حب الأوطان من الإيمان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى 

 

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}…

 

أودع الله في الإنسان العديد من الغرائز الضرورية لحياته ولأداء دوره في هذه الحياة.. ومن هذه الغرائز غريزة حبه لوطنه.. فالإنسان بطبيعته يحب وطنه مسقط رأسه ووطن آبائه وأجداده، ويألف الأرض التي تربى وترعرع فيها وتنفس هواءها وارتوى من مائها وأكل من خيراتها ونسج فيها علاقاته مع الذين يعيشون معه فيها.

 

وبسبب هذا الحب تجد الناس يحرصون على بناء أوطانهم وإعمارها والدفاع عنها، وبذل الغالي والنفيس من أجل حريتها ومنع استهدافها من أعدائها.. وإلى هذا أشار الإمام علي(ع): "عمّرت البلدان بحب الأوطان"..

 

وقد حرص الإسلام في تربيته على تعزيز هذا الحب وتعيمقه، وفي ذلك ورد: "حب الوطن من الإيمان"..

 

لذا لم يكن غريباً أن يسكن هذا الحب ويتوطن في قلب رسول الله(ص)، حتى وهو يواجه المصاعب والأخطار من أهل وطنه.. فقد ورد في السيرة النبوية أن رسول الله(ص) لما خرج من مكة وطنه إلى المدينة وقبل أن يتجاوز حدود مكة توجه إليها قائلاً: "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك".. وهذا قاله رغم أنه لاقى ما لاقى من أهلها حتى وصل الأمر إلى قرارهم باغتياله.

 

وتضيف السيرة النبوية أن رسول الله لما بلغ الجحفة وهو في طريقه إلى المدينة اشتد حنينه وشوقه إلى مكة.. فأنزل الله عليه قرآناً ليطمئنه فقال: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}، أي لرادك إلى مكة التي أخرجك أهلها منها.. وعندما وصل رسول الله(ص) إلى المدينة واستقر فيها كان دعاؤه: "اللهم حبب إلينا المدينة كحب مكة".

 

وورد عن الإمام علي(ع): "من كرم المرء بكاؤه على ما مضى من زمانه، وحنينُهُ إلى أوطانه, وحفظه قديم إخوانه".. فالإنسان يحظى بالكرامة إن بقي حنينه لوطنه.

 

والقرآن الكريم حفل بالكثير من الآيات التي أظهرت موقع الوطن في حسابات الله سبحانه عندما اعتبر أن إخراج الإنسان من وطنه يبرر له الجهاد والتضحية بالنفس العزيزة من أجله {قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}..

وقال سبحانه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ}.. فقد جاء الإذن للمسلمين بالقتال بسبب ما تعرضوا له من ظلم، ومظهر هذا الظلم هو أنهم أخرجوا من ديارهم بغير وجه حق.. وأكثر من ذلك فقد قرن القرآن الكريم بين حب الأرض وحب النفس فقال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}.. فقد اعتبر أن الإخراج من الوطن يوازي قتل النفس…

 

وهذا التعزيز لحب الوطن هو أمر طبيعي في حسابات الله وحسابات الدين لكونه يتصل بهدف وجود الإنسان وهو إعمار الأرض والبناء والذي أشار إليه الله بقوله: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}..

 

ونحن عندما نتحدث عن حب الوطن فهذا لا يقتصر على وطن المسلمين بل على أي وطن يسكنه الإنسان وحتى لو كان هذا الوطن ليس بلداً إسلامياً أو عندما يكون غالبيته من غير المسلمين، فقيمة الوطن لأنه وطن بعيداً عن هويته الخاصة..

 

لكن هذا الحب للوطن والميل له والتعلق به لم يتركه الإسلام بدون حدود وضوابط، كما في تعامله مع كل غرائز الإنسان، فالدين لم يترك الغرائز التي أودعها في الإنسان بدون ضوابط وحدود، فغريزة الطعام لها ضوابطها كما غريزة حب الإنسان لنفسه أو غريزة الجنس أو غير ذلك.. فحب الوطن لا ينبغي أن يخرج الإنسان عن القيم والمبادئ التي أراد الله له أن يعيشها.. أو أن يكون على حسابها وأول هذه الضوابط هو أنه رفض أن يتحول هذا الحب إلى عصبية، بحيث يرى أن وطنه دائماً على حق أو لا يرى الخير فيما يصدر عن الأوطان الأخرى حتى لو كان حقاً وعدلاً، والذي يتمثل بشعار: (وطني فوق الجميع)، أو (وطني دائماً على حق).. فالعصبية من صنع إبليس هو إمام المتعصبين، وقد ورد في الحديث: "ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، لكن أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين".  

