الوفاء لشهر رمضان بالحزن على فراقه

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

{اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}.

 

الوفاء لشهر رمضان

إنّ الوفاء لشهر رمضان الّذي نعمنا فيه بأفضاله وعطاياه وبركاته، وأنس لياليه وأسحاره، والتواصل أكثر مع الله سبحانه، من خلال صيامنا وصلواتنا ودعواتنا وقراءتنا للقرآن وأذكارنا واستغفارنا، وكنا فيه أقوى على أنفسنا، حين كانت تتردّد منا كلمة "إني صائم"، عندما تسوّل لنا أنفسنا أو يدفعنا الآخرون إلى ارتكاب غيبةٍ أو نميمةٍ أو إساءةٍ أو حرامٍ.. وكان الخير ينساب منا بعفويةٍ في تبرّعاتنا وصدقاتنا، وفي إكرامنا للأيتام وذوي الحاجة، وكنا نحرص على التردّد إلى المساجد وأداء صلاة الجماعة، ما أمكننا إلى ذلك.. وكانت نفوسنا تتوق فيه إلى استماع المواعظ والنصائح.

 

إنّ الوفاء لهذا الشّهر يكون بالحزن لفراقه، أن لا نشعر، كما قد يشعر البعض، بأنه كان عبئاً علينا وانزاح، وأن نقول ما كان يقول الإمام زين العابدين(ع): "فنحن مودّعوه وداع من عزّ فراقه علينا، وغمّنا وأوحشنا انصرافه عنّا، ولزمنا له الذّمام المحفوظ، والحرمة المرعيّهّ، والحقّ المقضي، فنحن قائلون:

السّلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيّام والسّاعات.

السّلام عليك من قرين جلّ قدره موجوداً، وأفجع فقده مفقوداً، ومرجوٍّ آلم فراقه.

السّلام عليك من مجاور رقّت فيه القلوب، وقلّت فيه الذّنوب.

السّلام عليك غير مودّع برماً، ولا متروك صيامه سأماً.

السّلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك، وأشدّ شوقنا غداً إليك!".

 

إنَّ الوفاء لهذا الشهر يكون بأن نعكس تربيته لنا على سلوكنا، بحيث نصبح أكثر قدرةً على الإمساك بزمام أنفسنا الأمّارة بالسوء، ونصبح أكثر تقوى، وأن لا نفارق مع مغادرته ما كنا نحرص عليه طوال هذا الشهر من الدعاء، وقراءة القرآن، والصلاة في وقتها، وأداء النوافل، وصلاة الليل في السحر، والتواجد في المساجد، وأداء الصلاة جماعةً، والتواصل مع المؤمنين، وصلة الأرحام، وتعاهد الجيران، وبذل الخير والعطاء، وصفاء الروح والسريرة.

 

وقد كان التعبير الأفضل عن الأثر الذي تركه فينا هذا الشهر حين دفعنا زكاة الفطرة، فمن أهمّ أهداف الصيام، أن يشعر الأغنياء بآلام الفقراء ومعاناتهم .

 

 

الخطبة الثانية

إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى تعزيز روح التكامل والتعاون، حيث يزداد الفقراء فقراً، ويزداد الوضع الاقتصاديّ سوءاً. ومتى حققنا ذلك، فإننا نملك القدرة على مواجهة التحدّيات.

 

متى تبصر الحكومة النّور؟!

والبداية من لبنان، حيث لايزال اللّبنانيون ينتظرون جلاء الصورة عن حكومة يريدونها أن تعبّر عن طموحاتهم، وتساهم في حلّ أزماتهم ورفع معاناتهم الّتي تزداد يوماً بعد يوم، ولكن لا يبدو أنّ خارطة طريق القوى السياسيّة تصبّ في هذا الاتجاه. فالوقائع تؤكّد أنها غير مستعجلة في تحقيق ما يريده اللّبنانيون، وكلٌّ له أجندته وحساباته في ذلك.

ونحن من جهتنا، نعيد دعوة القوى السياسية إلى أن ترتقي إلى مستوى خطابها ووعودها، وأن تنظر بجدية إلى التحديات التي تواجه هذا البلد، وهي واضحة وليست خافيةً عنها، بل دائماً يُتحدَّث عنها، ولكن من يقرن القول بالفعل؟

إننا نقول لهؤلاء، إنكم لستم أصحاب المسؤولية التي تتولّونها، بل الأمناء عليها، فكونوا الأمناء، وكونوا الصادقين مع ناسكم الّذين يبذلون التضحيات من أجلكم.

 

معالجات مرحليّة!

في هذا الوقت، يستعيد المشهد السياسي الحديث عن قضية النازحين السوريين، والتي هي من القضايا الملحّة التي لا بدّ من أن نسارع إلى معالجتها، نظراً إلى تداعياتها على الداخل اللبناني مما لا يحتاج إلى دليل لإثباته.

ونحن في هذا المجال الذي نقدّر منطلقات من يحملون همَّ هذه القضية ويتابعونها، ولكننا لا نرى أن علاجها بالبساطة التي تطرح فيها، لتعقيدات الملف السوري برمّته، وتداعيات هذه القضية بالذات، حيث يتداخل فيها البعد الإنساني بالأمني والسياسي، وباعتبارات المنظمات الدولية.

 

لذلك، نحن ندعو إلى أن تكون مقاربة هذه القضية بما يضمن مصلحة الوطن ومصلحة النازحين، ونحن مع من يدعو إلى المعالجات المرحليّة، بعدما أصبح واضحاً أنّ العلاج الشامل بعيد، أو ينتظر أن يستعيد هذا البلد عافيته التي نسأل الله أن تكون قريبة.

 

التّعويض عن الأضرار

وأخيراً، لا بدّ من التوقف عند ما أصاب البقاع الشمالي من سيل جارف، وخصوصاً القاع ورأس بعلبك، وأدى إلى أضرار فادحة بالممتلكات والمزروعات، ونحن هنا نضمّ صوتنا إلى كل الأصوات التي دعت إلى المسارعة في التعويض عن هذه الأضرار الّتي تزيد معاناة أهل البقاع وتراكم مشاكلهم.

 

Leave A Reply