مسؤوليَّة الكلمة في زمن الفتن والتحدّيات

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} صدق الله العظيم.

مسؤوليّة الكلمة

كلّنا بات يعرف مدى الأثر السّلبيّ للكلمة المقروءة والمسموعة إن هي خرجت عن دورها من أن تكون كما أرادها الله سبحانه وتعالى، أداة إصلاح ووعي، ووسيلةً لبثّ روح المحبَّة والألفة بين النَّاس وبعث الخير في نفوسهم، وتحوَّلت إلى أن تكون أداةً لبثِّ التّفرقة وزرع الفتن والأحقاد والعداوات.

ويكفي نظرة إلى الواقع الّذي نعيش، حتّى نرى مدى الآثار الّتي تتركها الكلمات عندما تطلق بدون تدبّر ووعي لتداعياتها ونتائجها على صعيد الأفراد أو المجتمعات أو الأوطان، ولا سيَّما مع تطوّر وسائل الإعلام وانتشار مواقع التَّواصل، وهو ما أشارت إليه الأحاديث، فقد ورد في الحديث: “رُبَّ قول أنفذ من صول”، وفي الحديث: “رُبَّ كلامٍ أنفذ من سهام”.

ولذلك، عندما سئل أمير المؤمنين عليّ (ع): أيّ شيء ممّا خلق الله أحسن؟! قال: “مَا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ الْكَلَامِ وَلَا أَقْبَحَ مِنْهُ؛ بِالْكَلَامِ ابْيَضَّتِ الْوُجُوهُ، وَبِالْكَلَامِ اسْوَدَّتِ الْوُجُوهُ”.

وقد ورد في الحديث: “إنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه، وإنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغت، يكتبُ اللهُ له بها سخطَه إلى يومِ يلقاه”.

وفي الحديث: “يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دمًا، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، إنّك لتعلم أنَّك قبضتني وما سفكت دمًا، فيقول: بلى، سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه، فنقلت حتّى صارت إلى فلان الجبَّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه”.

تحت رقابة الله

ولذلك، نبّه الله عزَّ وجلَّ عباده أنّه الرّقيب على الكلمة الّتي يطلقونها، ليلفتهم إلى أنّهم عندما يتكلّمون أو يكتبون، يكونون تحت رقابته المشدّدة، حيث قال سبحانه: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وهو وجّههم لأجل ذلك إلى أن ينتقوا كلماتهم، وأن يحسنوا اختيارها، وأن لا يكتفوا بالكلام الّذي لا يسيئون به إلى الآخرين، ممّا يخدش مشاعرهم ،أو يسبّب لهم الأذى، أو يؤدّي إلى فتنة أو توتّر، بل أراد لهم أن يختاروا الأحسن من الكلام، وهذا ما أشار إليه الله عزَّ وجلَّ: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وذلك تفاديًا لما أشار إليه بقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}، فالشّيطان ينفذ من خلال الكلمات الّتي تصدر ليوتّر علاقات النَّاس بعضهم ببعض، ويقصد بالقول الأحسن الكلام العقلانيّ المقترن بالمحبَّة، والّذي يترك أثرًا طيّبًا في نفوس من يستمعون إليه أو من يقرأونه ولا يتسبّب بأيّ استفزاز لهم، وقد فسَّر الإمام الصّادق (ع) هذه الآية بقوله: “قولوا للنَّاس أحسن ما تحبّون أن يقال فيكم”، أي خاطبوا النّاس بما تحبّ أن يخاطبوكم به.

ولتشجيعهم على ذلك، بيّن لهم الآثار الّتي تحصل إذا فعلوا ذلك، إن في الدّنيا أو الآخرة، فقال عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}…

وجاء في آية أخرى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، حيث بيَّن الله سبحانه وتعالى أنّ الكلمة الطّيّبة تبقى وتنمو باستمرار، وتترك أثرًا طيّبًا حيثما حلَّت، بينما أشار إلى أثر الكلمة المستفزّة والموتّرة بقوله: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار}، فهي لا تبقى، وسرعان ما تتداعى ولا يبقى أثرها.

وفي حديث آخر عنه: “عوِّد لسانك لين الكلام، وبذل السَّلام، يكثر محبّوك، ويقلّ مبغضوك”.

وعندما جاء شخص إلى رسول الله (ص) يطلب منه أن ينصحه بعمل يدخل به الجنّة، قال (ص) له: “أمسكْ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ”.

