المؤمن يوازن بين حبّ الدّنيا والآخرة

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} صدق الله العظيم.

وقال سبحانه: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.

 

وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين(ع): "احذروا الدنيا!.. فإنّ في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وأوّلها عناء وآخرها فناء".. "احذروا الدنيا، فإنها عدوة أولياء الله، وعدوة أعدائه، أما أولياؤه فغمتهم، وأما أعداؤه فغرتهم".

 

لقد تكرر في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة الإشارة إلى ذم الدنيا والتحذير منها وحتى الدعوة إلى الانفصال عنها وطلاقها كما ورد في الحديث عن الإمام علي(ع): "يا دنيا، غرِّي غيري، إليَّ تعرّضت أم إليَّ تشوّقت؟ هيهات هيهات! فإنّي قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك؛ فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير".. "إليكِ عنّي يا دنيا ؛ فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، وأفلتّ من حبائلك، واجتنبت الذهاب في مداحضك".

 

فما هو المقصود من هذا الذم للدنيا ورفضها والابتعاد عنها وعدم التعامل معها.. هل المطلوب من ذلك إجراء قطيعة مع الدنيا، كيف ذلك والله خلقنا في الدنيا وهو دعا إلى أن ننعم فيها ونبينها ونعمرها وأن نكون خلفاء له فيها.

 

وقد برز ذلك في كلام رسول الله(ص)، فهو عندما سمع أن بعضاً من أصحابه بعد تأثرهم بحديثه لهم عن الآخرة، أقسموا أن يتركوا نعيم الدنيا بأن يصوموا العمر كله وينقطعوا عن زوجاتهم وينصرفوا إلى النسك والعبادة، وقف خطيباً بالناس وقال: "ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتخاذ الصوامع".. فالدين لا يدعو إلى كل ذلك.. وعندها نزلت عندها الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

 

وجاء عنه(ص) أيضاً: "الدنيا إذا أقبلت أولى الناس بها أبرارها لا فجارها وأخيارها لا أشرارها".

 

فليس المقصود إذاً من الذم للدنيا هو ترك ما تشتمل عليه الدنيا من كل ما فيها من أرض ونبات وبحر وسماء، ولا ما نجنيه منها من ثروات وأموال أو التمتع بجمالها والعمل لاكتشاف الإبداع فيها.. المقصود من ذلك هو حب الدنيا والتعلق بها.

 

ولكن هذا طرح تساؤلاً كبيراً، وهو كيف يمكن أن نترك حب الدنيا ولا يخلو قلب من التعلق بها، فنحن نحب الدنيا..

 

فالإنسان يتعلق حبه بوطنه وأرضه وبيته وعائلته وبأولاده وبزوجته وأمواله.. وهذا الحب قد غرسه الله في الإنسان وأودعه فيه، والحكمة في ذلك أنه ضرورة لاستمرار الإنسان ولبقاء كل كائن حي.. فلولا هذا الحب للدنيا لما استمرت الحياة على وجه الأرض ولما دافع الإنسان عن نفسه وعن أرضه ضد الأخطار التي تواجهه أو تواجه أهله، ولما ضحى الآباء والأمهات بكل ما عندهم من أجل أبنائهم ولما حصل تزاوج، ولما تطور الإنسان وبنى كل هذه الحضارة.

 

وهذا الميل هو الذي أشار الله سبحانه حين قال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.. فالله هو من غرس المودة بين الزوجين ودعا إلى الحفاظ عليها.. وإلى هذا الانشداد أشار سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}.

 

فالله سبحانه هو من زين في الإنسان الحب لكل هذه الأشياء، الشهوات، النساء والبنين، وقناطير المال والذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث.. فلا عيب في حب كل ذلك ولا كراهية فيه، بل هو مطلوب للحياة.. نعم يقول بعد ذلك: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}.

 

وقد ورد عن رسول الله: "حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة".

