الملأ الظالم… رئة المستبد

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى
 

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ *  يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}

عندما نستحضر تاريخ البشرية، نجد أن من يتصدر التاريخ وصفحاته سلباً أو إيجاباً هم غالباً أفراد حكموا وفرضوا سلطتهم عدلاً أو ظلماً، وكانت لهم من المآثر أو الفظائع ما عُدِّد وضُخِّم وبُخِّسَ به حسب رواية المنتصر عادة، فيحسب المرء أن هؤلاء الأشخاص بمفردهم و بذواتهم كانوا يحركون التأريخ البشري بمختلف مفاصله وحسب ما وصلنا منه، أي التاريخ. ولكن هذا غير دقيق، نعم هناك أشخاص وأفراد برزوا، لكن فرعون مثلاً لم يكن وحده وكذلك كان معاوية وابنه يزيد وكل الطغاة لم يكونوا وحدهم، كانوا هم لا شك في صدارة منظومة الظلم والاستبداد إلا إنهم كانوا غالبا ما يحيطون أنفسهم ويحاطون بجهاز متنوع متكامل وهو ما يعبّر عنه القرآن بالملأ التي تكررت  في أكثر من آية ومع كل الأنبياء.

 

وقد سموا بالملأ لأنهم يملؤون العيون مهابة، يثبتون سلطة الحاكم او الزعيم او العشيرة او الحزب.. والملأ قد يكون دورهم سلبياً أم إيجابياً فالملأ الذي كانوا حول فرعون  شاركوه مواقفه وسياساته الظالمة فيما ملأ سليمان وملأ بلقيس كانا كفريق العمل المساعد والمستمع والذي يعطي المشورة . {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} وعن سليمان{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}

 

مع أنه وفي الغالب جاء هذا المصطلح – مصطلح الملأ – في القرآن الكريم مقروناً بالطغاة والجبابرة من الحكَّام والملوك، وبالتالي في معرض الذم باعتبار هؤلاء هم من يمد الظالم والطاغية والفاسد بالدعم والعون.. وهم من يوفر لحكمه كل أسباب الديمومة والبقاء… الملأ هم غير الجمهور وغير الاتباع والبيئة الحاضنة  هم أشبه بالمحرك وأشبه بالهواء الذي يمد الظالم بأسباب بقائه وهم المعبر عن ارادته.

 

والقرآن الكريم سلط الضوء على هذه الظاهرة ودورها وموقعها تحديداً من رسالات الأنبياء من قوم نوح وصولاً إلى قوم محمد (ص)…وإن تعددت اشكال الملأ وتفاوت دوره من مرحلة الى مرحلة الا انه اتسم بأساليب متشابهة.

أولها أسلوب الازدراء، فيخبرنا القرآن كيف سعى الملأ المناهض للانبياء لتقويض رسالتهم عبر التقليل من شأنهم وشأن الأتباع وإشعارهم بالفوقية،  مثلاً من مآخذ الملأ من قوم نوح على رسالته ما ورد في سورة هود: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}.

 

وهذا ما قاله ملأ قريش: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ}. وقد تمثل ذلك أيضاً عندما طلبت قريش من رسول الله حتى يؤمنوا به أن يجعل لهم مجلساً خاصاً يجلس فيه معهم.. لمناقشة ما جاء به على أن لا يشاركهم فيه الفقراء كبلال وعمار وصهيب. وكذلك حكم الملأ في قوم صالح على من آمن برسالته نفس الحكم الذي أطلقه مستكبرو قوم نوح وقريش.. {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ}.

 

ويخبرنا القرآن الكريم عن اسلوب الاستهزاء بالنبي للتقليل من شأنه {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}.

ولم يوفر ملأ قريش ترويج الإشاعات التي تشكك بأهلية النبي وسلامة عقله وتفكيره وبرسالته بهدف إبعاد الناس عنه..فراحوا يشيعون أنه يفسد العقول ويسحر الأتباع: ساحر ومجنون ويعلمه بشر وأنها أساطير الأولين {..تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً..} وكذلك ما قالوه بحق موسى: { قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}

 

ومن أساليب الملأ كما يخبرنا القرآن الكريم، اعتماد الطلبات التعجيزية والمرهقة وقد أشار القرآن إلى ذلك بشكل واضح عندما تحدث عن قوم صالح: {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }. أما ملأ بني إسرائيل فقد ذهبوا أبعد من ذلك حين قالوا لموسى(ع): {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}.

 

وسيتبين فيما بعد ان هذه الطلبات ما كانت إلا حججاً يتذرعون بها لإحراج الأنبياء وبالتالي إضعافهم والتشويش عليهم.

ثم يخبرنا القرآن الكريم كيف أن هذا الملأ يلجأ لاستعمال اسلوب القوة والعنف لإسكات صوت الانبياء والدعاة الذين يلتفون حولهم.. ويبقى فرعون في القرآن الكريم النموذج الأبرز للطاغية الذي استخدم ملأً أمثال: قارون وهامان وبلعم بن باعوراء ليرعبوا المؤمنين من اتباع موسى: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، كذلك ما حصل مع نبي الله شعيب: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}. 

 

وأسلوب الأذى والعنف هو ما شهده نبي الله عيسى والذي وصل إلى حد قتله لولا أن رفعه الله… وصولاً الى النبي الأكرم حيث قال "ما أُوذي نبي مثل ما أُوذيت".. وللعلم فإن الناس العاديين المستضعفين ليسوا هم من واجهوا النبي (ص) يومها بل كانت بطانة زعماء قريش من كانت ترسل وتستأجر من يلاحقون الرسول أينما ذهب بشكل مخطط ومدروس وليس عشوائياً او كردة فعل.. كان يُرمى بالحجارة وتوضع الأشواك في طريقه.. وصولاً إلى المؤامرة التي حيكت بدقة لإخراجه من مكة، والحروب التي أعلنت عليه وعلى أصحابه  وحتى ارسال مبعوث من هذا الملأ القريشي إلى الحبشة حيث هاجر المسلمون الاوائل (ومعهم جعفر بن ابي طالب) للتضييق عليهم بدعاية مضادة عند ملكها كي لا يصدقهم ويضيق عليهم.

 

أيها الاحبة: ان إيراد القرآن لكل هذه التفاصيل عن الملأ الظالم هي ليست على سبيل التأريخ، انما لتركيز الفهم عن خصائص الملأ الذين يقفون بشكل دائم ضد توجهات الحق والعدل والايمان، لندرك انها ليست حبيسة التاريخ، بل هي تتكرر في كل حين ومكان، ما يحتم علينا ان نستحضرها ونعيها بمنظار الحاضر.

 

ان المتأمل في حركات الاستبداد والطغيان يظن للوهلة الأولى أن الجانب العسكري أو الأمني هو عماد الاستبداد هذا صحيح ولكنه ليس العمود الوحيد أو حتى الرئيس. ومن هنا فإن هذا الملأ قد صنفه المفكرون كالشهيد الدكتور شريعتي ثلاثي الأبعاد، سلطوي (ومنه العسكر والأمن) ومالي يشتري الذمم بشكل مباشر أو غير مباشر، والثالث ديني ثقافي يستجلب المقدس لخدمة السلطة.

 

ونحن قد نضيف إلى هذه الثلاثية عنصراً رابعاً وهو أكثر هذه العناصر حداثية وهو الإعلام الذي يساهم بتوسيع الملأ ليشمل العوام عبر اللعب على الغرائز ونقاط الضعف والعصبيات.فنصبح من خلال ذلك وعلى مدى التاريخ أمام شريحة متكاملة ومتنوعة الأساليب ويصبح الحاكم المستبد فيها جزءاً من منظومة هذه الشبكة.

 

إن التصدي للحاكم المستبد قد يسقط الملأ الموالي له و المساند له و لكن أيضا التصدي للملأ و على مختلف جبهاته هو الأساس للتصدي للحاكم المستبد وحاشيته  ولذلك لم يكتف الله بأن يرسل موسى الى فرعون بل قال: إلى فرعون وملئه. لهذا ينبغي لمواجهة الحاكم الظالم ان نتعرف الى العناصر الفاعلة التي تشكل دعائم قوته.. فتشوا عن الملأ  أو بمصطلحاتنا الجديدة فتشوا خلف الشخصيات والزعماء عن المنظرين والمفتين والداعمين والأدوات على الأرض.. في القديم كانت هذه الأدوات تظهر جهارة أما في عصرنا فيغلب عليها التخفي والمناورة.. وعلينا التسلح بالوعي والمعرفة لكشفها.

 

الملأ ايها الأحبة، نعم هو مفهوم اعتباري غير محسوس ولكنه في صلب واقعنا، فنحن إذا ما نظرنا إلى أساس المشاكل في عالمنا العربي والإسلامي لوجدناه عبارة عن تحالف السلطة مع المال والنفط والغاز مع المنظومة الدينية المتشددة والفاسدة مع الإعلام، وهذه الجبهة معركتنا معها وجودية. والخطورة أن الملأ في عصرنا الراهن وإن تغيّرت المسميات هم.. هم.. كما كانوا في التاريخ ليسوا ارتجاليين بل يخططون {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }…

إن استحضار مفهوم الملأ كما طرحه القرآن هو استراتيجي وأكثر اتساقاً مع الواقع ويوزع مسؤولياتنا كلّاً في إطاره. فهلا وعينا وتحملنا؟ نسأل الله أن يجعلنا من ملأ الحق لنواجه طغيان الباطل وملئه.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فهي زادنا في الدنيا وفي الآخرة؛ يوم نقف بين يدي الله تعالى، وقد أوضح الله لنا السبيل لتحصيل هذه التقوى عندما قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ}… فعلينا أن نتأسّى برسول الله(ص) ونحن في ذكرى وفاته وانتقاله إلى رحاب ربّه، وكلّ الأيام هي أيام رسول الله(ص). وأبرز ما نقتدي به، هو تصرفه حين شعر بدنوّ أجله، وقد كانت الحمى التي أصابته على أشدّها. يومها، نادى ابن عمه العباس قائلاً له: "شدّ لي العصابة حول رأسي من الوجع حتى أخرج إلى المسجد"، بعدها قال له: "أعطني يدك لأتكئ عليها".. ولما وصل إلى المسجد وكان المسلمون مجتمعين ينتظرون خبراً عنه، فوجئوا بقدومه وهو على هذه الحال، فوقف بينهم خطيباً وهو يقول:

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي خفوق مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وإنما أنا بشرٌ، فـأيما رجلٍ قد أصبت عرضه شيئاً فهذا عِرْضِي، وأيما رجل قد أصبت من بشره شيئاً فهذا بشري، فليقتصّ مني، وأيما رجل أصبت من ماله شيئاً فهذا مالي، واعلموا أن أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيئ فأخذه مني أو حللني، فلقيت ربي وأنا محلل، ولا يقولن رحل، إني أخاف من البغضاء والشحناء من رسول الله، فإنما ليستا من طبيعتي".

 

أيها الأحبة، هذا هو رسولنا(ص)؛ خير خلق الله، وأحب العباد إلى الله، كانت حياته منذ بدايتها عبادةً علماً وخلقاً وجهاداً وتضحيات. وما كان يقضّ مضجعه ويخشاه، هو أن يقف بين يدي الله، ولأحدٍ في ذمّته شيء، حتى لو كان ذلك عن غير عمد، حتى لا يسأل عن ذلك عندما يقف بين يدي الله يوم ينادي المنادي: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}، فماذا عسانا نحن أن نفعل؟ علينا أن نسارع للتأكّد من أعمالنا وتصرّفاتنا قبل أن يداهمنا الأجل ونجد أنفسنا بين يدي الله، يوم تجادل كلّ نفس عن نفسها، وبذلك نصفو ونصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات..

 

فلسطين

والبداية من فلسطين، التي يستمر شبابها ومجاهدوها في ردّ سيف القهر والاحتلال والإذلال بدمهم وتضحياتهم، رغم إجراءات الاحتلال القمعية بحقّهم وصمت العالم، باستثناء أصوات محدودة تسعى إلى خرق جدار الصمت..

إننا إذ نحيي هذه الروح الجهادية الاستشهادية المتنامية، التي هي السبيل الوحيد لكفّ يد العدو عن العبث بالأرض والمقدسات والإنسان.. ندعو إلى التضامن مع هذا الشعب، لنؤدي واجبنا الديني والإنساني والقومي تجاهه، حتى لا يُستفرد به، ولا سيما في هذه المرحلة، حيث يراهن العدو الصهيوني على انشغال العالم العربي والإسلامي بمشاكله الداخلية لتنفيذ مخططاته ومشاريعه.

 

سوريا

وفي هذا المجال، يستمرّ النزيف في سوريا وسط احتدام الصراع الدولي، الذي بات واضحاً أن أهدافه باتت تتجاوز الحدود السورية لتدخل في قضايا أخرى بعيدة عنها، ونحن نأمل أن تساهم الخطوات التي جرت لجمع المعارضة السورية في الوصول إلى حلّ داخلي يؤمِّن لسوريا الاستقرار المنشود، وينهي هذا الصراع الدامي الذي طاول الحجر والبشر، وإن كنا نخشى، وفي ظل التصريحات التي صدرت، زيادة تعقيد الأمور، من خلال الحديث عن شروط باتت غير واقعية، بعد أن بات واضحاً عدم وجود أفق في سوريا إلا بحل سياسي يضمن بقاء المؤسسات ويدفع الجميع إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب المتمادي.

 

العراق

وإلى العراق، الَّذي تستمرّ طلائع جيشه وحشده الشّعبيّ وعشائره في تحقيق إنجازات لتحريره من الإرهاب الجاثم على أرضه، في وقت نرى ضرورة أن تمدّ تركيا يدها لتعزيز موقفه والوقوف معه في هذه المرحلة العصيبة، لا أن تزيد من أزماته، بما يهدّد سيادته ويفتح الباب على تدخلات أخرى.

إنَّ الوضع بات يستدعي حواراً وتواصلاً يساهم في حلّ هذه الأزمة، ويجيب عن التساؤلات المطروحة حول الخطوة الأخيرة وما وراءها.. حيث يسعى العراق إلى بناء أفضل العلاقات مع جيرانه، انطلاقاً من المبدأ الإسلاميّ القائم على حسن الجوار والمصالح المشتركة.

 

لبنان

ونصل إلى لبنان، الذي لا يزال ينتظر نضوج الطبخة الرئاسية التي كان يريدها اللبنانيون بفارغ الصبر، لتأمين حالة الاستقرار المنشودة وحل الكثير من المشكلات التي يعانيها هذا البلد، ولكن يبدو أن الأمر لم يكن بالصورة التي يتمناها اللبنانيون، في ظل تعقيدات الخارج وعدم التوافق على السلة الواحدة المطلوبة للحل، حيث بات هذا الاستحقاق مرتبطاً بالعديد من الملفات، أبرزها القانون الانتخابي، وحكومة التوافق، وآليات التعامل مع قضايا المنطقة.

ومن هنا، وحرصاً على عدم تضييع فرصة انتخاب رئيس جمهورية، ندعو إلى مزيد من المشاورات والحوارات، للتوصل إلى اتفاق يضمن تمرير هذا الاستحقاق بالصورة التي تضمن توافق اللبنانيين، ولا تزيد أزمات هذا البلد.

 

تصريح ترامب

وفي سياقٍ آخر، يأتي تصريح مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، ليشير إلى جو من الكراهية يشيعه البعض في أميركا والغرب ضد المسلمين، باعتبارهم يمثلون قنابل موقوتة يُخشى أن تنفجر في أي وقت، لذلك ينبغي أن يعزلوا أو ينفوا، أو لا يسمح لهم بالدخول إلى هذه البلاد، وقد بات هذا الأمر يدفع بعض المسلمين إلى الخوف من إبراز مظاهر إسلامهم، مما نراه يسيء إلى صورة الحرية التي كان يشعر بها المسلمون وغيرهم في هذه البلاد، ويسيء إلى علاقة المسلمين بالغرب، ويساهم في تجييش العداء تجاههم، في الوقت الذي نريد استمرار هذه العلاقة التي تخدم مصالح الجميع.

 

إننا إذ نقدر كل التصريحات والمواقف الرسمية وغير الرسمية التي صدرت في مواجهة هذا المنطق، نأمل اتخاذ كل الإجراءات التي تساهم في طمأنة المسلمين وتحقيق الاستقرار والأمان لهم، وتضمن أن لا يأخذوا بجريرة قلة من الإرهابيين، ولا سيّما أنهم أكثر الناس تضرراً منهم. وفي هذا الوقت، ندعو المسلمين إلى تعزيز الخطاب الإسلاميّ الأصيل الذي يؤكد روح الانفتاح، ومد جسور التواصل، وكفّ أيدي كل الذين يسيئون إلى صورة الإسلام والمسلمين.

 

عربسات وقناة المنار

وأخيراً، لا بدَّ من التوقّف عند صدور قرارات نراها ظالمة بحق قناة الميادين سابقاً وقناة المنار لاحقاً، وهي تأتي في سياق التضييق على حرية الإعلام في لبنان؛ الحرية التي يتميز بها هذا البلد، ومنع إيصال الصوت المقاوم والمساند للقضية الفلسطينية ولقضايا الحرية.

 

إن المبررات التي قُدّمت لتبرير إلغاء هذا العقد ليست مقنعة، وخصوصاً أنه لم يتم التعامل بالصورة نفسها مع قنوات أخرى تسيء إلى رموز عربية وإسلامية، وتروّج للفتنة بطريقة وأخرى، وهي تساهم في زيادة الشكوك في اعتبار القرار سياسياً وغير تقني.. إننا في الوقت الذي ندعو شركة عربسات إلى إعادة النظر في قرارها، والتعامل بإيجابية مع هذه المحطة، نظراً إلى تاريخها وجهادها وتضحياتها، ندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها، واعتبار هذه القضية قضية وطنية تمس روح لبنان وعمدته، وهي الحرية.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ:29 صفر1437هـ الموافق : 11 ك1 2015م
 

 

 

Leave A Reply