التاريخ الهجري رمزٌ لحركة الإسلام في التاريخ

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}..
 

بدأنا بالأمس سنة هجرية جديدة وهي السنة الألف والأربعماية والتسع والثلاثون لهجرة النبي(ص).. وفي هذه المناسبة نحن أحوج ما نكون إلى تركيز التاريخ الهجري في وعينا ولدى أجيالنا، لما يحمله هذا التاريخ من المحطات الغنية والمفصلية لهويتنا التي تأسست عملياً عند منعطف الهجرة وتبلورت فكراً وعلماً وحضارةً وعطاء وتضحيات لا بد من استلهامها وأخذ الدروس والعبر منها لنسيلها في واقعنا ونستنهض امتنا من ما هي فيه..

 

إن ما يثير الأسى أن هذا التاريخ غائب في وجداننا وواقعنا بحيث أن الكثيرين منا يجهلون في أية سنة هجرية كنا أو سنكون أو في أي شهر هجري نحن، فضلاً عن أسماء الأشهر الهجرية.. ويكفي أن نجري إحصائية في ذلك حتى نعي مدى تقصيرنا في هذا المجال.. ومن هنا فإننا ندعو إلى التربية على هذا التاريخ أن نسجل به مناسباتنا وتواريخنا وإذا كان لا بد من ذكر التاريخ الميلادي أو أي تاريخ آخر لأنه أصبح أمراً واقعاً في مجتمعاتنا أو أكثر انتشاراً فلنقرن هذا التاريخ بالتاريخ الهجري بحيث نذكر هذا التاريخ ثم نقول أو نكتب الموافق للتاريخ الهجري ولكن إلى جانبه التاريخ الميلادي المتعارف عليه..

 

وربط التأريخ الإسلامي بالهجرة يعود لرمزية الهجرة لكونها بداية مرحلة الظهور الفعلي للإسلام ومحطة انطلاقته نحو الأفق الأوسع..

 

وهذا ما نلمسه من خلال النتائج التي تركتها الهجرة على المسلمين فهم من خلالها خرجوا من تحت نير قريش ومن حالة الضعف وتمكنوا من امتلاك القوة وبناء مشروعهم الحضاري مما جعل هذا الدين يصل إلى كل أرجاء الجزيرة العربية وجعل الناس تدخل في دين الله أفواجاً..

 

ولم يكن قرار الهجرة ناجماً عن ضعف ورد فعل على ما قامت به قريش عندما اجتمع رجالها وأخذوا قرارهم باغتيال النبي(ص).. بل شكل هذا القرار الظرف المؤاتي للخروج.. وإلا كان النبي(ص) وقبل هذا الوقت يخطط للهجرة.. وقد بدأ الإعداد لها منذ أن بايعه سبعون من رجالات المدينة ومن عشائرها في "العقبة"، وقد أرسل معهم حينذاك سفيره مصعب بن عمير للتبليغ والتوجيه من المدينة ولدعوة أهلها إلى الإسلام.

 

فالنبي(ص) كان قد اتخذ قرار الهجرة إلى المدينة قبل ذلك، وهو كان دعا المسلمين إليها فرادى كي لا تكتشفهم قريش، لأن بقاءه في مكة محاصراً من قريش كان يحد من حركته.. وكان المطلوب أن ينتقل رسول الله إلى مكان يملك فيه الحرية التبليغية والرسالية.. وقد كانت المدينة في ذلك الوقت مهيأة لذلك…

 

وقد حملت الهجرة العديد من المعاني والدلالات التي لا بد من الإطلالة على بعضها:

أولاً: جسدت الهجرة معنى التضحية التي عبر عنها رسول الله(ص) والمسلمون معه عندما تركوا أهلهم ووطنهم وكل مقدراتهم من أجل دينهم ورسالتهم.. وتذكر السيرة النبوية أن هناك من ساومته قريش على أن تسمح له بالهجرة مقابل أن يتنازل عن أملاكه وأمواله كلها ففعل..

ثانياً: أظهرت الهجرة أسمى معاني التضحية التي عبر عنها الإمام علي(ع) بعدما طلب منه رسول الله أن يبيت على فراشه(ص) ليغطي انسحابه.. لم يتردد الإمام علي(ع) في المبيت رغم أن المكان كان محاطاً بأربعين فارساً ينتظرون قدوم الفجر حتى ينقضوا عليه.. يومها اكتفى بأن يقول لرسول الله أوتسلم يا رسول الله.. وعندما قال له بلى.. قال إذاً: "فلا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليَّ".. حينها نزلت الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.

