في أجواء وفاة الرسول(ص): لنحقق بعضاً من صحبته
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} صدق الله العظيم…
لكل منا نصيب من الحزن على أنه لم ينل شرف رؤية رسول الله وصحبته بإحسان … ولكن أتت هذه الآية الكريمة وسواها لتحدد المعايير والمزايا التي إن تحلينا بها نكون مع رسول الله ونحقق بعضا من صحبته وإن باعدت بيننا الأزمان..ونحن هنا سوف نتوقف عند بعض هذه المزايا..
الميزة الأولى أشار إليها الله بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} أي أن علاقة هؤلاء بالنبي(ص) تبنى على أساس كونه رسول الله الذي يعبر عن الله وينطق عنه ويدعو إليه.. وهذه الصورة هي التي أرادها الله في العلاقة برسوله(ص): {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ}.. فهو لم يرد لهذه العلاقة أن تبنى على أساس النسب أو المصلحة، بل بمدى الالتزام برسالته والاقتداء بسيرته..
وإلى هذا أشار علي(ع): "إنّ ولي محمّد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدوّ محمّد من عصى الله وإن قربت قرابته"، وقد أشار إلى ذلك الإمام الباقر(ع) عندما قال: "حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليّاً وأتولّاه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله فرسول الله(ص) خير من عليّ(ع) ثمّ لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه شيئاً، فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته..".
أما الميزة الثانية لمن يعطون صفة صحبة رسول الله(ص): فهي صفة: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}، فأصحاب رسول الله هم في حقيقتهم مسالمون، ليسوا دعاة حرب.. هم حواريون يسعون إلى مد الجسور التواصل مع من يختلف معهم في الدين أو في الرأي، ويؤمنون أن الرفق هو السبيل للدعوة لا القسوة والغلظة، ومنطقهم {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.. لكنهم لا يستهينون بدينهم وبعزتهم وكرامتهم وحريتهم إن اعتدى عليهم معتد، بل يقاتلون في سبيل الله كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً.
أما الميزة الثالثة لهؤلاء {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} فهي الرحمة التي تطبع علاقتهم مع المسلمين الآخرين، حتى لو اختلفوا معهم في المذهب أو العقيدة أو في شأن سياسي أو اجتماعي.
فالعلاقة بينهم تحكمها الأخوة والمودة والتواصل والتباذل.. فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه لا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يسلمه لشدائده.. "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى"، "لا يكون المسلم مسلماً حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
وعندما يختلفون ومن الطبيعي أن تحدث خلافات بينهم، فهم لا يتباغضون ولا يتحاقدون ولا يلغى بعضهم بعضاً، ولا يستبيح بعضهم دماء بعض.. "فالمسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
وقد حذر رسول الله(ص) وقبل انتقاله إلى رحاب ربه من الوصول إلى ذلك عندما قال: "لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"…
فالحوار المنطلق من مشاعر الرحمة والتفهم للآخر، هو الأصل لحل الخلافات والنزاعات العقدية أو الفقهية أو الفكرية أو السياسية لا العنف أو التكفير أو التضليل كما يحصل الآن، وإن سعى البعض من المؤمنين لممارسة البغي والعدوان وإثارة الفتنة، فلا بد من وقوف المؤمنين جميعاً صفاً واحداً لإعادته إلى جادة الصواب ومنعه من المس بالوحدة بين المسلمين…
أما الميزة الرابعة: فهي في قوله سبحانه: {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} فالذين يصاحبون رسوله لا بد أن يكونوا مثله في حبه وشغفه للقاء الله والوقوف بين يديه.. وقد أشار الله سبحانه إلى الركوع والسجود لكونها المظهر الأبرز في الصلاة.. فقد كان يصلي حتى كانت تتورم قدماه إلى أن نزلت عليه الآية: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى}.. وهو الذي قال: "حبب إلى من دنياكم ثلاث.. وجعلت قرة عيني في الصلاة".. حيث كان رسول الله إذا جاء وقت الصلاة لا يعرف أهلاً ولا حميماً.. فأصحاب رسول الله هم من يداومون على الصلاة ولا يستهينون ويستخفون بها – لا طقوسيا فحسب وهنا الفرق -، فهي وسيلتهم للتعبير عن عبوديتهم لله، وللتواصل مع أسمى من في الوجود.. مع خالقهم وربهم.. وهي الماء الروحي اليومي الذي يتطهرون به من كل ما قد يعلق بنفوسهم من خطايا وذنوب وأدران.. وبها يستعينون لمواجهة ظروف الحياة وتغيراتها وتقلباتها، فإذا أهمهم أمر فزعوا إليها كما كان يفزع رسول الله.. وكما قال الله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}.
