الأمومة مسؤولية والبر لها فريضة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}

هي نعمة من نعم الخالق سبحانه على كل انسان وعظمتها أنها أعلى ما ترقى اليه الانسانية في الصفاء والكمال والعطاء، ولطالما ألهمت فنانين وأطباء وشعراء وحكماء وعظماء على مر التاريخ ومع ذلك هل عرفوا ما هي الأم؟ يكفيها عظمة أن الله سبحانه قرن رضاه برضاها وجعل جنته تحت قدميها. هي سر رحمته وسر محبته ورأفته وحنانه.

ونحن لن نستغرق في توصيف منزلة الأم ومكانتها فيما ورد حولها في السيرة الشريفة للنبي والائمة من اقوال وحكايات واحكام، ولكننا نجمل ذلك لنقول أنه لم يعرف التاريخ نظاما أو دينا كرّم الام وأعلى مكانتها كما فعل الاسلام، ويكفيها ولا تزال وصية الله إلى الانسان في كتابه العزيز في أكثر من آية: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا.} {…. وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ…} {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا…}

والام التي اعتنى بها الاسلام كل هذه العناية وقرر لها الكثير من الحقوق هي راعية ومسؤولة عن رعيتها وهم أطفالها من حين الولادة والى ما شاء الله.

فالأمومة ايها الأحبة ليست وظيفة ولو كانت كذلك لما كان أجرها خلال سنة مثلا يعادله أجر أو راتب: فهي مُعيل ومُطعِم وطبيب وأنيس ومعلم ورفيق ومديرة منزل ومُدرّسة حضانة وحارس وراوية حكايات، وتوفر كل الخدمات الحياتية وحلالة مشاكل ولا تنتهي المهن والادوار. واي طفل لكي يصبح طفلا يحتاج إلى كل هذا ممزوجا بحب وأحاسيس وعواطف لا يمكن شراؤها أبداً. لهذا فإن البيت الذي تشرق فيه ابتسامة أم أرهقها السهر، وأضنتها شؤون أطفالها هو بالحق المدينة الفاضلة والجنة على الارض.

وهذا التكريم والتقدير للأم، إنما يعود للدور الكبير الذي أُسند إليها، فعلى يديها تصنع الأجيال وتبنى. "الأم كالقرآن كلاهما أسند إليه صنع الأجيال"، كما قال الامام الخميني (رض). وإن كان هذا الدور لا يقع على عاتق الأم وحدها، ولكن للأم دوراً أساسياً فيه. لذلك قدس الاسلام الامومة وجعل بر الام من أصول الفضائل وأمر بذلك وإن كانت مشركة. أو كانت فاجرة {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}.

وفي الحديث: "ثَلاث لَمْ يَجْعَل الله عَزَّ وَجَلَّ لأحدٍ فيهِنَّ رُخصة: أدَاء الأمَانة إلى البرِّ والفَاجِر، والوفَاءِ بالعَهْد للبرِّ والفَاجِر، وبِرّ الوَالِدَين بِريْنَ كَانَا أو فَاجِرَين"

وقد شكا رجل أمه إلى رسول الله(ص) فقال له: أمي سيئة الخلق هل لي أن أقاطعها وأبادلها بالمثل. أنظروا إلى رسول الله كيف تصرف مع هذا الرجل. قال له: "هي لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر". قال له الرجل ولكنها فعلت كذا وكذا. فأكمل رسول الله. ولكنها لم تكن كذلك حين أسهرت ليلها وحين أظمأت نهارها. فقال له الرجل: ولكني جازيتها. قال: ما فعلت. حججت بها وهي على عاتقي. قال ما جازيتها ولو بطلقة واحدة.

 

أيها الأحبة:

"الام مدرسة إذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق". قالها احمد شوقي منذ زمن ولم تكن المجتمعات على ما هي عليه اليوم من  تذبذب في المفاهيم والمعايير والادوار.

