بناء المجتمع على دعائم العدل

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

 

قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} صدق الله العظيم..

 

ورد في سبب نزول هذه الآية أن صحابياً من صحابة رسول الله(ص) من الأنصار من قبيلة الأوس سُرقت له درع فاتهم بها رجلاً من الأنصار من قبيلة الخزرج واسمه بشير بن الأبيرق.. فأتى صاحب الدرع إلى رسول الله(ص) يشكو بشيراً ليأخذ له حقه ويعيد إليه..

 

لما علم السارق أن أمره قد اكتشف وأن الخبر وصل إلى رسول الله(ص)، عمد إلى الدرع وألقاه في بيت رجل من يهود المدينة، وطلب من عشيرته أن يذهبوا إلى رسول الله(ص) وأن يشهدوا ببراءته فيما اتهم به.. فجاءوا إليه وقالوا له يا رسول الله: أتيناك لتدفع ظلماً نزل بأحد أبناء قبيلتنا عندما اتهم زوراً بالسرقة، فيما السارق هو أحد اليهود، فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه(دافع عنه)، فإنه إن لم يعصمه الله بك ينتهك، وبالفعل تبين للمسلمين بعد أن أمرهم رسول الله(ص) بالتثبت من أمر الدرع أن الدرع موجود فعلاً في بيت اليهودي، فأصدر حكمه(ص) باتهام اليهودي وببراءة بشير وبيَّنها لكل المسلمين..

 

من الطبيعي أن يحكم النبي بذلك، فالنبي(ص) في كل ما كان يقضي به على الناس كان يحكم بناءً على الأدلة التي تقدم إليه من طرفي الخلاف المدعي والمدعى عليه.. ولذلك كان يقول: "إنما اقضي بينكم بالبيِّنات والأيمان.. وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ قد يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ"..

 

ونزلت بعد ذلك الآيات الكريمة على رسول الله(ص) لتبين له الحقيقة التي خفيت عليه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً}..

 

فهي أتت لتثبت أن رسول الله جاء ليحكم بالحق والعدل، ولا يمكن أن يدافع عن سارق وخائن للأمانة حتى لو كان أقرب الناس إليه.. ولإظهار فداحة هذه الجريمة بينت العاقبة التي سيصل إليها من اتهم بريئاً وكل من أساء إلى سمعة شخص بذنب لم يفعله أو خطيئة لم يقترفها {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}..

وعلى أثر ذلك دعا رسول الله(ص) المسلمين على عجل إلى أن يجتمعوا في المسجد عند صلاة الفجر حيث أنبأهم بما جاء من عند الله..

 

لقد كان هذا الحكم مفاجئاً للمسلمين، فكيف تنزل آيات من عند الله سبحانه لتبرئ يهودياً من تبعة السرقة فيما هي تدين مسلماً.. وهو أمر قد يستغله اليهود لحسابهم.. ولكن هذا زادهم إيماناً بهذا الدين وبرسول الله(ص) الذي لا يظلم عنده أحد..

وقد هز هذا الموقف اليهودي، فسارع ليعلن بين يدي رسول الله(ص) إسلامه ويقول له: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك بحق رسول الله..

 

وهنا تذكر السيرة أن بشيراً لما علم بنزول الآيات بحقه بدلاً من أن يختار الدخول من باب التوبة التي فتحها الله له عندما قال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً}.. فهو ترك المدينة والتحق بمشركي مكة وارتد عن الإسلام، فنزلت فيه الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}..

 

لم يرد القرآن الكريم من هذه الآيات الكريمة أن تتناول حدثاً حصل في أيام رسول الله(ص) ليبقى حديث تاريخ مضى، لكنه أراد أن يبين من خلاله عدة قواعد لا بد أن تحكم المجتمع المؤمن وتشكل أساساً وقاعدة له..

 

القاعدة الأولى: حفظ كرامة الإنسان في هذا المجتمع فهو لم يجز المس بها أو النيل منها أو إهدارها تحت أي اعتبار.. ومن أبرز الموارد التي تحفظ كرامة الإنسان هو عدم الافتراء على الآخرين لتشويه صورتهم وإسقاط موقعهم في نفوس الناس..