الدّفع بالّتي هي أحسن

ولم تقف هذه الدَّعوة إلى الكلمة الأحسن لمن يطلق الكلام ابتداءً، بل وردت الدّعوة إليها حتّى عندما يريد الإنسان الردّ على الإساءة الصَّادرة عن الآخرين، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في ذلك: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.

وهذا ما عبَّر عنه رسول الله (ص) في حياته، فهو رغم كلّ الإساءات الّتي تعرَّض لها، والاتّهامات الّتي وُجِّهت إليه، والأذى الّذي عاناه، والّذي وصل إلى أن يقول: “ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت”، كان ليِّن الكلام، فلم يكن فظًّا ولا غليظ القلب، وهذا ما أشار إليه الله تعالى عندما قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، الأمر الّذي جعله يصل إلى قلوب النَّاس ويجتمعوا عليه.

وقد ورد عنه (ص) أنَّه عندما قيل له في يوم أُحد، حين كسرت رباعيَّته وشجّ رأسه وقتل أعزّ أصحابه: ادع على المشركين، فإنَّ دعاءك مستجاب، قال لهم: “إنِّي لم أُبعَث لعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رحمةً مهداة”.

وورد أنَّه (ص) مرّ به يهوديّ، فقال له اليهوديّ: السّام عليك، يعني الموت عليك، موهمًا بذلك أنّه يسلِّم على النبيّ (ص)، فاكتفى النبيّ (ص) بالقول: وعليك. وهنا ثارت ثائرة زوجته السيِّدة عائشة الّتي شهدت هذه الواقعة، وراحت تسبّ هذا اليهوديّ وتلعنه، فقال لها رسول الله (ص): “هوِّني عليك، ما بهذا نبادل إساءاته”، “إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلَّا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلَّا شانهُ”، “إنَّ الله رفِيق يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف”. وقد قالها رسول الله (ص) آنذاك، لا عن ضعف، بل عن قوَّة، فقد كان آنذاك في المدينة المنوَّرة، وكان الأمر والحكم له.

وهذا هو الأسلوب الّذي انتهجه أمير المؤمنين عليّ (ع) في معركة صفّين، عندما سمع أصحابه يسبّون أهل الشَّام كردّ فعل على سبّ هؤلاء للإمام (ع)، فخاطبهم يومها قائلًا: “كفّوا عمّا بلغني عنكم من الشّتم والأذى… فقالوا: ألسنا محقّين؟! ومَنْ خالفنا مبطلين؟، قال: بلى، قالوا: فلِمَ منعتنا من شتمهم؟، فقال: كرهت أن تكونوا سبّابين، ولكن لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم: اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتَّى يعرف الحقَّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به”.

وأد الفتن بالكلمة الطيّبة

أيُّها الأحبَّة، إنَّنا في عصر يراد منه إثارة الفتن داخل مجتمعاتنا، إن على الصّعيد الدّينيّ أو المذهبيّ أو السّياسيّ أو العائليّ أو العشائريّ أو بين الدّول والشّعوب.

إنّنا أحوج ما نكون إلى من يئدها، لا من يسعِّرها، وإلى من يبرّد القلوب، لا من يثير مكامن الحقد فيها، وهذا لا يتمّ إلَّا بالكلمة الطيِّبة الّتي تقرِّب القلوب، وتعزِّز أواصر الوحدة، وتزيل التّوترات والأحقاد من النّفوس، فبها نعبِّر عن إيماننا: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت”، وهو الهدى الّذي دعينا إليه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}.

فلندع الله إلى أن يعيننا على ذلك، ولنقل: “اللَّهمَّ أعنَّا على أنفسنا بما تعين به الصّالحين على أنفسهم، اللَّهمَّ جنِّبنا مزالق السّوء، ومرابض الفتن، ودعاة الشّرّ، إنّك أنت العزيز الحكيم”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيّة رسول الله (ص)، فقد ورد: “أنّ رجلًا جاء إلى رسول الله (ص)، فقال له: يا رسول الله أوصني؟ فقال له (ص): فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك، فقال نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله (ص): فإنّي أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشدًا فأمضه، وإن يك غيًّا فانته عنه”.

