الصورة الكاملة للسيد المسيح (ع) والنبي(ص)

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}…

نعيش في أجواء ذكرى ولادة نبي الرحمة وإمام الهدى وقائد الخير ومفتاح البركة.. الصادق القول والبر الأمين محمد بن عبد الله(ص).

وتتزامن هذه الذكرى المباركة هذا العام بولادة من بشرت به الملائكة عن رب العالمين {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

 

وهذا التزامن بين الولادتين على مستوى الشكل, وان كان يحمل لنا معه البِشر والفرح.. ينبغي الا يعني انه لقاء متباعدين او غريبين عن بعضهما, انما ينبغي النظر اليه كلقاء الاخوة ،  كما في قول لرسول الله (ص) : ( أنا أولى الناسِ بِعِيسَى ابنِ مريمَ في الدنيا و الآخرةِ ، ليس بَيْنِي و بينَهُ نَبِيٌّ ، و الأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ (اخوة من أب واحد وامهات متفرقة)؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى ، و دِينُهُمْ واحِدٌ.)

وهو ما أشار إليه القرآن عندما قال لنا: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}..

 

وفي أجواء هاتين المناسبتين وحرصاً على ايضاح الصورة، سنتوقف عند حديث  بات بتردد في مجتمعاتنا واليوم ينتشر اكثر كنتيجة لحالة الفوضى والتوتر والقتل الذي يشهده العالم العربي والإسلامي، ويؤدي إلى وضع الإسلام والمسيحية في إطارين متباينين ومختلفين لا رابط بينهما..

فالسيد المسيح ومن ورائه الديانة المسيحية تؤطر عند هؤلاء بنظرة واحدة  هي التسامح لحد جلد الذات.. وتعبير ذلك ما نسب للسيد المسيح(ع): "من ضربك على خدك الأيمن فادر له الأيسر"… متغافلين عن منهجه الآخر في التعامل مع القضايا السياسية والاجتماعية…

 

وفي المقابل يُصور الإسلام بأنه دين الفظاظة والقسوة والعنف،  ويشاع لإثبات ذلك التركيز على آيات السيف والحرب والقصاص.. والحروب التي حصلت في حياة رسول الله والتي حصلت من بعده… وصولا الى يومنا هذا. ويعمل المنظرون لهذا المنطق الى ابراز أن كل تاريخ الدماء والحروب والفتن هو صناعة المسلمين وهم السبب فيه..

 

 ونحن نرى ان في الاقتصار على هاتين المقاربتين للنظر الى كل رسالة سماوية: مسيحية او اسلامية فيها ظلم واجحاف .. فالمقاربة من غير المقبول ان تكون أحادية والمنهج يجب ان يكون شموليا يأخذ بعين الاعتبار السياقات والظروف والمسببات والزمان والمكان وغير ذلك ..

 

فحصر السيد المسيح بصورة الرحمة والمحبة فقط دون ابراز الأدوار الاخرى.. هي صورة مجتزئة وغير مكتملة، فالمسيح عليه السلام هو داعية عدل وإصلاح وصاحب موقف تغييري فهو لم يرض ولم يهادن ظلماً ولا عدواناً…

وهو الذي عانى مع كهنة الهيكل اليهود الذين كانوا يستغلون الدين لحساب مصالحهم الخاصة، ويحولون المعبد إلى مركز تجارة، فواجههم وفضحهم وطردهم من المعبد واستعمل سوطا ليجلدهم .. وكانت كلمته : أخرجوا اللصوص من الهيكل

وهو الذي كان موقفه واضحاً من ظلم الحاكم والمحكومين وهو القائل(ع): "بحق أقول لكم إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة إلا أن يُستدرك البيت الأول فيُهدم من قواعده فلا تجد فيه النار مَعملاً، وكذلك الظالم الأول لو أُخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون به كما لو لم تجد النار في البيت الغول خشباً وألواحاً لم تحرق شيئاً".

 

  أما منطق وصم الاسلام بصفة الحرب والقسوة وغيرها فهذا من الظلم اذ يتجاهل محطات مشرقة ويقفز فوقها ..  وهي محطات كثيرة موجودة في كتب التاريخ والتراث  على اختلافها  والكل يذكر كيف عاد الرسول فاتحا  مكة بجيش جرار للقاء اعدائه وما ان دخل مكة سامحهم،  متغاضياً  عن كل الام الماضي وجراحاته من تعذيب وتنكيل باصحابه ومن محاولة اغتيال واعلان حروب والخ..  قالها اذهبوا فأنتم الطلقاء .. هذه الصورة تحديداً لا يمكن ان تتكرر عبر التاريخ هي صورة تختزن كل معاني الرحمة : فاللقاء بين قوي قادر وعدو لدود مهزوم هي فرصة للانتقام والتنفيس والحساب. الا ان رسول الله حولها الى صورة للتسامح والمرحمة..  هذه الصورة مثلا لا يتم تداولها فيما تظل صورة السيف التي اضطر رسول الله لحمله للدفاع عن وجوده ورسالته ، هي الابرز في ما يتم وصف الاسلام به.