أما الميزة الخامسة، فتحدد الأهداف كمعيار لامتلاك صفة الصحبة، وهي قوله: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} أي أن أهدافهم في حياتهم أسمى من أن تكون كما هي أهداف الكثيرين لأجل تحصيل ثروة أو الوصول إلى موقع أو جاه أو سمعة بين الناس.. فأهدافهم أن يحصلوا على ما عند الله وأن يبلغوا رضوانه وأن يتجنبوا سخطه وغضبه..
وهذا لا يعني أن لا طموح لديهم في الحياة الدنيا، هم يطمحون أن يكونوا في أعلى المواقع في الدنيا من القوة أو الثروة أو العزة، ولكنهم لا يبتغون ذلك لأنفسهم أو لتحصيل مجد ذاتي أو شخصي، بل لتكون هذه المواقع وسيلتهم لخدمة عباده وتعزيز إيمانهم رغبة في رضا الله والوصول إلى جنته ورضوانه.
أما الميزة السادسة في قوله: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} والسيما هي العلامة، فهؤلاء ترى آثار السجود بادية في وجوههم سماتهم الشخصية، أما لماذا السجود، فلأنه أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد وهو باب بلوغ ما عند الله.
وقد أتى قوم إلى رسول الله، قالوا اضمن لنا على ربك الجنة فقال(ص): "على أن تعينوني بطول السجود".
وقد قال رسول الله(ص): "إذا أردت أن يحشرك اللَّه معي فأطل السجود بين يدي اللَّه الواحد القهّار".
وهذه الصورة هي التي أشار إليها بقوله: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ}.
ثم يتابع الله سبحانه وتعالى حديثه عن أصحاب رسول الله، ليشير إلى أن أمثال هؤلاء الأصحاب حملوا التوراة والإنجيل كما ينبغي للمؤمنين: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}.. {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}.. والمقصود بالشطأ أو البرعم، ذاك الذي يخرج إلى جانب الساق الأصلي {فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} (أي صار متيناً) {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ}، لكونه سريع النمو كثير البراعم.. فأصحاب رسول الله(ص) هم أناس في تنام دائم وتطور على المستوى النفسي والروحي، وحركة مستمرة على مستوى الحضور في كل الميادين، لا يفترون عن الحركة لحظة واحدة.. هم حاضرون في العلم والعمل والبناء والثقافة والفكر، لا يعرفون جموداً ولا ركوداً، بل هم في حالة تجدد دائم..
إن هذه الصفات والمزايا إن تحلينا بها تجعلنا فعلاً في دائرة أصحاب رسول الله، ونحن قادرون على بلوغها إن قررنا ذلك، لكن مع الأسف لقد بتنا نجد الانتماء لرسول الله بالاسم، فلا نرى هذه الصفات في واقع المسلمين.. فالمسلمون الذين ينبغي أن يكونوا أشداء على الكفار رحماء معهم نراهم يكيدون لبعضهم ويتربصون ببعضهم.. فيما هم أشداء فيما بينهم.. ويكفي اندلاع الفتن التي نشهدها تتفاقم في الواقع لتؤكد هذه الحقيقة.
وهم بدلاً من أن يبتغوا فضلاً من الله ورضوانه، هم يتنافسون على الدنيا وبهارجها، ولأجلها يبيعون دينهم وآخرتهم، والصلاة التي هي صمام أمانهم لم تعد تترك أثراً في حياتهم ولا تغير شيئاً في واقعهم.
والقرب من الله لم يعد له جمهوره بل بات الأساس القرب من هذا الموقع أو ذاك أو هذه الدولة أو تلك. ومجتمع رسول الله الذي وصفته الآية بأنه يعيش السمو والتطور والتجدد، بات خاملاً وعلى هامش الأمم، ويستجدي الآخرين في كل شيء.. ونحن نقول إننا أمة رسول الله وصحابته.