واليوم فإننا أحوج ما نكون الى الدعوة الى مدرسة الام بينما الاسرة تهددها المشاكل الاقتصادية والاخلاقية وفقدان الطمأنينة. اننا ننادي بالتعويل على الدور الذي تقوم به الامومة لأنه إن صلح هذا الدور صلح المجتمع وإن خرب انفلت الجيل

أقول هذا لأنه إذا نظرنا الى واقع الامومة اليوم نجد أن هناك الكثير مما يشوش عليه من مفاهيم طارئة وتبدلات تقلل من فاعلية الام ودورها.

فأول ما أثرت فيه هذه المفاهيم والتبدلات هو:

– نظرة المرأة نفسها إلى الامومة. حيث باتت تشعر وكأن الامومة باتت عبئا عليها، فغاب الصبر والقدرة على التحمل وصولا الى التخلي عن المسؤولية في تربية الاولاد لصالح مدبرة المنزل او التلفاز او الالواح الرقمية والشاشات الذكية. 

كما بدأت تتسلل الى واقعنا عبر البرامج والمسلسلات ومواقع التواصل أفكار تروج لرفض تحمّل تبعات الامومة ومسؤولياتها، لا تريد المرأة للأمومة أن تترك آثارها عليها. لهذا ترتفع الصيحة الطبية بضرورة الارضاع الطبيعي بعد أن نأت الكثيرات عن ذلك. كما نشهد تقليلا لعدد الاطفال لمجرد الخوف من أعباء الحمل على الجسد وعلى تقييد حرية الام. اليوم بتنا نرى من يروج لفكرة (الام تريد أن تعيش حياتها). سابقا لم نكن نسمع في واقعنا مصطلح (حياة الام بعيدا عن حياة أطفالها وأسرتها). لا بل كانت الام تفرط في التصاقها بأطفالها. وهذا يحدونا الى الاستنفار، واعادة البوصلة على قاعدة لا افراط ولا تفريط. انما مسؤوليات يجب أن تُؤدَّى بحب وعلى قدر المستطاع.

 

والنقطة الثانية التي اراها مضعفة لدور الام: تتعلق بالزوج. بالأب، الذي له دور كبير في تغذية الإحساس بتكريم الأم وتقديرها عند أولادها. فالولد الذي يرى أباه يقدر زوجته ويحترمها ويكرمها ويعينها. سيكون على صورة ابيه في علاقته مع أمه…

ولهذا إذا أردنا أولاداً بارين بأمهاتهم، فلنبني أزواجاً بارين بزوجاتهم، يقومون بواجبهم عندما يأمرهم الله بأن يعامل الأب زوجته بالمعروف، وأن يكون خيراً لها، كما قال رسول الله(ص): ""خيركم خيركم لأهله". فلا يُضعف دور الام ولا يرضى بأن يتخطى الاولاد حدودهم معها بل يجب ان يحافظ على صورتها امامهم. لا ان يجرئهم عليها. عادة نسمع عن صورة الاب والحفاظ عليها صحيح هذا. ولكن يجب ان نحافظ أكثر على صورة الام: من أبر؟ قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك.

 

وتبقى نقطة تتصل بمسؤولية المجتمع والمؤسسات واصحاب القرار تجاه الامومة وتفعيلها تتعلق بضعف احتضان الأم العاملة سواء في المؤسسات الرسمية أو الخاصة، فالأم التي تجمع بين هم العمل وهم الحفاظ على العائلة وتبعات ومسؤوليات الامومة فإنها تظل نموذجا للعاملة التي تتحمل اعباءها مضاعفة.. فالرجل في دول العالم الثالث غالبا ما ينصرف الى الراحة بعد العودة من العمل، أما الام فتواصل عملها الاضافي في البيت ومع اسرتها، هذا الواقع يؤشر الى انه من العبث طرح قضايا المراة على انها قضية خاصة بالمرأة، انها مشكلة حقوق الانسان اكان امرأة ام رجلا: فهل المرأة العاملة تنعم بأجر عادل ومنصف وبإجازات عمل تأخذ بعين الاعتبار قضايا أمومتها؟ ان النساء هن نصف سكان الارض، وتعادل ساعات عملهن حسب بعض الاحصاءات، ثلث ساعات العمل التي تنجزها البشرية، ومع ذلك فإن كسب النساء لا يتعدى واحداً على عشرة من مجموع الدخل العالمي.  وفي لبنان اجازة الامومة ومدتها القانونية هي اربعون يوما وهناك اقتراح قانون بتمديدها الى ستين يوما لكن هذا الاقتراح ما زال مجمداً وما زالت الامهات العاملات محرومات من اجازة ضرورية لهن ولأطفالهن.

