الأجواء الروحية لشهر شعبان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}.. صدق الله العظيم…

 

أطل علينا بالأمس شهر مبارك هو شهر شعبان وهو واحد من الأشهر الثلاث المباركة رجب وشعبان ورمضان التي يفيض الله فيها على عباده بالرحمة والغفران والأجر الجزيل مما لا يفيض به عليهم في بقية الشهور.

وقد كان رسول الله(ص) يحرص على إحياء هذا الشهر بالصيام والقيام والذكر وتلاوة القرآن بغية الحصول على بركات هذا الشهر.

 

وقد كان رسول الله يحث أصحابه على الاهتمام به حيث ورد أن رسول الله(ص) كان إذا رأى هلال شهر شعبان يأمر منادياً من المدينة أن ينادي في أزقتها وشوارعها وأن يقول لهم: "يا أهل يثرب إنّي رسول رسول الله إليكم ألا أنّ شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري".. وتعود نسبة رسول الله هذا الشهر إليه لاهتمامه به وتكريماً له.

 

وهنا يذكر أن أمير المؤمنين(ع) الذي نعهده أول ما يستجيب لدعوة رسول الله(ص) ويكون في المقدمة.. كان يقول: "ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله(ص) ينادي في شعبان، ولن يفوتني أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء الله تعالى، ثمّ كان(ع) يقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله".. وهذه إشارة إلى أن الإمام علياً (ع) لم يكن فقط في المقدمة يحمي رسول الله في الحرب فحسب، بل كان أيضاً في العبادة..

 

وهذه الدعوة من رسول الله(ص) كما هو معروف لا تقف عند أصحاب رسول الله(ص)، بل هي دعوة لنا، فمن مسؤوليتنا أن نستن بسنة رسول الله وأن نقتدي به.. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْأَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}..

 

ولذلك نقرأ في الصلوات الواردة عن الإمام زين العابدين(ع) والتي يستحب أن نقرأها عند الزوال في كل يوم من أيام شهر شعبان:

"أَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعِ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفِ الْمَلائِكَةِ، وَمَعْدِنِ الْعِلْمِ، وَأَهْلِ بَيْتِ الْوَحْىِ.. وَهذا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ يَدْأَبُ في صِيامِه وَقِيامِه في لَياليهِ وَأَيّامِه بُخُوعاً لَكَ في إِكْرامِه وَإِعْظامِه إِلى مَحَلِّ حِمامِهِ، أَللّـهُمَّ فَأَعِنّا عَلَى الاْسْتِنانِ بِسُنَّتِه فيهِ، وَنَيْلِ الشَّفاعَةِ لَدَيْهِ.. أَللّـهُمَّ وَاجْعَلْني لَهُ مُتَّبِعاً حَتّى أَلْقاكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَنّي راضِياً، وَعَنْ ذُنُوبي غاضِياً، قَدْ أَوْجَبْتَ لي مِنْكَ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوانَ، وَأَنْزَلْتَني دارَ الْقَرارِ وَمَحَلَّ الأَخْيارِ".

 

وقد أشارت الأحاديث والروايات إلى العديد من الأعمال والأوراد المستحبة في هذا الشهر من الصيام حيث يستحب صيام كل الشهر أو كل اثنين أو خميس منه والصلوات والأذكار حيث يستحب الإكثار من قول لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون.. وكذلك في الصلاة على محمد وآل محمد.. والأدعية والإحياءات حيث ورد التأكيد على إحياء ليلة النصف من شهر شعبان وهي كما ورد في الحديث عن الإمام الباقر(ع): "هي أفضل اللّيالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها فإنّها ليلة آلى الله عز وجل على نفسه أن لا يردّ سائلاً فيها ما لم يسأل الله المعصية".

 

فهي ليلة عظيمة بذاتها ولا بد أن نحييها.. نعم ما يزيد من فضلها أنها فيها ولد الإمام المهدي(عج).. وهذه كرامة تضاف إلى هذه الليلة.. لذا علينا ونحن لا زلنا في بداية الشهر اختيار البرنامج العبادي المناسب لنقيم الصلوات والأذكار والأدعية التي تعزز روحيتنا وتقربنا إلى الله..

