كفُّ الأذى: معيارُ الإيمانِ وسبيلُ بناءِ المجتمع ِالمتماسك
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} صدق الله العظيم.
التّحذيرُ من أذيّةِ الآخرين
جاءت هذه الآية لتحذّر المؤمنين من أن يكونوا سببًا في إيذاء الآخرين. فالمؤمن مدعوّ إلى أن يكفّ أذاه عن كلّ النّاس، حتّى من يخالفونه في الدّين أو المذهب أو الموقع السّياسيّ، أيًّا كان الأذى، ماديًّا أو جسديًّا أو معنويًّا، وسواء كان ذلك باليد أو باللّسان أو بالنّظرة أو بالفعل، أو أن يؤذيهم برفع صوته أو صوت راديو سيّارته أو مذياعه، أو بوضع سيّارته في منتصف الطّريق بحيث يعيق حركة المرور، أو بتجاوز قوانين السّير بما يعرقل على الآخرين سيرهم، أو برمي النّفايات في الطّريق أو وضعها في غير المكان المحدَّد لها، ويشمل ذلك الإساءة إلى الممتلكات العامّة أو إلى البيئة الّتي يستفيد منها النّاس.. ولم يقف أمر النّهي عن الأذى على الإنسان، بل نجده حتّى على الحيوان… فقد ورد في الحديث، أنَّ امرأة عُذِّبَتْ في هرّة ربطتها حتّى ماتت عطشًا… وفي الحديث: نهى رسول الله (ص) عن قتل كلّ ذي روح إلَّا أن يؤذي. نعم، قد يكون الأذى جائزًا لردّ أذى الآخرين أو إساءتهم عندما لا يكون هناك سبيل إلّا الرّد عليهم.
معيارُ الإيمان
وقد اعتبر الإسلام كفّ الأذى عن الآخرين هو المعيار الَّذي يميّز الإنسان المسلم من غيره. فالمسلم، كما أشار الحديث الوارد عن رسول الله (ص)، هو من سلم النَّاس من يده ولسانه. فعندما سئل (ص): أيُّ المسلمين خَير؟ قال: “مَن سَلِم المسلِمُون مِن لسانِهِ ويدِه”.
وقد عبّر عن ذلك رسول الله (ص) عندما ذكرت عنده امرأة بكثرةِ صلاتها وصيامها، فقال (ص) عنها لمعرفته بها: لا خير فيها؛ هي في النَّارِ، فقيل: يا رسول الله، كيف ذلك وهي كثيرة الصّيام والصّوم؟ فقال: أعلم ذلك، ولكنَّها تؤذي النَّاس بلسانها.
وهو ندّد بمن رآهما يتحدَّثان سرًّا في مجلس يحضره آخرون، وقال: “إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى اثنان دونَ الثَّالثِ إلّا بإذنِه، فإنَّ ذلك يُحزنُه”.
وقد بيّنت الأحاديث مدى خطورة التّسبّب بأذى المؤمنين، ففي الحديث القدسيّ: “ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن…”، وفي الحديث عن رسول الله (ص): “مَنْ آذى مسلمًا فقدْ آذانِي، ومَنْ آذاني فقدْ آذى اللهَ”، ومن تشمله الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}.
ذنبٌ لا يغفرُهُ الله
فيما أشارت الأحاديث إلى أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد يغفر ما كان من الذّنوب في حقّه، وهو وعد أن يغفر الذّنوب جميعًا، عندما قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، إلّا أنَّ الأذى الّذي يصيب النّاس، لا يُغفر ما لم يعفُ عنه أصحابُه في الدّنيا؛ فإن لم يغفروا، أُخذ لمن تعرَّض للأذى من حسنات مَن أذاه يوم القيامة، فإن لم يكن له حسنات، حُمِّل عليه من سيّئات من آذاه، حتّى يُستوفى الحقّ كاملًا.
وقد ورد أنَّ رسول الله (ص) كان يجلس مع أصحابه يومًا، فقال لهم: “أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ”.
لذا قال رسول الله (ص) لأصحابه: “من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلّل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه”.
وفي الحديث: من ظلم أحدًا في عرضه أو ماله أو أيّ حقّ من حقوقه، فعليه أن يطلب العفو في الدّنيا، لأنَّ الحساب في الآخرة عسير في الحقوق والمظالم.
