رأس السنة: الفرحة في تجديد العهد مع الله تعالى

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} صدق الله العظيم…
 
وقت قليل ونودع سنة ميلادية ونستقبل عاماً ميلادياً جديداً.. وقد جرت العادة أن تكون رأس السنة الميلادية هي مناسبة لإقامة السهرات والحفلات واللقاءات التي تجري في الأماكن العامة والبيوت، وقد لا يكون في ذلك أي مانع ديني إن حافظت هذه اللقاءات والحفلات والسهرات على الحدود والضوابط الشرعية، ولم تدخل فيما يعهد من أجواء رأس السنة حيث تستباح عند الكثيرين الحرمات ويفقد فيها حتى من وصفناهم بالرزانة صوابهم واستقامتهم..
 
ولذلك عندما طرح أخيراً في الإعلام موضوع إقامة موالد في المناسبات الدينية والاجتماعية، وسئلنا عن الحكم الشرعي ذكرت أن لا حرمة في ذلك، بل نحبذها لكونها تبعد الإنسان عن الأجواء اللاهية والعابثة وهي مناسبة تُذكِّر بالنبي وفضائله وشمائله.. لكن شرطه وهذا ما أقوله في كل الموالد، أن يحافظ على عنوان المولد، فعندما تقام مناسبة بعنوان مولد رسول الله ينبغي أن يحفظ العنوان بكل إيحاءاته الروحية والإيمانية والأخلاقية بحيث لا نشهد في هذه المناسبة الأجواء التي نعهدها في الحفلات الأخرى الماجنة، ونلمس الفارق الكبير بينهما في الشكل والمضمون.
 
فالدين لا يمانع في عيش أجواء الفرح ويدعو إلى توفيرها، فهو جاء أساساً لإسعاد الإنسان في الدنيا والآخرة.
 
لكن يبقى السؤال الذي لا بد أن نطرحه على أنفسنا، عن مدى الترابط بين أجواء الفرح الشرعية التي نريدها وبين ما يجري في رأس السنة، لأننا نخشى أن نكون في هذه المناسبة مأخوذين بالجو العام والذي قد يكون للبعد التجاري دور فيه، في الوقت الذي نهانا رسول الله أن نكون في أي من مواقعنا صدى لأحد كما ورد ذلك عن الإمام الكاظم(ع) عندما قال: "نهى رسول الله أن يكون المرء إمّعة.. أن يقول أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس، إنما هما نجدان نجد خير ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير"..
 
فمناسبة رأس السنة لو أردنا تحليلها ووعيها في عمقها لرأينا أنها لا تنسجم مع كل هذا الجو الصاخب واللاهي وحتى مع جو الفرح الشرعي، لأنها تعني في الحقيقة خسارة الإنسان لسنة من عمره، يصبح معها الإنسان أقرب لأن يغادر هذه الحياة وأن يقف بين يدي ربه ليواجه مسؤوليته حين يأتي النداء {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}..
 
وإذا كان البعض قد يفلسف الفرح بأنه يعود للدخول في سنة جديدة، فهذا لا يدعو إلى ذلك لأن الإنسان في هذه المناسبة يعيش قدراً من القلق، فهو لا يدري على أي مستقبل يقدم عليه، وما الذي تخبئه له السنة القادمة؟
 
نعم قد يكون الفرح أمراً طبيعياً ومفهوماً وندعو إليه عند الذين أحسنوا في السنة الماضية وقاموا بأعمال جليلة ولم يرتكبوا فيها أعمالاً سيئة أو معاصي صغيرة أم كبيرة، وإن قاموا بها سارعوا إلى محوها بالتوبة وبالأعمال الصالحة، أو عند الذين يقبلون على سنة جديدة بعد أن خططوا لها جيداً على مستوى الدنيا وعلى مستوى الآخرة، حتى تكون السنة القادمة مليئة بالخير، ومضمونة في نتائجها الإيجابية عند الله وأفضل من سابقتها.
 
ولكن هذا ليس حال الكثيرين من الذين فرطوا بأعمارهم بارتكاب الخطايا، وقصروا في ماضيهم، فلم يستفيدوا منه بأعمال الخير، حيث يمر العام عليهم من دون مراجعة حساباتهم ومن دون أن يخططوا بعد لمستقبلهم…
 
فرأس السنة في واقعها وكما ينبغي أن نتعامل معها لا بد أن تكون هي واحدة من محطات المراجعة المطلوبة من الإنسان دائماً، حتى لا يتيه في الحياة ولا يضيع الطريق الصحيح ولا يبتعد عما يدعو به الله في كل يوم عندما يقول في صلاته: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}..
 
