زينب(ع) قدوة للنساء والرجال.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله تعالى في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم

{ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} صدق الله العظيم

 

مرّت علينا في الخامس من شهر جمادى الأولى الذكرى العطرة لولادة حفيدة رسول الله(ص) وابنة عليّ والزهراء(ع) وأخت سيديّ شباب أهل الجنة. والحديث عن زينب يطول ودروسها تمتد ولطالما مثلت السيدة زينب وستظل تمثل مرجعا للتربية والتوجيه والبناء على الصعيدين الفردي والجمعي.

وأن تكون السيدة زينب قدوة ونموذجاً للمرأة وأسوة حسنة لنسائنا وبناتنا أمر قد يراه البعض تحصيل حاصل وطبيعي. ولكن ان تكون السيدة زينب قدوة للنساء والرجال على حد سواء هنا تكمن عظمة هذه الشخصية والمفارقة فيها. حيث اعتدنا في تقسيمات المجتمع ان يكون للرجال قدوتهم وللنساء قدوتهن. ولكن الله منَّ علينا بشخصية كزينب بنت علي عصمت نفسها (وان لم تعد من المعصومين) لتكون نموذجا يقتدي بها الرجال قبل النساء احياناً كثيرة في ذلك الزمن، وفي كل زمن.. فزينب تختزن امكانية ان تكون قدوة لكل الاحرار والثائرين في العالم.

 

ومثال زينب كقدوة للرجال والنساء هو سياق القرآن الكريم وهو ما سبق أن جاء به بتقديمه مثالا صريحا ودقيقاً عندما أخبرنا بأن الله ضرب مثلاً "للذين آمنوا "امرأتين ولم يقل بأن الله ضرب مثلاً "للمؤمنات" رغم أن حديثه كان عن امرأتين: الاولى هي امرأة فرعون التي تركت كل مجد فرعون وآمنت بالنبي موسى وأعلنت التوحيد الخالص، وتحملت لأجل ذلك التعذيب حتى صلبها فرعون وتركها تحت الشمس المحرقة حتى الموت. والثانية هي مريم بنت عمران التي كانت أنموذجاً في العفة والطهارة والصدق في الإيمان، والثبات وفي صبرها على حملها الذي أراده الله أن يكون إعجازاً.

 

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}. التفتوا ان الله لم يقل القانتات في اشارة الى اعتبارها من مجموع القانتين ذكورا واناثاً

والله يريد بذلك أن يبين الموقع الذي يمكن للمرأة أن تبلغه، ويُظهر جانباً من التكريم الذي حظيت به المرأة والذي يضاف إلى مواقع التكريم الأخرى. وهذا يفترض ان يكون مدعاة فخر واعتزاز بديننا الذي كرم المرأة ودعا الرجل ان يقتدي بما لديها من ميزات وخصائل وانجازات فاعلة.

 

وإذا كان البعض يتهم الإسلام بالانتقاص من قدر المرأة وهضم حقوقها وجعلها على هامش الرجل، فإن ذلك يعود لخلطه أو عدم تفريقه بين العرف الاجتماعي وبين التشريع الديني والإسلامي، وهذا هو حال سبب الإساءات التي تلحق بالدين وهو براء منها، فيما المسؤول هو الفهم الضيق والمتأثر بأعراف المجتمع وتقاليده.وهذا يحتاج لتفصيل وحديث قد نخصص له خطبة أخرى ان شاء الله.

 

ونعود الى زينب. تلك الشخصية الفذة، الشخصية المتكاملة التي أكدت أن المرأة لو لم يقدر لها أن تملك القوة الجسدية كما هو الرجل، وإن لم تتحرك بسلاح في المعركة، إلا إنها قادرة أن تشارك الرجل بصلابتها وثباتها ومواقفها في صناعة أي نصر، أو تصنعه وحدها حين تقتضي التحديات.

هذه هي زينب التي يحار المراقبون بهذه الشخصية الملهمة والتي تزداد حضورا كلما مر الزمن ويزداد الارتباط بها بصورة أشد واقوى.

 

صحيح زينب دخلت الى النفوس من باب العاطفة والمأساة لكنها من هناك عرجت الى العقول والى الوجدان وانتقلت الى الحركة، فصار نداء يا زينب يعني الكثير وصار ابعد من مجرد الانتماء والهوية واثبات الخصوصية. فزينب وان قل ما نقله التاريخ لنا على مستوى حياتها الشخصية قبل وبعد كربلاء الا ان تحليل ودراسة مواقفها في ثورة كربلاء وما تعرضت له يومها هو كفيل بان يضيء بشدة على عظيمة من ذلك البيت الرسالي وعظيمة من عظماء الانسانية هي زينب تختزن الكثير من الاستدعاءات والمعاني لدى مطلقيها.

