التباهي والتكاثر من علامات الغفلة

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

قال الله سبحانه وتعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} صدق الله العظيم.

 

لقد أراد الله سبحانه وتعالى من هذه السورة "سورة التكاثر" أن يحذر الناس من أن يغفلوا عن المصير الذي ينتظرهم والحال الذي سيصلون إليه.. فلا يضيعون الهدف الذي لأجله وجدوا في هذه الحياة.. فالله لم يخلق الإنسان عبثاً ولا لهواً.. بل رسم له دوراً حدده وهو أن يكون خليفة لله على هذه الأرض، وبيَّن له السبيل للوصول إليه.. ومن خلال قيامه بهذا الدور، يتحدد موقعه في الآخرة.

 

ولكن غالب الناس، وكما أشار القرآن الكريم، يتلهون في الحياة بأمور تشغلهم عن ممارسة هذا الدور.. ولذا يمر عمرهم سدى، ويفاجأون بالموت.. وهنا تبدأ رحلة الحساب.. فالله بيَّن لعباده أنهم سيحاسبون على كلّ ما قدَّموه، حتى على أصغر الأمور، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}.

 

وقد حذّر الله من سوفوا وقصروا من المصير الذي ينتظرهم يوم الحساب، عندما قال: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}..

أما موضوع التحذير، فقد حدده الله في هذه السورة بالالتهاء بالتكاثر، عندما قال: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}..

وألهاكم هنا من اللهو، والمقصود به هو الانشغال بالأعمال الصغيرة عن الهدف الكبير..

 

وقد اختلف المفسرون في المقصود من التكاثر على رأيين:

 

التفسير الأول: يرى التكاثر هو التكثير.. وبذلك، يكون المقصود هو أن الناس غالباً ما ينشغلون بتكثير أموالهم أو أولادهم أو متعهم الدنيوية أو بتكثير الناس من حولهم أو بتعزيز مواقعهم عن السعي لرضا الله.. عن القيام بالمسؤوليات التي أوجبها الله عليهم تجاه أنفسهم أو تجاه الناس من حولهم، فكل همهم في الحياة هو أن يغبوا من متع هذه الدنيا ما استطاعوا ويبقوا على ذلك إلى أن يصلوا إلى المقابر كما قال تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}.. ليفاجأوا بأنهم سوف يتركون وراءهم كل ذلك، فلا تبقى لهم الأموال ولا الأولاد ولا كل متع الدنيا…

 

ويكون حالهم في ذلك كحال الغنم الذي يتلهى بالمرتع والعشب عن المصير الذي ينتظرها، وهذا ما عبر عنه أمير المؤمنين(ع) عندما قال: "فوالله ما خُلِقْتُ كالبهيمة المربوطة همها علفها وشغلها.. أو المرسلة شغلها تقممها.. وتلهو عما يراد بها"..

 

فالغنم لا تعلم ماذا يراد بها من الذبح والناس أكثر غفلة لأنهم يعلمون أن الحياة لن تدوم لهم.. فهم في كل يوم يرون غيرهم يغادر الحياة ويتركون وراء ظهورهم كل شيء، ومع ذلك يبقون في غفلتهم وطغيانهم.

 

أما التفسير الثاني فيرى أن التكاثر يعني هنا التباهي والتفاخر بالكثرة.. ويستند هؤلاء إلى أن هذه السورة نزلت في قبيلة من قبائل قريش وهما بنو عبد مناف وبنو سهم بن عمرو. هاتان القبيلتان راحتا تتفاخران في العدد.. كلٌ منهما راح يقول للآخر نحن أكثر منكم عدداً ولم يكتفوا بتعداد الأحياء بل ذهبوا إلى القبور يعدون الأموات.. وفي ذلك قوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}.. فهم قصدوا حتى المقابر ليعدوا أمواتهم.

 

وقد علق على ذلك أمير المؤمنين عندما أشار أن هؤلاء بدلاً من أن يتعظوا من زيارتهم للمقابر حولوها إلى مادة للتباهي والتفاخر، فقال(ع): "يا له مراماً ما أبعده، وزوراً ما أغفله (أي زائراً ما أغفله) وخطراً ما أفظعه. لقد استخلوا منهم أي مدكر (أي لم تعد المقابر عنواناً للتذكر رغم أن المقابر هي موعظة بحد ذاتها).. ثم يقول: وتناوشوهم من مكان بعيد أفبمصارع آبائهم يفخرون؟ أم بعديد الهلكى يتكاثرون؟ يرتجعون منهم أجساداً خوت، وحركات سكنت.. ولأن يكونوا عبراً أحق من أن يكونوا مفتخراً..".

