يوم الغدير: تنصيب القيادة الاستثنائيَّة وحماية الإسلام
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..}. صدق الله العظيم.
بهذا النداء نزل جبريل على رسول الله(ص) وهو في غدير خم بعد عودته وجموع المسلمين من حجهم الوحيد الذي حجوه مع رسول الله، والذي سمي بحجة الوداع..
ولخطورة هذا النداء وأهميته أمر رسول الله (ص) الركب الذي كان يصاحبه أن يتوقف فورا ودعا إلى أن لا يتخلف أحد منهم عن سماع ما سيبلغه لهم فلا بد أن يصل ما سيقوله إلى كل واحد منهم رغم شدة حرارة الشمس حتى ذكر أن الواحد منهم كان يضع بعض ردائه على رأسه ونصفه تحت قدميه لشدة رمضاء الصحراء..
بعدها أمر رسول الله بأن يصنع له هودج يقف عليه مع علي(ع) وألقى خطبة جاء فيها:
"أيُّها النّاس، إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ.. وإني مسؤول وأنتم مسؤولون.. أيُّها النّاس إني لكم فرط وإنكم واردون علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر كتاب الله عز وجل. والآخر الأصغر عترتي أهل بيتي وأن اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.. فلا تقصروا عنهما فتهلكوا..
ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى بان بياض آباطهما حتى يعرفه القوم أجمعون.. ثم قال: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه.. وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب".. بعدها راح المسلمون يهنئون علياً بالموقع الذي سيتسلمه والمسؤولية التي سيتحملها، بعد انتقال رسول الله(ص) إلى الرفيق الأعلى.
وعندها نزلت الآية الواضحة الدلالة على رسول الله(ص) {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً..}..
فنادى رسول الله(ص): "الله أكبر الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي"..
لقد كان هذا البلاغ واضحاً في دلالاته وأهدافه، وهو أن لا يترك الإسلام الذي بذل رسول الله(ص) ومعه المسلمون التضحيات لأجله، بدون راع يرعى مسيرته، فالتحديات كانت لا تزال ماثلة أمام هذا الدين، التحديات الروحية والفكرية والثقافية… وتحدي المنافقين في الداخل والروم والفرس من الخارج، وممن يريد الإضرار بالدين من كيانات ومصالح..
ومن الطبيعي أن علياً هو أولى من يقوم بهذا الدور، نظراً لكل الخصائص الذاتية والمؤهلات الروحية والعلمية والفكرية والنفسية التي حملها ولم يدانه فيها أحد..
فعلي(ع) هو من الذي تربى في بيت رسول الله(ص) ونهل من معينه الصافي.. قد عبر عن ذلك عندما قال: "ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به".
وهو من كان له السبق إلى الإسلام وعدم السجود لصنم قط وإلى ذلك أشار علي(ع) عندما قال: "إني أوّل من أناب وسمِعَ وأجابَ لم يسبقني إلا رسول اللّه بالصلاة".
وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: " وما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده، وكلّ من في الأرض يعبد الحجر، ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلّا السابق إلى كلّ خير، محمّد رسول الله(ص)".
وإلى هذا هو باب مدينة علم رسول الله(ص).. فهو لم يحتج إلى أي علم من غيره، فيما الكل كانوا يحتاجون، وفي ذلك يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي حين سئل: لم فضلت علياً على غيره؟ قال: احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ دليل على أنّه إمام الكلّ في الكلّ".
وقال عنه الزمخشري صاحب تفسير الكشاف: "ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، و ظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين".
ولم يقف دور علي(ع) على ذلك، فقد كان المتصدر في كل الحروب شهدت له بذلك بدر وأحد والأحزاب وخيبر وفتح مكة وحنين.. ويكفي أن قال عنه رسول الله(ص) عندما برز في الخندق لعمرو بن ود العامري "برز الإيمان كله إلى الشرك كله".. وفي معركة خيبر عدما سلمه الراية لفتح حصون خيبر بعدما عجز غيره عنها: "لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، يفتح الله على يديه، كرّاراً غير فرّار".
وبلاغ يوم الغدير لم يكن هو البلاغ الوحيد الذي حرص فيه رسول الله أن يظهر موقع علي عنده، فقد أظهر ذلك عندما آخاه رسول الله لما آخى بين المهاجرين والأنصار.. وقال له حينها أنت أخي في الدنيا والآخرة..
وما قاله له عندما زوجه بابنته وبضعته السيدة الزهراء(ع): ما أنا زوجتك بل الله أمرني بتزويجك، وقال لفاطمة يومها: "لقد زوَّجتك سيِّداً في الدنيا والآخرة، وإنَّه أوَّل أصحابي إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً".