حيث دعاه رسول الله (ص) إلى أن ينظر في عواقب أيّ أمر يريد أن يقدم عليه، وما قد يحصل من مضاعفات سلبيَّة قد تحدثها أيّة كلمة يطلقها، أو أيّ موقف أو قرار يصدر عنه، وأيّ تأييد أو رفض، أن يدرس نتائجه على مستوى الدّنيا وما قد يؤدّي إليه، فيطلق الكلمة الّتي لا تحدث فتنة، أو تتسبّب بمشكلة أو توتّر قد ينتج، إن على صعيد العائلة أو المجتمع أو الوطن، والأهمّ، أن ينظر إلى الآثار الّتي قد تحدث من ورائها على صعيد الآخرة، وما الّذي سينتج منها عندما يقف بين يدي الله، وهل هو قادر أن يبرّر موقفه أمام ربّه، وهل تؤدّي به إلى جنّة أو نار.

ومتى عملنا بذلك، فسنكون بذلك أكثر رشدًا وأقلّ خطأً، وقادرين على أن نواجه التّحدّيات الّتي لا تواجه إلّا بالواعين الّذين يعون المخاطر قبل حصولها، ويسعون ما أمكنهم إلى تجنّبها.

ذكرى الطّوفان

والبداية من الذّكرى الثّانية لـ “طوفان الأقصى”… والّتي نستعيدها لنشير إلى مدى الإيجابيّات الّتي جسّدتها، والّتي نحن أحوج ما نكون إلى استحضارها، فهي أظهرت مدى القدرة الّتي تملكها المقاومة في فلسطين، والدّور الّذي تؤدّيه في مواجهة العدوّ، حيث تحوّلت، ورغم العدوان المتواصل والحصار الدّائم، من موقع المتلقّي لهجمات العدوّ الصّهيونيّ، إلى موقع المهاجم له، واستطاعت خلال ساعات قليلة أن تبدّد أسطورة الجيش الَّذي لا يهزم، ما أحدث زلزالًا داخل هذا الكيان، وأثار حالًا من الشَّكّ لدى المستوطنين فيه حول مستقبلهم وقدرة جيشهم على حمايتهم، وأشعرهم بأنّه لم يعد هناك ملاذٌ آمنٌ لهم.

وهنا نتساءل بقوّة: إذا كانت المقاومة في فلسطين، ورغم الحصار والتّضييق، قادرة على أن تحقّق هذا الإنجاز، فكيف إن تجمّعت كلّ الدّول الّتي تحيط بهذا الكيان في مواجهته، وعملوا معًا لاستعادة الأراضي المحتلّة.

لقد أعاد الطّوفان الاعتبار للقضيّة الفلسطينيّة، وجعلها مجدّدًا في واجهة الأحداث العالميّة، وفي المؤسّسات الدّوليّة، بعدما عمل الكيان الصّهيونيّ على تهميشها، لتعود فتفرض نفسها مجدّدًا على العالم، وذلك في ضوء ثبات هذا الشّعب في مواجهة حرب الإبادة الصّهيونيَّ ة، الأمر الّذي أرغم العالم على أن يأخذ في الاعتبار حقوق الشّعب الفلسطينيّ في أرضه، وضرورة امتلاك مصيره بيده، وأن لا سلامَ حقيقيًّا بدون ذلك… وهو ما تجلّى في التّظاهرات الشّعبيّة الحاشدة الّتي عمّت أكثر الدّول الغربيّة، وحتّى تلك الّتي كانت تدعم هذا الكيان، ودعت إلى منح الاستقلال والحريّة لهذا الشّعب الصّابر، وفي وقوف أغلبيّة دول العالم لإعلان اعترافهم بحقّه في دولة على أرضه، ما جعل هذا الكيان معزولًا في العالم، وهو ما أربك كلّ الدّول الكبرى الّتي تحميه، ودفعها إلى اتّخاذ المبادرات لإيجاد حلّ سياسيّ ينهي هذه المأساة.

المبادرة.. وعزلة العدوّ

وقد جاءت مبادرة الرّئيس الأميركيّ الأخيرة في هذا السّياق، والّتي وإن هدفت لإنقاذ هذا الكيان وإخراجه من عزلته، لتعيد تجميل صورته القبيحة والمشوّهة، وأرادت تحقيق الأهداف الّتي لم يستطع العدوّ الحصول عليها طوال حربه، من استعادة أسراه، وإنهاء جذوة المقاومة الفلسطينيّة فيها، إلّا أنّ هذا الرّئيس اضطرّ في مبادرته، وبفعل الصّمود الفلسطينيّ والتّضحيات الجسام، أن يستجيب للكثير من المطالب الّتي يريدها هذا الشّعب، في إيقاف نزيف الدّم والدّمار، وعدم تهجير أهالي غزّة منها، وإعادة إعمار ما تهدّم فيها، وتأكيد حقّه في تقرير مصيره، وإن كان ذلك لا يزال يحتاج إلى بذل الكثير من الضّغوط على الكيان الصّهيونيّ، لكون العدوّ سيعمل جاهدًا على أن يأخذ من الخطّة ما يريده منها من استعادة أسراه، من دون أن يعطي الشّعب الفلسطينيّ أيّ شيء من حقوقه المشروعة، سواء في غزّة أو في الضّفّة الغربيّة…

