التطير والتشاؤم في شهر صفر

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 

 قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} صدق الله العظيم…

 

أطل علينا قبل أيام شهر صفر، وهذا الشهر هو كبقية الشهور القمرية التي أشار الله سبحانه وتعالى أنها وجدت منذ وجد الكون ووجدت السماوات والأرض وهي نتاج حركة القمر حول الأرض، وهذا الشهر ككل زمن يحتضن في داخله مناسبات منها ما هي حزينة ومنها ما تُنتِجُ فرحاً..
 
لكن الملفت، أن هذا الشهر أعطي في وجدان العرب والمسلمين صفة النحوسة بحيث راح يستدعي قدومه الخوف عند الكثير من الناس مما قد يحدث فيه من بلاءات وعدم توفيق، حتى نرى البعض يتورعون عن الزواج فيه، خشية ألا يتوفق الزوجان في حياتهما.. أو يمتنعون فيه عن شراء منزل أو الانتقال إليه أو تأثيثه أو إجراء عقود ومعاملات تجنباً لتعرضهم لنحوسته ويصاحبه الخوف المتزايد من حدوث أمراض وعاهات ومصائب، بحيث يبدو هذا الشهر وكأنه كابوس يريد أن يضيّق على الناس جميعاً وبدون أي استثناء…
 
 إن هذا الاعتقاد بفكرة نحوسة شهور بعينها أو أيام أو أرقام معينة، أو حيوان أو حركة طير مما هو متداول بين الناس عندنا، هو مما لا يختص به شعب من الشعوب دون غيره.. حتى نجده في الدول التي تعتبر متقدمة علمياً.. فبعض الدول تراها تلغي مثلاً رقم 13 من حساباتها نظراً لارتباط هذه الأرقام بالنحوسة. فالتطير والتشاؤم هو نوع من الضعف البشري المخلوط بالخوف والحاجة للأمن والسلامة، فالإنسان في مرات كثيرة يميل للإيمان بهذه الأشياء حتى وإن كان غير مقتنع بها فإنه لا يجرؤ على تخطيها…
 
ولكن ما يستوقفنا هنا هو إعطاء البعد الديني لهذه الأفكار وأخذ شرعيتها من الدين، وهنا الخطورة، فنحن مثلاً نقرأ في كتب الأدعية ومنها كتاب "مفاتيح الجنان" والذي من جلالة قدر مؤلفه وأهمية الكثير مما حفظه هذا الكتاب من أدعية وزيارات قد يأخذه الكثيرون أخذ المسلمات ويتبناه كحقيقة دينية لا لبس فيها، علماً أن بعض ما فيه هو موضع تساؤل..
 
فنراه عند حديثه عن شهر "صفر" يقول: "إعلم إنّ هذا الشّهر معروف بالنّحوسة ولا شيء أجدى لرَفع النّحوسة من الصّدقة والأدعية والاستعاذات المأثورة ومن أراد أن يصان ممّا ينزل في هذا الشّهر من البلاء فليقل كلّ يوم عشر مرّات  ويذكر دعاء  خاصاً بالمناسبة..
 
طبعاً نحن لا نعرف ظرف ولا سياقات ورود مثل هذا الكلام في هذا الكتاب.. هل هو قناعة خاصة عند مؤلفه أم هو معالجة للنتائج التي تترتب على ما هو سائد في الموروث الشعبي بعد تأصله في الوجدان وعدم القدرة على مواجهته..
 
إذن السؤال، هل هناك ما ورد في النصوص الدينية ما يؤكد فكرة النحوسة ويثبتها لهذا الشهر أو لغيره، لأن النحوسة وردت لأيام من الأسبوع كيوم الاثنين والأحد والأربعاء أو لأيام متفرقة من الأشهر القمرية.. إن المتبع لسند الأحاديث الواردة عن رسول الله(ص) والأئمة(ع) ولمضمونها يستطيع أن يؤكد أن لا صحة لوجود شهر نحس أو أيام نحسات ينبغي أن تتعطل فيها الحياة ويعيش فيها الناس التوتر من الأيام.. فالله سبحانه وتعالى لم يودع في الزمن كما لم يودع في الأرقام أو الكواكب أو النجوم ما يؤثر على حياة الإنسان ويستوجب شقاءه أو حتى يستوجب سعادته..
 