وقد أشار رسول الله بكل وضوح إلى موقعه منه من ناحية الخلافة عندما أراد أن يخرج إلى تبوك لملاقاة الروم وترك يومها علياً(ع) في المدينة، وراح المنافقون يرددون: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخوفاً منه.. فقال له حينها رسول الله(ص): "كذبوا، ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع واخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي؟".
وقد جاء القرآن ليؤكد هذا الموقع عندما اعتبر نفس رسول الله(ص) وهو ما ورد في آية المباهلة: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}.. وكان المقصود بأنفسنا هنا هو علياً(ع).
ولكن ورغم كل ذلك لم تسر الأمور كما أراد رسول الله(ص) وأسندت الخلافة إلى غير علي بعدما استنفرت العصبيات والمصالح والتي وجهت الناس إلى خيار هو مخالف لما سبق وأن التزم به المسلمون في غدير خم، أو لما سمعوه من رسول الله.
لكن علياً الأمين على الإسلام وعلى المسلمين والواعي لدقة الظروف لم يحرك ساكناً في ذلك، بل وأد الفتنة التي كان يُعمل لها.. ولو كان ذلك على حسابه وقالها كلمة: "لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة".
لقد عض علي(ع) على الجرح وسعى ليتابع دوره في حفظ الإسلام ونقائه وعدم السماح لأيادي العابثين بفكره وعقيدته أن تمتد إلى هذا الدين.. فكان إيجابياً حتى مع الذين أخذوا منه الخلافة وأبعدوه عنها، فكان يتدخل معهم في كل مورد يرى فيه انحرافاً أو خللاً، وفي كل مقام يتطلب النصح والتوجيه.. والتاريخ يذكر الكثير من ذلك، حتى ورد عن الخليفة الثاني عمر: "لولا علي لهلك عمر" :وما كان لمعضلة ليس لها أبو الحسن".
فلم يكن علي(ع) يتصرف مع هؤلاء وحتى مع المناوئين له من موقع انفعال مسيء أو ردود فعل سلبية وهو القادر على أن يطيح بكل المعادلة القائمة والأوضاع المستجدة لو كان يتحرك وفق مصالح فئوية أو شخصية، فحياته كانت للإسلام.. ولعل هذا أهم درس نتعلمه من علي(ع)، فمنه نتعلم كيف نجعل مصلحة الإسلام والمسلمين لها الأولوية على كل ما عداها وكيف نتنازل عن انفعالاتنا وحساسياتنا وحساباتنا الخاصة في سبيل هذه المصلحة الكبرى..
ولذلك فإننا عندما نحيي يوم عيد الغدير الذي نسأل الله أن يجعله يوماً مباركاً على الجميع، فإننا لا نحييه لاستثارة الغرائز والعصبيات المذهبية وتعميقها، بل على العكس فإننا نريدها أن تكون مناسبة ومحطة لتحريك الحوار الموضوعي البعيد عن الانفعال والتوتر بين المذاهب الإسلامية.. ونحن نرى ذلك هو ما يساهم في الوصول إلى قناعة مشتركة نلتقي عليها.
ولتكن البداية حديث الغدير للوصول إلى حقيقة ما ورد عن رسول الله(ص) حيث الخلاف لا على ما جرى في الغدير بل على ما معنى كلمة المولى فيما ورد عن رسول الله(ص) "من كنت مولاه فعلي مولاه"، بين ما نراه من كونها دالة على الولاية والحاكمية والإمامة وبين وجهة النظر الذي يراها تقتصر على محبة علي(ع).
وهنا نعيد التأكيد أن من يرتبط بعلي لا يمكن أن يكون داعية فتنة ووحدة في الوقت نفسه.
هذا في الدائرة الإسلامية، أما إحياء هذه المناسبة للملتزمين لأهل البيت فهو إعلان للبيعة لعلي بأننا سنواليه في الحق الذي أخلص له، وعاش كل حياته ليثبته..
فإننا نرى هذه المناسبة هي أن نكون مع الحق حتى لو كان الحق على حسابنا، حتى لو كلفنا كما كلف علياً عندما قال: "ما ترك لي الحق من صديق".. فلا يمكن أن نتبع علياً ونحن نسير مع الباطل أو الظالم أو الفاسد.. ومتى التزمنا بمنطق علي(ع) فإننا نستحق أن نكون من أتباعه وشيعته وأن نقول: الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم وجعلنا من المؤمنين بعهده وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية أمره، والقوّامين بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين والمكذبين..