 

فذم حب الدنيا لا يراد به ذم هذا الميل الفطري الطبيعي والانجذابي الذي يدفع الإنسان إلى التفاعل مع الدنيا والتمتع بها، بل هو في حقيقته ذم للاستغراق فيها والتعلق بها بحيث يراها كل شيء ولا يرى غيرها، لتكون هي همه الوحيد وغايته وهدفه، من دون أن يرى الدنيا على حقيقتها وموقعها في حياة الإنسان.. فالدنيا لم يردها الله أن تكون مستقراً دائماً للإنسان، بل هي مرحلة من وجوده وممر ضروري في طريقه إلى الحياة الأساس التي قال الله عنها: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

 

وقد ورد في الحديث: "الله سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها، ليعلم أيهم أحسن عملاً، ولسنا للدنيا خلقنا، ولا بالسعي فيها أمرنا" "الدنيا مزرعة الآخرة" "بالدنيا تحرز الآخرة"

 

وقد شبه حال الناس في الدنيا كمثل قوم كانوا في سفينة أمرهم ربانها أن ينزلوا في جزيرة ليحملوا منها ما يحتاجون إليه للمكان الذي يقصدونه.. فهناك من هؤلاء من قضى الوقت المخصص للهو والعبث والتمتع بالمناظر الخلابة والانشغال بمشاربها وأطعمتها.. وهناك من راح يتزود منها في رحلته من الأشياء التي سوف يحتاج إليها في المكان المقصود.. فهؤلاء ربحوا فيما خسروا أولئك..

 

لذا قال الله سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ}.

 

فالتحذير من حب الدنيا ورد حتى لا يرضى بها الإنسان ويطمأن إليها ويؤثرها على الموقع الأساس على الآخرة أو أن يغتر بها.. فقال في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ}.

وقال: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ}.

 

وقال سبحانه: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}.. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.

 

وهذا الحب إن كان على هذه الصورة بحيث يتحول إلى اطمئنان للدنيا واغترار بما فيها وتنكر لما بعدها، هو خطر على الإنسان وهو شبب شقائه ومشاكله، وهو وراء كل ما تعاني منه البشرية وإلى ذلك أشارت الأحاديث: "حبّ الدنيا أصل كل معصية، وأوّل كل ذنب".. "حُبُّ الدُّنيا يُفسِدُ العَقلَ وَيُصِمُّ القَلبَ عَن سَماعِ الحِكمَةِ وَيوجِبُ اَليمَ العِقابِ"، "حب الدنيا يوجب الطمع" "حب الدنيا رأس كل خطيئة".

 

فالناس عندما يستغرقون في الدنيا تفسد إنسانيتهم، ويتباغضون ويتحاسدون ويتنازعون ويتقاتلون مع من يبذلون الخيرات ويضحون من أجل الآخرين.. وهو ما يؤدي إلى تدمير الحياة وتهديم القيم فيها.. فالحياة لا تترقى بالشهوات أو الأطماع أو بالتكالب على المال والجاه.

 

إن جميع الرذائل والتي تعاني منها الحياة كالأنانية والكذب والغش والظلم والغيبة والنميمة والفساد وسوء الأمانة والالتهاء بالتكاثر في الأموال والأولاد هو نتاج هذا الاستغراق.

 

إذاً أيها الأحبة.. نحن نحب الدنيا ونميل إليها، لكننا لا نستغرق فيها ولا ندعها تملكنا، بل نراها وسيلتنا إلى الله لنستعين بها على طاعة الله وعلى الخير والعمل الصالح والتزود بها ليوم نحتاج فيه إلى هذا الزاد..

 

وهذا ما دعا إليه هذا الحديث: "لا تسبّوا الدنيا ولا تكرهوها فنعم مطيّة المؤمن، عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشرّ".. "الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها".

 

وورد أيضاً: "اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدُّنيا، بإعطائها ما تشتهي من الحلال، وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه رُوي: "ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه"..

 

وقد جاء رجل إلى الإمام الصادق(ع)، فقال له: إنّا لنطلب الدنيا، ونحبّ أن نؤتاها.. أوفي ذلك نقص في إيماننا.. فقال له الإمام(ع): فماذا تفعل بها.. قال: أستعين بها على حاجاتي وحاجات عيالي ومن هم في عهدتي ومسؤوليتي، وأتصدّق وأبذل الخير.. قال(ع): استمر في حبها ما دام ذلك.