 

ويسلم رسول الله من القتل بعد أن يفاجأ القتلة بعلي(ع) الذي أفسد خطتهم باغتيال رسول الله(ص) وإنهاء هذا الدين وبعد ذلك بقي علي(ع) في مكة وبأمر من رسول الله(ص) معرضاً نفسه للخطر حتى يرد الودائع التي كانت قريش أودعتها عند رسول الله(ص) مما يظهر أهمية الأمانة، فرغم أنها كانت ممن تأمروا على قتله ومع ذلك ردها رسول الله وهو بقي ثلاثة أيام حتى رد الودائع كلها.

 

وثالثاً: نستحضر في هذه الهجرة التسديد الإلهي للرسول (ص) {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}..

الله هنا يتحدث عن سنة من سنن الاجتماع والسياسة والحياة، وهي أن الطواغيت يعملون لاستخدام كل الوسائل لإسكات صوت الحق ومعارضيهم، وهذا ما فعلته قريش مع رسول الله(ص) فهم بعد أن عجزوا عن مواجهته بالكلمة والمنطق والحصار كان قرارهم في مواجهته(ص) بالسجن أو القتل أو النفي، وأخيراً كان قرارهم القتل لكن شاءت السنة الإلهية أن يرد الله مكر الطغاة والكافرين ويحمي نبيه…

فالله سبحانه وتعالى هو كان حاضراً مع رسول الله كما كان حاضراً مع الأنبياء والرساليين: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

 

والرساليون هم يشعرون بهذه الرعاية تحيط بهم في أشد اللحظات خطراً، وهي رعاية كان يستمد منها رسول الله(ص) ثقته بالله عندما لاحقه المشركون بعد خروجه من مكة وكادوا أن يدخلوا إلى الغار حيث كان يتخفى.. ولذلك نراه وفي ضوء هذه الثقة كان في أقصى درجات الأمن والطمأنينة {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}.

 

وهذه الثقة هي التي ينبغي أن تكون عنواناً حاضراً لا يغيب لشخصية الرسالي فهو في كل الظروف يتحسس الله وعندها لا بد أن يتحقق الوعد الإلهي: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}..

 

رابعاً: لقد أظهرت الهجرة وما تلاها من أحداث أن كل الجهود والتضحيات التي بذلها رسول الله وأهل بيته وأصحابه لم تذهب سدى؛ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}..

 

لقد كافأ الله المسلمين ورسوله على تضحياتهم وسعيهم ورغم الصعوبة العملية وحتى النفسية للهجرة من مكة بأن فتح قلوب أهل المدينة لهم فاستقبلهم أهل المدينة وراحوا يتقاسمون معهم البيوت والأموال والأراضي فمثلوا بذلك أعلى صور التضحية والإيثار، وأكملوا معاً مسيرة الرسالة التي حملوها إلى شاطئ الأمان..

 

وهنا درس على المؤمنين أن يتعلموه.. أن لا يشعروا أبداً بأن الله يضيع أي جهد مخلص، وأن لا يشعروا أبداً باليأس مهما بدت نوافذ الأمل مغلقة.. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً..

 

وأخيراً بينت الآيات الكريمات التي نزلت على رسول الله وبكل وضوح إلى أن الهجرة ليست خياراً فحسب بل هي في بعض الأحيان والظروف واجبة. فالمؤمن لا يخضع للضغوط التي يتعرض لها، بل لا بد أن يغيرها من موقع تواجده وإن لم يستطع وكان قادراً على الهجرة إلى مكان آخر فمن واجبه أن يهاجر إلى مكان يملك التأثير فيه.. ومن هنا كانت هجرة الرسول من مكة إلى المدينة ومن هنا كانت هجرة الإمام الحسين(ع) من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق وفي هذا بيان للمؤمنين

 

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}..

 

ومن ذلك قوله سبحانه: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}..

 

وفي الحديث القدسي: "لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك فان خفتموهم أن يفتنوكم عن دينكم فان ارضي واسعة"..

 

  إننا في هذه الأجواء لا بد لنا من استيحاء معاني هذه الهجرة، خصوصاً في آفاقها الأوسع.. وهذا ما نحتاج إلى التشديد عليه مع بداية سنة جديدة… أن نهاجر من كل واقعنا السيئ الذي نعيشه.. واقع التمزق والانقسام والفتن التي عصفت بعالمنا العربي والإسلامي وأكلت أخضره ويابسه على مختلف المستويات.. إلى واقع التواصل والانفتاح والوحدة.. من واقع التكفير والكراهية والحقد إلى واقع التصالح والحب والرحمة…

 

أن نعود إلى ما يجمع بيننا وهو كثير…أن نعيد الاعتبار إلى الحوار كسبيل وحيد لحل قضايانا حيث لا بديل عن الحوار.. أن نعمل لصناعة القوة ولا ننام على ضيم أو ضعف..

 

ومع بداية السنة الهجرية نطل على موسم عاشورائي جديد.. هو موسم للعاطفة، العاطفة التي لا تسيء إلى صورة كربلاء ولا إلى رجالاتها ونسائها.. وموسم للوعي وللمسؤولية..

