الإمام الكاظم(ع).. مسيرة علم وتضحية وصبر

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}. صدق الله العظيم

 

مرت قبل أيام في السابع من شهر صفر، ذكرى الولادة المباركة للإمام السابع من أئمة أهل البيت(ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهره تطهيراً، ومن العترة الذين قال عنهم رسول الله(ص): "إني تارك فيكم ما تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي".. وهو الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع).

 

وقد بين الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد مدى تميز هذا الإمام(ع) في عصره، حين قال: كان أبو الحسن موسى الكاظم(ع) أعبد أهل زمانه وأزهدهم وأفقههم وأسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً.. وكان أوصل الناس لأهله ورحمه، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيوصل إليهم الطعام من دون أن يعرفوه..

 

وقد لقب هذا الإمام بألقاب تشير إلى هذا التميز، فقد لقب بالعبد الصالح وبباب الحوائج إلى الله عز وجل، وإن كان اللقب الذي واكب اسمه وطبع حياته الكاظم.. وقد لقب به لأنه لم يكن يتحرك من انفعال وكان يبادل الإساءة بالإحسان ولصبره في مواجهة الظلم الذي واكب سيرة اهل البيت (ع).

 

لقد عاش الإمام الكاظم(ع) في ظروف بالغة الحساسية، ففي عصره تركزت السلطة في أيدي العباسيين.. وقد عانى الإمام الكاظم(ع) من ظلم حكامهم الذين تعاقبوا في عصره، ولكن كانت أكثر معاناته في عهد هارون الرشيد، فقد كان الأخير ورغم السلطة المطلقة التي امتلكها وهو الذي كان يقول للغمامة: اذهبي حيث شئت فإلي يعد خراجك.. كان يخشى الإمام(ع) لما كان يرى من إقبال الناس عليه وقدرته على التأثير عليهم، فقد كان الخليفة على قلوب الناس وعقولهم.. وقد عبر عن ذلك حتى نقل عن أحدهم: ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين، حتى رأيت موسى بن جعفر الكاظم، لكن رغم كل الضغوط التي مورست على هذا الإمام(ع) كان حريصاً على ان يقف في مواجهة ظلم العباسيين وتجبرهم.. رغم وعيه للتبعات التي قد تنشأ من وراء ذلك..

 

ونحن اليوم نشير إلى عدة مواقف للإمام، أولها ما حصل عندما قدم هارون الرشيد إلى قبر النبي(ص) للإيحاء للناس بموقعه من رسول الله(ص)، لذا هو توقف عند القبر وقال: السلام عليك يا بن العم ذلك أن الخلفاء العباسيين ينتسبون للعباس عم رسول الله(ص)، فهو ابن عمهم.. وكان الإمام(ع) حينها حاضراً، فسارع بالنداء: "السلام عليك يا أبتاه".. ورد الإمام(ع) إنما كان لنزع الشرعية التي حاول هارون الرشيد إضفاءها على حكمه وتبرير كل ما يقوم به..

 

هنا غضب هارون الرشيد من تحدي الإمام(ع) له وحاول التعويض عن ضعف منطقه بالقول للإمام(ع): كيف تدعي أنك ابن رسول الله فيما أنت ابن بنته، فأنت من سلالة الزهراء(ع) وهي ابنته، والولد عند العرب ينسب إلى أبيه لا إلى أمه..

هنا أجابه(ع).. أقول بذلك لقول الله سبحانه: "{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}.. ففي هذه الآية التي هي آية المباهلة، أشار الله عز وجل إلى أن الحسن والحسين (ع) هما أبناء رسول الله رغم أنهما ابنا ابنته (ع)، ما أسقط حجة هارون فأضمر في نفسه الكيد للإمام..