في ذكرى وفاة رسول الله، يوم الحزن الذي لا يفوقه حزن والذي عبر عنه الإمام علي(ع) عندما قال وهو يقبل رسول الله: "بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً.. لولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع.. بأبي أنت وأمي، إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك..
لنجدد العهد مع رسول الله بأن ننبذ هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه، وأن ننتظم في صفوف أصحابه وأن لا نكون من أولئك الذين تحدث الله عنهم في معركة أحد عندما قال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}..
اللهم اجعلنا ممن يتأسى رسول الله، ويكون من أصحابه في الدنيا، ويحظى ببركة شفاعته في الآخرة.
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به نبيّنا نبي الرحمة(ص)، الذي خرج إلى المسجد قبل أن يلاقي وجه ربه، لكن بأي حالٍ! خرج وهو متكئ على علي(ع)، ليبلّغ الناس أمراً كان يشغل باله، فقد وقف أمامهم قائلاً:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي خفوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا، فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا، فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ مَالاً، فَهَذَا مَالِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، أَلا لا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: إِنِّي أَخْشَى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ(ص)، أَلا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِي وَلا مِنْ شَأْنِي، أَلا وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ، أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيتُ اللَّهَ وَأَنَا طَيِّبُ النَّفْسِ مرتاح البال"، ثم قال: "أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَلْيَرُدَّهُ وَلا يَقوُلْ: فُضُوحُ الدُّنْيَا، أَلا وَإِنَّ فُضُوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآخِرَةِ"، ثم قال: "إنَّ عَبْداً خَيّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدّنْيا وَمَا عِنْدَهُ، فاخْتَارَ ما عِنْدَ اللهِ"، ويقصد بذلك نفسه.
أيّها الأحبّة، هذا هو رسول الله(ص)، فرغم مكانته عند الله، لم يرضَ أن يخرج من الدنيا إلا بعد أن اطمأنَّ بنفسه إلى أن ليس لأحد في ذمّته شيء، مهما كان، فهو لا يريد أن يظلم أحداً في الحياة، أو أن يقف موقف ذلّ، وعلى مرأى الخلائق، عندما يأتي المظلومون، ليقولوا لله: يا عدل، يا حكيم، خُذ لنا من ظالمنا..
وقد أوصانا(ص) أن نقتدي به، وأن نخرج من الدنيا كما خرج؛ أن نخرج أطهاراً أصفياء، ليس علينا تبعة، وبذلك نواجه التحدّيات..
لبنان
والبداية من لبنان، حيث يشعر اللبنانيّون بالخيبة من تراجع منسوب التّفاؤل الَّذي عاشوه بعد انتخاب رئيس للجمهورية، والذي لم ينعكس على تأليف الحكومة، التي ينتظرونها لتعالج القضايا الاجتماعية والأمنية الملحّة، ولتهيِّئ لمرحلة سياسية جديدة، ولم يروا التّغيير الَّذي كانوا ينتظرونه في أسلوب تعامل القوى السياسية مع تأليف الحكومة، حيث نشهد التّنافس الحاصل على الوزارات الدسمة الأكثر فائدة، والتي تلبّي مصالح من يملكون قرار الطوائف أو المواقع السياسية، بدلاً من التنافس على ما يخرج البلد من أزماته، مما نراه الآن يساهم في تعقيد تشكيل الحكومة، إلى أجلٍ نأمل أن لا يكون بعيداً.
إنَّ اللبنانيين لا يريدون تكرار الصّورة التي تعبوا وعانوا منها، هم يريدون تغييراً في العقلية التي يدار بها البلد، حيث يكون الهمّ والهدف هو خدمة الإنسان، وإخراجه من أزماته، ومواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظره..
إنّنا مع تحقيق التوازن الطائفي والشراكة بين الطوائف، لا على أساس سعي كلّ موقع طائفي أو موقع سياسي للاستئثار، سواء داخل طائفته أو في العلاقة مع بقية الطوائف، بل على أساس المشاركة والتعاون، للوصول إلى بناء وطن نريده أن يكون أنموذجاً في قدرة الطوائف والمواقع السياسية المختلفة على حفظ التنوّع الموجود، لا أن تكون هناك طوائف متلاقية في الشكل ومتناحرة في الواقع.