 

فعندما ننادي يا زينب فإننا نستدعي بالدرجة الاولى العاطفة والمحبة لآل البيت الذين قال فيهم الله {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فهي بنت فاطمة بضعة رسول الله وبنت علي أخي رسول الله وحبيبه. حظيت بتكريم رسول الله لها عند ولادتها عندما احتضنها وضمّها الى صدره وأذّن في أذنها اليُمنى وأقام في اليسرى ثم قال لأبويها سمياها زينب. عاشت عليها السلام في رحاب البيت الطاهر الذي أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيراً.  اذاً هي العاطفة تغلي في الصدور عند ذكرها وتبعث على الفرح والحبور في ذكرى مولدها الشريف.

 

وعندما ننادي زينب فإننا ننادي الصبر فيها. نستلهمه ونستولده صبرا على كل ألم وكل ظلم وطغيان وافتراء…  وهي التي لقبت بالصابرة لما تحملته من معاناة وآلام. معاناة أمها الزهراء، وأبيها علي(ع) وأخيها الحسن. ويكفي ما حصل معها في كربلاء من مأساة أصابتها في الصميم المتعلق بشخصها والمتعلق بالإسلام دين جدها. زينب لم تُرَ في كل تلك المواقف إلا صلبة عزيزة لم تنهار أو تسقط فريسة الجزع والانهزام. "اللهم تقبل هذا القربان" أطلقتها بعد استشهاد أخيها في وجه جيش عمر بن سعد الذين كانوا ينتظرون منها الويل والثبور وخمش الوجوه.

 

وعندما نذكر زينب نستحضر قوة ايمانها وتسليمها وعدم زعزعة عقيدتها عندما حاول ابن زياد ان ينسب ما ارتكبته يداه الى الله قائلا شامتاً مستهزئاً: كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك؟ قالت: «ما رأيت إلا جميلاً. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم» لقد ارادت أن تؤكد بذلك رضاها بقضاء الله وقدره، فكل ما عند الله خير. عندما يُنعم وعندما يبتلي. تحمده في السراء والضراء.

 

ومع زينب نكتشف معنى العبادة الحقيقية لله والتوجه اليه حتى في اشد الظروف ألماً: تصوروا امرأة تقوم لصلاة الليل وهي محاطة بأجساد الشهداء من أولادها وأخوتها وأولاد أخوتها تخيلوا المشهد. نعم زينب صلت الليل وتغلبت على عاطفتها وانفعالاتها وكبتت مشاعرها وشهد الامام زين العابدين وقال: "إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية".

 

هي كما فعل اخوها الحسين واصحابه في ليلة العاشر التي قضوها باطمئنان بعيداً عن اي جزع أو هلع يسيطر في ظروف اقل بكثير من ظروفهم. وكما فعل ابوها امير المؤمنين يوم سئل باستغراب عن قيامه للصلاة وقت معركة صفين وفي ليلة الهرير أشد الليالي وطأة فأجاب أولئك المستغربين: "وعلام نقاتلهم "   

انه نداء الثبات والرجوع الى الله في كل وقت وفي كل أمر. ان من ينادي يا زينب يعرف جيدا ان لا تفريط بعلاقة مع الله او واجب تجاهه. الله الذي عبدته زينب وعبدته امها فاطمة حتى تورمت قدماها فالعلاقة مع الله هي مصدر القوة والعزيمة هي النبع الذي يقوي وهو الذي يبعث الاطمئنان ويضيء الطريق.

 

نقولها يا زينب لنتذكر علمها ونسعى للعلم رجالا ونساء اقتداء بها وهي التي لقبت بالعالمة، إذ كانت مرجعاً في العلم، نهلت من علم جدها وأمها وأبيها. وكانت تتصدى للإجابة عن المسائل الشرعية والأسئلة الدينية خلال غياب أخيها الحسين(ع) وكان ابن عباس وهو الذي عُرف بحبر الأمة يسألها عن بعض المسائل التي لا يهتدي لحلها. ويقول: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي. وإلى ذلك أشار الإمام زين العابدين(ع) عندما قال عنها: "عمتي زينب عالمة غير معلمة".

 

ايها الأحبة، لهذا كله: لعلم زينب وعبادتها ولصبر زينب وتضحياتها ولثبات وعزة زينب وعنفوانها. لهذا كله يصدح المؤمنون رجالا ونساءً بحب زينب والشوق اليها.