 

وموقف آخر تمثل بمحاولة هارون الرشيد التقرب من الإمام الكاظم(ع) عندما عرض عليه أن يعيد إليه "فدك" وهي الأرض التي أخذت من السيدة الزهراء في عهد الخليفة الأول ، فقال(ع): "لا آخذها إلاّ بحدودها" فقال له هارون الرشيد: وما حدودها؟ قال(ع): "إن حددتها لن تردها"، قال: بحق جدك إلاّ فعلت، قال: "أمّا الحد الأوّل فعدن" فتغيّر وجه الرشيد، "والحد الثاني سمرقند" فأربد وجهه، "وأما الحد الثالث أفريقيا، والرابع سيف البحر"، فاسود وجهه..

 

وكانت هذه هي حدود سيطرة هارون الرشيد وخلافته.. فقال له الرشيد: فلم يبق لنا شيء. فقال له الإمام(ع): ألم أقل لك أنك لن تردها.. لقد أراد الإمام(ع) بذلك أن يبين أن الزهراء(ع) كانت تريد من مطالبتها بفدك أن تلفت إلى حق علي(ع) بالخلافة، لأن من يظلم إنساناً لا يستحق أن يكون خليفة على شؤون المسلمين، وأن يقول لهارون الرشيد: أنك إذا أردت إرجاع فدك فارجع الخلافة إلى أهلها، فهي ليست من حقك، فكيف إذا كانت الزهراء(ع)….

 

وموقف آخر للإمام (ع) مع أحد أصحابه وهو صفوان الجمال، والجمال صفة لعمله في إكراء أو تأجير الجمال..عندما قال له: " يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحداً". فقال صفوان: جعلت فداك يا بن رسول الله، ما هو ذلك الشيء حتى أبدله.. فقال(ع): "إكراؤك جمالك من هذا الرجل"، ويقصد هارون الرشيد! فقال له صفوان: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لطريق الحج.. وهذا طريق عبادة.. ثم أنا لا أتولاّه بنفسي ولكن أرسل معه بعض غلماني.. قال له(ع): "يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قال: نعم جعلت فداك.. فقال(ع): أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟ قال: نعم.. قال الإمام(ع) "من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو وارد للنار. ألم تسمع قول الله عز وجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}.. فقام صفوان في الوقت، فذهب وباع جماله عن آخرها.. (التفتوا إلى هذا الالتزام والتقيد بكلام الإمام ولو أدى إلى خسارته مالاً كثيراً)..

 

فبلغ ذلك هارون ودعاه وقال: يا صفوان! بلغني أنك بعت جمالك، قال: نعم قال: ولم؟ قال: ما عدت أقوى على هذا العمل وقد كبرت، فقال له هارون: قال: هيهات هيهات!! إني لأعلم من أشار عليك بهذا، الأمر ليس من عندك إنه من عند موسى بن جعفر.

 

ولم تقف مواقف الإمام(ع) في تحديه لجبروت هارون الرشيد عند هذه المواقف، بل كان يدعم الثائرين على الحكم العباسي الجائر.. وهذا ما ظهر في تأييده لثورة الحسن بن علي أحد أحفاد الإمام المجتبى الذي انتفض ثائراً مع أنصاره احتجاجاً على ظلم الحكم العباسي واضطهادهم لأتباع أهل البيت(ع)، وسقط شهيداً آنذاك في معركة عرفت بمعركة "فخ" وقد سميت بذلك لأنها وقعت في منطقة اسمها فخ على مقربة من مكة المكرمة.. فبعد استشهاده بكاه الإمام(ع) وابنه بقوله: "مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله"..

 

كل هذا أدى إلى أن يضيق صدر هارون الرشيد بالإمام(ع)، فبعد أن لم تنفع كل محاولات التضييق على الإمام(ع) قرر أن يسجنه حتى يبعده عن الناس ويقل تأثيره عليهم. وقد قضى الإمام فترة طويلة في السجن وإن كانت على فترات متقطعة، اختلفت الآراء في مدتها ما بين ثمان وأربعة عشر سنة..

