هكذا نفهم الاستقلال : بقلم العلامة السيد علي فضل الله

يعبّر الاستقلال في أيّ بلد من بلدان العالم عن لحظة عز وكرامة، تجعل الشّعب المنتمي إلى هذا البلد أو ذاك، يتباهى بكونه حراً وسيداً ومستقلاً، وبأنه يملك قرار نفسه، ويعبّر عن وطنيته وقناعاته بالحياة السياسية، بمعزل عن أيّ قيد يقيّد فكره وآراءه ونشاطه.
من هنا، يكتسب الاستقلال أهميَّة خاصة في حياة الشّعوب، كونه مناسبة وطنية جامعة يشترك فيها كلّ أبناء الوطن، على اختلاف انتماءاتهم الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة، باعتبار أنَّ الاستقلال يعني الجميع دون استثناء، ويعبّر عن مشاعر كلّ أبناء الوطن الواحد دون تمييز.
ونحن في لبنان، كأيّ بلد من بلاد العالم، نحبّ أن يكون الاستقلال مناسبة جامعة يلتف حولها اللبنانيون بكلّ فئاتهم ومناطقهم وطوائفهم، لأننا شعب يستحق أن يحتفل كغيره من شعوب العالم بمناسبة عزيزة على قلوب جميع أبنائه، حيث يكون الاحتفال لحظة اتحادٍ وطنيٍّ يشعر فيها الجميع بأنهم شعب واحد، وأن ما يجمعهم هو العيش المشترك والمصير الواحد.
ولكي نكون جديرين بهذه المعاني، نحتاج حقاً إلى مناخ وطني حقيقي نشعر فيه نحن اللبنانيين بوحدة الانتماء، ووحدة المشاعر، ووحدة المصير، ولكن للأسف، لا زال هناك ما ينغّص علينا هذه المشاعر العزيزة، لأننا لا زلنا نختلف في كلّ شيء، فلا زلنا نقدم انتماءاتنا الفرعية على انتمائنا الوطني الجامع، ولا زلنا نعتبر الاستقلال مناسبة لنبش خلافاتنا، ولنتذكّر مآسينا الطائفية وخلافاتنا التي لا تنتهي، ونتبارى من منا يحب لبنان أكثر، وكأنَّ هناك شعوراً متبادلاً بعدم الثقة، فيعترينا دائماً الشكّ بنوايا بعضنا بعضاً وبولائنا الوطني، وهذا من أكثر العيوب التي يعانيها أبناء هذا الوطن دون استثناء. 

الثقة أساس
لعلَّ هذه المشاعر المتناقضة أحياناً، رغم تغنّينا جميعاً بالاستقلال، منشؤها عدم الثقة بين اللبنانيين، وعدم قدرتنا على إظهار مشاعر مشتركة تجاه هذه المناسبة الوطنية. لذلك، نحتاج في هذه المناسبة إلى توحيد الخطاب حول الاستقلال، والعمل على تكريسه، فالاستقلال ليس يوماً للاحتفال وينقضي، بل هو شعور دائم بالعزة والكرامة والحرية، هكذا نفهم الاستقلال وهكذا يجب أن يكون.
يبقى أنَّ ما ينغّص علينا فرحة الاستقلال، هو بقاء جزء من أرض لبنان محتلاً من قبل العدو الصهيوني، وجزء آخر مهدداً على طول حدودنا مع فلسطين المحتلة، وجزء من ثرواتنا المائية وغيرها مهدداً أيضاً، وأنَّ العمل على استعادة هذه الأراضي العزيزة، والأمن من مخاطر الاحتلال، هو شرط لازم وضروري لنكون جديرين بالاستقلال الناجز والتام، والذي لن يكتمل إلا بذلك.

استعيدوا لبنان
إنَّ استقلال لبنان اليوم مهدّد أكثر من أي وقت مضى من قبل أعداء الخارج، الذين لا يريدون له أن يستقر، وأن ينعم بالهدوء، وأن يعود منارة للشرق كما عهدناه دائماً، وإنَّ مسؤوليَّة استعادة مكانة لبنان هي مسؤولية الجميع، فإذا لم نحفظ لبناننا بكلّ ما أوتينا من عزم وإمكانات، فلن نكون جديرين بوطن يفترض أنه الحاضنة الوطنية لجميع أبنائه.
إنَّ الدّماء الّتي نزفت من أجل استقلال هذا البلد وتحريره من الاستعمار ومن العدوّ الصّهيونيّ، تستحقّ منّا أن نتوحَّد من أجل أن نحافظ عليه ونحميه من كلِّ الّذين يكيدون له ويخطِّطون ليكون معبراً لاستيلائهم على كلِّ ثروات هذه المنطقة وتأمين مصالحهم فيها، وإنَّ حفظ هذه الدّماء يكون بحفظ هذا البلد، ومتابعة تحرير أرضه، وفي إنسانه، عندما يكون إنساناً حرّاً، وسياسته، عندما لا نخضع لسياسات الآخرين، وأمنه، عندما لا نجعل أمننا لحساب أمن الآخرين، فالّذين أفنوا حياتهم لأجل هذا البلد، سيشعرون بالأسى عندما يطلّون علينا، ونحن نتلهّى بالقضايا الصّغرى على حساب القضايا الكبرى، ونفكِّر في حجم مصالحنا أكثر مما نفكِّر في حجم طموحاتهم الّتي كانت بحجم هذا الوطن، وبحجم حريّة أبنائه الّذين قدّموا أنموذج الحريّة للشّعوب الأخرى.

 

المصدر : جريدة اللواء 

Leave A Reply