 

وفي إطار الدعاء لا بد أن نلفت وأن يلتفت غيرنا إلى المناجاة الشعبانية الواردة عن الإمام علي(ع) والتي لأهميتها كان ينقلها كل إمام من أئمة أهل البيت(ع) لأصحابه ولنا.. ولذلك هي وردت عنهم جميعاً وإن كانت هي لأمير المؤمنين(ع).

هذه المناجاة يعرف الإنسان من خلالها الله أكثر ويشعر فيها بفيض الحب والامتنان لله والاعتراف والعرفان بالجميل لله..

تبدأ هذه المناجاة بالإشارة إلى موقع الله من عباده وأنه قريب منهم وأن لا مفر لهم منه إلا إليه: "أَللّـهُمَّ وَاسْمَعْ دُعائي إِذا دَعَوْتُكَ، وَاْسمَعْ نِدائي إِذا نادَيْتُكَ، وَأَقْبِلْ عَليَّ إِذا ناجَيْتُكَ، فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ، وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيكَ "..

 

ثم يتوجه في هذه المناجاة إلى الله بطريقة تُشعر العبد وكأنه يسبح في بحر رحمة الله وجوده إلى الدرجة الذي يشعر فيها بقدر من التدلل على ربه فيقول: "إِلـهي كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لي بَعْدَ مَماتي، وَأَنْتَ لَمْ تُوَلِّني إلاّ  الْجَميلَ في حَياتي، اِلـهي تَوَلَّ مِنْ أَمْري ما أَنْتَ أَهْلُهُ.. إِلـهي إِنْ أَخَذْتَني بِجُرْمي أَخَذْتُكَ بِعَفْوِكَ، وَاِنْ أَخَذْتَني بِذُنُوبي أَخَذْتُكَ بِمَغْفِرَتِكَ، وَاِنْ أَدْخَلْتَني النّارَ أَعْلَمْتُ أَهْلَها أَنّي اُحِبُّكَ، اِلـهي إِنْ كانَ صَغُرَ في جَنْبِ طاعَتِكَ عَمَلي فَقَدْ كَبُرَ في جَنْبِ رَجائِكَ أَمَلي"..

 

ثم نتوجه في المناجاة بالطلبات التي ينبغي له كمؤمن أن يطلبها من الله، فما هي هذه الطلبات:

"إِلـهي هَبْ لي قَلْباً يُدْنيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ وَلِساناً يُرْفَعُ إِلَيْكَ صِدْقُهُ، وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ.. اِلـهي أَقِمْني في أَهْلِ وِلايَتِكَ مُقامَ مَنْ رَجَا الزِّيادَةَ مِنْ مَحَبَّتِكَ.. اِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَأَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً.. إِلـهي وَأَلْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَأَكُونَ لَكَ عارِفاً، وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفاً، وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً، يا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرامِ"..

 

وقد ورد أن أفضل الأعمال في هذا الشهر عملان: أولاً: الاستغفار أن نستغفر الله كثيراً.. وقد وردت صيغ عديدة للاستغفار أن نقول سبعين مرة أستغفر ربي وأتوب إليه وأسأله التوبة، أو سبعين مرة أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الحي القيوم وأتوب إليه..

 

ولكن هذا لا يكفي إن لم يصاحب بصدق الاستغفار النية والعزم على تطهير الإنسان لنفسه من الذنوب والآثام والأحقاد والضغائن ومن كل تقصير تجاه الله أو تجاه الناس من حولنا القريبين والبعيدين.. فهناك حقوق قد نغفل عنها حقوق لأولادنا لبناتنا لأهالينا لأرحامنا وجيراننا وللمؤمنين وللناس جميعاً والتقصير منها يستدعي التوبة.. وقد ورد في دعاء الإمام زين العابدين(ع): "أللهم إني اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره، ومن معروف أسدي إلي فلم أشكره، ومن مسيء اعتذر إلي فلم أعذره، ومن ذي فاقة سألني فلم أوثره، ومن حق لزمني لمؤمن فلم أوفره".

 

والعمل الثاني هو الصدقة ولو بشق تمرة.. وقد ورد في الحديث: "ومن تصدق بصدقة في شعبان ربّاها الله تعالى كما يربي أحدكم فصيله حتّى يوافي يوم القيامة وقد صارت مثل أحد"..