 

لكن الإمام(ع)، رغم ظروف السجن ورطوبته وظلمته، لم يتراجع خلالها عن مواقفه ولم يبالِ بمرارة السجن وآلامه، بل حوله إلى موقع للدعوة إلى الله أثر فيه على السجانين وعلى السجناء وموقع للعبادة، حيث قال: "اللهمَّ إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرِّغني لعبادتك وقد فعلت، فلك الحمد".. فقد كان الإمام سلام الله عليه يقضي وقتاً طويلاً ذاكراً لله ساجداً له حتى عرف بصاحب السجدة الطويلة.. وقد أرسل حينها وهو في سجنه إلى هارون الرشيد يقول له: "يا هارون إنه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلّا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتّى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون"..

 

وقد حاول هارون الرشيد خلال هذه الفترة ونظراً لحراجة موقفه من سجن الإمام(ع) وسخط الناس عليه أن يساوم الإمام(ع) على إخراجه من السجن لكن بشرط أن يتراجع الإمام عن مواقفه وأن يعتذر إليه ويركن لحكم بني العباس، لكن الإمام رفض ذلك..

 

ولما شعر هارون الرشيد بالعجز عن تغيير مواقف الإمام(ع) الذي بقي على ثباته وصبره.. وبعد أن لم تنفع معه وسائل الترهيب والترغيب، قرر أن ينهي حياته.. وإن كان سعى للتنصل من جريمته بعد ذلك..

 

أيها الأحبة: لقد قدم الإمام الكاظم(ع) أنموذجاً نقتدي به في مواجهة الطغاة الكبار والصغار الذين نعاني منهم في عصرنا.. هو يدعونا إلى أن لا نساومهم أو نجاملهم أو أن نعطيهم قيادنا لنحصل على ما عندهم، بل أن نقف منهم موقف الحق وأن ننطق به مهما كبرت المعاناة وعظمت.. وهو بين لنا حقيقة لا بد أن تبقى ماثلة أمامنا أن كلمة الحق لا بد أن تترك أثراً..

 

فها هو الإمام وهو في عليائه، وبعد كل معاناته لا يزال مهبط قلوب المحبين والموالين يفدون إليه من كل حدب وصوب وأنشودة الصابرين والمضحين.. وفي المقابل أين ملك هارون الرشيد، أين ملكه ومجده.. أين مجده وأين دنياه التي لأجلها باع دينه.. أين كل الذين كانوا يصفقون له ويسبحون بحمده.. لقد ذهب وذهبوا وتأكدت معه الحقيقة أن العاقبة للمتقين والأرض مهما علا الطغاة وأفسدوا وتجبروا يرثها عباد الله الصالحون….

 

في ذكراه نتوجه إليه بتحايانا: السلام عليك يا أبا الحسن موسى بن جعفر الكاظم.. السلام عليك يوم ولدت ويوم انتقلت إلى رحاب ربك ويوم تبعث حياً.. وجزاك الله عنا وعن الأمة التي ضحيت من أجلها خير الجزاء.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي ونحن نستعيد الذكرى الأليمة لوفاة الإمام الحسن المجتبى (ع)، التي مرت علينا في السابع  من شهر صفر، بأن نتبع الأسلوب الذي تعامل به مع ذلك الرجل الشامي، ممن رباهم معاوية على العداء لعلي (ع) ولأهل البيت (ع).

 

يقول هذا الرجل: "وصلت إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً على بغلة، لم أرَ أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً منه، فمال إليه قلبي، فسألت عنه فقيل لي: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، فامتلأ قلبي له بغضاً، وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال لي: نعم، فرحت أشتم أباه وأشتمه، فلما انقضيت من كلامي، قال لي: "أحسبك غريباً"؟ قلت: أجل، قال: فإن احتجت إلى منزل أنزلناك أو إلى مال آتيناك أو إلى حاجة عاونّاك.. ودعاني إلى بيته وأكرمني بضيافته.. فخرجت من عنده وما على الأرض أحبّ إليّ منه، وما فكرت فيما صنع وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي".