 

نعم قد يطرح السؤال وهو مشروع لماذا لم يحمل السيد المسيح السيف كما حمل رسول الله(ص) السيف، والجواب يعود لطبيعة الظروف المختلفة.. فالسيف لم يكن الوسيلة الواجبة التي يستخدمها الأنبياء.. هم كما أشار إليهم الله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}.. السيف لا يستعمل إلا عندما يكون هو الحل الوحيد لمواجهة الظلم ، فاستخدام السيف ليس القاعدة بل هو الاستثناء..

 

وعندما ندرس الظروف التي كانت في حياة السيد المسيح نراها مختلفة فقد عاش السيد المسيح في ظل الإمبراطورية التي كانت تمسك بزمام السيطرة على كل مناطق نفوذها وخصوصاً على فلسطين، لذا ما كان السيد المسيح وهو الذي لا يمتلك من الأصحاب إلا القلة، يرى استخدام السيف مجدياً في مواجهة قوتها،  بل بقي يتنقل بين الناس يدعو إلى الله بالموعظة والقصة والفكرة، وبالمعجزة إذا اقتضت المصلحة.. وبقي على ذلك حتى اللحظة الأخيرة من حياته…

 

النبي(ص) اضطر لحمل السيف واستعمال القوة وقاتل من اجل حريته ودفاعا عن نفسه  فالقوة كانت ضرورية لا لتبليغ الرسالة والضغط على الناس لقبولها، بل لإزالة الحواجز من أمامها.. وللتصدي لحروب الآخرين عليه والتي كانت الغائية فهو لم يحاربهم ليدخلهم الاسلام عنوة تحت حد السيف وفا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يُزرع الايمان في القلوب بواسطة القهر او الغلبة او الفرض : فلا إكراه في الدين.

 

وحين كان يضطر للحرب لم يكن لتغيب عنه القيم العظيمة وقد قالها أحد المؤرخين الغربيين  في كتابه "تاريخ الحضارات": إن تاريخ العالم لم يعرف فاتحين متسامحين، وتسامحهم من عمق رسالتهم بعد ان التزموا بوصايا نبيهم كانت وصاياه"لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً.. ولا مسالماً.. ولا تقطعوا شجراً…". 

 

أما ما يتحدث به بعض المنظرين عما نشاهده في الواقع والذي يتَعَنْوَن بعنوان الإسلام، فإننا نحيله على كثير مما جرى في التاريخ القريب.. مما جرى تحت عنوان المسيحية حيث شهدنا حروباً طاحنة بين الكاثوليك والبروتستانت ارتكبت خلالها الفظائع، وحتى الحروب تحت عناوين لا دينية ايام الشيوعية والستالينية، فضلاً عما جرى تحت عناوين توسعية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية التي سقط فيها من الضحايا حوالي أربعين بالمئة من سكان أوروبا وأميركا، وما حصل من إبادة للملايين من الهنود الحمر في أميركا ومن تشريد الملايين من الشعب الفلسطيني، هذا دون الحديث عن كل الحروب التي قامت بها الدول الكبرى خلال العقود الأخيرة…

 

وهذا لا يعني أن نبرر الفظائع التي تجري في واقعنا.. فهذه لا تبرير لها..  ولكن ما نود قوله هو دعونا لا نحمل المسيحية والإسلام ارتكابات التاريخ والحاضر.

فالمسيحية والاسلام براء من كل ذلك ولا نقولها شعرا او رومانسية فتاريخ البشرية دام والاديان بما انها جزء لا يتجزأ فطريا من التاريخ الانساني  كانت عاملا موجوداً يُستغل حينا ويحارب حينا .. هي علاقة اجتماع بين العنف والدين والانسان ولكن البعض يصر على انها علاقة سببية ( الدين هو المسبب) حتى من الذين يتسترون بالعلم.

 

نعم ايها الاحبة لقد استغل الدين واستغلت اللغة الدينية وسوقت لذلك للاسف رموز دينية ابتعدت عن قيم الدين وأخلاقه.. والدين براء. إن من أرسله الله رحمة للعالمين لا يمكن أن يكون خطراً على البشرية وتكون رسالته ودعوته مشكلة للعالمين.. ولا يمكن لمن مد الجسور مع كل الناس أن يكون مسبباً لنسف الجسور معهم..

 

ان ذكرى مولد نبي الرحمة وميلاد السيد المسيح هي مناسبة لنا جميعا كي نتوحد حول قضايانا التي تؤرقنا التي تتعلق بالانسان المقهور ومعاناته وبالظلم المحيط والمستشري..  نفعل ذلك بلغة المحبة والرحمة والتسامح نعم  ونعد ايضا ما استطعنا من قوة  لردع  مشاريع الالغاء والاقصاء ليستعيد الانسان حريته وحقوقه وكرامته.

وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي الزاد إلى خير الدّنيا وخير الآخرة… وقد بيّن الله سبحانه وتعالى الطّريق الصَّحيح لبلوغ التقوى عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

لقد بيّن الله سبحانه وتعالى أنَّ السَّبيل لنتّقي الله حقّ تقاته، هو الالتزام بالوحدة؛ الوحدة الإسلاميّة، والوحدة بين الدّيانات السّماويّة، وكذلك الوحدة الوطنيّة… فالوحدة في حسابات الله ليست خياراً يمكنك أن تأخذ به أو تتركه، بل هي واجب وفريضة.. هي دين ينبغي أن تدين الله به.. وهي لا تأتي كردّ فعل على ما يقوم به الآخرون، بل هي فعل منك.. حتى لو لم يردها الآخرون.

 

والوحدة لا تعني أن يتنازل الإنسان عن قناعاته وما يؤمن به، وأن يكون مائعاً.. بل تعني أن تستحضر في داخل نفسك وعند الاختلاف مواقع اللقاء…وأن لا تغيب هذه المواقع عنك.. الوحدة تعني أن تفتح عقلك وقلبك وكيانك على الذي تختلف معه.. وأن تمدّ يدك إلى الآخر، وأن تبذل جهدك حتى يمدّ يده إليك، لتقوى به ويقوى بك…

الوحدة تعني أن لا تنطق إلا بما يوحّد، وأن تدع ما يؤدّي إلى التنازع.. وأن تحاور الآخر حتى يفهمك وتفهمه، فإما تقنعه أو يقنعك… فبالحوار نمنع شياطين الفتنة من أن يجدوا أرضاً خصبةً لهم…

 

إننا بحاجةٍ وفي أيام رسول الله(ص)؛ أيام الوحدة الإسلاميَّة، ووحدة الديانات السّماويّة، ووحدة الإنسان… إلى تعزيز مناخات الوحدة في مواجهة دعاة الفتنة والإقصاء والإلغاء والظلم والطغيان والاستكبار، وبذلك نواجه التحديات… 

 

إغتيال سمير القنطار

والبداية من حدثٍ حصل الأسبوع الماضي، وهو اغتيال المجاهد سمير القنطار مع عددٍ من رفاقه ومرافقيه؛ هذا المجاهد الَّذي شكَّل أنموذجاً متميّزاً في الثبات والتضحية حتى الشَّهادة، فهو رغم سنوات الأسر الثلاثين الطويلة، وما حملته من ألم ومعاناة، لم يتقاعد، ولم يعتبر أنه أدى ما عليه، وأنَّ الأوان قد آن حتى يرتاح ليبني بيتاً وأسرةً ومجداً شخصياً.. بل تابع مسيرته التي بدأها.. مسيرة ذات الشوكة، وهو يعلم ما وراء هذه المسيرة…

لقد آمن سمير القنطار مع كلّ رفاقه بأنَّ عليه أن يكون حيث كان، في مواجهة من احتل الأرض والمقدسات، ويسعى إلى أن يحتل الحاضر والمستقبل.

 

لقد جاء هذا الاغتيال ليؤكّد مجدّداً مدى خطورة هذا العدوّ، إن بقي جاثماً على هذه الأرض، فهو العدو الغادر الذي ينتظر الفرصة لينقضّ على أوطاننا وأمتنا وقياداتنا.. إنَّ المقاومة التي آمن بها سمير، والتي اشتعلت جذوتها مجدداً في النفوس والعقول باستشهاده، لن تفرّط في دماء مجاهديها وشهدائها.

 

فلسطين

وإلى فلسطين، حيث تستمرّ الانتفاضة في الضفة الغربية والقدس، رغم كل الإجراءات الأمنية والعسكرية والسياسية التي اتخذها الكيان الصهيوني للقضاء عليها، ورغم مؤامرات الداخل وخذلان الخارج لها…

إنَّنا نحيي هذه الروح الجهادية المتأجّجة التي زرعت الخوف والشّعور بالعجز في داخل هذا الكيان، بالرغم من كونها تعبيراً عن جهود فردية لا تنسيق فيما بينها وليس هناك من يحركها…. وهي ستؤتي أكلها، ولو بعد حين، بإذن ربها.

 

العراق

وفي هذا الوقت، يخوض الجيش العراقيّ ومعه العشائر معاركه الصّعبة والقاسية لتحرير الأرض وإعادتها إلى أهلها، لتنضمّ إلى بقيّة الوطن، بعدما أراد التكفيريون عزلها وإدخالها في مشروعهم التقسيميّ.

لقد جاءت هذه المعارك لتبيّن مدى أهمية تلاحم الشعب العراقي ووقوفه صفاً واحداً لمواجهة من لا يريد خيراً بهذا المذهب أو ذاك، ومن يعتبر مشكلةً للجميع.. ونحن ندعو إلى مزيد من العمل لتعزيز الوحدة الوطنية، لإخراج العراق من معاناته على مختلف المستويات، والتي لن تنتهي إلا بتكاتف العراقيين، ومعهم كل الذين يريدون خيراً بهذا البلد.

 

اليمن

وإلى اليمن، حيث انطلق فيه الحوار الَّذي كنا نأمل أن يساهم في إخراجه من معاناته.. ويوقف التدمير لبنيته التحتيَّة، والّذي يمسّ البشر والحجر، فهذا الحوار هو خيار الشعب اليمني.. ولكن يبدو أنَّ هناك من لا يزال يصرّ على سياسة الغلبة الَّتي بدأها لفرض شروطه وخياراته التي هي ليست خيارات الشعب اليمني.

 

إنّنا أمام ما يجري للشعب اليمني العزيز الذي عانى ويعاني الويلات من الحرب التي يواجهها… ندعو إلى العودة عن هذا الرّهان الخاسر بعد أن أثبتت الأشهر الماضية استحالة الحسم العسكريّ، ما يعني أنَّ الحوار المبنيّ على الاحترام المتبادل والإقرار بالمصالح المشروعة لكلّ مكوّنات هذا الشّعب، هو السَّبيل لتحقيق الحلول…

 

لبنان

ونعود إلى لبنان الَّذي يغادر سنة 2015، بدون أن تتحقَّق أماني شعبه لبدء دوران العجلة السياسيّة.. بانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن يبدو أن مسيرة الحل في هذا البلد لم تنضج في الداخل ولا في الخارج.. وعلى اللبنانيين أن يتعودوا أن يعيشوا في بلد بلا سقف وبأرض مهتزة.. وإذا كان من حلول، فإنّها تأتي بالقطّارة، وبعد جهد جهيد، كما حصل في مسألة النفايات، لتكون الحلول مكلفةً، وغير مدروسة بالشكل الكافي، أو دائرة في لعبة الصفقات الخفية.

ويبقى الأمل الوحيد للبنانيين وسط كلّ هذا الجوّ القاتم، هو سهر القوى الأمنية اللبنانية على حفظ الاستقرار. ولا بدَّ من تقدير جهد الجهات الأمنية التي تعمل في الليل والنهار لمواجهة الذين يسيئون إلى أمن الناس واستقرارهم، والتي باتت تمثل المعلم الوحيد لوجود الدولة.. وتبقى معها إرادة اللبنانيين، الذين أثبتوا ويثبتون أنهم حريصون على عيشهم المشترك ووحدتهم الوطنية.

 

الأعياد المجيدة

وأخيراً، ونحن في يوم مولد السيّد المسيح، وفي أيام ميلاد رسول الرحمة محمد(ص)، وعلى أبواب سنة جديدة، لا بدَّ من أن نهنّئ المسلمين والمسيحيين وكلّ اللبنانيين بهذه الأعياد.. وأن نستلهم معاني الرحمة والمحبة والعدالة في مواجهة دعاة الحقد والانقسام ومشاريع الظلم والاستكبار.. وهنا ندعو ومع بداية سنة جديدة إلى أن تمرّ هذه المناسبة بهدوء، بعيداً عن العادة السيئة والقاتلة التي أدمنّاها، وهي إطلاق الرصاص والمفرقعات.. وأن نمنح أنفسنا فرصة للتفكير في واقعنا وأعمالنا، والتخطيط لمستقبل أفضل…

ولتكن السّنة الجديدة محطَّة نخرج خلالها من كلّ أحقادنا وتوتّراتنا وحساسيّاتنا، لنبدأ سنة يملأها الخير لكلّ الناس، وبهذا نستطيع أن نقول كلّ عام وأنتم بخير…

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ : 14ربيع الاول1437هـ الموافق 25 ك1 2015م

Leave A Reply