 

ومن هنا فإننا عندما نأخذ عاشوراء لا بد أن نأخذها بكل أبعادها العاطفية الفكرية والأخلاقية والروحية والاجتماعية والسياسية.. التي ينبغي أن نتناولها في مجالسنا حتى تكون بالنسبة لنا الزاد الذي يعيننا في مواجهة كل تحديات المرحلة القادمة..  

 

إننا لا نريد لعاشوراء.. ولا ينبغي أن تتجمد في الزمن، بل لا بد أن تكون حاضرة في كل صراع بين الحق والباطل، بين الظلم والعدل، بين الفساد والإصلاح، فخيارنا سيبقى في كل ذلك خيار الحسين(ع) بأن نكون مع الحق، مع العدل، ضد الفساد والباطل حتى لو كلفنا ذلك..

 

وبذلك تتحول عاشوراء في كل سنة إلى مدرسة للتغيير ولصناعة الحياة.. وبذلك وحده يتحقق الإخلاص للحسين ولكل الصفوة الطاهرة من أهل بيته..

 

 
 
الخطبة الثانية
 
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الحسين (ع) أخاه محمداً ابن الحنفية، حين قال له: "إنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور".
 

ثم قال: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين، وهو خير الحاكمين، عليه توكلت وإليه أنيب".

 

لقد أراد الإمام الحسين (ع)، من خلال هذه الوصيَّة، أن يوضح الهدف الذي خرج من أجله من المدينة باتجاه مكة، وبعدها إلى كربلاء. هو لم يرد من وراء ذلك هدفاً ذاتياً ولا مجداً شخصياً، إنما أراد الإصلاح في أمة جده، لتهتدي بهدى رسول الله (ص)، بعدما دبَّ فيها الفساد والانحراف، الَّذي وصل إلى أن يكون رجل فاسق قاتل للنّفس المحترمة، مثل يزيد، خليفة للمسلمين.

 

لقد أراد الإمام الحسين (ع) لهذا الهدف الذي بذل لأجله دمه ودم أصحابه وأهل بيته، أن يكون هدف كلّ من يعلن الولاء له، فلا يمكن أن يتولى أحد الحسين (ع) وهو ساكت على ظلم أو فساد أو انحراف أو مستكين للطغيان.

 

فالحسين (ع) يريد منا المواقف، وهو لن يكتفي منا بالدموع، رغم أنه يستحق هذه الدموع، لنكون أقدر على مواجهة التحديات!

 

الأمم المتحدة

والبداية من الأمم المتحدة، التي تحول منبرها في الأسبوع الماضي من منبر وجد في الأساس ــ وبحسب نظامها الداخلي ــ لتعزيز السلم العالمي، وحل النزاعات، وإيقاف الحروب، إلى منبر تعلن فيه الحروب وتثار فيه النزاعات وتصنّف الدول بمعايير استنسابية وغير موضوعية، وهو ما تجلَّى في خطاب الرئيس الأميركي، حين وقف من على منبر الأمم المتحدة يتوعَّد ويتهدد أكثر من دولة تواجه سياسته وتعارضها، من دون التوقف عند الأسباب التي تدفع هذه الدول إلى اتخاذ هذه السياسات المعارضة، ثم يتهمها بالإرهاب من دون تحديد علمي للفرق بين الإرهاب والمقاومة، في الوقت الَّذي لم يتحدَّث عن معاناة الشّعب الفلسطينيّ الَّذي يعاني يومياً من إرهاب عدوّ يحظى بالحماية والدعم المطلق من أميركا.

 

إنّنا أمام ذلك، ندعو الأمم المتحدة إلى أن تستعيد دورها في أن تبقى منصَّة للشعوب المستضعفة، وأن تجد فيها ملاذاً للاحتماء من طغيان الدول الكبرى وحروبها وهيمنتها، وإن كان هذا الأمر صعب التحقيق، بعدما فقدت هذا الدور، ولم تعد قراراتها تنفذ إلا بحق الشعوب المستضعفة التي لا ظهر لها.

 

إننا نعيد التأكيد على أن منطق التهديد والهيمنة لم يعد مجدياً في هذا العالم. ولذلك، ما ندعو إليه هو العدالة في هذا العالم، فهو السبيل لاستقرار الدول والشعوب، لأنَّ الظلم سيبقى دائماً مشروع حرب، وهو بالطبع يمهد السبل للإرهاب الذي يشكو العالم منه ويدعو للحرب عليه.