 

إذن هذا التعبير يشير إلى واقع التباهي والتفاخر الذي نراه عند الكثير.. مرة التباهي بالأموال ومرة بالأعداد ومرة

بكثرة الناس من حولهم ومرة بما أكلوا وما شربوا.. وواقعنا يشهد الكثير من المباهاة على مستوى الطوائف أو المذاهب أو المواقع السياسية.

 

ويمكن لنا الأخذ بالتفسيرين فهما يحملان معنى واحداً وهو التحذير من التلهي بالكثرة في الأموال والأولاد والمواقع أو التفاخر بها، بعدها يأتي التحذير من الله بلسان الرادع: كلا، ليس الأمر كما ترون وبه تتفاخرون، بل سوف تعلمون عاجلاً نتيجة هذا التكاثر.. فقال: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ثم لمزيد من التأكيد قال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.

 

ووصل التحذير إلى أقصاه عندما قال: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}.. أي أنكم ستواجهون الحقيقة التي طالما غفلتم أو تغافلتم عنها، عندما ترون النار عياناً ومشاهدة، وأي مشهد هو مشهد النار التي سجرها جبارها، وفي ذلك إشارة إلى قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}.

 

بعدها سيكون الحساب بين يدي الله.. وقد أشار الله سبحانه إلى ما سيسأل الإنسان عنه عندما قال: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.. فالإنسان سيسأل يوم القيامة عن كل نعمة.. وفي ذلك إشارة تحذيرية واضحة من الله للمتباهين بكثرة الأموال أو الأولاد أو الجمال أو المواقع..

 

فالله عندما يعطي الإنسان شيئاً في الحياة أي شيء فهو يحمله المسؤولية عنه كيف يتصرف فيه في حلال أو حرام، ضمن الوجهة التي أرادها له أو بعيداً عنها.. فالعمر مسؤولية والصحة مسؤولية والجمال مسؤولية والموقع مسؤولية وكل طاقة تملكها هي مسؤولية..

 

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع): "إنَّ الله لم ينعم على عبدٍ بنعمةٍ إلا وقد ألزمهُ فيها الحجَّة من قبله،

فمن منَّ الله عليه فجعله قويّاً، فحجّته عليه القيام بما كلّفه، واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه، ومن منَّ الله عليه فجعله موسَّعاً عليه، فحجّته ماله، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء بنوافله، ومن منَّ الله عليه فجعله شريفاً في نسبه، جميلاً في صورته، فحجّته عليه أن يحمد الله على ذلك، وألا يتطاول على غيره فيمنع حقوق الضّعفاء لحال شرفه وجماله".

 

ولذلك ورد أن الزكاة لا تقف عن حدود الأموال بل تتعداها إلى كل شيء.. فكل شيء لا بد أن تؤدى زكاته.. فعن الإمام علي(ع): "إن في كل شيء زكاة" فزكاةُ القُدرةِ الإنصاف، وزكاةُ الجَمالِ العفافُ، وزكاةُ الجاه بَذْلُه، وزكاةُ اليَسار: بِرُّ الجِيران، وصِلةُ الأرحام، وزكاةُ الصحّة السعيُ في طاعةِ الله، وزكاةُ الشَّجاعة الجهادُ في سبيل الله، وزكاةُ الظَّفَرِ الإحسانُ، وزكاةُ العِلمِ نشرُه (أن نعلمه للناس)، وزكاةُ البدن: الجهادُ والصيام (حتى نتحسس آلام الجائعين والعطاشى)..

 

وبذلك نعي أن كل ما نحصل عليه في الحياة من فرص وإمكانات لا ينبغي أن نعتبره امتيازاً أو وسيلة للتباهي والتفاخر أو للتكبر والترفع على الناس.. بل مسؤولية وثقلاً علينا أن نتخفف منه بأدائه والقيام بمسؤولياته على أكمل وجه.. لنكون على أهبة الاستعداد لمواجهة يوم الحساب حين يُنادى بالناس: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}..

 

يبقى أخيراً أن نطرح سؤالاً، هل يعني ذلك أن الله سبحانه يريد من الإنسان أن يكون ضعيفاً أو فقير المال أو وحيداً بلا أولاد أو عشيرة.. الأمر ليس كذلك فالله يريد للإنسان أن يكون قوياً في الحياة وأن يكون متميزاً في الحصول على فرصها..