 

إن هذا الفهم لموقع الدنيا في الحياة وللمنهج الإسلامي في التعامل معها والالتزام بذلك، سوف يجعلنا من أولئك الذين وعدهم الله، فقال الله عنهم: {فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.. ولذلك فليبقى دعاؤنا: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به أمير المؤمنين(ع) عندما وقف أمام الناس قائلاً: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَاز، وَالآخِرَةُ دَارُ قَرَار، فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ، وَلَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ، وَأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ، فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ وَلِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ، إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ، قَالَ النَّاسُ مَا تَرَكَ وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَدَّمَ، لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ فَقَدِّمُوا بَعْضاً يَكُنْ لَكُمْ، وَلَا تُخْلِفُوا كُلًّا فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ".

 

أيّها الأحبّة، لقد رسم لنا الإمام(ع) صورة الحياة وموقعها، فهو لم يردها أن تكون نهاية المطاف، بل أن تكون الأرض التي نزرع فيها الآن لنحصد فيما بعد، ولا بدّ من أن يكون الحصاد وفيراً يوم يقف الناس بين يدي ربهم، ليتمايزوا عنده بحصادهم.

 

بهذا الوعي، وبهذه الروحية، نجعل حياتنا أكثر طهارةً وصفاءً وعملاً، وبهذا نستطيع أن نواجه كل التحديات..

 

لبنان

والبداية من لبنان، الّذي بات الحديث فيه عن الفساد أمراً طبيعياً يمرّ مرور الكرام، فهو لم يعد يحرّك ساكناً في المواقع والأشخاص، ولا يستوجب المساءلة والاستجواب، وسرعان ما يُنسى ويُطيّف ويُمَذهب، ويدخل تحت قاعدة "غطيني لغطيك".

 

وإذا كانت الضرورات تفرض فتح ملف يختصّ بموقع سياسيّ أو طائفيّ، فليس بالإمكان الخوض فيه إلا أن يفتح إلى جانبه ملف يختصّ بموقع سياسيّ أو طائفيّ مقابل، فالفاسدون في هذا البلد محميون من طوائفهم، وآمنون من أجهزة الرقابة والتفتيش، فهي لا تصل إليهم، ويكفي دليلاً على ذلك أننا سمعنا بالأمس، ونسمع كلّ يوم، ومن عارفين بمجريات الأمور، ممن يُقال عنهم: "وشهد شاهدٌ من أهله"، حديثاً عن فساد في هذا الملف أو ذاك، أو في هذا الموقع أو ذاك، وتمرّ الأسابيع والأشهر ويبقى الهدر والفساد ولا يتغيّر شيء. نعم، قد تُفتح ملفّات للاستثمار السّياسيّ، أو لتسجيل النّقاط في هذه القضيّة أو تلك، لكنها لا تنهي معاناة أصحابها، وسرعان ما تغلق من دون محاسبة وتحميل أحد المسؤولية..

 

وهنا نتساءل: هل أُغلق ملفّ الإنترنت غير الشّرعي بعد محاسبة المرتكبين، أو ملف الكهرباء، أو التلوث في نهر الليطاني وبحيرة القرعون، أو ملف النفايات والصفقات التي تختفي خلفه ولا تزال؟

 

إنّنا لا نريد عند ذكر هذا الحديث، أن نجدّد ألم اللبنانيين ووجعهم، بقدر ما نريد أن نؤكد المسؤولية التي تتعلق بنا جميعاً كلبنانيين، فكما نحن معنيون بحماية البلد من عدوٍ يتهددنا من الخارج، وقدمنا لأجله، ولا نزال نقدم، التضحيات الجسام، فلا بد من أن نواجه ما يتهدّدنا في الداخل، بالهمّة نفسها والاستعداد للتضحية، فلا يمكن بناء بلد قويّ في ظل الفساد الذي ينخر مفاصله، فالكلّ يعرف أنّ الفساد كان سابقاً، وسيكون لاحقاً، من أهمّ السبل لنفاذ العدوّ من الخارج إلى الداخل.

