خطورة الكذب على الله ورسوله

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}. صدق الله العظيم.

 

الكذب بحد ذاته خطيئة كبرى، وقد ندد الله به عندما اعتبره منافياً للإيمان: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}..

ولذلك عندما سئل رسول الله(ص): أيكون المؤمن جباناً، قال: نعم.. قيل: أيكون بخيلا؟ قال، نعم.. وعندما قيل له: أيكون كاذباً؟ قال: لا..

 

وهذا يعود إلى أن الكذب يسيء إلى الحقيقة التي جاء الدين ليدعو لها وهي الصدق.. ولذلك عندما تحدث الله عن رسول الله(ص) قال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}.. ولأن الكذب هو مفتاح كل شر.. ورد في الحديث: "إنّ الله عزّ وجلّ جعل للشرِّ أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شر من الشراب".. وخطيئة الكذب تصبح أكبر وأخطر عندما يكون في حق الله عز وجل.. لأن فيه تحدياً له ولمشروعه في الحياة..

 

ولذلك حذر الله سبحانه وتعالى الذين يكذبون عليه في تحليل ما حرَّم أو تحريم ما أحلَّ أو من ينسبون إليه صفات تنتقص من ذاته الشريفة، كالذين ادعوا بأن له شريكاً أو أكثر من شريك أو جعلوا له بناتاً أو نسبوا إليه ما يسيء إلى عظمته وجلاله، ونعتوه بالقسوة والظلم والتمييز بين عباده.. فقد اعتبره أفحش الظلم وأعظمه وتوعد من يقوم بذلك بالعذاب والطرد من رحمته.. فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}..

وقال: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}..

وقد أشار الله سبحانه إلى بعض الافتراءات عليه عندما قال: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}..

وقال: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}..

وقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ..}..

وقال: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}..

 

وما ورد من التحذير من الكذب على الله عز وجل، هو يشمل الكذب على رسول الله(ص) وعلى الأئمة من أهل البيت(ع)، لأن هؤلاء الأصفياء في كل ما قالوه وفعلوه كانوا يعبرون عن إرادته سبحانه، وإلى ذلك أشار الله سبحانه وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.. فقد قرن طاعة الرسول(ص) والأئمة(ع) بطاعة الله.. وفي حديث الإمام الصادق(ع): "حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث رسول الله وحديث رسول الله حديث الله عز وجل"..

 

وأهداف الكذب عليهم كثيرة ومتعددة، فهي قد تنبع من رغبة في الإساءة، ولكن هناك ما ينبع من حب أوصل إلى الغلو أو لأجل استثارة العاطفة عليهم ويبرر ذلك البعض بالقول اكذب لهم لا عليهم.. وقد ابتلي رسول الله(ص) بالكذب عليه حتى قال كثرت علي الكذابة ووقف خطيباً، فقال أيها الناس: "فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"..

 

وكذب على أهل البيت(ع) حتى قال الإمام الصادق(ع): "لا تقبلوا علينا حديثاً أي حديث إلا ما وافق القرآن والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة".. وقد أشار إلى الأسلوب الذي كان يعتمد في الكذب عليهم عندما قال: "فإنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتّقوا اللَّه ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا"..

 

وقد ورد عن الإمام الباقر(ع) في حديثه لأحد أصحابه عن موارد الكذب عليهم، فقال لأحد أصحابه: "يا ابن أبي محمود، إنّ مخالفينا وضعوا أخبارًا في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلوّ، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا.."..

 

ولذلك كان الإمام الباقر(ع) يدعو شيعته إلى أن يكونوا واعين لما ينقل إليهم وينقلون، فكان يقول: "كونوا النمرقة الوسطى (التي يرتاح الناس إلى منطقها وفهمها للدين).. يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي، قال له رجل من الأنصار: وما الغالي؟.. قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، .. ومن التالي؟.. قال: المرتاد يريد الخير للناس"..

وكان علي(ع) يقول: "هلك فيك اثنان محب غالٍ ومبغض قالٍ"..