 

أخيراً كان يكفي زينب حتى تكون قدوة الرجال والنساء ان تكون شريكة الحسين. فهي شريكته في الثورة. وهي التي حملت المشعل وأكملت المسير وحدها بعد استشهاده. ألهبت المشاعر وثبتت الوعي وأبقت الثورة حاضرة في العقول والقلوب. ولا تزال كلماتها الشامخة في وجه يزيد الفرح المسرور تتردد في مدى الزمن لنقولها في وجه كل ظالم: «كِدْ كَيْدكَ واسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جُهْدَكَ، فواللهِ لا تَمحْو ذِكرَنا، ولا تُميتُ وَحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تُرحِضُ عنك عارَها، وهل رَأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامُك إلاّ عَدَد» وبقي صوتها صادحاً بالحق وبالثورة على الظلم ولا يزال حاضرا ينتج وعيا وحرية وعزة وعنفوانا وصيرا وثباتا وحبا لله واخلاصا له. وهو لن يزول وسيبقى وسيتردد الجواب تلبية لزينب وتلبية للحسين هي صدى لتلبية لله وتلبة لرسوله وال بيته الكرام.

هذه هي زينب. سلام الله عليها وسلام على امها وابيها وعلى اخوتها وبنيها والحمدلله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، نوصي بالاهتداء بما تحدّث به السيّد المسيح(ع) لحوارييه، عندما قال لهم: "يا معشر الحواريين، إنَّ ابن آدم مخلوق في الدّنيا في أربع منازل: هو في ثلاث منها واثق بالله، وفي الرابعة سيّئ الظنّ، يخاف خذلان الله إياه، فأما المنزلة الأولى، فإنه خلق في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة؛ فوفاه الله رزقه وهو في ظلماته، فإذا وقع في المنزلة الثانية، وأخرج من ظلمة البطن، وجد اللبن غذاءه جاهزاً، لا يخطو إليه بقدم ولا ساق.. فإذا ارتفع عن اللبن، وقع في المنزلة الثالثة، من الطَّعام من أبويه يكسبان عليه من حلال وحرام، فإذا مات أبواه، عطف عليه الناس بعد أن أوصى الله باليتيم ودعا إلى إكرامه.. فإذا وقع في المنزلة الرابعة، وكان رجلاً، خشي ألا يرزق، فيثبّ على الناس، فيخون أماناتهم، ويسرق أمتعتهم، ويغصبهم أموالهم، مخافة خذلان الله تعالى إياه.. ولو تساءل أنَّ الّذي أحاطه برعايته في المنازل الثلاث، أيعقل أن يتركه في الرابعة، فلما كان يستعجل الحرام".

أيُّها الأحبَّة، لقد أرادنا السيّد المسيح(ع) أن لا ننسى الله الَّذي أحاطنا برعايته منذ أن كنّا في بطون أمّهاتنا، وبعد أن خرجنا إلى الحياة، لأنَّه لن يتركنا ولن يخذلنا في مسيرة الحياة، ويكفينا أن نثق به، ونتوكَّل عليه، ونعمل بما يرضاه، حتى نجده مسدّداً ومؤيِّداً ومعيناً ورازقاً.

 

لبنان

أقفل هذا الأسبوع على عددٍ من القضايا، والبداية من لبنان، حيث يزداد التّحدي لهذا البلد من حدوده الشرقيّة، في ظلّ ما تكشفه المعلومات الأمنية من استعدادات يقوم بها المسلّحون على هذه الحدود، لتهديد القرى اللبنانيّة، والاستنزاف شبه اليومي للجيش اللبناني هناك، والذي يأتي، مع الأسف، في ظلّ الترهّل الَّذي يعانيه الواقع السّياسيّ، والّذي لا يقف عند حدود عدم وجود رئيس للجمهوريّة، أو انتظام عمل المجلس النيابي، بل وصل إلى المؤسَّسة الَّتي تدير شؤون هذا البلد ومصالح الناس، حيث تغرق القوى السّياسيّة في السّجال حول كيفيَّة اتخاذ القرارات في الحكومة، وكأنَّ البلد بألف خير! وكأنَّ أموره تسير على ما يرام! فلا يوجد تهديد اقتصاديّ ولا أمنيّ ولا سياسيّ ولا معيشيّ، ولا توجد أزمة وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السّوريّين، ولا كلّ ما ينتظر هذا البلد من استحقاقات!

إننا أمام هذا الواقع، نعيد دعوة القوى السياسيَّة جميعاً إلى أن تكون على مستوى التحديات التي تواجه هذا البلد، وآلام الناس ومعاناتهم، وإلى الإسراع في الخروج بصيغة حكوميَّة تضمن سير عمل هذه المؤسَّسة المتبقية، لتقوم بدورها، وتؤمّن مصالح الناس، بعيداً عن كلّ الحسابات الخاصَّة والضيّقة والآنية.

