في ذكرى نبي الأخلاق(ص): فلنستعد الأخلاق.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
الخطبة الأولى
الحمد لله الَّذي منّ علينا بمحمّد نبيّه، دون الأمم الماضية والشّؤون السّالفة، بقدرته الّتي لا تعجز عن شيء، وإن عظم.
اللهم صلّ على محمّد، أمينك على وحيك، ونجيبك من خلقك، وصفيك من عبادك، إمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة.
ونحن نلتقي في الثاني عشر او السابع عشر من ربيع الاول على اختلاف الروايات بذكرى المولد، ذكرى ما جرى في ذلك البيت المتواضع، يوم اختلطت أجواء الفرح بالمولود المبارك مع أجواء الحزن، كون الوليد لن ينعم باحتضان والده عبد الله بن عبد المطلب، الّذي وافته المنية والنبي لا يزال جنينا في بطن أمه آمنة بنت وهب، لذا سيحمل هذا المولود اسم يتيم مكة، إلى جانب اسمه المبارك الذي سماه به جده: محمَّد، ليحمد في الارض كما في السماء.
وفي مقابل هذه البدايات الحزينة والمؤلمة نجد أن هذا اليتيم سيحظى برعاية الله وتكريمه، وبها ذكّره الباري مخففاً عنه تعب الرسالة وهمها: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآَوَى*وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى*وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}. وقد بلغ هذا التكريم قمَّته وسموّه ولا تكريم يعلو عليه، عندما قال عز وجلّ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
وفي هذه الذكرى المباركة، نتوجّه إلى المسلمين بالتهنئة والتبريك، بتلك الولادة العطرة، ولادة عصر النبوة المحمدية، وخاتمة الرسالات بعد انقطاع الوحي، ليحجز مكانه العالي في التاريخ وليشرِّف البشرية ويضيء للانسانية جمعاء: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وقد تحقق لرسول الله ذلك ليس عن طريق مُلك أو حقبة سلطة، أو ظروف ساهمت في تسييده، إنما صار سيّد البشرية لأن الله حقق على يديه انجازات مستدامة لا تتوقف انهارها ابداً…ولن تنفع كل جهود الساعين لطمسها او اخفائها. فالله متم نوره ولو كره من كره.
والدارس للسيرة المباركة فإنه لن يصعب عليه أبداً أن يلتقط تلك المفاصل الاساسية التي تمثلت بتحولات جذرية تجلت يومها بانتقال المجتمع: من الظلمات إلى النور، ومن العبوديّة إلى الحريّة، ومن الجهل إلى العلم، ومن التخلّف إلى التقدم والتطور، ومن التمزّق والتناحر إلى الوحدة والحوار والتعاون. والاهم من تحقير الإنسان إلى تشريفه وتعزيزه.
وترانا اليوم نسأل: بأي عدة فعل محمد كل هذا. ورسالته ماذا كانت وما هي دعوته؟
أسئلة نحتاج لإعادة طرحها وفهم إجاباتها ملياً لأنه يبدو وكما نشهد وتشهدون أن توجّهات مُستجدة وتصورات مشوَّهة باتت تعوِّق الفهم الاساسي لمضمون دعوة الاسلام، فبدلت الفروع بالأصول وغيبت الجوهر وضيعت البوصلة.