 

ولذلك ورد: "فإذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها، ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفارها".

وورد أيضاً: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ".

فهو أراد من الإنسان امتلاك كل طاقات القوة، ولكنه أرادها أن تكون لحساب الآخرة لا على حسابها، وأن لا يشغله السعي لذلك عن أداء واجباته ومسؤوليته..

 

ولذلك ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "لا خير في من لا يحب جمع المال من حلال، يكف به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه".

 

وقد ورد في حديث آخر عنه: "التكاثر بالأموال جمعها من غير حقها ومنعها من حقها وشدها في الأوعية"… وما سوى ذلك لا يعتبر تكاثراً..

 

وورد: أن رجلاً جاء إلى الإمام الصادق(ع) قال له: إنّا لنطلب الدنيا، ونحبّ أن نؤتاها.. وأنتم تقولون لا ينبغي أن نأخذ من الدنيا إلا السير.. أيعني ذلك أننا على غير ما أنتم عليه.. فقال(ع): تحبُّ أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأَصِلُ بها وأتصدّق، وأحجّ وأعتمر، فقال(ع): استمر على ذلك "ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة".. فطلب الدنيا أن تطلبها لحسابها..

 

فالتكاثر قيمته أن يجعله الإنسان في خط رضا الله وطاعته والابتعاد عن معصية الله وما لا يريد.. ولذلك نقرأ في الدعاء الوارد عن الإمام زين العابدين (دعاء مكارم الأخلاق):

"اللهم واغنني وأوسع عَليّ في رزقك، ولا تفتنّي بالنظر، وأعزّني ولا تبتلني بالكبَر.. وعمِّرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فأقبضني إليك، قبل أن يسبق مقتُك إليَّ، أو يستحكم غَضَبُكَ عَليَّ.. اللّهمّ صلِّ على محمّد وآله، ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدِث لي عزّاً ظاهراً إلاّ أحدثتَ لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها يا أرحم الراحمين".

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله تعالى عندما قال في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} وقال: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}..

 

وقد قال الإمام الباقر (ع) في وصف المتقين: "إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة، وأكثرهم لك معونة، تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر الله، قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم، وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه".

 

أيها الأحبة، عندما نكون من أهل التقوى، فسنحصل على خير الدنيا والآخرة. وفي ذلك، يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.. وبذلك، نصبح أكثر قدرةً على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، فرغم التفاؤل الذي يشاع حول اقتراب التوافق على قانون انتخابي جديد، فإنَّه لا يزال بعيداً، بعدما أُسقطت الحلول الواحدة بعد الأخرى، بسبب استمرار الخلاف حول الحسابات والمصالح السياسية، ليبقى القانون الناجز حتى الآن، والذي يراهن عليه الكثيرون، وإن لم يعلنوا ذلك.. هو قانون الستين.. ليعود معه الطاقم السياسي نفسه، وتسقط معه كل آمال التغيير التي يطمح إليها اللبنانيون.

 

إننا أمام ذلك، سنبقى نراهن على اللبنانيين في أن يُشعروا القوى السياسية بأنهم يرفضون الواقع السياسي القائم بكل رموزه، وبأنهم سوف يلفظونها إن لم تكن على قدر المسؤولية في إخراج الوطن من هذا النفق، والتوصل إلى قانون جديد يعبّر عن خيارات الناس الحقيقية، بدلاً من الإصرار على إغراق اللبنانيين في دوامة المماحكات، التي بات من الواضح أن أهدافها لا تصب في مصلحة الوطن، أو في مصلحة الطوائف التي يعبّر هؤلاء عنها.. وخصوصاً أنَّ أغلب الفئات الاجتماعية في هذه الطوائف، هي التي تدفع الثمن الكبير جراء بقاء الوضع على حاله، حيث تتعمق المعاناة الاجتماعية، وتتسع يوماً بعد يوم، في ظل استمرار الفساد، ونهب المال العام، وتبادل الصفقات، حتى وصل اللبنانيون إلى الحدّ الذي باتوا فيه مخيّرين ما بين الرضا بالفقر أو الهجرة.

 

فلسطين

وإلى فلسطين المحتلة، التي أحيا فيها الشعب الصابر والمجاهد الذكرى التاسعة والستين للنكبة التي سبَّبها العدو من خلال الحرب التي شنَّها في العام 1948، وأدت إلى احتلال القسم الأكبر من فلسطين، وإعلان دولة الكيان الصهيوني، وتهجير القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني من أرضه، لكن من دون أن يستطيع هذا العدو قهر إرادة الشعب، والحؤول دون تمسكه بحقه، ومنعه من استخدام جميع أشكال المقاومة في مواجهته.. وهي مقاومة مستمرة بألوان مختلفة، ومن دون أن تحظى بأي دعم دولي أو حتى عربي وإسلامي فاعل..

