاد ذكوراً له. وهدفهم من ذلك هو الانتقاص من رسول الله (ص)، وهو أسمى من ذلك. فالمنطق الجاهلي كان يرى أن لا قيمة للإنسان ولا شأن له ولا موقع إلا إذا كان له أولاد ذكور، فالأولاد الذّكور هم من يستمرّ بهم نسل الإنسان ويبقى معهم ذكره، وهم من يستعين بهم على شؤون الحياة، فيما لا قيمة لمن لديه بنات.

فنزلت هذه السورة المباركة لتشير لرسول الله (ص) إلى المنطق الذي يريد الاسلام ترسيخه، وهو أنّ النسل والذرّية وبقاء الذِّكر والعون على الحياة، يتحقّق بالذكور والإناث على حدّ سواء، ولتبشّر رسول الله (ص) بابنته الزهراء (ع) التي ستكون سنداً له في الحياة، وسيمتدّ بها نسله ورسالته بعد أن يغادر الحياة بأئمّة الهدى (ع). أما الّذين ناوأوه وعادوه، فسوف يخبو صوتهم ولن يبقى لهم أثر وذكر.

لقد أراد القران الكريم بهذه السّورة أن يشير إلى أمرين أساسيّين:

الأوّل: رفض المنطق الجاهليّ الذي كان لا يرى للبنت أيّ دور وأيّ حضور أو كيان، لأتّها في مفهومه على الهامش، بل هي مصدر تشاؤم عند ولادتها {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

وقد وصل الأمر بالبعض إلى أن يدفنوا البنت وهي حيّة حتى لا تكون عبئاً عليهم، وهذا ما حذّر الله من نتائجه عندما قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِير}. وقال عن يوم القيامة: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}.

معتقدات جاهليَّة

ومع الأسف، لاتزال هذه الأفكار والمعتقدات الخاطئة في بعض واقعنا، وحتى ممن يحسبون أنفسهم من المتديّنين، فلانزال نرى من لا يخفي استياءه وانزعاجه وغضبه عندما تولد له فتاة، أو تكون عاطفته أقلّ عندما تولد له بنت، بينما يبدي عاطفة مضاعفة عندما يولد له ذكر، وينعكس بعد ذلك على النظرة إلى العقاب، فنجد جرم الصبيّ مغفوراً، فيما لا يغفر جرم البنت.

وقد وصل الأمر بالبعض إلى أن يلتفّ على النصّ القرآني الصريح بحقّ البنات بالميراث، فيحرمهن من حقهن بالإرث، بأن يتم توزيع الإرث قبل الموت أو عبر وصيّة، وإن أعطيت فهي تعطى الفتات.

وللأسف، نجد أن هذا التمييز لايزال يمتد إلى دور الأنثى وحركتها في المجتمع، وكيفية تقييم إمكاناتها وطاقاتها، ولذلك، لا نجد لها الحضور المطلوب في العديد من الميادين الّتي تستحقّها، والتي أثبتت نجاحها وتميّزها عندما دخلت إليها، ولا سيّما في الشأن العام، حيث لايزال حضورها خجولاً، ولا يشير إلى مشاركة فعّالة للمرأة فيه، وقد انعكس ذلك على المرأة نفسها.

وقد يحتجّ البعض لتبرير هذا التّمييز بنصوص دينيّة لم تثبت سنداً ولا مضموناً، وهي تخالف القرآن الكريم والمنطق الإسلامي، كالحديث الّذي نسب إلى رسول الله (ص): "ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، أو ما نسب إلى الإمام عليّ (ع): "المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها أنه لا بدّ منها"، أو: "النساء نواقص العقول والإيمان"، وغيرها من الأحاديث التي ليست من روح الإسلام أو تعاليم القرآن في شيء.

الإسلام يرفض التَّمييز

لذلك، جاءت هذه السورة وغيرها لتزيل هذا المنطق الجاهلي، ولتعيد الاعتبار إلى موقع البنت في الإسلام، ولتؤكِّد الموقف الإسلامي الحاسم في رفض هذا التَّمييز، وقد عبّر عنه النبي (ص) في أسلوب تعامله مع ابنته الزهراء (ع)، واحترامه لها أمام الناس. وأشار إلى ذلك القرآن الكريم والعديد من النصوص الواردة عن رسول الله (ص).

فقد ورد عن الرسول (ص): "من كانت له ابنة فأدّبها فأحسن تأديبها، وربّاها فأحسن تربيتها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ولم يفضّل ولده الذَّكر عليها، كانت له ستراً ووقايةً من النّار". وكان دائماً يقول لأصحابه: "اعدِلُوا بَين أولادِكُم في النِّحَل"، ويقصد الذّكور والإناث.

وإلى ذلك أشارت الآيات القرآنية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}. فالحياة عند الله سبحانه محكومة بالتنوّع من ذكر وأنثى، فلا البنت أفضل من الصبيّ، ولا الصبيّ أفضل من البنت.

ولم يفرّق الخطاب القرآني، ومنذ بدء نزوله على رسول الله (ص) إلى آخر الآيات، بين الرّجل والمرأة: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيم}.

وأكثر من هذا، دعا إلى التّعاون والتكافل بين الرجل والمرأة في كلّ الشؤون، فلا تمييز في الأدوار والمسؤوليّات في كل مواقع الحياة ومتطلّباتها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

وأيضاً في العمل، لم يرد أن يكون أجر المرأة أقلّ من أجر الرّجل، ماداما يعملان العمل نفسه: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.

ونجد ذلك أيضاً في العقوبات، فالله سبحانه دعا إلى عدم التّمييز بينهما، فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَ}، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}. وإذا كان البعض يتذرّع بوجود تمييز بين الذّكر والأنثى، من قول الله سبحانه: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، فهذا لم ينطلق من تمييز، بل يعود إلى المسؤوليّات الإضافيّة التي جعلت على عاتق الذّكر، والتي تفرض حصّة له مضاعفة، أو في أنّ شهادة المرأة تعادل نصف شهادة الرّجل، فهذا ليس تمييزاً، بل احتياطاً للعدالة، لكون المرأة أكثر عاطفة من الرّجل.

موقع الزَّهراء (ع)

الأمر الثاني الذي أرادت هذه السّورة أن تلفت إليه، هو موقع الزهراء (ع)، فهي مما امتنّ الله به على رسوله (ص)، إلى جانب ما امتنّ به الله عليه من النّعم؛ من النبوّة والشفاعة وعلوّ الشّأن، عندما قال: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}.

فقد بلغت من الشَّأن والموقع عند الله سبحانه، أن طهَّرها وميَّزها وجعلها من أصحاب الكساء، فهي ممن نزلت فيهم الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِير}، وهي الّتي قال عنها رسول الله (ص): "فاطمة بضعة منّي، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوؤني ما ساءها، ويسرّني ما سرَّها… فاطمة أعزّ النّاس عليّ".

وهي كانت في الموقع عنده أنّها إذا دخلت عليه، قام لها من مجلسه وقبَّل رأسها وأجلسها في مجلسه، وعندما كان يذهب إلى سفر أو جهاد، كان بيتها أوّل بيت يخرج منه، وعندما يعود، أول بيت يفد إليه.

وقد عبَّرت سيرتها عن الشأن الذي بلغته، فهي في بنوّتها كانت أمّاً لأبيها، كما قال عنها رسول الله (ص)، وهي عبدت الله حتى كانت من كثرة عبادتها تتورّم قدماها، وبلغت من العلم ما جعلها مقصداً لطالبي العلم من الرّجال والنّساء. وكانت الزوجة النموذجيّة التي تشاركت مع عليّ (ع) في بناء بيت ملؤه المودّة والرّحمة والسّكينة، حتى قال عنها عليّ (ع): "كنت إذا نظرت إليها، انجلت عني الهموم والأحزان".

وكانت الأمّ التي أنبتت وربّت وأعدّت نماذج قدوة في الأخلاق والعبادة والصّبر والجهاد والشّهادة، فهي أمّ الحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم.

وهي الّتي كانت مع النّاس عوناً للفقراء والمساكين والأيتام، بابها مفتوح لهم، لا تغادر البسمة وجهها حتى في أشدّ الظروف صعوبة، وهي قالت لابنها لما رآها تدعو لجيرانها، تذكرهم بأسمائهم: "يا بنيّ، الجار ثم الدّار".

وفيها وفي أهل بيتها نزلت الآية: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُور}.

ولم يقف دورها عند ذلك، بل كانت حاضرة في ميادين الجهاد، تخرج مع أبيها وزوجها لتسند المجاهدين وتشدّ أزرهم، وتقوّي من عزيمتهم، وصوتاً صارخاً بالحقّ والعدل، وفي مواجهة الانحراف والظّلم، وقدّمت بذلك أنموذجاً للمرأة المجاهدة الحاضرة في الميدان العام والشّأن السياسيّ، كما في الميادين الأخرى.