وقد اعتبر القرآن الكريم أن لا قيمة أو وزن للصّدقات عند الله عزَّ وجلَّ رغم أهميّتها، وهو من دعا النّاس إليها، وذلك إن واكبها أذى وضرر معنويّ ممّن تصدّق عليه بها. وإلى هذا أشار تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}. واعتبر ذلك شرطًا لحصول الإنسان على نتائجها، فقال: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وتكبر نتائج الأذى عند الله، عزَّ وجلَّ، إن مسّ الأذى الآباء والأمَّهات والأرحام أو الجيران أو ممّن لهم موقع في الإيمان أو العلم، أو ترك تداعياته الكبيرة على الواقع الّذي هو فيه، بأن تسبّب بتوتّرات ومشاكل وفتن.
دفعُ الأذى عن النَّاس
ولم يكتف الإسلام بأن دعا المؤمن إلى عدم التّسبّب بالأذى، بل دعاه أيضًا إلى رفع الأذى عن النّاس إن وصل إليه خبره، إن حصل في المكان الّذي يتواجد فيه… فمن الواجب على الإنسان أن يرفع الأذى عن الآخرين، بأن يردّ عنهم ظلامتهم إن هم تعرّضوا لها، أو أسيء إليهم بأيّ إساءة، وهو دعا لرفع الأذى عن الطّريق العام، وأن يهبّ لنجدة من يتعرّضون لمخاطر تتهدَّد ممتلكاتهم أو بيوتهم إن هو استطاع ذلك. لذا ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “مَرَّ رجلٌ بغُصْنِ شجرةٍ على ظَهْرِ طريقٍ، فقال: والله لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمينَ، لا يُؤْذِيهِم، فأُدْخِلَ الجنةَ”، وفي الحديث عنه (ص): “عُرِضَتْ عَلَيَّ أعمالُ أُمتي، فَوَجَدتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ”، وفي الحديث: “الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أفضلها قول لا إله إلّا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطّريقِ”. وفي الحديث: “من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار، وجبت له الجنّة”.
المؤمنُ عنصرُ سلام
أيّها الأحبَّة: لقد أراد الله عزَّ وجلَّ للمؤمن أن يكون عنصر أمان وسلام في أيّ مجتمع يعيش فيه، بحيث لا يخشى الآخرون من أن يتسبّب لهم بأذى، بل يجدون في حضرته طمأنينةً، ويأمنون من أذاه، كما قال رسول الله (ص): “المُؤمِنُ مَن ائتمنه النّاسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم، الكلّ يسلم منه البشر وحتّى الحجر والشّجر والنّبات والحيوان…”.
وقد عزّز ذلك، عندما دعا المؤمن إلى أن تكون تحيّته مع الآخرين هي السَّلام، وأن يجيبهم بها إن هم سلّموا عليه بها، وعندما دعاه في صلاته إلى أن يقول: “ٱلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ ٱللهِ وَبَرَكَاتُهُ”، وفي ذلك إعلان منه أنَّ حركته في حياته مع الآخرين لا بدَّ أن يحكمها السَّلام مع الجميع، وأن يكون عنصر خير حيث يتواجد، والّذي عبّر عنه أمير المؤمنين (ع) عندما قال: “خالطوا النّاسَ مُخالطةً إنْ متّمْ مَعَهَا بَكَوا عليكم، وإنْ عشتم حَنّوا إليكم”.