 

فلنتعلَّم من الإمام (ع) أسلوبه، ولنقتدِ به، رغم صعوبة ذلك علينا، فهو يحتاج منا إلى صبر، فالواحد منا يحب أن ينفّس عن غيظه، وأن يردّ الإساءة بمثلها أو أكثر! ولكننا بالأسلوب الذي اتبعه الإمام الحسن، نعالج الكثير من التوترات التي تعصف بساحاتنا بفعل الخلافات، وما أكثرها! الخلافات الدينية والمذهبية، والصراع السياسي والحزبي والعائلي، وصراع المصالح، والتنافس على المواقع، والسجال بين الأفكار والعقائد، واختلاف الآراء، وبه نحوّل الأعداء إلى أصدقاء، والمبغضين إلى محبين، ونثبت سلامنا الداخلي، بدلاً من أسلوب ردّ الفعل الذي يزيد العداء عداءً، ويثبت الأحقاد، ويزيد من التوترات.

 

وبذلك، نبلغ ما بشَّر به الله الذين ينتهجون هذا الأسلوب عندما قال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}. وبذلك، نصبح أكثر تماسكاً وقوةً وقدرةً على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي كبرت فيه الآمال بولادة الطبخة الحكومية، وبقدرة قادر، بعد تعثّر استمرّ خمسة أشهر عاش خلالها اللبنانيون أجواء غلب عليها التشاؤم، ولم يعد سراً القول إنَّ ما حصل لم يأتِ، ومع الأسف، من حرص من غالبية القوى السياسية على إخراج البلد مما عاناه ويعانيه من أزمات على المستوى الاجتماعي والمعيشي، ومن تداعيات خطيرة على المستوى الاقتصادي، بل جاء بعد الكلام الدولي الحامي الذي وصل إلى مسامع كبار المسؤولين، بأن كفى تلهّياً بما يجري على صعيد تقاسم الحصص فيما البلد ينهار، وأن استمرار هذا الواقع قد يفقده أحد صمامات الأمان والنجاة التي تأمَّنت له خلال المؤتمرات التي حصلت، وآخرها سيدر.. ولا ننسى الأثر الإيجابي الَّذي تركته تطورات إقليمية ودولية على هذا المسار، والذي ساهم في انكفاء بعض الفيتوات التي كانت وضعت أمام تأليف الحكومة، والمساهمات التي حصلت من قوى سياسية في الداخل.

 

إننا أمام ذلك، في الوقت الَّذي نقدر أيّ جهد يبذل للوصول إلى ما وصلنا إليه، ندعو إلى بذل مزيد من الجهود لحلحلة ما تبقى من عقد، وهي عقد لا نراها مستعصية، وهي حتى الآن لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وإن كان الحذر سيبقى حتى بزوغ فجر الحكومة.

 

بعد ذلك، سيبقى هاجس اللبنانيين: هل ستدخل القوى السياسية عندما تشكّل الحكومة بعقلية الحرص على معالجة الكمّ الهائل من المشكلات وإنتاج الحلول، على حساب إيقاف النزيف الّذي يعانيه البلد على كلّ المستويات، أو بعقلية تصفية الحسابات التي ظهرت في الفترة السابقة، والَّتي علا فيها ضجيج استنفار الغرائز الطائفية والمذهبية والحزبية، واستعيدت خلالها لغة الحرب التي يرفضها اللبنانيون، بحيث تتحول الحكومة التي ينتظرها اللبنانيون من كونها نعمة إلى نقمة إضافية عليهم؟

 

وفي مجال آخر، وعلى الصّعيد الإعلاميّ، لا بدَّ من التوقف عند خطورة ما يعرض عبر وسائل الإعلام، المرئية منها بالخصوص، والذي ما يلبث أن ينسحب على وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، من برامج تسيء إلى الجانب الأخلاقي، وتنال من المقدسات والرموز الدينية، لتداعياتها على بناء المجتمع وقوّته ومناعته وتهدّد استقراره الداخلي.