 

و من نفس المنطلق فلقد رفض الإسلام من الإنسان أن يبقى حبيس الارتباط بالوطن عندما يتحول الوطن إلى سجن لا يستطيع أن يعيش فيه أو أن يعبر فيه عن قناعاته وأفكاره ولذلك أشار القرآن الكريم: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}..

 

وقد ندد الله سبحانه بأولئك الذين يقدمون التنازلات من كرامتهم لقاء بقائهم في وطنهم فيقول عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}..

 

وهدر الكرامة كما قد يكون بالإساءة لإنسانية الإنسان قد يكون نتيجة صعوبة تأمين الرزق مما قد يدفع الإنسان الى أن يذل نفسه حتى يصل إلى رزقه أو يتسكع على الأبواب لأجله، فعندها يضطر أن يهاجر إلى أرض يحصل فيها على رزقه ولا يذل فيها لتحصيل حاجات ومتطلبات حياته.. ولذلك نجد الإمام علياً(ع) يقول: "الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة"..

 

و الأخطر من ذلك أن يكون حب الإنسان لوطنه ومكوثه فيه على حساب مبادئه ودينه بحيث يخسر دينه أو يضعف دينه بسبب وجوده في وطنه..
 

فحب الوطن حتى لو علا لا ينبغي أن يكون على حساب الله الذي لولاه لم يوجد ولم توجد الأوطان..

 

وقد حذر الله الذين يحبون آباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو أزواجهم أو أوطانهم أو أموالهم أكثر من حبهم لله ولرسوله وللجهاد في سبيل الله بأنهم لن يكونوا بمأمن من غضبه، عندما قال: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}..
 

وقد عزز الله من موقع المهاجرين الذين تركوا ديارهم من أجل حفظ دينهم والقيام بمسؤولياته فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.. وقد ورد في الحديث: "من فرّ بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبراً من الأرض، استوجب الجنّة"..
 

لكن يبقى السؤال كيف نعبر عن حبنا للوطن؟ إننا من موقع الإيمان إنما نعبر عن حبنا عندما نحفظ الوطن ممن يتعرضون له بتهديد.. بأن ندافع عنه بوجه كل معتدٍ وطامع، ونبذل جهودنا من أجل أن نبقيه موحداً حراً عزيزاً كريماً ونمنع عنه عبث العابثين، فالذين يحبون الوطن هم حراسه والذين يدافعون عنه لا الذين لا يبالون بذلك أو الذين قد يساعدون العدو عليه لحساباتهم الخاصة، وهو عزز موقع الذين يبذلون دماءهم من أجل أوطانهم واعتبرهم شهداء عندما قال: "من مات دون أرضه فهو شهيد".. فيما ورد عن رسول الله(ص): "إنّ الله عز وجل يبغض رجلاً يدخل عليه في بيته ولا يقاتل"..

وعن أمير المؤمنين(ع) أنه وقف يندد بالمتخاذلين عندما قال لهم: "ألا وإني قد دعوتكم لقتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات وملكت عليكم الأوطان"..
 

ولا يقتصر الأمر في التعبير عن الحب للوطن بالدفاع عنه أو بحفظه رغم أهميته، فهناك تعبير آخر عن ذلك يتمثل باحترام قوانينه وأنظمته والمحافظة على منشآته والاهتمام ببيئته ومقدراته، واستثمار طاقاته وإعمار أرضه.. وأن يعمل كل مواطن لتطوير وطنه ليكون أفضل الأوطان، أن لا يبخل بإمكاناته عليه…. فحماية الوطن ليست في الحدود فحسب ولكن أيضاً في اقتصاده وسياسته ووحدته وتماسكه وتكاتف أهله، أن يكون وطن عدل ومحبة وخير وتعاون وبذل وعطاء، وطناً يشعر فيه الإنسان بإنسانيته وكرامته وعزته، وطناً بعيداً عن الاستئثار والفساد والظلم..
 