قدوة كلّ إنسان

في ذكرى ولادة الصدّيقة الطاهرة السيّدة الزهراء (ع)، والذي هو يوم المرأة المسلمة، نحن أحوج ما نكون إلى استلهام سيرتها في حبّها لله ولرسوله (ص)، في عبادتها وعلمها وجهادها وعطائها ومواقفها، بأن نجعل الزّهراء قدوة لبناتنا وزوجاتنا وأمّهاتنا، ولكلّ إنسان، وأن نحتذي بها، حتى ينعم واقعنا بما نعمت به من طهر وصفاء ونقاء وأصالة وحضور، فلا ينبغي أن يقتصر حضورها فينا على عاطفة أو دمعة.

وبذلك يكون حبّنا للزّهراء حبّاً لله ولرسوله، حبّاً جهاديّاً ورساليّاً، وليس حبّاً عاطفيّاً فحسب، وبذلك تبقى الزّهراء حاضرةً في العقل والقلب والوجدان، وعلى مدى الزّمن.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصت به الزّهراء (ع) ذلك الرّجل، عندما جاء إليها قائلاً: "يابنة رسول الله، هل ترك رسول الله شيئاً عندك تطرفينيه؟"، فقالت: "يا جارية، هاتي تلك الحريرة"، فطلبتها فلم تجدها، فقالت فاطمة (ع): "ويحك، اطلبيها، فإنَّها تعدل عندي حسناً وحسيناً". فطلبتها، فإذا هي قد قمّتها في قمامتها، ففتحتها للرّجل، وكان فيها: "ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليسكت. إنّ الله يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف، ويبغض الفاحش الضنين".

لقد أظهرت الزهراء (ع) أهميَّة ما ورد في هذا الحديث وعظمته، عندما قالت إنّه يعدل عندها حسناً وحسيناً، مع ما لهما من الشّأن والموقع عندها. وهذا الحديث حدَّد الصِّفات التي تميّز المؤمن من غيره، فالمؤمن هو من يأمن جاره منه ولا يؤذيه، والّذي لا ينطق إلّا خيراً.. هو من يتَّصف بالحياء، وعدم التسرّع في ردود الفعل عند الغضب، وبعفّة النّفس، وعدم بيعها مقابل شهوة أو مال أو موقع، وببذل الخير للنّاس جميعاً.

إنّنا أحوج ما نكون إلى استحضار هذه المعاني، لنصحِّح صورة المؤمن فينا، ولنبني من خلالها المجتمع المؤمن الذي نريده. وبذلك نصبح أكثر وعياً ومسؤوليّة وقدرةً على مواجهة التحدّيات.

الحكومة تواجه التحدّيات

والبداية من لبنان، الذي استطاعت فيه الحكومة نيل الثقة، وإن حصل ذلك بالصّورة التي رأيناها، والتي أشارت إلى حجم التحدّيات الكبيرة التي ستواجهها، وهي لن تقف عند حدود المعارضة في المجلس النيابي أو ممن نزلوا إلى السّاحات ولايزالون، وأعلنوا أن لا ثقة بهذه الحكومة، بل ستواجه التحدّي الخارجي الذي لن يساعدها ولن يقدِّم لها الدعم، إلا بشروط لن تقف عند حدود الإصلاحات في الدولة، أو بإزالة مكامن الفساد والهدر، بل تتعدى ذلك، كما بات واضحاً، إلى مطالب اقتصادية وسياسية سيادية، ويبقى التحدّي الأكبر هو قدرة الحكومة على معالجة الأزمات الملحّة التي تعصف بهذا البلد على المستوى الاقتصادي والمعيشي والنقدي، حيث ستُطالب بإيجاد الحلول السريعة لها، وهي لن تكون بسيطة وسهلة، والتي عبَّر عنها رئيس الحكومة بأنها كرة نار.

فالحكومة تحمل على عاتقها تداعيات سنوات طوال من الفساد والهدر والمحاصصة وسوء التخطيط والإدارة.

لذا، لا ينبغي أن نهوِّن من حجم التعقيدات والصعوبات والأعباء التي ستواجهها، ويكفي نظرة إلى الملفّ الموضوع الآن أمام هذه الحكومة، وهو ملفّ الديون المستحقّة، حيث تقف الحكومة بين خيارين، أحلاهما مرّ، فالسداد يمسّ بخزينة الدولة، بينما يؤدّي عدم السّداد إلى تداعيات على الاقتصاد اللبناني، وعلى صورة الدولة اللبنانية في الخارج.

ولكننا لا نرى أنّ الملفات المطروحة أمام الحكومة عصيّة على الحلّ، وتدعو إلى التّشاؤم، فالحكومة قادرة على اجتراح الحلول للمشاكل الّتي يعانيها البلد إن هي ابتعدت عن الخلافات والمحاصصات التي كانت تنشأ بين مكوّناتها، والتي أكلت أخضر البلد ويابسه، وإن هي عملت كفريق واحد منسجم، كلّ همّه مصلحة هذا البلد وإخراجه من النفق المظلم الموجود فيه، وكان هدفها مصلحة اللّبنانيّين.