 

إنّ مسؤوليتنا عندما نرى منكراً أن نواجهه، والفساد هو أساس المنكرات، فعلينا أن نغيِّره بيدنا، وإن لم نستطع فبلساننا، وإن لم نقدر فبأن نقاطع الفاسدين أياً كانوا، وفي أيّ موقع وُجدوا، أو أن ندير لهم ظهورنا، وبذلك فقط لا نكون شركاء في أعمالهم.

 

وفي موازاة الفساد، نقف عند ظاهرة العنف، والمقصود بها العنف ضدّ المرأة، الذي وصل إلى حدّ القتل، وهذا الأمر لا بدَّ من التوقف عنده، لأنّ المعنّفين يستغلون ضعف المرأة الجسدي والقانوني، ويسيئون إلى دورها كإنسانة وأم، ويهددون كيان الأسرة، فكيف نبني أسرة وهناك كيان أساسي فيها مقموع ومضطهد ويُساء إليه!؟

 

إنّ ما حدث، وما نخشى أن يحدث في المستقبل، يحتاج إلى دراسة سبل الوقاية منه، وأهمها حسن اختيار الزوج وعدم التسرّع، ومعالجة أسبابه، وتفعيل أسس الردع، بحيث يشعر المعتدي أو القاتل أو المسيء، بأنه سيواجه عقاباً قاسياً لا تهاون فيه إن أقدم على هذا الفعل، فالضّرب غير مبرّر شرعاً وقانوناً، ولا يمكن للزوج بأيّ حال أن يبادر إلى القتل تحت أيّ عنوان، ولا بدّ من تحديد نوع الجزاء، وفقاً للأصول الشرعية والقانونية.

 

ومن هنا، وانطلاقاً مما حدث، ندعو إلى تحقيق العدالة، بعيداً عن كل التداخلات التي بتنا نعهدها في هذا البلد، فالتساهل في تطبيق العقوبات هو جريمة بحدّ ذاتها، ويؤدي إلى المزيد من الجرائم، ويشجع من يستسهلها على القيام بها.

 

ونبقى في لبنان، لنثمّن المبادرة التي طُرحت أخيراً لحل الأزمة السياسية، والتي نأمل أن تفتح الباب للحوار الفعلي، بما يؤدي إلى انفراجات سياسية تساهم في تعزيز الوحدة الداخلية وإيجاد حلول للملفات العالقة.

 

سوريا

ونصل إلى سوريا، الَّتي يتوحّد شعبها على الآلام والمعاناة، إن بسبب اكتوائه بنيران ما يجري على أرضها، والذي تشير إليه مشاهد النساء والأطفال والشيوخ، أو بسبب حالات التشرّد واللجوء، فلم تعد هذه المعاناة تهز ضمائر المجتمع الدولي ومشاعره، بل هناك أكثر من توجّه لتمديدها إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، ليتم البحث بعمق في هذه الأزمة، بدلاً من أن يعمل هذا المجتمع، وفي أسرع وقت، لإيجاد الحلول الناجعة التي تعيد إلى هذا البلد حضوره ودوره واستقراره، لكي لا يكون ساحة تجاذب إقليمي ودولي، يسعى كلّ طرف فيها لتعزيز مكاسب ميدانية هنا وهناك، ليستثمرها في الداخل أو الخارج.

 

خطاب الكراهية ضد المسلمين

وأخيراً، لا بدّ من أن نتوقّف عند الآثار الّتي تنتج من خطاب الكراهية تجاه المسلمين في أميركا والغرب، والتي كان من تداعياتها اغتيال إمام مسجد ونائبه في نيويورك، ما يستدعي عدم الاكتفاء بملاحقة الفاعلين، بل العمل على إيقاف هذا الخطاب الذي لا يميّز بين الإرهاب والإسلام، حرصاً على علاقة جيدة بين الإسلام والغرب، لا تؤدّي إلى تأجيج العنف أو تساعد الإرهابيين في تحقيق مبتغاهم…

 

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ : 9 ذي القعدة 1437هـ الموافق : 12آب2016م

 

Leave A Reply