 

موقف رئيس الجمهورية

ونبقى في الأمم المتّحدة لنشيد بموقف لبنان القوي، الَّذي عبَّر عنه رئيس الجمهورية من على منصة الأمم المتحدة، عندما رفض توطين اللاجئين السوريين، مهما كان الثمن، وأشار إلى أن هذا الأمر لا يمليه أحد على اللبنانيين، معانداً بذلك السياسات التي ترسم في هذا المجال من الدول الكبرى، فهؤلاء النازحون لا بدّ من أن يعودوا إلى وطنهم، متى توفرت ظروف الأمن لهم، وهذا حق للبنانيين لحفظ بلدهم وحماية توازنه واستقراره.

 

وفي الوقت نفسه، نشيد بالدعوة من على منبر الأمم المتحدة إلى اعتبار لبنان مركزاً للحوار بين مختلف الديانات والحضارات والأعراف، لكونه المؤهل لذلك، نظراً إلى التنوع الموجود فيه، وإلى طبيعة العلاقة التي تحكم هذه الديانات والثقافات ببعضها البعض.

 

الإنتخابات

في هذا الوقت، يستمرّ الجدل حول موعد الانتخابات، بفعل المعوّقات الَّتي بدأت تبرز بفعل تأخر إنجاز البطاقة الانتخابية أو طرح تعديلات على القانون الانتخابي يخشى أن تدفع إلى تأجيل الانتخابات، وإلى تمديد جديد، وهو الذي يخشاه رئيس المجلس النيابي وكلّ الحريصين على الإسراع في إجراء الانتخابات، ليتسنى للبنانيين انتخاب نوابهم الممثلين الحقيقيين لهم.

 

ونحن في هذا المجال، ندعو إلى إزالة كلِّ هذه العوائق للوصول إلى انتخابات جديدة، وفي ذلك حفظ للبلد وتحريك للعجلة السياسية فيه.

 

وفي مجال آخر، ندعو كلّ السياسيين، ولا سيما النواب الذين تُنقل جلساتهم العامة على الشاشات أو عبر وسائل الإعلام، إلى أن يرتقوا بخطابهم داخل المجلس النيابي إلى مستوى المسؤولية، بحيث يتسم بالموضوعية والبعد عن الإثارة، ويكون التخاطب والجدال بالتي هي أحسن، حرصاً على استقرار البلاد ومنعاً للمصطادين في الماء العكر من أن يحققوا أهدافهم، وهم كثر.

 

تعطيل يوم الجمعة

ونبقى في القضايا المطروحة في هذا البلد، ومنها إخراج الجدال الَّذي يجري حول التعطيل يوم الجمعة من الحديث الطائفي، ليقال إنَّ يوم الجمعة في مقابل يوم الأحد، فكما أخذ المسيحيون يوم الأحد، فلا بد من أن يأخذ المسلمون يوم الجمعة، بحيث يتحوّل الحديث عن ضرورة تلبية حاجة لدى المسلمين لممارسة عباداتهم في صلاة الجمعة وتوفير الظّروف لذلك، إلى صراع إسلاميّ مسيحيّ!

 

إنّنا في هذا المجال، ندعو كلّ المعنيين إلى دراسة كلِّ السّبل الإداريّة والقانونيّة لتلبية هذه الحاجة وتوفير كلّ الظروف لإقامة هذا الواجب الدّينيّ، بعيداً عن أيّة اعتبارات من شأنها إثارة الوضع الداخلي وتوتير العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

 

عاشوراء

وأخيراً، إنَّنا في موسم عاشوراء نتطلّع إلى أن نعيش جميعاً المعاني الكبرى الَّتي جسّدتها النّهضة الحسينيّة، الَّتي انطلقت كحركة إصلاح في الوسط الإسلاميّ، أن نعمل لعاشوراء التي تجسّد الوحدة الإسلامية ولا تدخل في الحساسيات التي توفر الأجواء لاحتقان مذهبي هنا أو هناك، فالحسين (ع) هو عنوان الإسلام كلّه، وعليه يلتقي كلّ المسلمين، وكل الشعارات التي أطلقها، هي بعيدة كل البعد عن الإثارة المذهبية.

 

إننا نريد أن تعمر المناطق بمجالس عاشوراء، ولكن من خلال الخطاب المتوازن الذي يقدّم لنا الحسين بشخصيته التي تتّسع لكل عناوين الإنسانية والمظلومية، كما نتطلع إلى احترام حقوق الناس ومشاعرهم في إقامة المجالس، فنراعي أوقاتهم، ولا نطلق صوت المذياع في الأماكن التي لا ينبغي أن ترتفع فيها الأصوات، ولا نقفل الطرقات الرئيسيّة، وتكون الشعارات جامعة موحّدة، لنخرج من هذا الموسم وقد اغتنينا به إسلاماً ووحدة وانفتاحاً على قضايا الناس ومشاكلهم واهتماماتهم.

 
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ : 2 محرم 1438هـ الموافق :  22 أيلول2017م
 

Leave A Reply