 

أيها الأحبة: في ذكرى يوم الام هذا اليوم الذي ننادي دوما ان لا يكون يوما يتيما. ان أفضل ما نقدمه للام في عيدها هو ما حرص عليه الاسلام. الاحسان اليها والبر بها وابعاد شبح العقوق تجاهها. فحساسية الاسلام كبيرة جدا تجاه العقوق.

    ان كلمة أف هي مجرد نفخة انسان ضاق خلقه ذرعا. تصوروا حتى هذا التأفف هو خط أحمر ودخول في العقوق. إن "أدنى العقوق أن يقول لهما أفّ". ولو علم الله عزّ وجلّ شيئاً أهون منه لنهى عنه. إذا كانت كلمة أف ممنوع عليك ان تقولها في وجه أم أو أب، فما بالك بأنواع من العقوق تطال الهجران والصراخ والشتم والدفع والحرمان والعياذ بالله. إن من أكبر ويلات الانسان في هذا العصر أنه بدأ ينسى الأسرة والبيت والأم والأب

ومن سعة رحمة الله بالإنسان انه ترك للمقصرين فرصة اصلاح بعض ما فات، فبر الام والاب لا ينقطع حتى بعد مماتهما، ويكون استدراك ذلك بالاستغفار لهما وكثرة الدعاء لهما.

لهذا نحتاج ونحن نعيش نمطا من الحياة تملؤه السرعة والتوتر والقلق أن نرفع درجة الحساسية الإنسانية في رعاية والدينا إلى المستوى الذي أشار إليه الإمام زين العابدين(ع) عندما قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة واحدة. قال(ع): "أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه فأكون قد عققتها".

 

وهو القائل:"اللهم اجعلني أبرهما بر الأم الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما، أقر لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى أؤثر على هواي هواهما، وأقدم على رضاي رضاهما، وأستكثر برهما بي وإن قل، وأستقل بري بهما وإن كثر. اللهم اشكر لهما تربيتي وأثبهما على تكرمتي واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري يا أرحم الراحمين" والحمدلله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي زاد لنا في الدّنيا والآخرة. وما يعزّز التَّقوى في نفوسنا، هو مشهد الكسوف الَّذي يشير إلى عظمة الله وقدرته وهيمنته على الكون كلّه، حيث لا عظمة فوق عظمته، وإلى دقة النّظام الكونيّ الّذي يمكّننا من أن نتعرّف إلى هذه الظاهرة قبل حصولها.

كما أنَّ هذا المشهد يذكّرنا بيوم القيامة، فهذا الكسوف سيحصل عند نهاية العالم، ليقف النّاس بعدها بين يدي ربّ العزّة، حيث تأتي كلُّ نفسٍ تجادل عن نفسها.

أيها الأحبة، مشهد الكسوف ليس ظاهرة كونيَّة عابرة، بل هو مشهد للتفكّر والتأمّل والوعي والصَّلاة، وهذا ما نحتاجه لمواجهة التحديات.

 

أقفل الأسبوع الماضي على عددٍ من القضايا، الَّتي نبيِّن الموقف منها:

القضيَّة الأولى هي الهجوم الإرهابي الَّذي حصل في تونس، والَّذي أودى بحياة العشرات من التونسيين ومن السيّاح القادمين إلى هذا البلد، والَّذين لا ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في هذا المكان ساعة الحادث، ولم يفعلوا جرماً، ولم يتعرَّضوا لأحد بسوءٍ، حتى لأولئك الَّذين أطلقوا النار عليهم، وهذا ما يُظهر ابتعاد هذه الجهة عن القيم الدينيَّة والإنسانيَّة.