إننا نعتقد أنّ اللبنانيين ومن نزلوا جادّين إلى الشارع، يستطيعون منح الثقة لحكومة يرون أنها جادة في معالجة الفساد والهدر، وسيصبرون عليها إذا عملت على ذلك بعيداً من كلّ الحساسيات، حكومة تضع أمام أعينها آلام الناس ومعاناتهم، ممن يتسكعون على أبواب المصارف، أو ممن فقدوا أعمالهم أو لا يجدون عملاً أو لا يحصلون على عيش كريم، حكومة لا تحمّلهم أعباء إضافيّة لم يعودوا قادرين على تحمّلها، حكومة تعالج الملفّات بكلّ شفافيّة وموضوعيّة ونزاهة.

نعم، إن الخروج من الأزمة ليس سهلاً، ولكن إذا تحمّل الجميع المسؤوليّة بصدق، وتعاونوا موالاة ومعارضة، ولم يحوّلوا البلد إلى ساحة لتقاذف المسؤوليّات والاتهامات لشدّ العصب السياسي والفئوي، ولتعزيز الموقع على حساب الآخرين، فإنهم بذلك يستطيعون إنقاذ البلد من الانهيار، وتهيئة الظروف لاستعادة نهوضه، ولن يكون البلد بانتظار الخارج الذي لن يعطي شيئاً بالمجان.

وسنبقى نُذكّر الجميع بما قلناه سابقاً، أنّ لبنان ليس فقيراً، هو غنيّ، هو أُفقِر من خلال الذين تقاسموه حصصاً وجعلوه بقرةً حلوباً لهم.

إننا مع كل اللبنانيين تعلّمنا من الماضي أننا لن نعطي الثّقة للأقوال، بل سنعطيها للأفعال، وسنتابع الأفعال فعلاً فعلاً، ولن نلدغ من جحر مرّتين.

سوريا تستعيد أراضيه

وإلى سوريا، التي تتابع العمل لاستعادة بقيّة أراضيها، في ظلّ ظروف قاسية، وغارات صهيونيّة، واعتداءات تتواصل عليها، وضغوط وحصار يُمارَس من أكثر من جهة إقليميّة ودوليّة، تعمل على ابتزازها على حساب وحدتها أو موقعها أو دورها في المنطقة.

إننا نرى في الإجماع السوري، حكومة وشعباً، على وحدة سوريا، وعدم التفريط بثرواتها واستقلالها، المدخل الحقيقي لمعالجة المطالب الواقعيّة والعادلة لهذا المكون السوري أو ذاك، أو لمقاربة الإصلاحات الداخلية التي تحتاجها سوريا للنهوض من جديد، وعلى قاعدة صلبة تمكّنها من استعادة أراضيها، وتحول دون التدخلات الخارجية، وتعيد إلى هذا البلد أمنه واستقراره ودوره في مواجهة العدوّ الصهيوني وحماية المنطقة.

فلسطين ترفض الصّفقة

أما فلسطين، فإننا نحيّي فيها موقف الشعب الفلسطيني الرافض لصفقة القرن، سواء في داخل فلسطين 48، أو في الضفة الغربية وقطاع غزّة، ونأمل من السلطة الفلسطينية التي تعلن، وعلى الملأ، رفضها لصفقة القرن، أن تؤكّد ذلك بمواقف حاسمة تبدأ بالانطلاق نحو بناء وحدة فلسطينيّة حقيقيّة، وتقطع كلّ العلاقات مع العدو الصهيوني والتنسيق الأمني معه، وتؤمّن كلّ مقوّمات الصمود للشعب الفلسطيني حتى يصعّد مواجهته مع هذا العدوّ.

ذكرى انتصار الثَّورة

وأخيراً، نطلّ على ذكرى انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران؛ هذه الثَّورة التي استطاعت أن تؤكِّد قدرة الشعوب على تغيير واقعها، والإمساك بقرارها الحرّ وتعزيز قوَّتها.

إننا نرى أنَّ النجاح الذي حقَّقته الجمهوريّة الإسلاميَّة في مجالات التقدّم العلمي والتطوّر التقني، وفي السّعي للاكتفاء الذاتي على أكثر من مستوى وقطاع، على الرغم من العقوبات والحصار، يمثّل تجربة مهمَّة يمكن لشعوب المنطقة أن تقتدي بها لتعزيز حرّيتها وكرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي، حتى لا تكون في مهبّ رياح الآخرين.

 

Leave A Reply