ونسأل بكل بساطة -ونحن الذين يتمنى كل واحد فينا وهو يقرأ سيرة الاسلام الاولى، لو كان مع النبي في تلك الفترة: لو جاء محمد اليوم إلى عصرنا وسئل عن رسالته، فكيف كان سيعرّفها للذين يجهلونها…؟ هذا هو السؤال. أما الجواب فتعالوا نستمع الى محمد صلوات الله عليه كيف كان يعرِّف مشروعه الرسالي لكل من كان يأتيه قاصدا ليفهم دعوته، علما انه بهذه الطريقة بدأ يومها الاسلام بالانتشار:
من إحدى تلك المحطات وتذكره السيرة، ماحصل مع أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس، وهما من رجالات قبيلة الخزرج من يثرب (المدينة المنورة) حين حضرا إلى مكة، -وبالمناسبة فإننا عندما نتحدث عن قبائل ذلك الزمان فكأننا نتحدث بمقياس اليوم عن الدول والاحلاف، يعني يومها الوزن كان للقبائل كما هو للدول اليوم- المهم أنه كانت بين الأوس والخزرج القبيلتين الأساسيتين في المدينة المنورة حروب طويلة، وهدف مجيئهما إلى مكَّة في ذلك الوقت، العمل على التَّحالف مع قريش، والاستقواء بها على الأوس. والتقيا لذلك أحد رجالاتها "عتبة بن ربيعة". الذي ردّ طلبهما، بحجة أنَّ قريش مشغولة برجل يدّعي أنّه رسول الله. وقال لهما عتبة: لقد سفَّه أحلامنا، وسبَّ آلهتنا، وأفسد شبابنا…
ونصحهما بألا يفكرا بلقائه، او يستمعا اليه فإنّه ساحر يسحرهما بكلامه. ونصحهما إذا ما ارادا الطواف بالبيت (الذي كان موجودا) أن يضعا في أذنيهما القطن. لان الرسول يجلس هناك في حجر اسماعيل مع قوم من بني هاشم.
وبالفعل وضع أسعد بن زرارة القطن في أذنيه، طاف بالبيت ولما رأى رسول الله(ص) جالساً في حجر اسماعيل. قال في نفسه: ما أجد أجهل مني! أيكون مثل هذا الحديث بمكَّة فلا أتعرّفه. ولعلّ في كلامه ما يملأ عقلي وقلبي. فأخذ القطن من أذنيه ورمى به، ثم توجّه للرسول وسأله بكل بساطة: إلى ما تدعو يا محمّد؟ فقال النبي(ص): "أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأني رسول الله"، ثم تلا الآيات:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ:
– أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.
– وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.
– وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ…
– وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
– وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.
-وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا.
– وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى…
– وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً
– فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
فلمّا سمع بن زرارة هذه الآيات، لم يتمالك نفسه، وراح يقول، وبصوت عالٍ، وهو في ذلك غير مبالٍ بقريش وجبروتها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك يا محمد رسول الله. ثم قال: الحمد لله الذي ساقني إليك، والله، ما جئنا إلا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل مما أتينا له. ثم أسلم ورفيقه. وبعد ذلك، طلبا من رسول الله أن يبعث معهما رجلاً يعلّمهم القرآن، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويطفئ الحروب، ويصلح بين القبائل المتناحرة. فبعث رسول الله معهما إلى المدينة الصّحابي مصعب بن عمير. ومنذ ذلك الوقت، أسّست قواعد الإسلام في المدينة، وتغيّر وجه يثرب. ومنه وجه العالم.
أيها الأحبة:
بهذه الصّورة قدّم رسول الله(ص) الاسلام لمن جاء يسأل عنه، ولو حضر اليوم، كان سيجيب بالإجابات نفسها لأن هذه الآيات هي التي توصف الاسلام:
وكما تلاحظون هما أمران ميزا خطاب النبي كي يعرّف الإسلام:
– التوحيد.
– والاخلاق.
فهو لم يقدّمه طقوساً وعبادات، (كما نعنون نحن به الدين غالباً، ويقاس به المتديّن من غيره) بل عنون(ص) الدين بهذه الرابطة، التي لا ينبغي أن تنفصم عراها، بين العبودية لله وحده، وبين التعاليم الأخلاقية. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
فالايمان بالله ضروري كإطار يحدد المسار والمصير والرؤية ومن ثم الاخلاق. إن من ينكر الايمان ولكنّه ذو أخلاق فهذا بنظر الله في مكان آخر لأن الشرك او الالحاد بنظر الدين فيه إساءة للحياة وللخلق وللخالق عز وجل {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. أما من آمن ولكنه لم يكن صاحب خلق، هو أيضا في مكان آخر حتى ولو صنف نفسه مؤمناً. ولعل هذا أخطر من ذاك.
ان الأزمة التي يعانيها واقعنا هي خير مؤشر على أزمة تعريفنا للدين. عندما فرّغنا الدين من القيم الأخلاقيّة ولم نجعل له الاولوية والحاكمية، فلم تعد الأخلاق حاضرة في فهمنا للعبادات ومقاصدها، وفي الأحكام الشرعيَّة وغاياتها، وفي حركة الدين في الحياة وأهدافها.
فلنستعِد ايها الأحبة الأخلاق، في ذكرى نبي الاخلاق، لتكون طابع حياتنا، ولنستقم على أساسها، واستعادة الاخلاق التي ننادي بها يجب ان تطال المستويات كافة: الفردية والمجتمعية والتربوية والتعليمية والانتاجية والسياسية، يجب أن تكون الاخلاق هي البوصلة هي المعيار في كل مجال. والباحثون في الشأن الديني العلمي أيضا يتحملون مسؤولية عدم التطرق لمباحث الاخلاق وتأخيرها لمصلحة المباحث الفقهية والاحكام والتفاصيل التقنية…إن التقنيات والميكانيكية مهمة في كل نظام ولكن لا أن يؤخذ بها وحدها والا ستتحول كما نرى اليوم طقوسا وعناوين وشكل ولكن من دون الجوهر.
تعالوا أيها الأحبة في مناسبة ولادته أن نشحذ النفوس ونعمل على أنفسنا ونجاهدها كي نتأسّى برسول الله: لينا وتواضعا، ورحمة، ومحبّة، وعدلا، وعفوا، وتسامحا، وحبّا للحياة ولكلّ الناس.
عندما قدَّم الله سبحانه وتعالى رسوله، لم يقدّمه بأنَّه العابد، رغم أنّه عَبَده حتى تورَّمت قدماه، أو بأي صفات أخرى. بل قدَّمه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، لأنّ الله يريد للأخلاق أن تكون هي التّعبير العمليّ عن حقيقة ما جاء به، وهي عنوان من ينتمون إليه.
تعالوا نتأسَّ برسول الله ونكن دعاة بغير ألسنتنا. شبعنا حديث الالسن فلتتنحَّ جانبا ولنُرحها من الفصام والتناقض بينها وبين الاعمال. ولعل صمتنا في هذه الحال يصحح ما أفسده كثرة الكلام والتنظير. إن الدور اليوم والحكم والمعيار هو للجوهر للفعل والعمل والسلوك…
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} والحمدلله رب العالمين.
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلوبنا بذكره. ومن التّقوى، الاهتداء بهدي رسول الله(ص)، في كيفيّة استقباله سنة جديدة؛ فقد كان يقف في بدايتها بين يدي الله للصَّلاة ركعتين، ثم يتوجَّه إليه بالدّعاء: "اللهم وهذه سنةٌ جديدةٌ، فأسألك فيها العصمة من الشَّيطان، والقوَّة على هذه النّفس الأمّارة بالسّوء، والاشتغال بما يقرّبني إليك يا كريم".
بهذه الصّورة، يريدنا رسول الله(ص) أن نبدأ سنة جديدة، وليس كما اعتاد الكثيرون، الَّذين يبدأونها بالاستغراق في أجواء اللهو والعبث، وبكلّ هذا الضّجيج والصّخب، الَّذي يصل إلى حدّ إطلاق الرّصاص في الهواء. وهنا أتساءل: ماذا يعني إطلاق الرصاص؟ هل هو اعتراض على قدوم سنة جديدة، من خلال إطلاق الرصاص عليها؟ أو أصبح الابتهاج متخلّفاً إلى هذا الحد؟ هذا لا يعني أننا ضدّ الفرح، ولكنَّنا مع الفرح المسؤول، الَّذي لا يكون على حساب مسؤوليّاتنا وأهداف وجودنا في هذه الحياة، وما تعنيه مناسبة بداية سنة جديدة.
أيّها الأحبّة، عندما نبدأ سنتنا كما كان يبدأها رسول الله(ص)، نجعلها سنة خير، فالخير لن يأتي إلا بطاعة الله ورضوانه، وتحمّل مسؤولية الزمن الَّذي منحنا إياه، وبذلك، نصبح أكثر قدرةً على مواجهة التّحديات، حيث لا تزال تعصف بواقعنا رياح هوجاء عاتية، تعبث بأمنه واستقراره ووحدته ومقدّراته، وفتن تأكل أخضره ويابسه، فيما لا حلول واقعيَّة تلوح في الأفق. وإذا كان من حلول، فهي نوع من المسكّنات والمهدّئات الَّتي لا تسمن ولا تغني من جوع.
لبنان
وهذا ما نشهده في لبنان، الَّذي تستمر معاناة أبنائه لسنة جديدة في العديد من الملفات، والملف الأبرز هو ملفّ الفراغ في سدّة رئاسة الجمهوريَّة، وعدم دوران عجلة المؤسَّسات الأساسيَّة في الدّولة، ما بات ينعكس على الكثير من القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة، وعلى موضوع النفط.
أما الملفّ الثاني، فهو ملف مخطوفي الجيش اللبناني، الَّذي لا يزال يخضع للتّجاذب الداخليّ، في ظلّ عدم وجود آليّة واضحة للتعامل معه، ومطالب الخاطفين غير الواقعيّة والتعجيزيّة، ما يبقي الأهالي في حالة خوف، وحتى رعب، على مصير أولادهم، ويجعل الوطن في حالة استنزاف دائم، الأمر الَّذي يستدعي من الحكومة أن تكون أكثر جدّيّة في التعامل مع هذه القضيّة الحسّاسة، وأن تضعها في يد واحدة، تحسن التعامل معها، وتتابعها بسرية وكفاءة عالية، بما يشعر الأهالي بالاطمئنان، ولا يبقيهم رهينة الوعود والتمنيات، ويمنح الوطن الاستقرار.
والملف الثالث، هو ملف الفساد، الَّذي يبقى أسير مبادرات مشكورة، يقوم بها هذا الوزير أو ذاك، وقد تنتهي بغيابه عن مسرح الوزارة. إننا نريد السير في هذا الملفّ وفق خطَّة شاملة، هدفها اجتثاث مواقع الفساد الحاليّة، واتخاذ كلّ الإجراءات التي تمنع تجدّدها، من خلال تعزيز الإدارة والرقابة والمحاسبة. والعلاج الأفضل، هو القيام بورشة أخلاقيّة على مستوى الإنسان، لأنَّ الأساس والأهمّ من كلّ شيء، هو اقتلاع الفساد من النفوس، فإنَّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، فالإصلاح الواقعيّ يبدأ بإصلاح الإنسان أوّلاً.
ويبقى لنا الحوار الَّذي نستعجله ويستعجله كلّ اللبنانيين، في ظلّ ما يتهدّد الوطن من ازدياد منسوب التوتر الطائفيّ والمذهبيّ الداخليّ، على وقع الصّراعات الإقليميّة الدّائرة في الخارج، والتَّهديدات القائمة على حدودنا الشرقية، آملين أن يكون هذا الحوار مدخلاً لإيجاد الحلول الحقيقية، لا لتبريد الأجواء فحسب، وإن كان ذلك ضرورياً في هذه المرحلة، وأن يكون المتحاورون على قدر عالٍ من المسؤوليّة.
فلسطين
ونصل إلى فلسطين، الَّتي وقع فيها ما كان منتظراً من عدم حصول الشّعب الفلسطينيّ على ما اعتبرناه الحد الأدنى من حقوقه، وذلك بعدما رفض مجلس الأمن، وبضغوط أميركيّة وإسرائيلية، هذا القرار الداعي إلى انسحاب الكيان الصّهيوني من الأرض المحتلة العام 67، قبل نهاية العام 2017، وتحت حجج واهية، تسمح للعدو الصّهيوني بالاستمرار في مخططه التهويدي، وحصاره لغزة.
إنَّنا أمام هذا الواقع، ورغم أهميّة تحرّك السّلطة الفلسطينية لنقل القضيّة إلى محكمة الجنايات الدولية وغيرها، لمقاضاة إسرائيل على جرائمها، نعيد التذكير بما أكَّدناه سابقاً، وأعدناه مراراً، بأنّ الرهان على مجلس الأمن وعلى المفاوضات غير مجدٍ، فالرهان الحقيقي لاسترداد الحقوق، يكون بالاعتماد على سواعد الشّعب الفلسطينيّ؛ وبانتفاضته ومقاومته ووحدته.
وهنا، نعيد الدَّعوة إلى العمل لتوحيد جهود السّلطة الفلسطينيّة في غزة والضفة الغربيّة، ومعها كلّ الفصائل الفاعلة، لمواجهة هذا الاستحقاق، والعمل لتحقيق كلّ المطالب الملحّة، ولا سيّما إعمار غزة، في الوقت الذي نعيد دعوة الدّول والشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وكلّ دعاة حقوق الإنسان، إلى الوقوف مع الشّعب الفلسطيني.
وهنا نسأل: ما هو الموقف الَّذي يجب أن تأخذه الدول العربيّة تجاه الَّذين رفضوا قرارها، وهدَّدوا باستخدام الفيتو؟ ألم يحن الوقت لقرار عربيّ بمستوى التحدي؟ وإلى متى الانتظار؟
البحرين
وإلى البحرين، الَّذي كنا نأمل من السّلطات فيه، أن تبادر إلى تعزيز لغة الحوار بينها وبين المعارضة، الَّتي تطالب بحقوق مشروعة، وأن تعتمد على الأساليب السّلميّة، بدلاً من عمليّات الاعتقال والترهيب، الَّتي كان آخرها اعتقال أمين عام جمعية الوفاق، سماحة الشَّيخ علي سلمان، الَّذي يمثّل عنواناً من عناوين الانفتاح والحرص على استقرار البحرين. إنَّنا نرى في هذا الاعتقال ما يزيد الأمور تعقيداً وتفاقماً، ويسمح للمصطادين بالماء العكر والعابثين بأمن هذا البلد، بأن يدخلوا على الخطّ.
وانطلاقاً من حرصنا على البحرين، ندعو السّلطات فيه إلى الإسراع في إطلاق سراح سماحة الشَّيخ علي سلمان، والعودة مجدّداً إلى خطّ الحوار الَّذي لا غنى عنه، ليستعيد البحرين موقعه وقوّته، فهو لن يستعيدهما إلا حين يحصل الشّعب على المساواة في حقوقه وفي المواطنة والعيش الكريم.
العراق
أما العراق، ففي الوقت الّذي نحيّي إنجازات الشَّعب العراقيّ وتضحياته وصبره في مواجهة الإرهاب الَّذي لا يزال يحتلّ أجزاء واسعة من هذا البلد، ندعو في هذه الظّروف الحسّاسة، إلى توخّي الوقوع في فخّ الانقسام المذهبيّ والطائفيّ، وندين أيّ عمليات تهجير أو تنكيل طائفيّ وعرقيّ تجري هنا وهناك، ولا سيما في المناطق التي تحرّرت من قبضة الإرهابيين، ونشدّد على عودة كلّ المهجرين إلى مناطقهم، ونطالب كلّ الحريصين على وأد الفتنة والتقسيم، بالعمل على إجهاض المحاولات الرامية إلى أن يكون لكلّ مكوّن عراقي جيشه، فيكون للسنّة جيشهم، وللشيعة جيشهم، وللأكراد جيشهم، وذلك على حساب بناء الجيش العراقيّ الوطنيّ، الذي يعدّ وحده ضمانة لبقاء العراق موحّداً، ويحفظ وجود كلّ مكوّناته وحقوقهم.. وإذا كان هناك من أحاديث عن أقاليم، فلا بدّ من أن يكون بُعدها إدارياً، لتكون مشاريع وحدة، لا أن يكون بُعدها طائفياً، أو مذهبياً، أو عرقياً، وتصبح مشاريع حرب.
أسبوع الوحدة الإسلامية
وأخيراً، ومع انطلاقة أسبوع الوحدة الإسلاميّة، الَّذي أعلنه الإمام الخميني(رض)، بين الثاني عشر من ربيع الأول والسّابع عشر منه، وفي أجواء مولد نبي الرحمة والسّلام(ص)، نعيد دعوة المسلمين إلى أن يستفيدوا من هذه المناسبة، لتعزيز أواصر الوحدة بينهم، بالتركيز على القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمعهم، وخصوصاً أنَّ ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرّقهم، وتفهّم بعضهم البعض في مواقع الاختلاف، تمهيداً لحوار علميّ وموضوعيّ، والنظر بكلّ جدية إلى قوله الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.