إنَّنا ندين بشدَّة هذا العمل الإجرامي، ونعتبر أنه يأتي في إطار سلسلة الأعمال الإرهابيَّة التي تهدف إلى ضرب استقرار العالم العربي والإسلامي، وتمنع من نهوضه، وتسيء إلى وحدته وقيمه ومبادئه، وتشوّه تاريخه وصورة إنسانه، وتسيء إلى علاقته بالشَّرق والغرب.

ومن هنا، نرى أنَّ المسؤوليَّة تقع على عاتق كلّ الحريصين على استقرار هذا العالم وأمنه وتطوّره، وعلى صورة الإسلام، وعلى كلّ القيم الَّتي يمثّلها هذا الدّين، أن يتكاتفوا، وأن تتوحَّد جهودهم ويتعاونوا لإزالة هذا الكابوس عن كاهلهم، والَّذي لا يخفِّف من وقع جريمته أنَّ من يقوم به، يرفع شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، بل هذا يزيده جرماً، لأنّه يضع هذا الشّعار المقدّس في غير موقعه.

إنَّ الحاجة ماسة لمواجهة كلّ هذا الواقع، والعمل لسدّ كلّ المنافذ الَّتي تجعله يستقطب شباباً وشابات من كلّ فئات المجتمع؛ المنافذ الفكريَّة والثقافيَّة والدينيَّة والسياسيَّة والماليَّة والأمنيَّة، ومعالجة أيّ شعور بالظّلم والغبن.

إنَّ مواجهة هذه الظّاهرة لا تتمّ بالبيانات وعقد المؤتمرات واللقاءات، رغم أهميَّة كلّ ذلك، لكنَّ الأمر يحتاج إلى برامج واقعيَّة وعمليَّة على المستويات كافّة، وفي كلّ المواقع.

إنَّنا مدعوون إلى أن نخرج من هذا التَّكاذب الذي نعيشه، والَّذي يجعل البعض يفرّق بين إرهابٍ وإرهاب، فالإرهاب واحد، يقوى ببعضه البعض، حتى لو تنوّعت أسماؤه، والموقف لا بدَّ من أن يكون واحداً باتجاهه.

 

أمّا القضيَّة الثانية، فهي الانتخابات الَّتي جرت في الكيان الصّهيوني، حيث راهن البعض عليها، معتقدين أنَّها ستساهم في تغيير الواقع على الأرض، وستشكّل بدايةً لحلٍّ سلميّ، لكن الوقائع جاءت لتؤكّد عدم صحّة هذا الرهان والتعويل عليه، فهذا الكيان واحد في منطلقاته وفي أهدافه. نعم، قد يتغيَّر شكل الخطاب أو الأدوات، لكنَّ هذا التغيّر لن يعيد فلسطين ولا القدس، ولن يفكّ الحصار عن غزة، ولن يوقف الاستيطان، أو يوقف تهديد هذا الكيان لمحيطه وأبعد من محيطه، ولن يعيد الجولان ولا مزارع شبعا.

لقد سرنا طويلاً وراء سراب التَّغيير في الكيان الصّهيونيّ، ولم نحصُد إلا المزيد من الغطرسة والتجبّر والعدوان، لذا، فإنّ ما ينبغي المراهنة عليه، هو وحدة الشَّعب الفلسطينيّ ومقاومته، ووقوف الشعوب العربية والإسلامية إلى جانبه، وإبقاء القضيَّة الفلسطينيَّة حاضرة في العقل والقلب والوجدان، وأن لا تُنسى وسط كلّ هذه القضايا والمشاكل.