فبدون هذا الحساب يصبح الإنسان مشرعاً على الرياح الآتية إليه من كل صوب والأخطار المحدقة به مما يحيط به من خارجه من أجواء تريد أن تدفعه إلى مهاوي الانحراف أو من داخله حيث الشيطان الذي يوسوس له في نفسه الأمارة بالسوء أو يثير أهواءه وشهواته بعيداً عن الإيمان والأخلاق
 
وإلى هذا دعا الله الإنسان عندما قال له في الآية التي تعنون بآية المحاسبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}…
هي تدعوه أن يدقق في مساره كي يتأكد من أن خطواته توصله إلى الهدف الذي حدده الله عندما قال: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..}
 
وإلى هذا أشارت الأحاديث التي دعت الإنسان أن يحاسب نفسه عند كل عمل وفي كل يوم وعند كل فرصة حتى يتأكد من صحة مساره ليصوبه إن كان خاطئاً، وذلك بأمل أن يخفف الله عليه حسابه يوم يقف بين يدي الله…
 
فقد ورد في الحديث: "الْكَيِّسُ ــ (يعني الذي يحسن تدبير أموره) ــ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ".
 
وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهّزوا للعرض الأكبر".
وفي الحديث عن الإمام زين العابدين(ع): "ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك".
 
وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "يا يا ابن جندب، حقٌ على كلِّ مسلمٍ يَعرِفُنا أن يَعرضَ عملَهُ في كلّ يومٍ وليلة على نفسه فيكونَ محاسبَ نفسِه فإنْ رأى حسنةً استزادَ منها وإن رأى سيئةً استغفرَ منها لئلا يخزى يوم القيامة".
وقد بيّنت الأحاديث كيفية هذا الحساب، فقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين(ع): "جاهد نفسك وحاسبها محاسبة الشريك شريكه، وطالبها بحقوق الله مطالبة الخصم".
 
وفي حديث آخر عنه أنه كان في كل مساء يجلس مع نفسه ليقول لها: "يا نفس وما الذي عملت فيه، أذكرت الله في هذا اليوم أم حمدتيه، أقضيت حق أخ مؤمن، أنفست عنه كربته، أحفظته في ظهر الغيب، أحفظته بعد الموت في مخلّفيه، أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك، أأعنت مسلماً، فيذكر ما كان منه، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله عزّ وجل وكبّره على توفيقه، وإن ذكر معصية أو تقصيراً استغفر الله وعزم على ترك معاودته".
 
أيها الأحبة:
ما أسوأ الإنسان الذي يبدأ سنته بارتكاب المعاصي، كما يفعل الكثيرون، وكم هو مبارك هذا الإنسان الذي يتوقف مع نفسه طويلاً في هذه الليلة، ممحصاً لأعماله ومتهيئاً لمواجهة امتحانات وابتلاءات السنة القادمة، داعياً الله أن يجتازها بتوفيق منه بنجاح مقتدياً بذلك برسول الله(ص) وأهل بيته(ع)…
 
وقد حرص رسول الله على أن يقدم أنموذجاً من المراجعة للنفس بين يدي الله في رأس سنة جديدة حين كان يقف في هذه الليلة، ولنـا في ذلك رسول الله(ص) أسوة حسنة لا بد أن نقتدي بها، ليصلي ركعتين ويقول كما جاء في الحديث: "ما عملت في هذه السنة من عمل، نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، ودعوتني إلى التوبة بعد اجترائي عليك، اللهم فإني أستغفرك منه فاغفر لي، وما عملت من عمل يقربني إليك فاقبله منى، ولا تقطع رجائي منك يا كريم".
 
ثم كان يقف في أول السنة الجديدة ليصلي أيضاً وبين يدي الله وليقول: "… وَهذِهِ سَنَةٌ جَدِيدَةٌ فَأَسْأَلُكَ فِيها العِصْمَةَ مِنَ الشَّيْطانِ وَالقُوَّةَ عَلى هذِهِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بالسُّوءِ وَالاشْتِغالَ بِما يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ، يا كَرِيمُ".
 
أيها الأحبة:
نحن معنيون بأنفسنا أن نزكيها، أن نطهرها، وأن نصفيها من كل التبعات كي لا يأخذها غيرنا إلى حيث يريد.. فهناك من يسعى دائماً إلى أن يسلبنا أنفسنا بأن يجعلها في تياره.. وهذا لا يحصل إلا بأن نحاور أنفسنا وأن ندقق في أعمالها، وأن نجاهدها بأن نستعين بالله على تصحيح مسارها وتصويب أمرها حتى لا نتفاجأ عندما نقف بين يدي الله بما حذرنا منه عندما قال: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.
أو من الذين قال عنهم: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}.
 
نسأل الله أن يمتعنا بنفوس طاهرة صافية واعية زاكية وأن يكون مستقبل أمرنا خيراً من ماضيه، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاه.
 
الخطبة الثانية
 
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به أمير المؤمنين (ع) عندما وقف خطيباً وقال: "أيها الناس، الآن الآن، قبل الندم، وقبل أن تقول النفس، يا حسرةً على ما فرّطت في جنب الله".
 

وقد قال رسول الله (ص): "يُفتح للعبد يوم القيامة على كل يوم من أيام عمره، أربع وعشرون خزانة، وهي بعدد ساعات الليل والنهار، وكل واحد منها تحكي ما حصل فيها من خير أو شر، فخزانة يجدها مملوءةً نوراً وسروراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وزِّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربه، ثم يفتح له خزانة فيراها مظلمة مفزعة، فيناله عند مشاهدتها من الفزع والجزع ما لو قسِّم على أهل الجنة لنغّص عليهم نعيمها، وهي السّاعة التي عصى فيها ربّه، ثم يفتح له خزانة أخرى، فيراها ليس فيها ما يسرّه وما يسوؤه، وهي الساعة التي ضيّعها ولم يفعل فيها خيراً أو شراً، فيناله من الغبن والأسف، حيث كان متمكّناً من أن يملأها حسنات".

 

إنَّ سبب تعاستنا وشقائنا وتخلّفنا في الدنيا والآخرة، هو عدم إدراكنا لأهمية الوقت، وعدم حرصنا عليه، بحيث تضيع أوقاتنا هدراً، وكأن شيئاً لم يكن. فلنحرص قبل الندم على أن نجعل عمرنا عمراً مباركاً، ونبلغ به مدارج العلم والعمل في الدنيا، ونرتقي به إلى الدرجات العليا في الآخرة، ولا نضطر إلى أن نقول {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.. فبهذا نصلح واقعنا، ونواجه التحديات…

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي لا يزال ينعم بالجو الإيجابيّ على الصعيد السياسيّ، وهو ما يظهر من خلال التصريحات والخطابات التي تصدر عن مختلف القوى السياسية، التي كانت تعتبر قبل فترة غير بعيدة متصارعة ومتناكفة. وقد عبّرت عن هذه الأجواء مجريات الحركة السياسية، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية إلى تأليف الحكومة، والسرعة في إنجاز بيانها الوزاري، وأخذها الثقة خلال وقتٍ قصير، حيث لم تحتج إلى نقاش مستفيض، أسوةً بالحكومات السابقة المماثلة، أي ما سُميَ بحكومات الوحدة الوطنية.

 

ويعود السبب في ذلك إلى عوامل إقليمية ودولية أرادت للبنان الاستقرار والهدوء وسهّلت الحلّ، ووعي متجدّد لدى القوى السياسية، بأن لا خيار أمامها سوى التلاقي والوحدة لبناء الدولة وتحريك المؤسسات، وترك القضايا الخلافية التي قضَّت مضاجع اللبنانيين طويلاً.

 

ونحن في الوقت الذي نؤكّد ضرورة العمل لتثبيت هذا الجو الإيجابي وتدعيمه، حتى لا يكون طارئاً وخاضعاً لحسابات آنية، فإننا نأمل أن يستمرّ، وأن ينعكس على الأداء الحكومي، للإسراع في حلّ القضايا الملحّة والمطروحة على جدول أعمال الحكومة، ومن بينها القانون الانتخابي، وملء الشواغر، ولا سيما في المواقع العسكرية، أو سلسلة الرتب والرواتب، ومعالجة القضايا الحيوية التي تهمّ المواطنين من الماء والكهرباء والصحة، ومعالجة أزمة النفايات، وتأسيس قواعد البدء بمعالجة الفساد المستشري.

 

إنَّ اللبنانيين يعرفون أنّ هذه الحكومة التي جاءت محمّلة بآمال ووعود كثيرة، لن تستطيع أن تنجز ذلك في الفترة القصيرة، ولن يحمّلوها أكثر من طاقتها، ولكنهم يريدون منها أن تكون جادّة في العمل، بعيداً عن المناكفات والحسابات والمصالح الخاصة على حساب الوطن، وأن تبذل أقصى طاقتها للتخفيف من معاناتهم، وحلّ مشكلاتهم، وتعويض ما فاتهم خلال أزمة الفراغ الرئاسيّ، وتحقيق الإنجازات العمليّة الّتي تجعلها تحصل على الثقة الحقيقيّة من الشّعب.

 

ونبقى في لبنان، لنعبّر عن أهميّة العمل واستنفار جهود القيادات الدينية والسياسية والفعاليات، للحدّ من ظاهرة الثأر بين العشائر والعائلات في البقاع، نظراً إلى خطورتها على الواقع الاجتماعي في البقاع، وتداعياتها الإنسانية، وأثرها في العدالة عندما يُقتل غير القاتل، أو يُقتل القاتل من دون أن تُراعى ظروف القتل أو المبررات التي أدَّت إلى ذلك، فضلاً عن خطرها على الاستقرار، وإساءتها إلى صورة هذه المنطقة التي كانت ولا تزال عنواناً للعنفوان وللقوة وحمل القضايا الكبرى.

 

إننا نريد للدولة أن تقوم بدورها في معاقبة المجرم أياً كان. ومتى حصل ذلك، فإنه سيساهم في جعل الدولة خيار الجميع، ولن يأخذ بعد ذلك أحدٌ حقه بيده، وسيخفف كثيراً من حالات الثأر..

 

سوريا

وإلى سوريا، حيث سُررنا بالإعلان الصادر عن الجيش السوري وفصائل المعارضة، بوقف إطلاق النار، والذي تمّ برعاية روسية وتركية ومباركة إيرانية، ليساهم في إيقاف نزيف الدّم والدّمار المستمر منذ أكثر من ست سنوات، والذي اكتوى بناره الشعب السوري، وجعله يتوه في داخل بلده وخارجه، وليمهِّد ذلك لحل سياسيّ لا بديل منه لاستقرار البلد، وإنهاء حالة الانقسام التي يعيشها، ليعود بعد ذلك، كما نريده، بلداً موحداً قوياً بجيشه وتلاحم شعبه، وليؤدي دوره الريادي المعهود.

 

فلسطين

وإلى فلسطين، التي تلقّى فيها العدو الصهيوني صفعةً هذه المرة من راعيه الأميركي، عندما امتنع عن استخدام حق نقض الفيتو ضد القرار الصادر عن مجلس الأمن، الذي يقول بعدم شرعية المستوطنات في الضفة الغربية والقدس.

 

ونحن في الوقت الّذي نؤكّد أهمية صدور مثل هذا القرار، رغم تأخّره وعدم فعاليته في مواجهة الكيان الصّهيونيّ، لكونه يعطي الفلسطينيين بعض الحق الذي سُلِبَ منهم، ولا زالوا يريدون منه الكثير.. لكنّنا نرى أن ما جرى، لم يكن لحساب الشعب الفلسطيني، بل لحساب الرؤية الأميركية، التي تريد حلّ القضيّة الفلسطينيّة حفظاً لهذا الكيان في هذه المرحلة، حيث الضعف العربي والإسلامي والتشتت الفلسطيني على أشدّه. ورغم هذا الأمر، ضربت إسرائيل القرار الدوليّ بعرض الحائط، وقالت إنها ستستمر في بناء وحدات سكنيّة جديدة في الضفة الغربية، وهنا يُطرح السؤال: كيف ستتصرف أميركا والدول الغربية والأمم المتّحدة حيال الكيان الصهيوني؟ وماذا لو كانت الدول العربية والإسلامية هي التي تخرق القرارات الدولية؟

 

ومن المفارقات، أنّه في الوقت الذي بدأت تُمارس بعض الضغوط الدولية على الكيان الصهيوني، تُفتح أبواب التطبيع في البحرين، التي استقبلت وفداً صهيونياً أقام حفلاً غنائياً يتضمن دعوة إلى إعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.

 

وفي الوقت الّذي ندين أيّ مظهر للتطبيع مع هذا العدوّ، الذي يستمر في احتلاله لفلسطين، وإجرامه بحقّ الشّعب الفلسطينيّ، ويعمل على إيجاد مناخات للفتن الّتي تعانيها الشعوب العربية والإسلامية، فإننا لا نرى في ذلك صورة لشعب البحرين الذي نعرفه، والَّذي كان دائماً في مقدمة الشعوب التي تناهض هذا الكيان واحتلاله.

 

رأس السنة الميلادية

وأخيراً، وعلى أعتاب بداية سنة جديدة، نتوجّه بالتهنئة إلى جميع اللبنانيين، سائلين الله أن يجعل مستقبل سنتنا خيراً من ماضيها، وأن ننعم فيها بالأمن والسلام والوحدة، وأن نقف متراصّين في مواجهة كلّ الذين يكيدون لهذا البلد، ويريدون العبث باستقرارنا وثرواتنا ومستقبلنا.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 1ربيع الثاني 1438هـ الموافق :30 كانون الأول 2016م
 
 

Leave A Reply