في هذا الوقت، تفِد إلى لبنان وفود من الدول العربية وغير العربية، لتعلن الدعم للعهد الجديد، ونحن في الوقت الذي نقدّر أيّ حضور عربيّ وإسلاميّ، فإننا نريد له أن يساهم في الاستقرار، لا أن يعود البلد موقعاً للصراع والتجاذب الذي عاناه اللبنانيون، والذي تشهده المنطقة.
وفي مجال آخر يتَّصل بما يجري في مخيّم عين الحلوة من بناء جدار فاصل للمخيّم عن محيطه، خشية تسلّل إرهابيين من المخيم إلى خارجه، فإنّنا نؤكّد كلّ ما يساهم في تأمين الأمن للبنانيين والفلسطينيين، ولا سيَّما في هذه المرحلة الصّعبة، لكنَّنا نخشى خطورة الجدار كوسيلة لمعالجة هذا الأمر، فلا بد من التفكير في وسائل أخرى لا تحمل إيحاءات الجدار الّذي يذكّر بجدار الفصل العنصري الذي بناه العدوّ في فلسطين المحتلة، ويوحي بأنَّ هناك مشكلة مع الشّعب، لا مع بعض الأفراد، ما يساهم في تعقيد العلاقة بين اللبنانيين والفلسطينيين؛ هذه العلاقة الّتي نريد أن تُبنى على حُسن الجوار، مع شعب يعاني ألماً وتهجيراً قسرياً.
إنَّ معالجة ما يجري في المخيم لا يتمّ إلا من خلال حوار جاد وفعّال بين القيادات الأمنية اللبنانية والفلسطينية على كيفية معالجة الثغرات الأمنية داخل المخيم، التي باتت تربك محيطه، والتي أكدتها توقيفات سابقة، شرط أن تواكبها معالجة اجتماعية وإنسانية للشعب الفلسطيني، وإلا فسيبقى وقوداً للذين يدخلون على خطّ حاجاته، ليأخذوه إلى حيث لا يريد.
فلسطين
وإلى فلسطين، حيث يستمرّ العدوّ في تنفيذ إجراءاته لمنع الأذان في مساجد القدس والأراضي الفلسطينية التي يملك السيطرة عليها، وهي خطوة خطيرة متقدّمة، تهدف إلى إحباط الشعب الفلسطيني، وطمس هويته الإسلامية والمسيحية، وتمرير المشروع التهويدي لفلسطين.
وهنا، لا بدَّ من أن نقدّر عالياً تضامن المسيحيين مع المسلمين في موقفهم لمواجهة هذا القرار، وهو ما يؤكّد متانة العلاقات الإسلامية ـ المسيحية داخل فلسطين في مواجهة هذا العدو. إننا أمام هذا القرار الجائر، ندعو إلى موقف عربيّ وإسلاميّ حاسم في التصدي له ومواجهته، في الوقت الذي ندعو الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة، في ظلّ استمرار الانقسام الذي يُضعف الموقف الفلسطيني، ويساهم في زيادة معاناة الشعب وتيئيسه.
العراق
أما العراق الَّذي يستمرّ فيه العمل لتحريره من الإرهاب، فقد شهد نزيفاً للدم، بفعل التفجيرات الإرهابية التي استهدفت زوّار الإمام الحسين(ع)، والتي تعبّر عن الحقد والعداء للإنسان وللقيم الدينية، ولكل ما يمتّ إلى تاريخ الأمّة ورموزها. ونحن في الوقت الذي نقدّر تضحيات الشعب العراقي في مواجهة الإرهاب، نؤكد ضرورة تضافر كلّ الجهود لاستئصال هذا الفكر التدميري الذي لا يرتبط بدين أو قيم.
مواجهة الجيش للإرهاب
وأخيراً، فإننا نثمن عالياً ما يقوم به الجيش اللبناني، إلى جانب القوى الأمنية الأخرى في مواجهة الإرهاب، وكل من يضمر سوءاً بالبلد، وندعو الجميع إلى الالتفاف حوله، في مواجهة المخاطر الكبيرة التي تهدد استقرار البلد وأمنه.
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله