النصيحة : أعظم هدية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.

يقوم بناء الشخصية الاسلامية على فلسفة تربوية قوامها أن الإنسان هو مصدر للخير ينبع من عقله وقلبه ويده وعمله ومن كل كيانه، فالانانية واللامبالاة لا وجود لها في قاموس الاسلام، بل معيار إيمان الإنسان هو ما يتركه من آثار الخير والبركة والنفع في الناس، وهذا لايتعلق بالمنجزات المادية فحسب، بل بالامور التي تصرف في قاموس الانسانية  في تعامُلِ  الانسان مع أخيه الانسان. وهنا نستذكر الحديث الذي يقول: " عاشروا الناس معاشرةً إن غبتم حنّوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم "

فمادة  الخير، لا تقف عند حدود المال كما يتصور  بعض الناس، فالبسمة خير، والكلمة الطيّبةُ خير، والتحية خير،والرحمة خير وحسن العشرة والتسامح خير والدعم والتشجيع خير، ومن هذا الخير: النصيحة والنصح.

النصيحة ثمرة محبة وهي "من أخلاق الكرام" كما يقول الامام علي  ويضيف" المؤمن غريزته النصح". لهذا جعلها الاسلام واجبا وها هو رسول الله يعرف الإسلام بقوله: "الدين النصيحة"

وإذا تأمّلنا سيرة معظم الانبياء والرسل نجد ان النصيحة هي العنوان الذي انطلقوا به  فلا إكراه في الدين. النبي نوح نصح قومه مئات السنين يبين ويعظ ويَرشد وينصح : { قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وهود لا يكل ولا يمل ويخاطب قومه : {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.

فمن هنا نفهم لماذا كانت النصيحة حجر زاوية في مسيرة الرسالة، تُقَدَّم   لكل من يحتاج إليها؛ الى من يطلبها أو حتى من لا يطلبها، "يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب" "المؤمن أخو المؤمن، يحقّ عليه النصيحة". حقاً وليس منةً او جميلا أو مصلحة أو رصيداً (البعض ينصح ويفيد ولكنه يطالب مقابله في ما بعد)

وللتشجيع على هذا السلوك الحميد فقد اعتبره الاسلام من السبل التي تعبد الطريق الى الجنة : "إن أعظم الناس منزلةً يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه".

وعن الإمام الصادق(ع): "عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه".

ومن هنا نفهم ايها الاحبة لماذا أزال الإسلام من أمام النصيحة عائق الغيبة رغم أنها من الكبائر،  فهو أجاز لك أن تتحدث عن عيوب إنسان ما  في حال جاء من  يطلب نصحك  لتوظيفه او لتزويجه او للتشارك معه أو غير ذلك..  بل يحق لك أن تُبادر وتحذره من  هذه العيوب، وإن لم تفعل فأنت تتحمل مسؤولية ذلك الى يوم القيامة.

ايها الاحبة :

­­­­ان النصيحة في الاسلام ليست ترفا فكريا او اجتماعيا بل هي واجبٌ وفريضة، يجب على المتمكن ان يقدم عليها وهو غير معذور ابدا حتى ولو كانت هناك صعاب.  

عليه اولا  اختيار الاسلوب الامثل للنصيحة ثم يختار المكان والزمان وقبل كل شيئ عليه ان يكون ­­­قد قام بدور الناصح  لنفسه والا لا نفع من نصحه للناس وينطبق عليه {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ.. } من يبدأ بنصح الناس قبل نفسه واهله يفقد مصداقيته  ولا يُقبل منه. وقد ورد عن علي(ع): "إن أنصح الناس أنصحهم لنفسه، وأطوعهم لربه".

ثم على الناصح أن يصبر، اذ حث الاسلام الناصحين على ضرورة الصبر وتحمل ردود الفعل ممن قد لا يعون أهمية النصائح التي توجه إليهم.. أو يعتبرونها إساءة وانتقاصاً من مواقعهم أو تعليماً عليهم، فيصدونهم.

قديما كانت النصيحة بجمل، كما يقال في المثل فالذين كانوا قدوة وأسوة كانوا مقصد طالبي النصيحة التي يدفع مقابلها جمل ) اما اليوم فقد بات بعض الناس ينظرون اليها تهمة أو تسجيل نقطة، الامام علي(ع) ينصح : "يا أيها الناس اقبلوا النصيحة ممن نصحكم وتلقوها بالطاعة ممن حملها إليكم، واعلموا أن الله سبحانه لم يمدح من القلوب إلا أوعاها للحكمة ومن الناس إلا أسرعهم إلى الحق". وفي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "اتبع من يبكيك وهو لك ناصح ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش". وقد ورد في الحديث: "ليكن أحبَّ الناس إليك المشفق الناصح"، وفي حديث آخر: "من أمرك بإصلاح نفسك، فهو أحقُّ من تطيعه".

 

أيها الأحبة:

النصيحة هي أعظم هدية تُهدى لنا، فكم من كلمة أنارت لنا دروب حياتنا وقللت من أخطائنا ودفعت المكاره عنا.. وأعانتنا على مواجهة صعوبات الحياة، وقوّت فينا العزم والإرادة، وأحيت فينا الأمل، وأعادتنا إلى أحضان  الإيمان.

الناصح المؤمن لا يمكن له انطلاقا من ايمانه ان يرى أحدا  يسير في طريق خطأ  ويتركه ..  بل يخبره.  وبالمناسبة قد يكرهه ذلك الشخص  ولا يتقبل  منه ولكن لا يمكن له الا ان ينصحه. فهو يعرف أنه اذا لم يجد نتيجة فعلى الاقل أُعذِر الى الله : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}

 (أيّها الاخوة إن هدف أن نُعذر امام الله  يجب ان يكون فوق كل الاهداف على الاطلاق ولا يهمُّ الانسان مراعاة أحد اذا أعذر الى الله )

لا بد من استعادة ثقافة النصيحة هذه الفضيلة الاجتماعية الكبرى لتكون هي الحاكمة في علاقاتنا بعدما ضيعناها في الحسابات المادية أو في حسابات المصالح، وقد ورد عن علي(ع): "لا خيرَ في قومٍ ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبُّون الناصحين".

اليوم ترى المشهد :لا يعطي أحد النصيحة إلا لقاء مصلحة.. وفي المقلب الآخر لا يتقبل احد النصيحة بسبب الشك والريبة والخوف أوبحجة الخصوصية  او لعُقَد من الشخص الناصح او اقراراً بالضعف و تفوق الآخر عليه …. لقد أضعنا هذه الفضيلة  وخسرنا من ثواب النصح والتواصي بالحق وثوابها صدقة جارية ونحن نخسر اكثر من عدم  تقبلنا  لنصائح  الآخرين.. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

نخسر لان نصائح المجربين المخلصين الامناء الحريصين توفر علينا  الكثير من المعاناة وتختصر رحلة البدء من الصفر … ونحن بالمناسبة أشطر ما نكون بالبدء من الصفر او تحت الصفر في كل المشاريع التجارية والاجتماعية والاعلامية والثقافية.. ترانا الكل يبدأ من حيث بدأ الآخرون، لا ينظر احد إلى تجربة من سبقه، لا يريد ان يراها. في الوقت الذي عليه استخلاص النصح من هذه التجربة او تلك  والاستشارة والوقوف على تجربتهم حتى يتفادى الاخطاء التي وقعوا بها..

النصح يكون بالقول او العمل ننتصح من الأفراد ومن التجارب أيضاً.

غير مسموح ايها الاحبة ان يعاد الخطأ ويكرر على مستوى التجارب المختلفة للافراد، للحركات والاحزاب والتيارات والقيادات والمدارس والمناهج والبرامج  وكل التجارب الانسانية والعملية  المختلفة سواء أكانت في المجتمع الواحد او في البلدات المختلفة او في الدول المختلفة..

يقال، من الحكمة  الانسانية انه على الانسان ان لا يقع  في خطئه مرتين  ونقول  فوق هذا: ينبغي على الانسان ان لا يعيد ارتكاب اخطاء غيره ايضاً.

نعم عندما تستنسخ اخطاء الآخرين  وتمشي على خطاهم  فأنت تغبن  نفسك وتغشها،  ولا ينفعك ان  تدير ظهرك او تشيح بوجهك، تجارب الناس هي ملك البشرية وعلى الانسان الاستفادة منها كلها.. والا برأيكم كيف يمكن لنا ان نتطور مع ظاهرة تقليد بعضنا واستنساخ تجارب بعضنا.. ليس هكذا نعمر الارض ولا هكذا ننمو بل هذا يجعلنا نسير كالسلحفاة… فيما الآخرون يراكمون تجاربهم ويتطورون. هذه التجربة درجة وتلك درجة وهكذا تصبح التجارب سلما يصعدون ومن خلاله تُطالُ النجوم ..