 

وعلى وقع ذكرى النكبة التي شهدت مواجهات في أكثر من منطقة في فلسطين المحتلة، يخوض المعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال حرباً من نوع آخر مع العدو.. حرب الإرادات والأمعاء الخاوية التي تجاوزت الثلاثين يوماً، ولكنها استطاعت، للأسف، أن تحظى فقط بعد كلّ هذا الوقت ببيان حيّي خجول من الجامعة العربيّة، بدلاً من أن تُعقد الاجتماعات واللقاءات، وتتحرك الفعاليات السياسية والشعبية لنصرة هؤلاء الذين يمثلون الرمز الحي لهذه القضية، والذين يواجهون وحدهم مع شعبهم، وبكلّ ما استطاعوا من إمكانات، تهويد ما تبقى من فلسطين، ويعملون على الحفاظ على المقدسات في القدس والأقصى.

 

زيارة ترامب

في هذا الوقت، يترقّب الكثيرون خطاب الرئيس الأميركي في العاصمة السعودية الرياض، يوم الأحد القادم، حيث سيجتمع ممثلون عن حوالى خمسين دولة مسلمة، وسط أنباء عن أن خطاب ترامب يهدف إلى "جمع العالم الإسلامي ضد الأعداء المشتركين للحضارة، وإبراز التزام الولايات المتحدة الأميركية اتجاه شركائنا المسلمين"..

 

إننا نرى أن السياسات الأميركية لا تزال تبيع الأوهام للعرب والمسلمين، حين تعدهم بأنها تسعى بشكل جاد إلى حل القضية الفلسطينية، أو حين تحاول استثمار أجواء التوتر في المنطقة، للإيحاء بأنها ستكون إلى جانبهم.. فيما بات واضحاً أنَّ المقصود من كلّ ذلك، هو المزيد من الاستنزاف للعالم العربي والإسلاميّ، حيث الحديث عن المزيد من صفقات السلاح، وعن 300 مليار دولار ثمناً لصفقات قادمة، مع الالتزام في الوقت نفسه "بتفوق إسرائيل النوعي".

 

إنَّ المشكلة تكمن في الرغبة في تحسين اقتصادات العالم الغربي على حساب اقتصاداتنا، وشراء المزيد من الأسلحة لحروب الفتن، وضرب القوى العربية والإسلامية. وقد صدق البعض عندما قال: في السابق، كانت الأسلحة تصنع للقتال في الحروب، أما الآن، فتصنع الحروب لبيع الأسلحة".

 

إننا نعيد التأكيد على العرب والمسلمين، أن يكون رهانهم على وحدتهم وتماسكهم، لا على الذين يريدون لهم أن يكونوا بقرة حلوباً لمصالحهم.. وهم في الأساس، ليسوا في حساباتهم..

 

اتفاقية 17 أيار

وأخيراً، نستعيد في السابع عشر من شهر أيار، ذكرى الانتفاضة على اتفاق السابع عشر من أيار، الذي أريد له أن يحقق أطماع إسرائيل ومصالحها، على حساب استقلال لبنان وحق اللبنانيين في أرضهم وثرواتهم.. هذه الانتفاضة انطلقت شرارتها من مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد، حين اجتمع العلماء، ومعهم سماحة السيد (رض) والحشود المؤمنة، لمواجهة الاتفاق، وكانت النتيجة سقوط الشهيد محمد نجدي والعديد من الجرحى والمعتقلين.. وتأكيد قدرة اللبنانيين على إسقاط هذا الاتفاق، والتصدي لكلّ ما يحاك لبلدهم من مخططات تهدف إلى إخضاع لبنان لحساب الكيان الصهيوني..

 

ونحن في هذه الأيام، مدعوون جميعاً إلى الوقوف معاً في مواجهة كلّ المشاريع التي ترسم للمنطقة، بدلاً من أن تتوحّد الجهود، وتتّجه إلى غير موقعها الصحيح، فنبقى أسرى للفتن التي يراد منها استنزاف الأمة إلى الحدود القصوى..

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

الجمعة23 شعبان 1438هـ الموافق: 19 مايو 2017

 

Leave A Reply