ومع الأسف بتنا نجد مثل هذا السلوك في واقعنا من الذين يعمدون إلى تشويه صورة من يخالفونهم في الدين أو المذهب أو السياسة أو من يرونهم مزاحمين لهم أو منافسين، بأن ينسبوا إليهم أفعالاً لم يفعلوها أو أقوالاً لم يقولوها أو يخرجوا كلامهم عن سياقه أو بتقطيع كلامهم أو بإظهارهم بمظهر غير لائق أو طمس صفات أو أدوار إيجابية قاموا بها..

 

وقد جاء التحذير في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، التحذير من انتهاج هذا الأسلوب، وفي ذلك الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}..

 

وفي الحديث: "إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء"..

 

وقد ورد في الحديث: "خمس لا كفارة لهم (أي جرم لا يغفر): الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم بغير الحق والفرار من الزحف والبهتان".. والبهتان (هو الافتراء)…

 

وفي الحديث عن رسول الله(ص): "ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء المعايب"..

 

وفي الحديث: من بهت مؤمناً أو مؤمنة، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله تعالى يوم القيامة على تلّ من نار حتَّى يخرج ممّا قاله فيه"..

 

أما القاعدة الثانية هي أن العدالة في هذا المجتمع للجميع، وهي ليست لبعض دون البعض الآخر، فالعدالة في نظر الإسلام لا تتأثر بعاطفةً حب أو بغض أو هوى لاختلاف في الدين أو المذهب أو الموقف السياسي.. أو تخضع لموازين القوى أو موازين المال أو السلطة، فالعدالة هي فوق كل اعتبار.. هذا ما دعا الله إليه عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، ثم يقول: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}..

 

وعندما قال عزَّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}..

 

وقد كانت وصية علي(ع) لولديه الحسن والحسن(ع): "أوصيكما بتقوى الله في الغنى والفقر، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على الصديق والعدوّ"..

 

وقد رأينا كيف أن القرآن الكريم يتحيز لليهودي المظلوم على حساب المسلم الظالم، في الوقت الذي كان هناك أكثر من سبب يدعو ليكون الحكم لحساب المسلم..

 

السبب الأول، هو أن اليهودي الذي دافع القرآن الكريم عنه هو من يهود المدينة المعروفين بعدائهم لرسول الله(ص) وللمسلمين، والذين لم يدَعوا فرصة للتآمر عليهم إلا وقاموا بها.. حتى نزلت فيهم الآية: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..}..

 

وسبب آخر هو أن من نزلت الآية لتدينه هو من الأنصار الذين أووا ونصروا رسول الله(ص)، وقدموا التضحيات من أموالهم وأنفسهم لحماية الإسلام.. وهذا الاتهام قد يؤدي إلى رد فعل سلبي من قبلهم تجاه رسول الله(ص)، في ظل العصبيات العشائرية والقبلية التي كانت لا تزال فاعلة في الواقع الإسلامي المستجد.. وقد يؤدي لإعادة التوتر بين الأوس والخزرج الذي كان بينهما عداء مستحكم قبل الإسلام لكون السارق من الأوس وصاحب الدرع هو من الخزرج..

 

وبالتالي وفق المعيار السياسي لم يكن ثمة مصلحة لكي تنزل الآيات الكريمات لتبين براءة اليهودي وافتراء المسلم، ولكن مقياس ومعيار الإسلام ورسالة رسول الله(ص) إنما يقوم على أساس الحق والعدل..

 

أما القاعدة الثالثة فتتصل بتوجيه المجتمع المسلم إلى عدم الدفاع عن أي شخص يخون أمانته فيسرق أو يتهم بغير حق، حتى لو كان من أقرب الناس إليه….

ولتبيان أهميته كان الخطاب لرسول الله(ص): {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}..

وإلى الذين دفعتهم عاطفتهم للدفاع: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً}..

 

إن الالتزام بمثل هذا السلوك هو الذي يردع السارقين والفاسدين عن سلوكهم، فهم يرتدعون عندما يقاطعهم المجتمع ولا يرون أحداً بجانبهم يبرر لهم أعمالهم وسلوكهم كما يحصل في واقعنا عندما نبرر للزعماء والشخصيات التي تسرق وتفسد وتسيء إلى مصالح الناس..

 

وقد حملنا الله سبحانه وتعالى كمجتمع هذه المسؤولية عندما قال: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}..

 

وعن رسول الله(ص): "إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة وأعوانهم ومن لاق لهم دواة أو ربط لهم كيساً أو مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم".. كما قال علي(ع) لولديه الحسن والحسين(ع) كونا للمظلوم عوناً وللظالم خصماً..

 

أيها الأحبة:

لقد نزلت الآيات القرآنية لتعيد الحق إلى نصابه ولتظهر من المظلوم ومن الظالم ومن البريء ومن المتهم.. ولكن بعد أن توقف نزول القرآن ونزول الوحي، هل تضيع الحقائق ويتهم المظلومون، ويُبرأ الظالمون.. لقد أراد الله منا أن نحمل هذه المسؤولية بأن نكون دعاة عدل بأن ندقق نحن في أحكامنا ومواقفنا حتى لا نتهم بريئاً ولا نظلم إنساناً أي إنسان بحضرتنا، وأن لا نسمح لأحد بحضرتنا أن يتهم بريئاً أو أن يبرأ ظالماً.. وأن ندعو بما كان يدعو به الإمام زين العابدين(ع): "اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره"..

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام علي (ع)، عندما قال لنا: "تعاهدوا أمر الصّلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرّبوا بها، فإنّها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، ألا تسمعون إلى جواب أهل النّار حين سُئلوا: ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلّين، وإنها لتحتّ الذنوب حتّ الورق (عن الشجرة)، وتطلقها إطلاق الربَق، وشبّهَها رسول الله (ص) بالحَمة (كل عين تنبع بالماء الحار يشفى بها من العلل)، تكون على باب الرّجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدّرن. وقد عرف حقّها رجال من المؤمنين الَّذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرّة عين من ولد ولا مال، يقول اللَّه سبحانه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}".

كان رسول الله (ص) نصباً بالصّلاة بعد التبشير له بالجنّة، لقول الله سبحانه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، فكان يصبّر عليها نفسه، لكنَّها بالطبع ليست أيّ صلاة، هي الصلاة الواعية، الصلاة الخاشعة، الصلاة التي تنطق خشية وحباً وعشقاً لخالقها.

إننا أحوج ما نكون إلى أن نعزّز قيمة هذه الصَّلاة في نفوسنا، فهي حصن نتحصّن به من سطوات الشيطان في داخلنا؛ الشَّيطان الذي يعيش في عقولنا وقلوبنا وجوارحنا، وهي عوننا في الحياة، لقول الله سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}. وبها نكون أقدر على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي تحركت فيه عجلة المشاورات التي أطلقها رئيس الجمهوريّة لحلّ العقدة الأخيرة من عقد تأليف الحكومة، لإخراج البلد من حال المراوحة في الملفّ الحكوميّ، بعدما لم يبدِ أيٌّ من الفرقاء المعنيين بحلِّ هذه العقدة استعداداً للتنازل المطلوب، وبعدما وصل البلد إلى حال من الانحدار والتردي على كلّ الصعد، مما ينذر بكارثة، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وهو ما حذَّرت منه مراجع دوليَّة وسياسيَّة واقتصاديَّة، وكان آخرها تحذير رئيس الجمهوريَّة.

 

هذه التحذيرات جادّة وموضوعيّة، وليست كما يصوّرها البعض، بأنها ذات غايات سياسية بهدف الضّغط على الأفرقاء السياسيين لإنجاز الملفّ الحكوميّ، وتشهد بذلك الوقائع على الأرض، من إقفال شركات ومؤسَّسات وبطالة وهجرة، وما يطاول الهواء والماء والغذاء من تلوّث وما إلى ذلك.

 

إنّ من المؤسف أن لا نجد حتى الآن حرارةً مطلوبةً وإحساساً بالخطر الداهم في التعامل مع كلِّ هذه المحاذير رغم جديتها، فلا تزال المواقف والتصريحات على حالها ولم تتبدل، ما يجعل اللبنانيين يتساءلون: على ماذا تراهن القوى السياسية وهي ترى البلد بهذه الصورة؟ وهل يوازي حجم ما تصبو إليه المحاذير التي قد تنتج من الكارثة إن حصلت؟

 

طبعاً، هذا لا يعني أننا ندير ظهورنا لمطالب هذا الفريق أو ذاك، والتي قد تكون محقّة ومبرّرة، أو الهواجس التي قد يشعر بها هذا أو ذاك.. ولكن لا يمكن، وفي كلّ ذلك، أن لا نأخذ في الحسبان الواقع المزري الذي قد يصل إليه البلد، والذي إن حصل فيصيب الجميع ويهدّد الوطن.

 

لقد كنّا نراهن سابقاً على تدخّل دوليّ وإقليميّ ومسكّنات لأيّ انحدار اقتصاديّ، ولكن هذا لم يعد متاحاً في ظلّ انشغال العالم بمشاكله، ويخشى أن يكون في هذا العالم من يريد للبنان أن يصل إلى حافة الانهيار، حتى يأتي ليقول: إننا نعطيكم، ولكن لا بد من أن تعطوا من حريتكم ومن أمنكم ومن استقرار بلدكم وقوته.

 

إننا أمام ما يجري، نعيد دعوة القوى السياسية إلى اجتراح الحلول وإيجاد التسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

وفي موازاة ذلك، يستمر العدو الصهيوني بأعمال الحفر التي بدأها على السياج الحدودي بين لبنان وفلسطين، بحجة وجود أنفاق، مع ما يواكب ذلك من تهديدات للبنان واللبنانيين.. وآخرها تهديد رئيس وزرائه، الذي يسعى من خلال ذلك إلى الضغط على لبنان من جهة، وعلى الأمم المتحدة من جهة أخرى، لتغيير قواعد التفويض المعطى للقوات الدولية، والدخول على خط القرار 1701، لعلّه يحقّق من خلال التّهديد والوعيد ما لم يستطع تحقيقه بالحرب المباشرة.

 

ولكن هذا لن يحصل، فهذا العدو أضعف من أن يفرض شروطه، رغم كلِّ القدرات التي يملكها، والتغطية التي تأمَّنت له، نظراً إلى الإرباك الذي يعانيه، والذي تشهد به غزة والضفة الغربية، وإلى جهوزية الجيش اللبناني والمقاومة، ووعي الشعب اللبناني الذي لم تعد تخيفه التهويلات.

 

فلسطين

وإلى فلسطين المحتلة والضفّة الغربية، حيث تتوالى العمليات البطولية، وليس آخرها العملية التي جرت شرق مدينة رام الله، والتي أصابت مقتلاً في العدو، وجاءت رداً طبيعياً على السياسة التي يتّبعها لإذلال هذا الشَّعب وقهره، وهي تؤكّد وحدة العمل المقاوم في الضفة الغربية وغزة.

 

ونحن في الوقت الّذي نحيّي هذه النماذج من الشعب الفلسطيني الذي أثبت أن الاحتلال ليس قادراً على تطويعه، ندعو كل العرب والمسلمين إلى تحمّل مسؤولياتهم للتضامن مع هذا الشعب ورفده بكل عناصر القوة والصمود.

 

 

اليمن

ونصل إلى اليمن، حيث نأمل أن تساهم القرارات الناتجة من المفاوضات التي جرت أخيراً في السويد بين الأطراف اليمنيين، إلى فتح باب الحل لإنهاء هذه الحرب الكارثية بكل أبعادها..

 

 

Leave A Reply