قيمةٌ نحتاجُ إلى تعزيزها
إنَّنا أحوج ما نكون إلى تعزيز هذه القيمة في حياتنا، حتّى نقلّل من التّوتّرات والمشاكل الّتي بتنا نجدها في الطّريق وفي بيوتنا ومجتمعنا، لنبني بذلك مجتمعًا قويًّا متماسكًا يشدّ بعضه أزر بعض، ويسند بعضه بعضًا، وعنوانه ما أشار إليه رسول الله (ص): “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم وتَرَاحُمِهِم وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ، إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ، تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”. وأن ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يعيننا عليه بأن ندعو: اَللَّهُمَّ اكْسِرْ شَهْوَتِي عَنْ كُـلِّ مَحْرَم، وَازْوِ حِـرْصِي عَنْ كُلِّ مَأثَم، وَامْنَعْنِي عَنْ أَذَى كُـلِّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَـة، وَمُسْلِم وَمُسْلِمَة، والنَّاس جميعًا”.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الخطبة الثَّانية
عباد الله، أوصيكم وأصي نفسي بما أوصى به رسول الله (ص) أصحابه، عندما وقف على منبره قائلًا: “وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا أُعْطِيَ مُؤْمِنٌ قَطُّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِحُسْنِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، وَرَجَائِهِ لَهُ، وَحُسْنِ خُلُقِهِ، وَالْكَفِّ عَنِ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ مُؤْمِنًا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ إِلَّا بِسُوءِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ، وَتَقْصِيرِهِ مِنْ رَجَائِهِ، وَسُوءِ خُلُقِهِ وَاغْتِيَابِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا يَحْسُنُ ظَنُّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ إِلَّا كَانَ اللَّهُ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ بِيَدِهِ الْخَيْرَاتُ، يَسْتَحْيِي أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَدْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ ثُمَّ يُخْلِفَ ظَنَّهُ وَرَجَاءَهُ، فَأَحْسِنُوا بِاللَّهِ الظَّنَّ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ”.
فلنستوص بوصيّة رسول الله (ص)، ولنعمل بها، لنكون قادرين على أن ننال ما عند الله، {وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ}، لنكون أكثر وعيًا وقدرةً على مواجهة التّحدّيات.
تهديداتٌ بحربٍ جديدة!
والبداية من الاعتداءات الإسرائيليّة الّتي لا يبدو أنّها ستتوقّف، بل نخشى أنّها ستزداد، والّتي نشهدها في الغارات الّتي طاولت العديد من المناطق، وكان آخرها ما جرى بالأمس في البقاع والجنوب، وأدّت إلى ترويع الأطفال وهم على مقاعد الدّراسة، واستشهاد العديد من المدنيّين، وفي مواصلة مسلسل الاغتيالات للمواطنين، وفي الممارسات العدوانيّة في قرى الشَّريط الحدوديّ لمنع الأهالي من العودة الآمنة إليها.
وهنا، لا بدَّ من أن نحيّي أهالي الشّريط الحدوديّ ممّن أصرّوا على الرّجوع إلى قراهم والبقاء فيها رغم كلّ المخاطر الّتي يتعرَّضون لها، حفظًا لها، وتعبيرًا عن حبّهم لأرضهم، رغم عدم توافر المتطلّبات الكافية لتأمين حياة كريمة لهم. وهنا ندعو الدّولة إلى تحمّل مسؤوليَّاتها، بمدّ يد العون إلى هؤلاء، لتثبيتهم في قراهم وحماية استقرارهم، ونقدّر كلّ الجهود الّتي تبذل من قبل مؤسَّسات وجمعيّات تشعر بالمسؤوليَّة تجاههم رغم كلّ الحصار والتّضييق.
في هذا الوقت، تتصاعد وتيرة التّهديدات للبنان بقرب شنّ حرب عليه، والّتي جرى التّلويح بها من خلال العدد غير المسبوق للمسيّرات التّجسّسيّة، والّتي طاولت الأراضي اللّبنانيّة كافّة، من الجنوب إلى الشّمال، ومن الشّرق إلى الغرب، وعلى علوّ منخفض، والّتي لم توفّر في طلعاتها حتّى المقرّات الرّسميَّة للدّولة اللّبنانيّة، ومن خلال المناورات الّتي جرت على مقربة من الحدود اللّبنانيّة، وقد ترافق ذلك مع تهديدات صادرة عن جنرالات العدوّ وأركان حربه، والّتي واكبها ما صدر عن المبعوث الأميركيّ بإعطاء الحريَّة للكيان الصّهيونيّ بتصعيد الحرب على لبنان، وأن لا مساعدات ماليّة أو اقتصاديّة أو إعادة إعمار أو عودة الأسرى القابعين في سجون الاحتلال بدون أن يقوم لبنان بما عليه، والّذي هو لحساب الكيان الصّهيونيّ.
لقد أصبح واضحًا أنَّ ما يراد من كلّ هذه التَّهاويل هو دفع لبنان للتّسليم بشروط العدوّ وإملاءاته، والّتي لا تقف عند حدود، ما يفرض على اللّبنانيّين أن يرتقوا إلى مستوى تحدّيات هذه المرحلة ومخاطرها، والّتي يراد لها أن تمسّ أمنهم واقتصادهم وسيادتهم على أرضهم وقراهم. ونحن على ثقة بأنّ اللّبنانيّين قادرون بتماسكهم ووحدتهم واستنفار عناصر قوَّتهم لا المسّ بها، أن يقفوا في وجه ما يخطَّط لهم. ومن هنا، ندعوهم إلى أن يسارعوا إلى حلّ خلافاتهم الّتي – مع الأسف – باتت خبزهم اليوميّ، لمنع العدوّ من الاستفادة من أيّة تناقضات قد تحصل على صعيد الدّولة أو على الصّعيد الشّعبيّ، أو من الاستفراد بفريق من اللّبنانيّين، باعتبار أنَّ المشكلة معه وليس مع أيّ فريق آخر…
إنّنا نريد للّبنانيّين أن ينظروا بعين الوعي والمسؤوليّة إلى ما يجري من حولهم، وأن لا يهوّنوا من تداعياته على وطنهم، وأن لا يغيب عنهم أنَّ هذا الكيان هو عدوّ لكلّ المكوّنات والفئات اللّبنانيَّة الّتي تعيش في وجدانها انتماءً راسخًا لهذا الوطن.
مسؤوليَّةُ الدَّولةِ رغمَ الضّغوط
وندعو في هذا الوقت الدّولة اللّبنانيّة المعنيَّة بمواطنيها إلى أن لا تكون غائبةً عمّا يجري، وأن تكون حاضرة بكلّ مكوّناتها، بأن لا يقف دورها عند إصدار بيانات إدانة بما يقوم به العدوّ من جرائم واعتداءات، لترى أنّها بذلك قد أدَّت دورها وقسطها إلى العلى، بل أن توحّد جهودها لمواجهة ما قد يحصل على الصّعيد الأمنيّ والاقتصاديّ والماليّ… بأن يكون لديها خطّة طوارئ على كلّ الصّعد. وفي الوقت نفسه، عليها أن تستنفر جهودها على المستوى السّياسيّ والدّبلوماسيّ وكلّ علاقاتها، للعمل على وقاية البلد من أيّ عدوان.
إنّنا لا نريد وسط كلّ ذلك أن نهوّن من حجم الضّغوط الّتي باتت تمارس على الدّولة اللّبنانيّة وعلى اللّبنانيّين، ومدى التّغطية الّتي يملكها هذا العدوّ، ولكن هذا لا يدعو إلى الرّضوخ لإملاءاته والتّسليم بما يريده، فوطننا ليس بالضّعف الَّذي يصوّر به أو الّذي يعتقده البعض، وأرضه الّتي ارتوت بدماء أبنائه تشهد على ذلك، كما يشهد تاريخه القديم والحديث.
تحذيرٌ من تعطيلِ الاتّفاق
ونعود إلى غزّة الّتي تنتظر المرحلة القادمة لتطبيق الاتّفاق، ونحن نتطلّع إلى أن تتحقّق من خلاله طموحات الشّعب الفلسطينيّ بامتلاك قراره على أرضه وحقّه في تقرير مصيره… في الوقت الّذي نحذّر من استمرار سعي العدوّ للتّنصّل من أيّ التزام تجاه هذا الشّعب، فكما عمل على الالتفاف على المرحلة الأولى بعد استعادة أسراه، وقد رأينا غاراته الَّتي حصدت مزيدًا من الضّحايا، سيعمل لتعطيل أيّ مفاعيل لهذه المرحلة، ليستكمل مشروعه الّذي بدأه بإنهاء القضيّة الفلسطينيّة من جذورها، بتدمير ما تبقّى من قطاع غزّة، وتهجير الشّعب الفلسطينيّ، وهو الّذي يعمل ليتابعه في الضّفّة الغربيّة، وشرّعه بالقرار التّمهيدي للكنيست بإلحاق الضّفّة الغربيّة بكيانه، ما يدعو الدّول العربيّة والإسلاميّة وأحرار العالم إلى استمرار وقوفهم مع الشَّعب الفلسطينيّ وإسنادهم له ،حتّى ينال حقوقه المشروعة على جميع أراضيه.