 

إنَّنا أمام ذلك، ندعو الوسائل الإعلاميَّة، ومن ورائها الدولة اللبنانية، إلى أن تعي مخاطر ذلك على صورة لبنان، الّذي نريده أن يبقى بلداً تحترم فيه القيم الأخلاقية والدينية، وهو لا يعني أننا نريد المسّ بالحرية التي نصرّ على أن تصان، ليبقى لبنان بلد الحريات، ولكن نريدها أن تكون مسؤولة وواعية، ولا تكون عبئاً على لبنان وقيمه ومبادئه.

 

ونبقى في لبنان، لنشير إلى خطورة جهاز التجسّس الذي زرعته إسرائيل في محيط خراج شرقي بلدة الحلوسية، والذي سارعت طائرة استطلاع إسرائيلي إلى تدميره قبل اكتشافه، ما يشير إلى مدى الاستهداف الذي يتعرض له لبنان من هذا الكيان، وتهديده المستمر للسيادة اللبنانية وأمنه، ما يدعو إلى استنفار كل الجهود لمواجهة هذا الاستهداف ومنعه.

 

 

وفي جانب آخر، فإنَّنا نرى في الخطوة الأخيرة التي تمثلت بفتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا، والتي هي إشارة إضافية إلى عودة العافية إلى سوريا وإعادة ربطها بمحيطها، بشارة أمل للبنانيين الذين عانوا تداعيات ما جرى على المستوى الصناعي والزراعي. وهنا، لا بدَّ من أن نقدّر موقف الدولة السورية التي تجاوزت الحساسيات الدبلوماسية والسياسية التي كان يمكن أن تشكل عائقاً أمام تسهيل حركة انتقال البضائع التجارية.
 

اليمن

أما في اليمن، فنتوقف أمام التقارير الخطيرة الَّتي تتوالى حول الأوضاع الإنسانية في اليمن، وآخرها ما صدر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي حذّر من أن "الملايين في اليمن يواجهون أسوأ أزمة جوع في العالم"، حيث لا يعرف قرابة 18 مليون يمني كيف يحصلون يومياً على وجبتهم القادمة، ويعتبر أكثر من 8 ملايين منهم على حافة "المجاعة"،  ونحن نطلق مجدداً الصوت لإيقاف هذه الحرب العبثية، التي إن استمرت، فستودي بشعب كامل بعد تدمير كلّ مقدراته، فهل من مجيب!؟

 

رحيل المحسن الحاج كاظم

وأخيرا فقدنا قبل أيام الرسالي المجاهد والمحسن الكبير الفاضل الحاج كاظم عبد الحسين محمد (رحمه الله)؛ الذي عاش الالتزام الإيماني بقضية الإسلام وتلك الأخلاق الممتلئة تواضعاً، والراسخة التزاماً وإيماناً وعملاً…

لقد كان للحاج كاظم عبد الحسين (رحمه الله)  مكانة كبيرة في قلوب المؤمنين وكان موضع ثقة عميقة للمراجع والعلماء الكبار وهو من كانت تربطه علاقة مميزة وأخوة صادقة وعمل مشترك مع سماحة السيد الوالد (رض)، وقد أعطى كلّ عمره وجهده لمشاريع الخير، والدعوة إلى الله، وخدمة الفقراء والأيتام والمستضعفين في العديد من البلدان الإسلامية والعربية وأفريقيا والهند. وقد كانت مسيرة حياته زاخرة بالإخلاص والوفاء والانفتاح على كلّ قضايا المسلمين.

 

 باسمي وباسمكم جميعا نتقدَّم من عائلته ومن كلّ المؤمنين والمحبين في الكويت ، بأخلص آيات المواساة، راجين من المولى تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه الفسيح من جنانه، ويحشره مع النبيّين والصدّيقين وحَسُنَ أولئك رفيقاً، وأن يلهمهم الصّبر وعظيم الأجر، إنّه سميعٌ مجيب الدعاء…

 

 

Leave A Reply