نعم هناك من حاول أن يستدل على وجود مثل هذه الآيات من القرآن الكريم انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى عن العذاب الذي تعرض له قوم عاد حين قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ}…
 
وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ}.. فقد يستفيد منها البعض وجود أيام نحس أو يوم نحس مستمر.. ولا تقتصر الآيات في حديثها عن دور سلبي للأيام، بل تتحدث عن دور إيجابي كما في قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}، أو عندما تتحدث عن ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
 
لكن من نافل القول أن هذا الاستدلال لا يصمد أمام أي نقد منهجي، فالقران الكريم لم يتحدث عن الأيام هنا بما هي مساحات زمنية لها تأثير في الأحداث، بحيث تنتج النحس أو تنتج السعد، بل لكونها محض وعاء للأحداث التي حصلت فيها والتي وقع فيها العذاب كما جرى لقوم عاد أو الانتصارات كما هي أيام الله، أو البركات والخيرات التي تتنزل بها الملائكة والروح في ليلة القدر.
 
ومن هنا جاءت الأحاديث تؤكد على عدم جواز تحميل الزمن أي مسؤولية، فهو قد يكون فرصة من فرص الخير والسعادة أو محطة من محطات التعاسة والشقاء.. كل ذلك حسب الظروف والمقدمات والنظام الاقتصادي أو الاجتماعي وغيرها من العوامل..
 
 لذا نجد الإمام الصادق(ع) يحذر بقوله: "لا تسبّوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي…". فهي ليست مسؤولة عما يحدث، (كما يقول الكثيرون الله يلعن هذه الساعة أو هذا الزمن).
 
وهنا نورد حواراً جرى مع الإمام الهادي(ع)، إذ جاء إليه أحد أصحابه يتذمر ويقول: … نكبت إصبعي، تلقّاني راكبٌ وصدم كتفي، ودخلت في زحمةٍ فخرقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يومٍ فما أشأمك..، غضب الإمام الهادي(ع) غضباً شديداً وقال له: "…. ترمي بذنبك مَن لا ذنب له"؟! فقلت: مولاي أستغفر الله، فقال: "… ما ذنبُ الأيّام حتى صرتم تتشاءمون بها…." ثم قال(ع): "…أما علمت أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال، عاجلاً وآجلاً"…
 
أما حين نستعرض الروايات والأحاديث التي تحدثت عن نحوسة شهر صفر وغيره من الأيام، فإننا بتتبعنا لسند هذه الروايات ومضمونها ودلالاتها نجد أن هذه الروايات بمجملها ضعاف ومراسيل، وتمثل خللاً في العقيدة في مرات كثيرة، سواء شعر الإنسان بذلك أم لم يشعر.. لأن الانسان ينسب أمر الرزق والتيسير والتحكم بحياة الانسان لغير الله  حاشا وكلا.. فالله سبحانه وتعالى وحده مالك الأمر والتدبير، وهذا ما يشير إليه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله سبحانه: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}.. فضلاً أن ذلك يؤدي إلى تجميد وتعطيل حركة وفعالية الإنسان، وهو ما يتنافى مع دعوة الإسلام إلى إطلاق كل الطاقات الإنسانية ومع الأحاديث الكثيرة التي ذمت تأثير بعض الأشياء على الإنسان وما ينتج عنها من التطير حتى ورد: "ليس منّا من تطيَّر أو تطيِّر له"..
 
 هنا قد يطرح سؤال من أين جاءت إذاً فكرة التطير في شهر صفر أو في غيره من الأيام.. هنا قد يضعها البعض في إطار ما جرى في هذا الشهر حيث فيه وفاة رسول الله(ص) ما في ذلك من ألم وحزن وفيه وفيات عدة من أئمة أهل البيت(ع) وأربعين الحسين(ع).
 
ولكن هذا لا يستدعي أن تكون هذه الأيام نحسة، بل تستدعي الحزن على وفاة من كان لهم دور في حياتنا.. وهم أقرب إلينا حتى من آبائنا وأهالينا.. ولو أجرينا هذا المبدأ لكانت كل الأيام نحسة لأنه ما من يوم إلا ومات أو استشهد نبي أو ولي أو صدّيق.
 
ثم لو أخذنا شهر صفر أو أي يوم من الأيام التي تعتبر نحسات، لوجدنا فيها فرحاً وسروراً كما فيها حزن ومأساة.. ففي أيام صفر مثلاً نجد مناسبة ولادة الإمام الكاظم(ع) في السابع منه، وزواج رسول الله(ص) من السيدة خديجة، وورد أيضاً زواج السيدة الزهراء(ع) في هذا الشهر والأمر نفسه في الأيام التي ورد أنها نحسات.
 
لذلك قد يقال أن الأصل في ذلك إلى أمر حصل لكون شهر صفر يأتي بعد ثلاثة أشهر من الأشهر الحرم التي كان يتوقف فيها القتال وبمجرد انتهائها كانت نفوس الناس تنقبض لأن شهر صفر سيأتي بالحرب التي تنغص حياتهم، ولذلك راح البعض يتشاءم من شهر صفر.
 
إذاً من خلال ذلك نستطيع القول أن لا أساس ديني للقول بأن الزمن أو الكواكب أو حركة الطير أو مشهد حيوانات معينة تترك أثرها على حياة الإنسان.. فالموجودات والكائنات والزمان وحركة الأفلاك كلها تتحرك وفق السنن والقوانين التي أودعها الله في الكون وهو سخرها لخدمة الإنسان وليس العكس. ومن هنا، نجد أغلب العلماء عندما يذكرون شهر صفر يذيلونه بعبارة صفر الخير، أو صفر المظفر، وذلك لدفع ما رسخ في أذهان الناس من أنه شهر نحس.
 
لكن الإسلام في الوقت نفسه كان واقعياً في تعامله مع الذين يتشاءمون، ولو بغير إرادة منهم، فهو لم يتنكر لتشاؤمهم، الذي قد يصيبهم نتيجة عوامل نفسية أو ثقافية، فدعا إلى معالجة ذلك، بالتوكل على الله والالتجاء إليه بالاستعاذة والدعاء والصدقة وذكر الله وأيضا نشر الوعي وخاصة التي تتستر بالدين كما أسلفنا…
 
وقد ورد في الحديث: "كفارة التطير التوكل على الله".. ومن هذا يمكن لنا أن نفهم وجود العديد من الأدعية الواردة في هذا الشهر فهي لم ترد لتثبت فكرة النحوسة، بل لإزالة الأوهام التي تنشأ والتي قد تردد أقوال أو معطيات عن حصول حوادث مسيئة في هذا الشهر وغالباً ما تنسى الأحداث المفرحة معها.
 
أيها الأحبة:
فلندخل إلى شهر صفر وغيره من الشهور دخول المتفائلين، لا دخول الخائفين، فما دمنا في مملكة ربنا الله الرحمن الرحيم الحكيم الكريم الودود العطوف لن نشعر بالخوف.. وسندعو الله بما ندعو به كل يوم: "اللَّهم وهذا شهر حادث جديد وهو علينا شاهد عتيد أن أحسنا ودعنا بحمد وأن أسانا فارقنا بذم اللهم.. وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة وأجزل لنا فيه من الحسنات".
 
 
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الحسن(ع)، الذي نستعيد ذكرى وفاته في السابع من شهر صفر، حين قال: "يا ابن آدم، عفّ عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله تكن غنيّاً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عادلاً. إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. يا ابن آدم، لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإنّ المؤمن يتزوّد والكافر يتمتّع". ولنستهدِ به عندما يقول: "إذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّ وجلّ".
 

لقد حرص الإمام الحسن(ع) على أن يترك لنا الوصايا والمواعظ، وهو يعاني سكرات الموت من السمّ الذي أصابه، لنحيا حياةً أكثر قرباً إلى الله، ونقدر على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث حصل ما كان متوقّعاً، وجرى تمرير الاستحقاق الرئاسيّ، وتكليف رئيس حكومة بتشكيلها من دون عقبات، وهو ما قد يمهّد السَّبيل لتأمين الاستقرار المطلوب لهذا البلد، وإخراجه من نفق الفراغ الَّذي ترك تداعياته على مختلف المستويات، وكاد يوصله إلى حافة الانهيار. وهذا ما عبّر عنه التوافق في المجلس النيابيّ حول شخص الرئيس، وعدد أصوات التكليف في الاستشارات النيابية، والارتياح الشعبيّ لما حصل، والتغطية الدولية والإقليمية.

 

وهنا، لا بدّ من تقدير كل الذين ساهموا في إنجاز هذا الاستحقاق، الَّذي نأمل أن تكتمل فصوله بتأليف حكومة وحدة وطنية أو وفاق وطني، كما هو متوقع، كي تتحرك العجلة السياسية والاقتصادية، ويتعزز الاستقرار الأمني، ونتّقي تداعيات الحرائق المحيطة بلبنان.

 

ونحن في الوقت الذي نهنئ اللبنانيين الصابرين على تحقيق هذا الإنجاز، نتمنى على الذين تصدوا لمواقع المسؤولية، الإصغاء إلى ما يريده الشعب من العهد الجديد الذي جاء أساساً واعداً بتحقيق الكثير من الآمال والطموحات والأحلام. إن هذا الشعب يتوق إلى نموذج جديد في إدارة شؤون البلد، تُطوى فيه صفحة سوداء من تاريخ لبنان، عنوانها الفساد، والمحاصصة، وتقاسم الجبنة، واللامبالاة تجاه معاناة الناس وآلامهم ووجعهم، حيث راحوا يهيمون في بلاد الله الواسعة وراء لقمة عيشهم، حتى بات يُقال إن لبنان تحوّل إلى مصيف للبنانيين.

 

إنَّ الارتياح الَّذي شاهدناه في عيون اللبنانيين جميعاً، ليس سوى تعبير عن توقّعاتهم الكبيرة من هذا العهد، وأهمّها أن نشهد ذهنيّة جديدة في ممارسة الحكم وتحمّل المسؤوليّة، تترجم الأقوال أفعالاً، وهم الآن ينتظرون أن تتحقّق هذه الأقوال عملياً على أرض الواقع.

 

إنَّنا لا نريد تحميل هذا العهد الجديد أكثر مما يحتمل، فالكلّ يعرف حجم الأزمات وتعدادها، وتجذّر الفساد ورموزه، وما يتهدّد البلد من الداخل والخارج..

 

إنَّنا نحتاج إلى وقت لمواجهة هذه الصّعوبات، وذلك وفق أولويات ثلاث تضمَّنها خطاب القسم،

الأولى تأمين المتطلبات الأساسية للناس من ماء وكهرباء وصحة، وغير ذلك من الحاجات المعيشية الضّروريّة،

والثانية إنجاز قانون انتخابيّ عصريّ يؤمّن التَّمثيل الصَّحيح،

والثالثة تأمين وسائل فاعلة تقي لبنان من تداعيات الإرهاب الخارجي والعدو الصهيوني ومن حرائق المنطقة.

 

ونبقى في لبنان، لنضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات الّتي تدعو الدّولة اللبنانيّة إلى إيلاء منطقة البقاع رعاية خاصّة، والتّعاون بين كلّ القوى السّياسيّة والفاعليات، لمعالجة مشكلات المنطقة على المستوى الاقتصاديّ والاجتماعيّ، والتصدي للتفلّت الأمنيّ الَّذي يجعل الناس غير آمنين في مواقع عملهم وبيوتهم.

 

إنّ من حقّ هذا الشَّعب، الذي كان دائماً، ولا يزال، خزاناً للجيش وللمقاومة، ومدافعاً عن بلده، أن يشعر بالأمن والأمان، ويعيش إنسانيّته، أسوةً ببقية الدول.

 

وعد بلفور

ومن لبنان، نتوقّف أمام المناسبة التي مرّت علينا في الثاني من هذا الشهر، والتي تُعرف بذكرى "وعد بلفور"، الذي حصل سنة 1917، عندما أرسل وزير خارجية بريطانيا "آرثر جيمس بلفور" إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية، لإعلان تأييد الحكومة البريطانيّة واستعدادها لبناء بلد قومي لليهود في فلسطين. ومن المفارقة أنَّ هذه الرسالة كتِبت قبل الانتداب البريطانيّ لفلسطين. ومما يُطلق على هذا الوعد أنه وعد من لا يملك إلى من لا يستحق.

 

ومنذ ذلك الوقت، بدأ العمل الجادّ من قبل الانتداب البريطاني، بالتّعاون مع العصابات الصّهيونيّة، لتحقيق هذا الوعد. وقد تحقَّق بعد ثلاثين عاماً، في العام 1948، بإعلان فلسطين دولة للكيان الصهيوني، بعد تهجير شعبها. ومع الأسف، حظي هذا الكيان المغتصب برعاية دولية، عندما أصبح عضواً في الأمم المتحدة، ولا زال يحظى بالرعاية المميزة، رغم جرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني واحتلاله لأراضٍ عربيّة.

 

إننا نرى في هذا الوعد وصمة عار على جبين بريطانيا، وعلى جبين مَن منح الشرعية لهذا الكيان، من دون أخذ حقّ الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه بعين الاعتبار. إنّ المسؤوليّة القانونيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة تقع على عاتق كلّ الَّذين أمّنوا لهذا الكيان الشّرعيّة، لا بالاعتذار الذي هو أقل شيء يُقدّم، بل بإعادة الحق إلى أهله، وتأمين سبل عودتهم إلى فلسطين. ومع الأسف، قد لا تكون الدعوة واقعية على هذا المستوى، فقد قال رئيس وزراء العدو قبل أيام، إنَّ العديد من الدول العربية أصبحت ترى إسرائيل حليفاً حيوياً، ولم تعد عدواً بالنسبة إليهم.. ولذلك، يبقى الرهان على وحدة الشعب الفلسطيني ومقاومته، ومعه الشّعوب العربية والإسلاميّة.

 

دورات تأهيل للزواج في الأردن

وأخيراً، لا بدَّ من أن نلفت إلى أهمية القرار القضائي الصادر في الأردن، بإلزام الراغبين في الزواج بإجراء دورات تأهيل، واعتبار ذلك شرطاً لعقد القران، من أجل بناء أسرة صالحة، ومواجهة نسب الطلاق المرتفعة..

 

إنَّنا ندعو مجدداً إلى تطبيق هذا القانون في لبنان وشرعنته، وتأمين السبل الكفيلة بتحقيقه، فكما يشترط وجود فحص دم لضمان السّلامة الصحيّة للزوجين، لا بدَّ من تأهيلهما لضمان نجاح المؤسسة الزوجية التي تُبنى في داخلها الأجيال، وتعد النّواة الأساس لبناء المجتمع.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ :  4 صفر 1438هـ الموافق :04 تشرين الثاني 2016م
 

Leave A Reply