إنّنا في الوقت الّذي نرى أهميَّة ما قد يتمّ إنجازه في المرحلة الأولى، نحذّر من خداع العدوّ وأفخاخه، لذا ندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة وكلّ أحرار العالم إلى إبقاء حضورهم فاعلًا في المراحل القادمة لتنفيذ الاتّفاق، لمنع العدوّ من التّنصّل من التزاماته، ولمساعدة الشّعب الفلسطينيّ على أخذ كامل حقوقه على أرضه وحقّه في تقرير مصيره.

تضحيات اللّبنانيّين

ونحن عندما نستعيد ذكرى السّنة الثّانية لطوفان الأقصى، فإنّنا لا نستطيع إلّا أن نستذكر التّضحيات الجسام الّتي قدّمها الشّعب اللّبنانيّ، من القادة والمدنيّين والمسعفين والمقاومين، والتّدمير لمدنه وقراه، إسنادًا للشّعب الفلسطينيّ، ووقوفه معه في معاناته، أو ممّا قام به الشّعب اليمنيّ ولا يزال، من الضّغط على هذا الكيان لإيقاف الحرب التّدميريَّة على غزّة، رغم ما تعرّض له من قصف واغتيالات.

مسؤوليّة الدّولة

في هذا الوقت، لا يزال لبنان يعاني من اعتداءات العدوّ الصّهيونيّ، من خلال عمليّات القصف والاغتيال الّتي طاولت العديد من المدنيّين. ومن ذلك، ما حصل في منطقة النّبطيّة من استهداف رجل كفيف مع زوجته كانا في الطّريق لجلب أولادهما من المدرسة، أو ما تتعرّض له القرى الحدوديّة لمنع أهلها من العودة إليها، والّتي يهدف العدوّ من ورائها إلى مزيد من الضّغط على الدّولة اللّبنانيَّة وعلى الشّعب اللّبنانيّ، لتقديم التّنازلات الّتي يريدها من هذا البلد، ممَّا أفصح عنه وممّا لم يفصح عنه بعد…

إنّنا أمام ما يجري، وفي ظلّ ما يعانيه اللّبنانيّون من اعتداءات متواصلة، نجدّد دعوتنا للدّولة اللّبنانيّة إلى أن تكون أمينة على مواطنيها، بأن تبذل كلّ ما تستطيع القيام به من أجل إيقاف نزيف الدّم والدّمار، ومنع العدوّ من التّمادي في جرائمه والعبث بأمنه.. إنَّ من المؤسف أن نرى بعض من هم في مواقع المسؤوليّة ينشغلون بحساباتهم الضّيّقة، والتّعامل بكيديّة وبخفّة مع الأمور، في وقت ينبغي أن تنصبّ كلّ جهودهم لإيقاف العدوان بكلّ السّبل المتاحة، وعدم جعله يمرّ بدون مساءلة، سواء على الصّعيد السّياسيّ أو الدّبلوماسيّ، وإعمار ما تهدّم وإعادة الأسرى.

ونكرّر هنا دعوتنا الحكومة اللّبنانيّة إلى أن تلتفت إلى معاناة المواطنين الّتي تزداد يومًا بعد يوم على الصّعيد المعيشيّ والحياتيّ، في ظلّ الأعباء الّتي باتوا يتحمَّلونها، وبفعل ارتفاع الأسعار الّذي يسهم به التّضخّم النّاتج من السّياسات الماليّة الخاطئة، أو بفعل انعدام الرّقابة على الأسعار، وزيادة الضّرائب الّتي بدأت آثارها تظهر وقبل صدور الموازنة.. لقد آن للّبنانيّين أن يشعروا أنّهم يعيشون في ظلّ دولة تعمل لحسابهم جميعًا…

***

ك: الكلمة، مسؤولية الكلمة، غزة، أمريكا، إسرائيل، فلسطين، لبنان.