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء يوم عيد الغدير الَّذي يمرّ علينا في الثامن عشر من ذي الحجة، بأن نراه يوم فرح وسرور، فلا يوجد سرور ولا فرح هو أكثر من يوم أشار إليه الله بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}، فلم يكمل الدين، ولم تتم نعمته علينا بدونه، وهو اليوم الذي قال عنه الله سبحانه: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ}، لأنَّ الكافرين يئسوا بعد هذا اليوم وما جرى فيه، فهم كانوا ينتظرون غياب رسول الله (ص) من هذه الدنيا حتى ينقضوا على كلّ إنجازاته وكل ما قام به من تبليغ الدين.
إنّ فرحنا وسرورنا ينبغي أن نعبر عنه بأن نتوجه إلى الله في صلواتنا وأدعيتنا بالشكر على ما منحنا من نعمة هذا الدين وإتمامه علينا وحفظه لنا، وأن نتوجه بتجديد العهد والولاء لأمير المؤمنين فيما دعانا إليه، بأن نكون، كما أرادنا، الورعين عن محارم الله والجادين في طاعته، فلا نتنازل عن ديننا أو قيمنا ومبادئنا مقابل مال وشهوة ومطمع ودنيا.
وبذلك، نستحقّ هذا العيد، وبذلك نستطيع أن نواجه التحديات.
لبنان
والبداية من لبنان، الذي يشهد اليوم حداداً وطنياً وشعبياً عاماً على العسكريين الثمانية الَّذين طال انتظار أهلهم وكلّ وطنهم لمعرفة مصيرهم، بعدما غُدر بهم، وخطفوا، وقتلوا من دون وازع من ضمير أو دين يدعو إلى حفظ الأسرى وحماية حياتهم.
ونحن في هذا المجال، في الوقت الذي نقدر الالتفاف الرسمي والشعبي حول هذه القضية، وكل التضحيات والجهود التي بذلت من أجل الكشف عن مصير هؤلاء العسكريين، نتوجه بأسمى آيات العزاء لأهاليهم وذويهم، سائلين المولى أن يربط على قلوبهم بالصبر والسلوان.
إننا نرى أنَّ الوفاء لهم قد تحقَّق من رفاقهم في الجيش اللبناني والمقاومة، بإنجاز تحرير الأرض من فلول الإرهابيين، وإزالة خطرهم عن كاهل لبنان واللبنانيين.
ولا بدّ لهذه القضية من أن تواكب بتحقيق شفاف وعادل، بعيداً عن أية حسابات سياسية وغير سياسية، يكشف الغموض الذي يلفها، ويجيب عن التساؤلات التي أحاطت بها، ليُبنى على الشيء مقتضاه.
ونحن نرى أن القضية حين تتصل بدماء العسكريين، لا ينبغي أبداً، وبأيّ شكل من الأشكال، أن توضع في الأدراج أو تخضع للتسويات، بل لا بدَّ من أن تتابع بكل جدية، حفظاً لكرامة الجيش وهيبته وحضوره، وخصوصاً أنّ هيبته وكرامته من هيبة الوطن وكرامته، فهذا الجيش لم يتوانَ لحظة خلال السنوات الماضية، ولا يزال، عن القيام بدوره في حفظ الأمن في الساحة الداخلية وعلى الحدود، وكان دائماً على استعداد للتضحية حين يتأمن له الغطاء السياسي. ولا بدّ، لحفظ هذا الدور، من أن يطمئن كل جندي بأنه مصان في حياته وكرامته. وعندها، لن يتوانى عن تقديم أغلى التضحيات في سبيل أهله ووطنه.
إنَّنا نريد لكلِّ المواقف التي تتجلى اليوم في الوقوف مع المؤسسة العسكرية، أن تتجلى نفسها في حفظ الوحدة الوطنية الداخلية، التي تبقى صمام الأمان في مواجهة ترددات كل الإنجازات التي حصلت، وفي استكمال مسيرة استقرار الوطن على المستوى الأمني؛ المسيرة التي نخشى عليها في ظلِّ السجالات والتسريبات الّتي بدأت تلوح في الأفق الاقتصادي والسياسي. ومن هنا، فإننا نحذّر من كلّ الأصوات النشاز التي تدعو إلى العبث بهذه الوحدة الوطنية، سواء من الداخل أو الخارج.
إنَّنا نثق بأنَّ وعي اللبنانيين سيفوت الفرصة على هؤلاء، وسيمنع مجدداً العبث باستقرار البلد، فالعبث بأمنه ووحدته، إن حصل، لن يكون فيه رابح، والكل فيه خاسرون.