 

لذلك أيها الأحبة، لا بد وفي ظل الكم الهائل من الأحاديث والروايات التي نقرأها أو تنقل إلينا في وسائل الإعلام والتواصل أو عبر الخطباء من التنبه جيداً إلى أن لا ندخل في وعينا لله وللأنبياء(ع) وللأئمة(ع) أية أحاديث وروايات إلا بعد التثبت منها حتى لا نقع في شرك الذين يريدون الإساءة إلى الدين باسم الدين أو رموزه الذين عبروا بصدق عنه أو الحقيقة التي ينبغي أن نصر عليها..

 

وهذا لا ينبغي أن يفسر كما قد يفسره البعض إلى عدم الأخذ بالأحاديث، والقول بأننا نأخذ بالقرآن فقط، وهذا أصبح متداولاً.. ففي ذلك مخالفة لقول الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}..

 

وما قاله رسول الله(ص) في حديثه عن أهل البيت(ع): "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم بها لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ"..

 

لكن ما ينبغي هو عدم التسرع في أخذها أو نقلها.. فما دام هناك أحاديث غير صحيحة دخلت إلى العقيدة أو الشريعة أو إلى السيرة أو التاريخ عن نية صادقة أو غير صادقة، فلا بد من التثبت منها.. وهناك ضوابط علمية وشرعية تدعونا إلى أن ندرس بدقة أولاً مصدر وسند أي خبر أو أي حديث نقل عن النبي أو الأئمة، لنعرف حقيقة مصدره، ومدى صدقيته..

 

وثانياً بدراسة المضمون بأن نعرض الحديث على ما ورد في كتاب الله.. هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه وخلفه.. وفي ذلك جاء الحديث: "وما جاءكم من حديث من برّ أو فاجر، فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الحائط".. فلا يمكن أن نقبل بحديث يتنافى مع القواعد التي أشار إليها القرآن الكريم عندما دعا إلى كرامة الإنسان كل الإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}.. وإلى العدل والإحسان {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}.. ورفض العبودية لأحد إلا لله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وعدم التفاضل بين الناس إلا بالتقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}..

 

وطريق ثالث للاستدلال على صحة الأحاديث، هو أن يعرض على العقل الفطري كما خلقه الله، فقد ورد في الحديث: " ما ورد عليكم من حديث آل محمد صلى الله عليه وآله فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم (إلى عقولكم) وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد".. وقد ورد في الحديث: "استفت قلبك"..

فالدين في كل ما جاء به لم يأت معانداً للعقل الفطري مجانباً له، بل جاء منسجماً معه..

 

وقد ورد: "إن الله لما خلق الله العقل، قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب"..

 

وفي الحديث: "إنَّ لله على الناس حجّتَينْ: حجةً ظاهرةً وحجةً باطنةً، فأما الظاهرة فالرسول والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول".. ولا تناقض بين الحجتين فما يأتينا من حديث صحيح عن رسول الله يؤمن به العقل، حتى لو كان من أمور الغيب، لأن العقل يؤمن بالغيب كمبدأ، ولكنه لا يعرف تفاصيل الغيب إلا من خلال الله ورسوله.

 

وقد ورد في الحديث: "إنما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين لمن لا عقل له".

 

وإذا لم يستطع المؤمن الوصول بنفسه إلى صدقية الحديث بالوسائل التي أشرنا إليها، فلا بد من أن يرجع المرء في ذلك إلى أهل العلم والمعرفة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}..

وعلى القاعدة نفسها لا بد التدقيق في الروايات المتصلة بسير الأنبياء والأئمة، وأنه لا بد من عدم قبولها وثقلها إلا بعد التثبت منها.

 

إن علينا مسؤولية كبيرة في التدقيق بكل ما يردنا من رموز الدين وعدم نقل ما لم يتثبت به حتى لا نسمح بتشويه عقول الناس وأفكارهم وفهمهم للدين ونظرتهم له.. وهذا كما أشرنا أمر خطير، وخصوصاً في هذا العصر بفعل تطور وسائل الإعلام ومواقع التواصل، حيث تصل الكلمة إلى الجميع..

 

ونحن في ظل الفوضى التي نشهدها في نقل الأحاديث أو ونشرها لا بد من سلاح الوعي أن لا نأخذ خبراً إلا بعد أن نطمئن إلى علم الناقل ودقته ووعيه ونُحكِّم في كل ذلك إيماننا وعقولنا.. وأن لا نستكين لعاطفتنا حتى نكون الأمناء على فكرنا وعلى فكر الآخرين.. نسأل الله أن يوفقنا لنكون من الواعين الذين يستمعون القول فيدققون فيه، وأن اطمأنوا إليه اتبعوا أحسنه..

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه وتعالى عندما قال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، أن نتّقي الله، بأن نحسب حساباً لرضاه ولعدم سخطه عند كل كلمة نطلقها، وفي كلِّ قرار وموقف نتّخذه، وعندما نؤيد ونعارض، ونحبّ ونبغض، أن نعتبر في قرارة أنفسنا أن لله حضوراً في حياتنا لا يدانيه حضور، وموقعاً لا يساويه موقع.. فهو كما قال عن نفسه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

 

والمتّقون، كما أشارت الأحاديث، "قوالون بأمر الله، قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله عز وجل وإلى محبته بقلوبهم، وعلموا أنّ ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه"، هم من لا يفقدهم الله حيث أمرهم، ولا يراهم حيث نهاهم.. هم من يطيعونه ولا يعصونه، ويذكرونه فلا ينسونه، ويشكرونه ولا يكفرون بنعمه وعطاءاته.. هم من يقولون الحقّ فيما لهم وما عليهم.. ولا يخافون في الله لومة لائم.

 

هؤلاء هم من تحتاج إليهم الحياة، هم صمّام أمانها.. فمن كان الله حاضراً في قلبه وعقله وعاطفته وفي كلِّ كيانه، لا يمكن إلا أن يكون خيراً للحياة ونعمةً.. ولن يدخل في لعبة المصالح والحسابات الخاصّة والتكالب على شهوات الدنيا ومصالحها.. ومتى كان كذلك، فلن يخسر، هو رابح دائماً في الدنيا كما وعد الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.. وعندما يقوم الناس لرب العالمين: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}. وعند الشدائد هو في عدل الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.. وسيكون أقدر على مواجهات التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الّذي تستمرّ فيه لعبة شدّ الحبال بين القوى السياسية، ولا يبدو ــ رغم كل أجواء التفاؤل التي تشاع بين حين وآخر ــ أن أحداً من هذه القوى يريد أن يرخي حبله للآخرين، لإخراج البلد من الركود، ووضع حدٍّ للمراوحة التي تتحكم بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليبقى إنسان هذا البلد على معاناته، ويضطر إلى أن يقلع أشواكه بأظافره.

وفي هذا الوقت، استبشر اللبنانيون خيراً في بدء جلسات المجلس النيابي، ولو تحت عنوان الضرورة، اعتقاداً منهم أن ذلك سيساهم في إقرار المشاريع الضرورية والملحّة والمتوقفة في أدراج المجلس النيابي منذ فترة طويلة.. ليتبيَّن لهم لاحقاً أنَّ هذه الضرورة لم تكن متطابقة مع ما أقرَّ في المجلس النيابي (نقول هذا بعيداً عن الملاحظات التي أثيرت حولها)، وأنَّ أغلب ما حصل كان يتعلق بحسابات مؤتمر سيدر، وهي رغم أهميتها على صعيد تحريك العجلة الاقتصادية، لكنها تبقى رهينة تشكيل الحكومة.

 

إنَّنا أمام هذا الواقع، سنبقى نكرّر دعوة القوى السياسية إلى تحمل مسؤولياتها والوفاء بوعودها للمواطنين في معالجة أزماتهم المتراكمة وإخراجهم من معاناتهم.. فلا تكتفي بتوصيف الحال وضرب الكفِّ على الكفِّ.. وكأن لا دور لها في حصولها أو في استمرارها، بل لا بدَّ من الإسراع في إيجاد الحلول، إن لم يكن بالإسراع في تأليف الحكومة، وهذا ما ندعو إليه، فبتفعيل حكومة تصريف الأعمال أو أية صيغ أخرى، بدلاً من إبقاء البلد على حاله الذي يستمر أشهراً ونخشى أكثر!

وقد كنا نأمل أن لا يمرّ مرور الكرام تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر مؤخراً، الذي كشف أن اللبنانيين احتلوا المرتبة الأولى على لائحة سكان آسيا الأكثر إصابة بالسرطان، والذي بات من الواضح أنّ من أسبابه الأزمات الغذائية، وغازات المحارق، وتلوث الهواء والمياه، وتحوّل بعض الأنهار، وخصوصاً نهر الليطاني، إلى كارثة بيئية، بعدما لوثته المجاري والمخلّفات الصناعية والرمال.

 

لكنَّ هذا الأمر، مع الأسف، مرَّ عادياً، ولم يحرّك بال المسؤولين للإسراع في معالجة الأسباب الخطيرة التي تؤدّي إلى انتشار هذا المرض مع كلّ آثاره المأساوية على المصابين به وعلى عائلاتهم.. وأكثر من ذلك، لم يتم التّعامل مع إدراج بند توفير الغطاء المالي للمصابين بالسرطان في الجلسة التشريعية أو السياسية بروح إنسانيَّة وبمسؤوليَّة، بل بطريقة النكايات القانونية والسياسية التي اعتدناها في هذا البلد، دونما اعتبار لنتائجها وتداعياتها، ما أدَّى إلى عدم إقراره.

 

وفي الاتجاه نفسه، يتوقَّف المواطنون بقلق شديد عند السّجالات المستمرة بين من يتحمّلون مسؤوليات في هذا البلد، والتي تتعلق بالغذاء أو بما يخفّف أزمة الكهرباء وغيرها، وتزيد يأسهم وخوفهم وعدم ثقتهم بوطنهم.. وتؤشر لهم بشكل واضح وجلي إلى مدى الانحدار الذي وصل إليه هذا البلد.

 

الأمم المتحدة 

وإلى الأمم المتحدة، التي تحولت إلى منبر يستعرض فيه الكبار عضلاتهم بالتهديد والوعيد للدول التي ترفض السير في خططهم وسياساتهم، بدلاً من أن يكون منبراً يساهم في التخفيف من المشكلات المستعصية في هذا العالم، وقد باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى عاجزة عن تأدية المهام التي أنشئت من أجلها.. حتى إن هناك من لا يريد لهذه المنظمة أن تستمر في دورها.. وإلا ما معنى هذا الهجوم المستمر على المنظمات والمؤسسات الدولية التي رعتها الأمم المتحدة، كالأونروا، ثم على المحكمة الجنائية الدولية، أو ضرب كل القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين بعرض الحائط!

 

 لقد كان حديث الأمين العام للأمم المتحدة حقيقياً في وصف العالم اليوم عندما قال إنَّ النظام العالمي "فوضوي بشكل متزايد"، وإن الثقة به "بلغت نقطة الانهيار"، وهذا ما يؤكّد أنّ العالم بات بحاجةٍ إلى ناظم حقيقيّ وإلى نظام أكثر عدلاً، بعدما باتت شريعة الغاب هي الَّتي تحكم على مختلف الصعد، ونأمل أن يصل إليه..

 

ولا بد هنا من أن ننوّه بالأصوات الجريئة التي وقفت على منبر الأمم المتحدة لتحدي الطغيان الذي يستهدف الدول التي تسعى إلى حريتها وامتلاك قرارها بيديها بعيداً عن الهيمنة والاستكبار.

 

اعتداء الأحواز

وأخيراً، إننا نرى في الاعتداء الآثم الذي حصل في الأهواز، وما نجم عنه من ضحايا، محاولة جديدة لاستهداف الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية في عناصر قوتها ووحدتها الداخلية.

ونحن في الوقت الذي ندين هذا العمل الإرهابي ومن يقف خلفه، ندعو الشعب الإيراني إلى الوحدة في مواجهة المخطَّطات التي تستهدف أمنه واقتصاده ولقمة عيشه، وعدم السماح للعابثين بأمنه وبقراره الحر بأن يجدوا أرضاً خصبة لهم.

Leave A Reply