عندما تحدث الإمام الصادق(ع) عن علي(ع) قال: "إن علياً عليه السلام كان عبداً ناصحاً لله عز وجل فنصحه". وها هو الامام علي ينصحنا ويشير إلى ناصح موجود بين أيدينا لنتعلق ونتمسك به فيقول:

"اتّعظوا بمواعظ اللّه، واقبلوا نصيحة اللّه.. واعلموا أنّ هذا القرآن هو النّاصح الّذي لا يغشّ.. استنصحوه على أنفسكم، و اتّهموا عليه آراءكم.. واستغشّوا فيه أهواءكم" ونصيحة  علي هذه  وحدها تحتاج الى تبحر واستنصاح واستفادة  ندعو الله ان يعيننا على ذلك في لقاءاتٍ قادمة.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
 

الخطبة الثانية 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، الأخذ بما ورد عن السيدة الزهراء(ع)، حيث ذكرت السيرة أنَّ رجلاً جاء إليها، فقال: يا بنت رسول الله، عندك شيء تطرفينيه؟ فدعت(ع) فضة، وهي التي خدمت السيدة الزهراء(ع) في آخر عمرها الشريف، وقالت لها: "هاتي تلك الحريرة" ـ الجريدة التي كان عليها ما تسمعه من رسول الله(ص) ـ فطلبتها، فلم تجدها. فقالت: ويحك اطلبيها، فإنها تعدل عندي حسناً وحسيناً"، فهذا تراث رسول الله، فطلبتها من جديد، فإذا بفضّة قد قمّمتها في قمامتها (وضعتها في النفايات)، ظناً منها أنَّ الزهراء لا تريدها، فإذا فيها: قال رسول الله(ص): "ليس من المؤمنين، من لم يأمن جاره بوائقه (أذاه). ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو يسكت. إنَّ الله خيرٌ يحب الخيّر، الحليم، المتعفّف، ويبغض الفاحش، الضنين، السائل، الملحف. إنَّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار".

أيها الأحبَّة، إنَّ أفضل تعبير عن حبّنا للزهراء(ع)؛ بضعة رسول الله(ص)، وسيّدة نساء العالمين، يكون بأن نهتدي بهذه الكلمات الّتي اهتمّت بها، فجعلتها توازي عندها الحسن والحسين، وكلّنا يعرف أي موقعٍ لهما في قلب أمهما!

إننا لا نريد في مناسبة وفاة السيّدة الزهراء(ع)، التي مرت علينا يوم أمس، بناءً على الرواية التي تقول إنها توفيت بعد 95 يوماً من وفاة أبيها(ص)، أن نكتفي بذرف دموع الحزن عليها، فلا بُد من أن تُذرف هذه الدموع أسوةً بدموع زينب، وأم كلثوم، والحسن، والحسين، وعلي(ع)، ولكن لا بدَّ أيضاً لهذه المناسبة من أن تكون مناسبة لتأكيد التزامنا بها كقدوة؛ قدوة للرجال والنساء في حب الله ورسوله، وفي العبادة والتضحية، وفي الصبر والثبات في المواقف الصلبة، لكونها أنموذجاً لكل أم وبنت وزوجة. وفي استلهامنا لكل هذه المعاني، نسمو حيث سمت الزهراء(ع)، ونكون أقدر على مواجهة التحديات.

والبداية من لبنان، الذي شهد في الأيام الأخيرة نقلة نوعية على المستوى السياسي والأمني، حيث أكَّد اللبنانيون إرادة التلاقي والتواصل، فما إن أُزيلت الحواجز الإسمنتية والمتاريس فيما بينهم، حتى سارعوا إلى تبادل مشاعر الودّ والرغبة في التّعايش معاً، بعيداً عن كلّ الحسابات الطائفيَّة والمذهبيَّة، وسياسة التّخويف وإثارة الهواجس الّتي سوّق لها من أراد لطرابلس وكل لبنان، أن يكونا ساحة لإثارة الفتنة وتأجيج الأحقاد لحسابات الداخل والخارج.

والكلّ يعرف أنَّ ما تحقّق هو نتيجة لتوفير الغطاء السياسي الَّذي تأمّن للجيش والقوى الأمنيّة. ومن حقّ اللبنانيين أن يسألوا كل مَن هُم في مواقع المسؤولية: لماذا لم يتوافر هذا الغطاء السّياسي قبل كلّ جولات العنف السابقة، وقبل أن يسقط العشرات من الضحايا، بل المئات منهم، وقبل كل هذا الدمار وأجواء الخوف!

إننا ندعو إلى أن يكون هذا الإنجاز الأمني الكبير للجيش، مقدّمة تشمل كلّ المناطق اللبنانيّة بشكلٍ متوازن، وخصوصاً تلك الّتي تشهد توترات، وتعدُّ منطلقاً لأعمال التفجير والخطف والسرقات وما إلى ذلك، ونهيب بالجميع أن يتفاعلوا مع هذه الخطة بإيجابية وعقلانية وحسّ مسؤولية، حتى نحفظ البلد في إنسانه وشعبه وطوائفه ومذاهبه، ممن يسيئون إلى صورته، ويعملون لإبقائه في دوامة التفجير والعنف.

وهنا، نعيد التشديد على الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة، والقادرة على توفير الأمن للبنانيين، أن تتحمّل مسؤوليتها الوطنية والإنسانية في تكريس هذا الاستقرار الأمني، حتى لا يكون هناك خوف من أن تكون هذه المرحلة هي استراحة المحاربين، انتظاراً لجولة جديدة تحدّدها ظروف الداخل أو الخارج، أو لتمرير الاستحقاق الرئاسي المطلوب دولياً بهدوء.

إنّ صدقية الدولة أمام شعبها، توجب عليها العمل بكلّ جدية لمعالجة الأسباب التي تؤدي إلى  عودة التقاتل والفتن، وفتح سبل الحوار الجدي بين مختلف القوى الموجودة على الأرض، والتوقف عن إطلاق الخطاب الانفعالي المتوتر والمثير للحساسيات الطائفية والمذهبية، وعدم استعادة أحقاد الماضي البعيد والقريب وآلامه، أو الاستسلام للهواجس والمخاوف، والعودة إلى الخطاب العقلاني الموضوعي الذي يلحظ مصلحة البلد ومواطنيه بكل مسؤولية.

إننا نأمل أن يكون اللبنانيون قد أخذوا مما جرى درساً جديداً لطالما أكدناه، وهو أن لا خيار أمامهم إلا التوافق والحوار والتواصل، وعليهم أن لا يسمحوا مجدداً لكل العابثين في الداخل والخارج بأن يجدوا لهم أرضاً خصبة، فلطالما لدغنا من جحر مرتين، فلا نلدغ منه مجدداً.

ومن جهة أخرى، فإننا نرحّب بعودة الحيوية والفعالية إلى المجلس النيابي والحكومة، لمعالجة الملفات المعيشية والحياتية، وتسيير عجلة الإدارات، ومواجهة الاستحقاقات القادمة. وإننا إذ نثني على القرارات التي اتخذها المجلس النيابي في تثبيت المياومين، وقانون العنف الأسري، وقانون الإيجارات، رغم بعض الملاحظات عليها، نأمل إقرار تثبيت العاملين في الدفاع المدني، ومعالجة بقية الملفات المعيشية والإنمائية الملحّة، ولا سيما ما يتعلق بموظفي القطاع العام.

وفي هذا المجال، فإن من الأهمية بمكان الإسراع في إنجاز ملف النفط والتلزيمات لهذا الملف، والذي لا يزال يسير ببطء رغم أهمية دور هذا القطاع في حل مشكلة الدين العام. ولا بد من إبعاد هذا القطاع عن المحاصصة الطائفية، وعدم إخضاعه لحسابات البازار السياسي أو سياسة المراوحة، بحيث يصل اللبنانيون متأخرين، فيجدون الكيان الصهيوني وغيره قد استخرجوا أغلب هذا المخزون.

وأخيراً، لا بدَّ من أن نضمّ صوتنا إلى كلّ الأصوات التي تدعو إلى قيام الحكومة بمسؤوليّتها في معالجة أزمة المستشفى الحكومي، والنقص في التقديمات والكادر الطبي فيه، حرصاً على الفقراء الذين يجدون في هذا المستشفى ملاذاً لهم، نظراً إلى ارتفاع كلفة الاستشفاء.

ونحن هنا، نثمِّن الصرخة التي أطلقها وزير الصحة في دعوته الحكومة، إما إلى تزويد المستشفى بكل المتطلبات الأساسية والضرورية، وإما إلى إغلاقه، ونحن طبعاً لا نريد له أن يُغلق.

إننا نخشى أن تكون السياسة في هذا البلد، قائمة على أن لا مكان للفقراء فيه، وأن الأغنياء وحدهم هم الذين يستطيعون تأمين حاجاتهم، بينما يموت الفقراء على أبواب المستشفيات، أو يهاجرون إلى بلاد الله الواسعة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 4 جمادي الآخرة 1435هـ الموافق : 4 نيسان 2014م

Leave A Reply