 

وما يساهم في تعزيز الجو الروحي والتربوي هو إحياء المناسبات العديدة التي وردت فيه.. ففي الثالث منه نلتقي بذكرى ولادة الإمام الحسين(ع) بكل ما تعنيه هذه الذكرى من شعور بالعنفوان والعزيمة والإرادة والتضحية ومن ملامسة عالم الطهارة والصفاء والسمو الروحي والإنساني الذي عبر عنه الحسين(ع) في حياته..

 

وفي الرابع منه ذكرى ولادة العباس(ع) والذي أظهرت كربلاء وفاءه وإيثاره حيث نستعيد في ذكراه كل هذه المعاني.. لذا تراه في كل المواقف يقف في مقدمة الصفوف يحمي الحسين(ع) وعيناه على السيدة زينب، وأهل بيت النبوة والأصحاب، يراقب الساحة ببصيرته النافذة ثابتاً مقداماً، واجه عرض الشمر بن جوشن أن يعطيه الأمان هو وأخوته ولكنه رفض آنذاك الأمان وأصرّ أن يبقى مع الحسين(ع) وأن يستشهد.. وهو يرتجز:

واللهِ إن قَطعتُمُ يمينــــي‏  إنّي أُحامِي أَبَداً عن دِيني‏

وعنْ إمامٍ صَادِقِ اليَقِينِ‏  نَجْلِ النّبيِّ الطــاهِرِ الأَمينِ‏

 

وفي الخامس منه ذكرى ولادة الإمام زين العابدين(ع) بكل ما يمثله من صبر وعفو وتسامح وسمو روحي عبرت عنه أدعيته التي طالت كل أوجه العلاقة مع الله وكل الخطوط الأخلاقية، وثروة حقوقية عبر عنه في رسالته "رسالة الحقوق" التي تمثل أسمى تشريع يتصل بحفظ حقوق الإنسان واحترامها.

 

وفي الخامس عشر ذكرى الإمام المهدي(عج) إمام زماننا والذي فيه نعيش معه الأمل الدائم بالعدل بعد الجور والظلم والطغيان..

 

أيها الأحبة:

إن علينا أن نستعيد أجواء هذا الشهر الروحية والإيمانية، أن نتغذى بها.. لأننا بحاجة إليها حتى نواجه التحديات التي تواجهنا حيث هناك الكثير يريد أن يسرق منا ديننا وإيماننا وأخلاقنا والتزامنا بقضايا أمتنا، وما أكثر من يسعون إلى ذلك.. ولن نستطيع أن نواجه كل هذه التحديات الصعبة إلا بتعميق الوعي وتعزيز الجانب الروحي والإيماني.

 

ودور آخر لهذا الشهر أن نعد أنفسنا فيه لنكون لائقين بضيافة الله شهر رمضان فلن يدخل إلى ضيافته إلا الأطهار.. نرجو الله أن يبلغنا ذلك…

وهذا ما أشار إليه الإمام الرضا لأحد أصحابه: "وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلصٌ لله عزَّ وجلَّ، ولا تدعن أمانة في عنقك إلَّا أدَّيتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلَّا نزعته، ولا ذنباً أنت ترتكبه إلَّا أقلعت عنه، واتّق الله وتوكَّل عليه في سرائرك وعلانيَّتك {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

 

وفقنا الله لنكون من المستنين بسنته وبسنة الأئمة الطاهرين وأن نحظى بأفضل بركات هذا الشهر إنه سميع مجيب الدعاء..

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الحسين (ع) أخاه محمداً ابن الحنفيّة، قبل خروجه من المدينة إلى مكة، ومنها إلى كربلاء، حين قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور… وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.. فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين، وهو خير الحاكمين.. والسلام".