إننا أحوج ما نكون في مرحلة اهتزاز الأوطان، إلى تعزيز هذا الحب إلى التربية عليه، وأن نعتبر ذلك جزءاً من إيماننا بل جزئاً أساسياً منه.
 

وبذلك نحفظ استقلال أوطاننا ونواجه كيد الأعداء الذين يريدون النيل من وحدتها وحريتها واستقرارها أو من يريدون إضعاف حضورها في ميادين الحضارة والتقدم وإبقاءها في دائرة الجهل والتخلف والحاجة ليسهل استلابها..

وبذلك نحقق الطموح الذي أراده الله لنا عندما أراد لنا أن نكون خير أمة أخرجت للناس، أمة لا تكتفي بأن تشع على نفسها بل على الآخرين..
 

وليكن دعاؤنا في ذلك: "اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.. برحمتك يا أرحم الراحمين"..

 

 

الخطبة الثانية

 

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الحسن العسكري (ع)؛ الإمام الّذي تطلّ علينا ذكرى وفاته في الثامن من شهر ربيع الأول، عندما قال: "أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر… فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحَسُن خلقه من الناس، قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك.. اتقوا الله، وكونوا زينا، ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حَسنٍ فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك..". ثم قال(ع): "أكثروا ذكر الله، وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي (ص)، فإنّ للصلاة على رسول الله عشر حسنات.. احفظوا ما وصيّتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام".

 

في هذه الوصيَّة، بيَّن الإمام العسكري (ع) الصّورة التي كان يراها للمنتمين إليه، والتي تدخل السرور إلى قلبه، فهو كان يريد لهم أن يكونوا علامة فارقة في مجتمعاتهم في الإيمان والخلق، وأن يكونوا زيناً لأهل البيت (ع)، لا شيناً عليهم. ومتى تحقّق ذلك، فستُبنى الحياة، وسنكون أكثر قدرةً على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي استطاع أن يتجاوز بنجاح قطوع الأزمة التي نتجت من إعلان الرئيس الحريري استقالته من الخارج، وهو ما يعود إلى الحكمة التي تحلى بها المسؤولون اللبنانيون، عندما آثروا التريث في قبول الاستقالة وترتيب الآثار عليها، فقد كان واضحاً لدى القيادات السياسية اللبنانيَّة، وبما لا يقبل الشكَّ، أن الواقع السياسي الداخلي يشير إلى انفراج لا إلى انفجار، رغم التغريدات المتكررة التي كانت تأتي من الخارج، ولكنها لم تجد صدًى في الواقع السياسيّ الداخليّ، كما كان واضحاً أنَّ هناك شيئاً غامضاً يحيط بهذه الاستقالة.

 

ومن هنا، كانت أهميَّة الحركة الّتي جرت عندما توحَّد اللبنانيون على مطلب عودة الرئيس الحريري، والتي تجاوزوا فيها خلافاتهم، إضافةً إلى التحرّك الَّذي جرى في الخارج على مستوى مواقع القرار، ومواكبته بخطاب التهدئة الذي نعمت به السّاحة اللبنانيَّة.

 

ولكنّ الإنجاز تحقَّق أخيراً، فقد نجح اللبنانيّون، بفعل وحدتهم وتضامنهم وقياداتهم الحكيمة، في حماية بلدهم من العابثين فيه، وتحقيق الاستقرار الّذي تجلّى بعودة الرئيس الحريري عن الاستقالة، وعودة العجلة السياسية في البلد إلى الدوران، وإن بشكل تدريجيّ.

 

لقد كشف كلّ ما جرى عن حقيقة أنّ لبنان لا يزال تحت سقف الرّعاية الدوليَّة والإقليميَّة التي لا تريد للاستقرار اللبنانيّ أن يتعرَّض للاهتزاز، وأنَّ تجاوز الأزمات لا يتحقّق إلا بوحدة الشعب اللبناني.

 

ونحن أمام ما حدث، نتقدَّم بالتّهنئة إلى اللبنانيين، بكلّ مواقعهم، على هذا الإنجاز، وهم يستحقّون التقدير عليه، لأنهم وقوا بذلك لبنان من فتنة، لو حصلت، لكانت قد شكَّلت تهديداً للاستقرار الَّذي نعموا به خلال الفترة السابقة.

 

وفي الوقت نفسه، ندعو القيادات السياسيَّة في لبنان إلى عدم الاسترخاء أمام ما حصل، فلا بدَّ من العمل لتحصين الساحة الداخليَّة، حتى لا يسمحوا للعابثين بها بأن يجدوا أرضاً خصبة لهم، وهو ما يتمّ بإدارة حوار لبناني، أياً كان شكله، حوارٍ يتفهّم هواجس الجميع، لكنَّه يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن وقوّته، لسدّ أيّ ثغرة يمكن أن يدخل منها البعض لتحقيق مصالحه على حساب وحدة لبنان. ونحن في الوقت نفسه، نريد للخطاب السياسيّ أن يتحلّى بالمسؤولية والحكمة والتوازن، سواء الخطاب اللبناني الداخلي أو ما يصدر عن الخارج.

 

إنَّنا نرى أنّ ما حصل ينبغي أن يكون درساً إضافياً للبنانيين، بأنَّ منطق الغالب والمغلوب لا يمكن أن يسري في مركب واحد في لبنان، وأن لا حل إلا من خلال شعور الجميع بأنهم في هذا المركب الذي لا ينبغي لأحد أن يخرقه، وأن لا فضل للبناني على آخر، إلا من خلال إمكانياته التي يقدّمها لخدمة بلده.
 

الجامعة العربية

أمّا على صعيد ما جرى في الجامعة العربيَّة، فقد كنا نأمل منها أن تكون أكثر حرصاً في قراراتها على المصلحة العربيَّة، التي تقضي أن توجه بوصلتها إلى عدو الأمة العربية الذي يحتل أراضي منها، ويهدّد مقدّساتها، والّذي أدار ظهره لكلّ قراراتها، بدلاً من أن توجّهها إلى من كانوا، وسيبقون، شوكة في وجه هذا العدوّ الصّهيونيّ ومشاريعه، وهم قوة لهذا العالم، إن فهمهم هذا العالم، بعيداً عن كلّ الهواجس والحسابات الضيّقة.
 

لقد كنا نريد من الجامعة أن تكون منصَّة للحوار مع إيران ومع قوى المقاومة، ونرى أنَّ ذلك هو السبيل لإزالة الهواجس وإيقاف الاستنزاف الّذي يصيب الجميع، والذي لن يستفيد منه إلا أعداء هذه الأمة.
 

القضاء على داعش 

في هذا الوقت، ومع تحرير آخر المواقع التي يسيطر عليها داعش على الحدود السورية والعراقية، تكاد تنتهي ظاهرة كانت هي الأخطر على العالم العربي والإسلامي وعلى صورة الإسلام والمسلمين. إننا أمام ما حصل، لا بدَّ من أن ننحني أمام التضحيات الجسام التي قدمت، والجهود التي بذلت في هذا الطريق، سواء في سوريا أو العراق أو في لبنان.. وهي جهود تستحقّ الشّكر والتّقدير.

 

ونحن نأمل أن ينعكس ذلك على إعادة الاستقرار في المنطقة، وخروجها من دائرة الاستنزاف الذي عانته طويلاً، والذي نأمل أن يكون قد بدأت معالمه في سوريا.

 

اليمن

ونصل إلى اليمن؛ هذا البلد الَّذي لا يزال يعيش تحت وطأة القصف والتدمير والتجويع إلى حدّ المأساة التي لا يكفي فيها فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، فلا بدَّ من إنهاء هذه الحرب الظالمة والمجنونة اليوم قبل الغد، فهل يسمع العالم!؟
 

ذكرى الإستقلال

وأخيراً، مرت علينا قبل يومين ذكرى الاستقلال، حيث احتفل لبنان الرسمي والشعبي بهذه المناسبة، كما جرت العادة.
ونحن في الوقت الذي نهنئ اللبنانيين بهذه المناسبة، نتطلَّع إلى تحصين الاستقلال، ليكون ناجزاً حقيقياً وتاماً، ولكي لا يعود البلد ممراً ولا مقراً للمستعمر، ولا يبقى تحت وطأة القرارات والضغوط الخارجية التي تحاول النيل من حريته وعزته وكرامته..

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 6ربيع الاول 1439هـ الموافق:24تشرين الثاني 2017م

 

Leave A Reply