السكينة: مظهر وعلامة للإيمان

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى
 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}.

يسعى الإنسان في هذه الحياة وكل هدفه تحقيق السعادة وهو لذلك يبذل الجهود ويتحمل المعاناة ويقدم التضحيات للحصول عليها…

 

وهذا التطلع إلى السعادة وإن كان ينبع من صميم الوجود الإنساني ومن مقتضى فطرته البشرية، إلا أن الناس تتعدد طرقهم ومشاربهم لبلوغهم السعادة.. فهناك من يسعى إليها في المال وآخرون في الموقع ومنهم في الجاه أو في العلم وقد يراها البعض في الشهرة أو الأولاد فيما قد يراها آخرون في الصحة أو الأمان وما إلى ذلك.

 

ولكننا حين نطل على هذه المسألة في القرآن الكريم، نراه يصنف كل هذه الغايات التي يسعى الإنسان لبلوغها ضمن متاع الحياة الدنيا وهي التي أشار إليها بقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}.. وهذه من طبيعتها ومن سننها أنها لا تصفو على حال وإن صفت فهي قد تحقق للإنسان قدراً من السعادة حين تسد حاجاته وغرائزه ورغباته المادية. 

 

ولكن حتى في هذا القدر فإن هذه الحاجات لا تقدم اكتفاء طويل الأمد وهذا ما يفسر مثلا كيف أن الإنسان في حال فقره ينظر إلى المال كغاية قصوى للسعادة ويمني نفسه أنه عند الحد الأدنى من الغنى فان ذلك كافيه فان تحقق له الغنى فإنه لا يكتفي به بل تراه في قلق وتوتر دائم يسعى إلى المزيد من الغنى حتى ولو أصبح من أصحاب المليارات وكل ذلك بحثا عن السعادة والاكتفاء.. والأمر نفسه في الجاه أو العلم أو الشهرة أو تأمين الصحة أو الأمان…

 

وسبب ذلك النقص أن للإنسان حاجات نفسية وروحية داخلية هي وحدها إن جرى تلبيتها هي التي تحقق ذلك الشعور الداخلي بالسعادة، وهذه الحاجات تتمثل كما يصورها كتاب الله في السكينة والطمأنينة والانشراح..

 

ونحن اليوم سنتوقف عند واحدة من هذه المفردات وهي السكينة.. والسكينة تعني الهدوء والسكون والاطمئنان الذي يشعر به الإنسان في كل أحواله المعيشية والعاطفية والإنسانية، وخصوصاً عندما تنزل به الشدائد والابتلاءات وعند الغضب والانفعال والتوتر والقلق، والذي ينعكس وقاراً وقدرة على التفكير الواعي والسليم والمنطقي، أما اعتبارها سر السعادة فلأنها تستأصل من النفس الإنسانية ما ينغص حياتها، فالإنسان يخشى دائماً أن يعيش القلق والتوتر مما قد يصيبه من مرض أو موت أو خوف مما يخفي له المستقبل من مفاجآت ومصائر، أو من تعثرات الحياة التي تؤدي به في مهاوي الفقر والحاجة ومن أعداء يهددون كيانه ووجوده وقدراته..

 

وقد أشار الله سبحانه وتعالى في الآية التي تلوناها إلى مصدر هذه السكينة عندما قال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} فالسكينة منحة من الله ينزلها الله على قلوب المؤمنين، وهي لا تصل بالمجان بل بفعل إيمانهم عندما يعيشونه صادقاً عميقاً.. الإيمان الذي يجعلهم يستحضرون الله في كل حين كما هو الله في جلاله وعظمته وقدرته وعلوه وجبروته.. فلا يرونه بعيداً عنهم.. يكفي أن يدعوا حتى يستجيب لهم، وأن يتوكلوا عليه حتى يكفيهم، وأن يستندوا إليه حتى يجدوه نعم السند ونعم الظهير، لذا هم يرضون بقضائه مهما كان هذا القضاء وببلائه مهما كان هذا البلاء وبحكمه مهما كان هذا الحكم.. وفي ذلك قال رسول الله(ص): "عَجَباً لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له".