 

لقد أراد الإمام الحسين (ع) من خلال وصيته الّتي استودعها لدى أخيه محمد ابن الحنفية، أن يوضح هدف ثورته، ويبيّن منطلقاتها، ويدعونا إلى أن نتمثّله في هذا الهدف.. فقد أراد من ثورته الإصلاح، ولم تكن الشّهادة والتّضحية الَّتي بذلها مع أصحابه سوى وسيلة.. وكانت ضرورة في مرحلته لتحقيق هذا الهدف، وليس من الضّروري أن يكون هذا الأسلوب مناسباً لكل المراحل، فلكل مرحلة أسلوبها.. هو يريد منا أن نكون، كما كان، دعاة إصلاح، نسعى إليه، ولا نقبل الانحراف والفساد والظلم والطغيان.. بل نرفع صوت الحق وصوت العدل في مواجهته..

 

لقد عانى الحسين (ع) أكثر ما عانى من الأكثرية الصامتة التي سكتت عن نصرة الحق، وأعطت بذلك للباطل قوة..  ولكنه أدى مسؤوليته بأفضل ما يكون.. وبذل لأجلها دمه ودم أصحابه وأهل بيته، ولو كان عنده أكثر لقدم.. فإذا أردنا أن نكون جادين في حبه والوفاء له، فعلينا أن نقوم بدورنا في مواجهة ما فسد منا وما انحرف.. من خلال مواجهة الانحراف الثقافي، والالتزام بالدين، ومواجهة الانحراف الخلقي والفساد السياسي.. كما دعا إليه الله عندما قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.. إن الإمام الحسين (ع) لن يكتفي منا بأن نزوره أو أن نبكيه أو نقيم المجالس، بقدر ما يريدنا أن نكون أنصاراً حقيقيين له.. ومتى فعلنا ذلك، وامتلكنا الهمة العالية، فسنغير واقعنا ونواجه التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي لا يزال يدور في دوامة البحث عن قانون انتخابي يبدو أنه لن يبصر النور قريباً، رغم تداعي المهل، بفعل عدم توافق القوى السياسية على صيغة مقبولة لدى الجميع، وإصرار كل فريق على التمترس وراء القانون الذي يراه مناسباً، أو الذي يؤمن له الحضور الأكبر داخل طائفته أو على مستوى الوطن…

 

ونحن مع الكثيرين في هذا البلد، نخشى أن يُدفع البلد نحو المجهول، بفعل اللعب على حافة الهاوية، بحيث تتقلص الخيارات المتاحة بين الفراغ، والتمديد، والعودة إلى قانون الستين، فإذا لم يتم التوصل إلى قانون جديد، سيقع الوطن بين فكي التمديد والفراغ، الأمر الذي قد يفرض العودة إلى الستين مع تعديله، حفظاً لماء وجه الرافض له.. وقد ارتفعت أصوات عديدة تطالب الطبقة السياسية باعتماد هذا القانون.

 

إنّ من المعيب أمام هذا المأزق القائم، أن يقال عن القوى السياسية اللبنانية إنها غير قادرة على إدارة شؤونها، وهي تحتاج دائماً إلى من يدير لها شؤونها.. ويفرض عليها الصيغة التي يلتزم بها الجميع.. إلا إننا نثق بأن القوى السياسية قادرة دائماً على الخروج بحلول، عندما تخرج من حساباتها الخاصة إلى حسابات الوطن، ومن الحسابات الطائفية إلى قيم الأديان..

 

في هذا الوقت، تستمرّ معاناة اللبنانيين في الأزمات التقليدية في الكهرباء والماء والصحة والنفايات والواقع الاجتماعي الصعب، حيث يزداد الفقراء فقراً، ولا من مجيب، في الوقت الذي طفت على السطح خلال الأسبوع الماضي عدة تحركات مطلبية، كتلك التي نفذها المياومون في شركة الكهرباء أو المتعاقدون أو مزارعو التفاح، الذين لم يعطوا ما وُعدوا من مستحقات، أو أصحاب الشاحنات، وإن كان البعض قد وضع هذه التحركات في الإطار السياسي..

 

إننا لا نرى في ذلك إلا نتيجة لإدارة الدولة ظهرها لمصالح مواطنيها، وعدم إيجاد الحلول الناجعة لهم.. ولذلك من الطبيعي أن تحمل الأيام القادمة تحركات مماثلة.. ومن مسؤولية الدولة التي باتت تستسهل إيقاف جلسات مجلس الوزراء وجلسات مجلس النواب، أن تحرك جهودها لمعالجة مشاكل مواطنيها الملحة، وأن لا يشغلها عن ذلك شاغل..

 

ولا بد لنا في إطار التحركات الشعبية، من تنبيه المواطنين إلى عدم إقفال الطرقات، كوسيلة لتحصيل الحقوق أو للاحتجاج على أمر معين، نظراً إلى تداعيات ذلك على مصالح الآخرين وأعصابهم، وإلى المشاكل التي قد تترتب عليه، بما يؤدي إلى تأليب الناس ضدهم، وإلى تحقيق مصالح الجهات التي لا تريد تحقيق مطالبهم..

 

وهنا، نلفت إلى حرمة ذلك على مستوى الحكم الشرعي، فلا يجوز لأحد قطع طريق الناس.. ونحن ندعو أصحاب المطالب والاحتجاجات إلى التعبير بوسائل أكثر حضارية وأقل ضرراً على المواطنين الذين قد يعيشون المعاناة نفسها..

 

ونبقى في الشأن اللبناني، لنؤكد على القوى السياسية الارتقاء إلى مستوى الأخطار التي تحيط بالساحة اللبنانية، سواء الاقتصادية أو النقدية أو تلك القائمة على الحدود الشرقية أو الحدود الجنوبية.

 

سوريا

وإلى سوريا، حيث يستمر الصراع على هذا البلد، لتقاسم النفوذ فيه بين القوى الدولية والإقليمية المتصارعة.. وفي هذا الإطار، يدخل العدو الصهيوني مجدداً على خط هذا البلد، ليضرب عاصمته ويؤكد حضوره في هذه الساحة ومشاركته فيها..

 

ومع الأسف، يجري ذلك في ظل صمت عربي، في الوقت الذي يعرف الجميع أن السكوت على استباحة عاصمة عربية أو بلد عربي، ومهما كانت المبررات، سيمهد لاستباحة دول عربية وغير عربية أخرى من هذا الكيان أو غيره.

إننا أمام ذلك، نعيد دعوة الدول العربية إلى اليقظة، ووعي ما يجري لبلد هو من عمق العالم العربي، والالتفات إلى الضرر الذي سيصيبه ويصيب مستقبله، بعد أن يصبح لقمة سائغة في أيدي الدول الكبرى..

 

اليمن

ولا بدَّ من أن نتوقّف عند اليمن، لنشير إلى استمرار معاناة الشعب اليمني، التي لا تقف عند حدود ما يتعرض له من قتل، بل تتخطاه إلى المجاعة، حيث تشير الأرقام التي نشرتها أخيراً منظمة الأمم المتحدة، إلى أن أكثر من واحد وعشرين مليون يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي، جراء استمرار الحرب على هذا البلد، وانهيار النظام الزراعي والصحّي فيه.

 

ونحن هنا نسأل: ألا يدعو كلّ هذا الدّمار والجوع إلى إيقاف هذا النزيف، والإسراع في إيجاد حل يعيد لليمن وحدته واستقراره، ويوقف المأساة التي تجتاحه؟

 

فلسطين

وإلى فلسطين، حيث يستمرّ إضراب الأسرى عن الطعام لليوم الثاني عشر على التوالي، رغم الضغوط الكبيرة التي يقوم بها الكيان الصهيوني للتضييق عليهم، للعودة عن هذه الخطوة، نظراً إلى تداعياتها على صورة هذا الكيان..

 

في هذا الوقت، يستمرّ الحراك الداعم للأسرى الفلسطينيين داخل المدن الفلسطينية في الضفة وغزة وأراضي 48، فيما يستمرّ خجولاً في العالم العربي والإسلامي.. وكذلك من جانب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.. ونحن هنا، نطالب كلّ هؤلاء بوقفة جادة مع معاناة الأسرى وتضحياتهم..

 

يوم العمال 

 

وأخيراً، وفي يوم العمال، نهنئ كلّ عمالنا وعاملاتنا في كلّ مواقع عملهم في يوم عيدهم.. في الوقت الذي ندعو كل الذين يتولون مواقع المسؤولية عنهم، إلى أن يبادروا إلى تعزيزهم وتكريمهم وحفظ إنسانهم ومساعدتهم على مواجهة أعباء الحياة..

Leave A Reply