سوريا
أمّا سوريا، الَّتي شهدت بالأمس عدواناً صهيونياً على أرضها، فإنَّنا لا نرى في هذا العدوان إلا تعبيراً حقيقياً عن القلق الصّهيونيّ مما آلت إليه التطورات في هذا البلد الذي يخشى العدو أن يتعافى، وآخر هذه التطورات ما يحصل في دير الزور وغيرها، وهو بذلك يريد قطع الطريق على كلِّ المحاولات السياسيّة الجارية لإنجاز حلّ سياسي للأزمة الداخلية، لإبقاء هذا النزف الّذي تريد له إسرائيل أن يسقط كلّ مواقع القوة المتبقية في هذا العالم العربي، وأن لا يعود لسوريا دورها الريادي في هذا العالم.
من هنا، فإننا ندعو إلى التنبه والحذر والاستعداد لمواجهة أية مغامرة صهيونية عدوانية أو أية اختراقات سياسية أو أمنية تريد تعطيل المسار السياسي الراهن. والمناورات الصّهيونية الأخيرة الّتي جرت على الحدود اللبنانية السورية تشكل رسالة واضحة بأنّ هذا العدو لن يكف عن الاستعداد للحرب، وهي خير دليل على ذلك.. كما يبدو واضحاً التهويل الذي يقوم به، لاستعادة ما افتقده من هيبة في حروبه العسكرية الفاشلة على لبنان وغزة، ولتبديد قلق المستوطنين الذين يتزايد شعورهم بتآكل القدرة الردعية للجيش الصهيوني.
ميانمار
ونصل إلى ميانمار؛ هذه الدّولة التي لا يعرفها الكثيرون، وهي تقع بين بنغلادش والهند والصين، ويعيش فيها أكثر من مليون مسلم من الروهينجا، ما زالوا يتعرضون، ومنذ عقود، لأبشع عملية تطهير عرقي، بحيث اعتبرتهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، وقد شهدت الأسابيع الأخيرة مذابح وحملات تهجير شملت عشرات الآلاف، هرباً من القوات الحكومية والمتعصبين من البوذيين.
إنَّ تذرّع سلطات ميانمار في ارتكاب جرائمها بأنّ الروهينجا المسلمين هم غرباء أو إرهابيون، هو مجافٍ للحقيقة، فالوقائع تؤكّد أنهم مواطنون أصليون كبقية المواطنين، ويعيشون في مدنهم وقراهم وأحيائهم منذ مئات السنين، متحملين كلّ ألوان الانتهاكات لحقوقهم.
إنّ كلّ هذه الجرائم لا تلقى إلا اللامبالاة والصمت والتواطؤ الدّولي، فيما الدول الكبرى على عهدها في الصمت حيال كلّ جرائم الإبادة والتمييز العنصري وانتهاكات حقوق الإنسان، إذا كانت لا تؤثر في مصالحها، أو لا تستفيد منها لخدمة أهداف سياسيّة وأمنيّة.
ولذلك، لن نتساءل عن دور هيئة الأمم المتحدة وأمنائها العامين خلال عقود، وهم الذين يعترفون بمظلومية هذا الشعب، بل نسأل عن منظّمة التعاون الإسلاميّ، وجامعة الدول العربية، ومنظّمات حقوق الإنسان الدّوليّة، وموقفها من عمليات الإبادة التي لا تزال مستمرة بحق مسلمي الروهينجا.
إننا في هذه اللحظات المأساويَّة، ندعو كلّ دول العالم والدّول العربيَّة والإسلاميَّة إلى أن تبذل أقصى الجهود للحدّ من هذه الكارثة الإنسانية، وأن تباشر بعقد اجتماع إسلاميّ سريع لمعالجة هذه القضية التي لم يعد من الممكن السّكوت عنها، وإنقاذ النازحين، حفظاً على ما تبقى من هؤلاء الذين تخيّرهم سلطات ميانمار، وأمام العالم، إما بالقتل، وإما بإخراجهم من بلادهم، أو جمعهم في مخيمات لاجئين، بعيداً عن أراضيهم ومناطقهم.
عودة الحجاج
وأخيراً، يعود الحجاج في هذا الأيام إلى ديارهم، بعدما أدوا فريضة أكّدوا فيه وحدتهم وتكاملهم، عندما طافوا وسعوا ولبوا وضحوا ورموا الجمار معاً.. إنّنا في هذه المناسبة، نهنئ الحجاج بهذه العودة الميمونة، سائلين الله أن يتقبل أعمالهم، وأن يعكسوا هذه الفريضة بكلّ معانيها السامية على سلوكهم وحياتهم الخاصَّة والعامَّة
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله