الغضب مصدر الشّرور

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. صدق الله العظيم.

 

عاطفة إنسانيّة
الغضب عاطفة إنسانيّة أودعها الله في الإنسان، وهو تعبير طبيعي عن تفاعله مع ما يجول في داخله أو مع محيطه.
فمن الطبيعي للإنسان أن يغضب إن هو تعرّض لأذى جسدي أو معنوي أو مادي، أو تعرّض لقهر أو إذلال أو إحباط، أو تعرَّض لذلٍّ ممن يرتبطون به أو من له هوى فيهم، أو عندما يساء إلى دينه وقيمه، أو إلى هم في موقع التقديس والإجلال عنده…

وقد يكون من غير الطبيعي أن لا يغضب الإنسان عندما يتعرّض لمثل ذلك.
ولذلك، نجد القرآن تحدّث عن غضب الأنبياء، فقد تحدّث الله عن غضب النبي يونس(ع) عندما قال: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً…}، وأشار إلى غضب النبي موسى(ع)، فقال: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً…}. وهناك مواقع عديدة لغضب رسول الله(ص) والأئمّة(ع). فالغضب شيء طبيعي، وقد يكون أمراً صحيّاً. نعم، إذا وصل إلى نقطة عدم التحكم، يصبح مدمِّراً ويؤدي إلى مشاكل في العمل وفي العلاقات الإنسانية وفي سيرورة الحياة العامّة.

أهميّة كظم الغيظ
ولذلك، لم يدع الله سبحانه وتعالى إلى عدم الغضب بالمطلق، وإنما دعا إلى كظم الغيظ، بـأن يسيطر الإنسان على غضبه، مهما كانت قوّة الغضب، بحيث لا يمتلكه، ولا تنبع مواقفه منه.
وقد حفَّز الله الإنسان لبلوغ هذه القيمة، عندما اعتبر المقابل لها مغفرةً منه، وجنّة عرضها السماوات والأرض. 
وهذا التحفيز ورد في عدد من الأحاديث الشريفة. 
فقد ورد في الحديث: "من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة".
وفي الحديث: "ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجراً عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ كَظَمَها عبدٌ".
وقد ورد في سيرة رسول(ص): أنه مرّ يوماً بقوم يرفعون حجراً، فقال: ما هذا؟ قالوا: نعرف بذلك أشدّنا وأقوانا. فقال(ص): "ألا أخبركم بأشدّكم وأقواكم؟"، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضي، لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط، لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا قدر، لم يتعاط ما ليس له بحقّ".
فالله سبحانه يريد لكظم الغيظ أن يطبع حياة الإنسان، لأنه إن لم يفعل ذلك، سيعاني هو، وسيعاني مَن حوله، وسيعاني المجتمع بأسره.

نقيض العقل
وكلّ هذا يعود إلى أنّ الله يريد للإنسان أن يتصرّف بوحي عقله، وبوحي إيمانه.. والغضب هو نقيض العقل، بل هو أعدى أعدائه، فمتى استحكم الغضب، فإنّ العقل لن يؤدّي دوره، وسيقع الإنسان تحت سطوة غضبه وانفعاله.
ففي الحديث: "الغضب يُفسد الألباب ويُبعد من الصَّواب"، وفي حديث آخر: "من لم يملك غضبه لم يملك عقله". وقد ورد أنّ الحدّة ضرب من الجنون.
فكما لم يرد الله للإنسان أن يتخلّى عن عقله بالخمر، ولذا حرَّمه، فكذلك لم يرد ذلك بالغضب.
والغضب هو نقيض الإيمان، فعند الغضب، يفقد الإنسان استقامته، وتنفتح معه كلّ الشّرور والأبواب للشّيطان. فقد ورد في الحديث: "الغضب مفتاح كلّ شر"، "الغضب جمرة من الشيطان توقَد في قلب ابن آدم.."، "بئس القرين الغضب: يبدي المعائب، ويدني الشرّ، ويباعد الخير".

مصدر الشّرور
ويكفي حتى يستطلع الإنسان آثار الغضب وتداعياته، أن ينظر إلى حاله عندما يغضب، وكيف يتصرّف عندها، أو إلى حال الآخرين عندما يسيطر عليهم الغضب، أو أن يذهب إلى أهل الموتى ليرى كم كان الغضب سبباً للموت، أو إلى السجون، حيث أغلب من يدخلون إليها إنما يدخلون بسبب غضبهم، أو إلى المستشفيات، ليرى آثار الغضب إن هو فتك بصحّة الإنسان، أو إلى المحاكم الشرعية، حيث أغلب المشاكل الزوجية والطلاق يعود سببها إلى انفعال من الزوجة أو الزوج، وهو وراء الخلافات التي نراها تحصل بين الأهل والجيران، وفي الطرقات والشوارع، أو في الفتن أو الحروب والصّراعات… وتكبر آثار الغضب عندما يكون الغضب من مسؤول، أو في أرض متوترة طائفياً أو مذهبياً أو سياسياً.
فالغضب إن لم يقمع ويضبط، يتحوّل إلى وحش كاسر يجرح ويقتل ويدمّر، أو إلى شعلة نار تحرق نفسها وما حولها. لهذا، نحن معنيّون بإيجاد كوابح لغضبنا وانفعالنا. وقد جاء الإسلام ليوجد في الإنسان هذه الكوابح، حتى لا تكون الحياة في عهدة الانفعاليّين والمتوترين وصنّاع الفتن.

كوابح الغضب
ونحن أحوج ما نكون إلى هذه الكوابح، لأنّنا نعيش في واقعٍ يدعو إلى الانفعال والتوتر وفقدان الأعصاب؛ التوتر الأمني والسياسي، والوضع الاقتصادي، وعدم توفّر فرص العمل والعيش الكريم، والظلم المستشري حولنا، وأعباء العيش، وما تنقله إلينا وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وما نشهده من انحراف خلقي وإيماني، والإحباطات الكثيرة في حياتنا…
ونحن لن نستطيع أن نعزل أنفسنا عن هذا الواقع، أو أن نهرب منه، أو أن نتجرّد من أحاسيسنا، فلا نتوتر ولا نتفاعل مع ما يجري، لكن ما يمكننا فعله، هو أن نبرد التوتّر في داخلنا وأن نعقلنه، ولا نتحرّك بوحيه، وليس صحيحاً ما يقوله البعض عندما تسألهم: لماذا لا تضبطون أعصابكم ولا توقفون غضبكم؟ يقولون: لسنا قادرين على ذلك.. بل هم قادرون إن أرادوا، وإلا كيف يأمر الله الإنسان بما لا يقدر عليه، والدليل، أنهم يضبطون أعصابهم وانفعالاتهم وتوتراتهم عندما يتواجدون في محضر من يخشون منهم، أو عندما يكونون تحت الرقابة.

وحتى نبلغ ذلك، قدَّمت لنا الأحاديث خطوات، إن نحن اتّبعناها، فسنخفّف من وقع الغضب، ونخرجه من كونه طاقة سلبيّة، ونحوّله إلى طاقة إيجابيّة.

ويكون ذلك أوّلاً وقبل كلّ شيء، بأن نقنع أنفسنا بحقيقة أنَّ الغضب لا يحلّ مشكلة، بل يعقّد المشاكل، وهذا ما كان يحرص رسول الله(ص) على أن يوصي به أصحابه، عندما كان يوصيهم بعدم الغضب، ويحذرهم قائلاً: "احترسوا من سورة الغضب، وأعدّوا له ما تجاهدونه به من الكظم والحلم"، "الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل".

ثانياً، نأخذ بالحديث: "داووا الغضب بالصّمت"، بأن لا يُنبس بكلمة أو يتصرّف بأيّ تصرف في حال الغضب، لأنَّ التصرف عندها غالباً ما لا يكون حكيماً.
ثالثاً: أن نأخذ بالحديث الذي يقول: "أيّما رجل غضب وهو قائم فليجلس، فإنه سيذهب عنه رجز الشّيطان، وإن كان جالسا فليقم".

ورابعاً، أن نذكر الله ونستعين به عند الغضب. وقد ورد في الحديث: "إذا غضبت، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وأكثر عندها من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله".

الغضب لله والحقّ
ويبقى الأساس أن نوجّه غضبنا من أجل الله والحقّ، وبالأسلوب الذي يتناسب مع ما يدعو الله إليه. ولهذا، كان رسول(ص) يغضب لله دوماً، وهو كما تذكر سيرته، لم يغضب للدنيا أبداً.
وهنا، نذكر مثالاً من سيرة رسول الله(ص)، فعندما بلغه أن أسامة بن زيد قد قتل رجلاً نطق بالشّهادتين، غضب عندها غضباً شديداً وقال(ص): "يا أسامة، قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟"، قال: يا رسول الله، إنما قالها خوفاً من السّلاح! قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟…". 

أيّها الأحبّة: إنّ الغضب مدخل لكثير مما نعانيه من توتّر في بيوتنا وأحيائنا وقرانا وأوطاننا، وهو ما يمنعنا من التطوّر والنموّ في المجالات كافّة، ولذلك، تعبث بنا الفتن والحروب والمشاكل، فنحن انفعاليّون سريعو الاشتعال، وهناك من يحسن الاستفادة من سرعة انفعالنا ليسبّب لنا كلّ التوترات. فلنردّ كلّ هذا التحدّي ممن لا يريد بنا خيراً، ونمنع استغلاله لسرعة انفعالنا، بأن نمسك بزمام التوتر، ولا نسمح له بأن يخترق عقولنا ويلهب مشاعرنا، ولا ندع الذين يريدون إثارة الفتن السياسية والطائفية والمذهبية، أن يجدوا أرضاً خصبة لذلك.. بأن نعدّ دائماً، كما يقال، للعشرة، قبل أن نتخذ موقفاً، وأن نعرض كلماتنا ومواقفنا على العقل والإيمان. 

وعندها، يبقى العقل والإيمان يحكمان كلَّ واقعنا وساحتنا، وهو ما يمكّننا من أن نتحرّك بتخطيط، نعرف من خلاله إلى أين نسير وعلى أيّ أساس نتحرّك، حتى ننعم بخير الدنيا والآخرة.
اللّهم إني أعوذ بك من سورة الغضب، وضعف الصّبر، وشكاسة الخلق، وإلحاح الشهوة، وملكة الحميّة، يا أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه وتعالى، عندما قال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ}. صدق الله العظيم.

وحتى نبلغ التّقوى، لا بدَّ من أن يكون حبّنا لله فوق كلِّ حبّ، وطاعتنا له فوق كلّ طاعة، ورضاه فوق كلّ رضا، وسخطه فوق كلّ سخط، وأن نكون كما قال الحديث: "قوَّالون بأمر الله، قوَّامون على أمر الله، قطعوا محبّتهم بمحبّة ربهم، ووحشوا الدّنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله عزّ وجلّ وإلى محبّته بقلوبهم، وعلموا أنّ ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه".

ومتى بلغنا ذلك، فإنّنا نبلغ خير الدنيا والآخرة، فقد وعد الله تعالى الذين يتّقونه بأن يؤيّدهم ويسدّدهم ويفتح لهم الأبواب المغلقة، فقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}. وهم سيحظون بالكرامة عندما يقفون بين يديه، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}.

من هدَّد الأمن في لبنان؟!
والبداية من لبنان، الَّذي تجاوز الأسبوع الماضي قطوعاً أمنياً، وإن كانت مفاعيله السياسية وتداعياته لما تنته بعد، فقد ساهم ما جرى في زيادة منسوب التوتر في الساحة السياسية، وزيادة الشرخ بين قوى سياسية كانت منقسمة في الأساس، وتنامي الهواجس والمخاوف والتساؤلات حول خلفية ما جرى، والأهداف التي كان البعض يصبو إليها.

ونحن، وبعيداً من أسباب ما جرى، ومدى خضوعه للشّكليات التي ينبغي أن تراعَى عند أيّ إجراء قضائي، فقد كنّا نأمل أن يكون القرار مدروساً وأكثر حفظاً للقوى الأمنيّة وللقضاء اللّبنانيّ، فمثل هذا القرار لا يؤخذ ببعده الأمنيّ والقضائيّ، بل بالنظر إلى تداعياته على الواقع السياسي.

فنحن لسنا في بلدٍ كبقيَّة البلدان الَّتي تتّخذ فيها قرارات قضائيّة وأمنيّة، ولسنا في مرحلة سياسية عادية، بل نحن في خضمّ توتّر سياسيّ حادّ في الساحة الداخلية، إضافة إلى ما ينعكس عليه من توتر قادم من المحيط، حيث يتداخل القرار الأمنيّ والقضائيّ بشكل كبير مع القرار السياسي، ويكفي دلالةً على ذلك، مشهد الاصطفاف الّذي حصل بعد هذه الحادثة المؤسفة.
ولذلك، وحرصاً على إبقاء المصداقيّة الَّتي نريدها للقوى الأمنيّة، ونزاهة القضاء وإبعاده عن الخضوع للمواقع السياسيّة، وعلى معرفة من تسبَّب بنزيف الدّم في هذه الحادثة، ولإزالة أيّ هواجس قد أحدثتها، ندعو إلى الإسراع في إجراء تحقيق موضوعيّ وشفّاف يفسّر كلّ ما حدث، ويغلق هذا الملفّ مع تداعياته كلّها.

وفي الوقت نفسه، فإنّنا نشدّد مجدداً على ضرورة الالتزام بخطاب سياسيّ هادئ، لا يستثير الغرائز والانفعالات، ولا يؤدّي إلى فتنة حذّرنا منها قبل هذه الحادثة المؤسفة، منعاً لحصولها، ونحذّر منها بعد هذه الحادثة منعاً لتكرارها، فالبلد متوتّر أصلاً، ولا يحتاج إلى المتوتّرين، بل إلى العقلانيّين الذي يتحدّثون عمّا يعانيه البلد، بأسلوب يصل إلى العقل ولا ينزل إلى الشارع.

إننا نحتاج إلى أن يكون المنطق هو منطق عليّ(ع)، عندما قال لأصحابه: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكن لو وصفتم حالهم، وذكرتم أعمالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر".

تهويلات العدوّ 
وفي خضمِّ ما جرى، وفي ظلِّ كلّ هذا الاهتزاز الذي تعيشه الساحة الداخليَّة، يدخل العدوّ الصهيوني على الخطِّ، بزعم اكتشاف نفق على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة، وإعلانه عقب ذلك عن عملية سماها "درع الشمال"، واكبها بإثارة جوّ إعلاميّ وسياسيّ صاخب، ويقدّم في ذلك حجّة لا يحقّ له الحديث عنها، وهي خرق القرار 1701 من قبل المقاومة.. وهذا الخرق، إن تمَّ من خلال نفق كما يزعم، فهو يخرقه كلَّ يوم في الجوّ والبرّ والبحر.

إنَّنا أمام ما جرى، نريد دعوة اللّبنانيّين إلى مزيدٍ من الوعي، وعدم الخضوع لتهويل العدوّ، في سعيه لإحداث شرخٍ داخليٍّ بين اللّبنانيّين، من خلال عودة الحديث عن المقاومة، بعدما قرَّر اللّبنانيّون عدم الحديث عن موقعٍ بات ضرورة، لكونه شكَّل، ولايزال يشكِّل، ردعاً في مواجهة العدوّ الصهيوني وغطرسته.. وذلك بإثارة خوفهم ورعبهم، من خلال التصريحات أو الرسائل النصيَّة المتتالية والمدروسة التي تسعى إلى ذلك.

على اللبنانيين أن يفوّتوا هذه الفرصة، بوعيهم لمدى قدرات هذا العدوّ، فهو، وكما يعترف، ليس مؤهَّلاً للقيام بأيّ عدوان، وما حدث في غزّة أخيراً من اضطراره إلى القبول بتهدئة، ليس إلا مؤشّراً على تهيّب هذا العدوّ من إقدامه على أيّ عدوان.

ونحن نعتقد أنَّ اللّبنانيين أقرب إلى معرفة الحقيقة، لتجاربهم معه، ولكن هذا لا يعني أن ننام على حرير، فهذا العدوّ، كما بعض زعاماته التي هي في الحكم الآن، عوَّدنا أن يحاول الهروب إلى الأمام ونحو الحرب عندما يرى نفسه في مأزق، أو عندما يحسب أن الظروف السياسية تلائمه عند توفير الدعم الأميركي الكامل والتغطية الدولية المؤاتية، مستفيداً من عناصر التشرذم والانقسام التي تعيشها الساحة العربية والإسلامية، والتي قد تشكّل عنصر إغراء إضافيّاً له.. وليس حديث العدوّ المتواصل عن مصانع الأسلحة في لبنان، أو امتلاك المقاومة تقنيّة جديدة في عالم الصواريخ، إلا تأكيداً جديداً على عنصر القلق الذي يعيشه، واستعداده للمغامرة في بعض الأوقات.

كلّ هذه التطورات وما نتج منها من تحدّيات، يضاف إليها ما وصل إليه البلد من الانحدار على المستوى الاقتصادي والنقدي والمعيشي للّبنانيّين، حيث لا أفق في ولادة حكومة تقوم بدورها في حفظ البلد من الأخطار، فيما تبقى المواقف على حالها، وكأنَّ البلد بألف خير.. 
لذلك، رأفةً باللّبنانيّين وبحياتهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ندعو كل القوى السياسية إلى الارتقاء إلى مستوى هذه التحدّيات التي تمسّ بوجود الوطن ولقمة عيش أبنائه، فلأجل ذلك تهون كلّ التضحيات.

مفاوضاتٌ حول اليمن
وأخيراً، وفي ظلِّ المفاوضات الجارية حول المسألة اليمنيّة في السويد، نأمل أن يؤدي ذلك إلى وقف فوري لهذه الحرب العبثيّة التي أنهكت الشعب اليمني، وتركته فريسةً للأمراض والجوع والقتل.

لقد آن الأوان لمسلسل القتل والموت هذا أن ينتهي، ويصل الجميع إلى قناعة أنّ الحرب لم توصل ولن توصل إلى أيّة نتيجة إيجابيّة، وأن لا خيار إلا الحوار، حتى لا يكون اللقاء مجرد محطة فرضتها ظروف سياسية ضاغطة على هذا الفريق أو ذاك من الداخل أو الخارج.

 

Leave A Reply