 

وهو ما ورد في الحديث القدسي: "ما خلقت خلقا أحب إليّ من عبدي المؤمن، وإني إنما ابتليته لما هو خير له، وأعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يُصلح عبدي عليه، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي، وأطاع أمري".

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى العديد من مظاهر السكينة التي أنزلها الله على الأنبياء والمؤمنين، فهي نزلت في قلب النبي موسى(ع) ومعه بنو إسرائيل عندما لاحقهم فرعون وجنوده بعد محاولتهم النجاة بأنفسهم من طغيانه وجبروته وكادوا يومها يصلون إليهم بعد أن بلغوا شاطئ البحر، جاء يومها بنو إسرائيل لنبيهم موسى(ع) فزعين قائلين: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} فقال لهم بلسان السكينة التي كانت في قلبه: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}

 

وهذه السكينة أشار إليها القرآن الكريم عندما تحدث عن هجرة رسول الله(ص) من مكة إلى المدينة، فقد لاحقته قريش ووصلت برجالها إلى فم غار ثور حيث كان يحتمي فيه رسول الله(ص) وصاحبه.. ولكن رسول الله(ص) الواثق بربه كان آنذاك بمنتهى السكينة قائلاً أن الله معنا وما دام معنا هو يكفينا.

 

{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}.

 

وقد تجلت هذه السكينة في العديد من معارك المسلمين المصيرية، فبعد معركة أحد، جاء خبر إلى المسلمين أن قريش قررت أن تستفيد من انتصارها على المسلمين في المعركة للدخول إلى المدينة، يومها خرج المسلمون كلهم، لم يخشوا قريش رغم جبروتها وكل الآلام التي أصابتهم مما اضطر قريش أن تتراجع عما كانت ستقدم عليه.. وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}..

 

وتجلت أيضاً في معركة حنين يوم تعرض المسلمون لكمين محكم من المشركين بحيث تفرقت صفوفهم بسببه.. يومها أنزل الله السكينة على رسوله وعلى المؤمنين وتحولت معها المعركة من هزيمة كادت تلحق بالمسلمين إلى نصر والذي أشار إليه الله سبحانه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.

 

وقد أشار الله إلى أن إنزال السكينة على قلوب المؤمنين، لا يقتصر على حالات الشدة، بل هي حاضرة في قلوب المؤمنين في حالات التوتر والانفعال، بها يواجهون استنفار العصبيات وحمية الجاهلية والتوتر، فجعلهم يتحركون في مواقع لا من موقع رد الفعل بل موقع الإيمان والتقوى، عندما قال: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}.

 

أيها الأحبة:

في زمن القلق والتوترات والانفعالات والعصبيات وزمن التحديات والشدائد نحن أحوج ما نكون إلى هذا الهدوء النفسي إلى السكينة وإلى الوقار وإلى برودة القلب حتى نقدر على التعامل مع كل هذه الأجواء القاسية والنجاح في تجاوزها وحسن التعامل معها..

 

والسكينة هي مظهر وعلامة لإيماننا، بها نقيس إيماننا فلا يمكن للمؤمن أن يكون مؤمناً ولا يكون رابط الجأش في الشدائد والصعوبات، حافظاً لسكونه ووقاره عند الزلازل والهزات، أو يخضع للانفعالات والحساسيات ويهتز أمام البلاء والآلام.. فالمؤمن في كل هذه الحالات يبقى صابراً ثابتاً واعياً حكيماً يقول عند البلاء: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}.

وقد ورد في صفات المؤمن: "في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور".

وقد سئل الإمام الصادق(ع): "بأي شيء يعلم المؤمن أنه مؤمن؟ قال: " بالتسليم لله، والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط".

 

ومتى بلغنا ذلك فإن نفوسنا ستبلغ القيمة التي لا قيمة بعدها، نفوس لا تكسرها العواصف ولا تهزها زلازل الحياة، نفوس قادرة على الثبات في اليوم الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.

 

نفوس اطمأنت بذكر الله ممن قال الله عنهم: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما دعانا إليه الله عندما قال في الحديث القدسي: "قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.. قال الله جل جلاله: بدأ عبدي باسمي، وحقّ عليَّ أن أتمّم له أموره، وأبارك له في أحواله. فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}.. قال الله جلَّ جلاله: حمدني عبدي، وعلم أنَّ النعم التي له من عندي… أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا، نعم الآخرة.. وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، قال الله جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم.. أشهدكم: لأوفرن من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه.. فإذا قال: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.. قال الله تعالى: أشهدكم، كما اعترف بأني أنا المالك يوم الدين.. لأسهلنّ يوم الحساب حسابه، ولأتقبلنّ حسناته، ولأتجاوزنّ عن سيئاته..

فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.. قال الله عز وجل: صدق عبدي، إياي يعبد.. أشهدكم: لأثيبنه على عبادته ثواباً يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي. فإذا قال: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.. قال الله تعالى: بي استعان عبدي، وإليَّ التجأ.. أشهدكم: لأعيننه على أمره، ولأغيثنه في شدائده..

فإذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ..} قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي، وأعطيته ما أمل، وآمنته مما وجل منه".

 

بهذه الصّورة، أرادنا الله أن نقرأ سورة الفاتحة؛ أمّ الكتاب وأساسه.. أن لا نكتفي بترداد كلماتها، بل أن نحسّ بأن الله حاضر معنا، يمنحنا الرحمة والعطاء والحبّ. ومتى حصلنا على ذلك، فسنشعر بأنَّنا قريبون منه، فهو يقبل توبتنا ويسمع دعاءنا. وعندها، سنكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات.. فمن يشعر بوجود الله معه، لن يكون وحيداً، ولن يهزم.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي يستمرّ فيه تبادل الرسائل بين القوى السياسية حول القانون الانتخابيّ، من خلال الخطابات والمهرجانات ووسائل الإعلام والتواصل، أو عبر اللقاءات الثنائيَّة، من دون أن يكلّف المسؤولون أنفسهم بالجلوس إلى طاولة واحدة، من خلال المؤسَّسات الدّستوريّة أو غيرها، لإنهاء هذا الجدل والإسراع في تحقيق الاستحقاق الانتخابيّ في موعده، كما يدعو إلى ذلك الجميع ولا يعملون له.. بعدما أصبح واضحاً، أسوةً بكل التجارب السابقة، أنَّ القانون الانتخابيّ سيكون نتاج توافق القوى السّياسيّة على صيغة "لا غالب ولا مغلوب" في لبنان. وبالتالي، فإن ما يجري ليس سوى عرض كل موقع سياسيّ للقانون الّذي يناسبه.

 

إنَّنا نخشى أن يؤدي هذا التباطؤ في الوصول إلى قانون جديد، إلى إيقاع البلد في مأزق، وووضعه أمام خيارات مرّة، وهي العودة إلى قانون الستين، أو التمديد، أو الفراغ… ومن هنا، فإنّنا ندعو القيادات السّياسيّة إلى تحمّل مسؤولياتها، واستنفار جهودها، والاستفادة من الوقت القليل المتبقّي للوصول إلى قانون جامع تتوافق عليه.. فهذا الأمر من السّهل الوصول إليه إن صدقت النيات، وخرج كلّ طرف من حساباته الخاصّة ومصالحه الذاتيّة.

 

وفي هذا الوقت، يجري العمل على الخروج بموازنة، ونحن نرى أهمية الجهد الذي يبذله مجلس الوزراء للإسراع في إنجازها بعد مرور 12 سنة، كان يعيش البلد فيها من دون موازنة، مع ما استتبع ذلك من فوضى في الإنفاق.. ونحن نأمل أن تؤدي إلى رسم سياسة لتحفيز الاقتصاد ووقف الفساد، وأن تراعي متطلّبات اللبنانيين من دون فرض الضّرائب عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنا ندعو إلى أن تقر الموازنة خاليةً من الضرائب على الفقراء، لتكون مفروضة على أرباح المصارف والشركات الكبرى والعمليات العقارية، وعلى غير ذوي الدخل المحدود…

 

فلسطين

ونصل إلى فلسطين، الَّتي تشهد مرحلة من أخطر المراحل، تذكرنا ببداية المؤامرة التي أعدت للسيطرة عليها، من خلال العمل للإجهاز على حلم الشّعب الفلسطينيّ بامتلاك حريته وسيادته، ولو على جزء من بلده، وإنهاء ما كان يسمى بحلّ الدولتين، بحيث يعيش الشّعب الفلسطينيّ في الضفة الغربية والقدس في ظلِّ الدولة اليهودية.. وهو ما خرج به اللقاء الذي جرى بين الرئيس الأمريكي الجديد ورئيس وزراء العدوّ.

 

مع الأسف، يجري كل ذلك في ظل صمت عربيّ، رغم أن ذلك يتنافى مع قرارات عربية اتخذت في قمم سابقة، ما يستدعي من الفلسطينيين إعادة توحيد جهودهم، لرسم سياسة موحدة في مواجهة ما يجري، ويتطلّب من الشعوب العربية إعادة توجيه بوصلتها باتجاه فلسطين، حتى لا تضيع بالكامل، كما ضاعت أجزاء كثيرة منها.

 

إنّنا سنبقى نراهن على حيوية الشعب الفلسطيني، وعلى كل الذين يصرون على استعادة فلسطين كلّها، من النهر إلى النهر، وعلى الداعمين لهذا الشعب وجهاده؛ هؤلاء الذين لن يسمحوا لهذه القرارات بأن تمرّ، كما كلّ المؤامرات السابقة، فكلّ المؤامرات والاتفاقات والخطط العالميّة ستسقط إن لم تسلّم الشعوب بها ولم تسكت عليها، وهذا منطق التّاريخ ومنطق الحاضر الّذي سيثبته المستقبل…

 

الحراك الشعبي في البحرين

وأخيراً، نتوقّف في السادس عشر من هذا الشهر عند مناسبتين؛ الأولى هي مرور السنة السادسة على الحراك الشعبي السّلميّ في البحرين، الذي أكّد حيوية الشعب، وحكمة قيادته، رغم كلّ الضّغوط الّتي يتعرّض لها ولا يزال. لقد كنا نأمل أن يتمّ إنصاف هذا الشعب، وأن تُؤخذ مطالبه الحيوية بعين الاعتبار، وينال حقوقه المشروعة، وتتحقّق مطالبه العادلة، ليعود البحرين، كما كان، عنواناً للوحدة والتماسك ضمن التنوع الدينيّ والمذهبيّ والسّياسيّ.

 

ذكرى القادة الشهداء

والمناسبة الأخرى هي ذكرى القادة الشهداء للمقاومة الإسلامية.. ونحن هنا نحيي تلك النفوس الطاهرة التي عبَّرت بتضحياتها عن عنفوان الإيمان لديها، وبذلت أرواحها من أجل حماية هذا البلد من عدوّ كان، ولا يزال، يتربَّص به وبعزّته وسيادته. إنَّنا ندعو إلى أن تكون ذكراهم ذكرى وطنية يتشارك الجميع لإحيائها، لما بذلوه لحساب عزة هذا الوطن وكرامته، لا أن تتحوَّل ذكراهم إلى مناسبة خاصة..

 

إنَّ الوفاء لأصحاب هذه الذكرى يتمثَّل في الوقوف مع كلّ الَّذين يصرون على إبقاء هذا الوطن قوياً في وجه العدو الصهيوني الغادر، ويشكلون قوة ردع له، ليبقى حراً عزيزاً كريماً وثابتاً في التصدي له ولأعوانه.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ:20جمادى الأولى 1438هـ  الموافق:17 شباط 2017م
 

 

Leave A Reply