هذا ما راهن عليه الشعب الفلسطيني سابقاً، وراهنّا عليه في لبنان، وهذا ما ينبغي أن نراهن عليه دائماً، فلا يجب أن ننتظر أحلام التسويات والكلام المعسول الذي لا يغني ولا يُسمن من جوع، ولا كلّ وعود السراب..

 

أما القضيَّة الثالثة، فهي سوريا، الَّتي أكملت أربع سنوات من حرب استنزاف أنهكت هذا البلد في جيشه ووحدته وفي قدرات إنسانه.. إننا نعيد التأكيد أن لا خيار للسوريين إلا الحوار، ولا سيّما بعد أن جرّب البعض الرهان على قوى خارجيَّة أو على الإرهاب، ولكنَّهم لم يحصدوا من وراء ذلك إلا الخراب لبلدهم والدمار، فلكلّ جهةٍ مصالحها وأحقادها وأهدافها الَّتي لم تلتقِ مع أهداف الشعب السوري التوّاق إلى الأمن والاستقرار والحريَّة والعدالة.

إنَّ الرهان في هذا البلد لا ينبغي أن يكون على تصاريح تدغدغ أصحاب هذا الموقف أو ذاك، بقدر ما ينبغي أن يكون على الحوار، وصولاً إلى إعادة اللحمة بين أبناء الشعب السوري، وإيقاف نزيف الدم، لتعود سوريا قوية في مواجهة العدو الصّهيوني، وتلعب دورها العربيّ والإسلاميّ الفاعل، فهذا ما يستحقّه هذا البلد وإنسانه.

 

أما لبنان، فهو لا يزال غارقاً في أزماته الَّتي تنتظر حلولاً على المستوى السياسيّ والاقتصاديّ والمعيشيّ، فيما تملي الضَّرورة الوطنيَّة والإسلاميَّة إبقاء الحوار بين المستقبل وحزب الله، لدوره في تبريد أجواء التوتر، وحلحلة بعض العقد المستعصية. ومن هنا، فإنَّنا ندعو إلى تحصينه، إن لم يكن بمعالجة أسباب المشاكل، فمن خلال تبريد الخطاب، وعدم إلقاء التهم جزافاً، كما أننا نريد لهذا الحوار أن يتوسّع ليشمل مواقع أخرى.

ولا بدَّ لنا في إطار الحديث عن معاناة إنسان هذا البلد، من الالتفاف إلى معاناة المبعدين أخيراً من بعض دول الخليج، حيث ندعو الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها في معالجة أسباب هذا الإبعاد، واستيضاح حقيقته من هذه الدول، والعمل على إعادتهم إلى حيث كانوا يعملون، ونقدّر كل الجهود التي بُذِلت في هذا الإطار، ونأمل أن تُستكمل.

ومن هنا، لا بدَّ من تأمين متطلّبات العيش الكريم لهذه العائلات المبعدة، بحيث يشعرون بدولة تحتضنهم وترعاهم وتخاف عليهم.

 

يوم الأمّ

وأخيراً، لا بدَّ لنا في يوم الأم، الَّذي نريده أن لا يكون يتيماً في السّنة، من أن نتوجّه بالشّكر والامتنان والتّقدير إلى كلّ أمهاتنا اللاتي ربَّيْنَ وبنيْنَ جيلاً متعلّماً وواعياً ومجاهداً ومضحّياً حتى الشَّهادة.

إنَّنا نرى أنَّ كلّ إنجاز حقَّقناه، أو حريّة أو عزٍّ وصلنا إليه، كان بفضلهنّ وصبرهنّ وعطفهنّ وعطائهنّ، فهنيئاً لنا بأمّهاتنا، وهنيئاً لأمّهاتٍ بأولادٍ يعرفون حقّهنّ، لهذا، لا يكتفون بالهدايا المادية، بقدر ما يشكرونهنّ كلّ صباحٍ ومساء، ويدعون الله لهنَّ أن يبدل بعطائهنَّ رضواناً من عنده، وجناتٍ تُفتح لهنّ.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 29 جمادي الأولى 1436هـ الموافق : 20 اذار 2015م

 

Leave A Reply