 

وهنا، نقدّر عمل كلّ القوى الّتي تسعى لتسهيل قيام الحكومة بهذا الدّور، في الوقت الَّذي نعيد الدّعوة إلى الإسراع في تأمين متطلبات الدّفاع للجيش اللبنانيّ، لمواجهة التّحدّي الخطير الّذي يواجهه، والَّذي عجزت عن مواجهته جيوش أخرى أكثر قدرةً وتجهيزاً.

وعلينا في ظلّ كلّ هذه المتغيّرات الّتي تشهدها المنطقة، أن لا نستكين لغطاء دوليّ أو إقليميّ لا يزال يظلّل السّاحة اللبنانيَّة، بقدر ما نسعى إلى تأمين غطاء داخليّ وبناء قوانا الذاتيَّة، من خلال وحدتنا وتضامننا وحسن تخطيطنا، لإدارة هذه المرحلة الصَّعبة والمعقّدة الّتي يمرّ بها لبنان والمنطقة.

 

اليمن

وإلى اليمن، حيث تزداد المخاوف على هذا البلد من تفاقم الصّراع فيه واشتعال حرب أهليَّة، جراء التجاذبات الداخليَّة الَّتي تتخذ طابعاً مناطقياً بين الشّمال والجنوب، أو طابعاً قبلياً أو مذهبياً، والتدخّلات الإقليميَّة في هذه المنطقة ذات الطّابع الحسّاس والاستراتيجيّ، ما بات يؤكد ضرورة العودة إلى طاولة الحوار لمعالجة كل القضايا، حتى لا يغرق اليمن في أتون حرب أهليّة لا تبقي ولا تذر، ولا يكون فريسة التدخلات الخارجيّة والمجموعات التكفيريّة، التي تعتاش على الفتن الداخلية، وتستفيد منها.

 

البحرين

وإلى البحرين، الَّذي لا نزال ننتظر فيه مبادرة من السّلطات تساهم في تخفيف التوتر والاحتقان، من خلال إطلاق سراح الشيخ علي سلمان وبقية المعتقلين، والعودة إلى حوارٍ داخليٍ جاد يُبعد هذا البلد عن صراع الداخل وتدخلات الخارج. إنَّنا نرى أنّ الحلّ في البحرين في يد سلطاته، فالقوى المعارضة تطالب بحقوق طبيعيَّة، لكي يشعر إنسان هذا البلد بإنسانيّته وكرامته وبحريته، ويكون الجميع على قدر من المساواة.

 

فلسطين

ونعود إلى فلسطين، لنذكّر مجدداً بمعاناة الشَّعب الفلسطيني، الَّذي نخشى أن يُنسى وسط كلّ ما يجري في المنطقة، حيث يستمرّ العدو بممارساته ومخطّطاته المتمثّلة في الاستيطان والقتل والاعتداءات على المساجد والكنائس، كما حصل أخيراً، والاستهداف المستمرّ للمسجد الأقصى من قِبَل المستوطنين، فيما يُشدّد الحصار المالي على السّلطة الفلسطينيّة، والّذي يهدّد لقمة عيش الشَّعب الفلسطينيّ، كما يهدد مؤسَّساته، إضافةً إلى الحصار الدائم لغزة.

إنَّ كلّ هذا الواقع بات يدعو إلى وحدة الموقف في الداخل، ووقفة للدّول والشّعوب العربيَّة والإسلاميّة مع هذا الشَّعب، حتى لا يستفرد العدوّ به، ولا تستمرّ معاناته، وحتى لا تسقط قضيّته التي ينبغي أن تبقى القضيّة الأساس في وجدان كلّ العرب والمسلمين، مهما تعقَّدت أزماتهم، وكثرت معاناتهم.

 

مؤتمرات مكافحة الإرهاب

وأخيراً، تكثر في هذه الأيام المؤتمرات الَّتي تعقد في مواجهة الإرهاب، الَّذي بات يعبث بوحدة العالم العربيّ والإسلاميّ، ويهدّد مكوّنات هذا العالم من مسلمين ومسيحيين وأيزيديين، إضافةً إلى الآشوريين مؤخراً.. إننا في الوقت الَّذي نؤكّد أهميَّة هذه المؤتمرات، ولا سيّما عندما تنطلق من قيادات لها وزنها وحضورها في السّاحة الدّينيّة أو الثّقافيّة أو السّياسيّة، نعتبر أنَّ الأمر بات بحاجةٍ إلى أكثر من مؤتمرات، فثمَّة حاجة إلى النّزول إلى أرض الواقع، لمعالجة الأسباب الَّتي تدعو شباباً وفتيات إلى ترك أماكن استقرارهم، والانخراط في تلك المجموعات، وهو الأمر الَّذي يستدعي دراسة وافية وعميقة للدّوافع الَّتي تكمن وراء ما يقوم به هؤلاء.

 

ويبقى أن نسأل: هل هذه الدّوافع تتَّصل بشعور حادّ بالتّهميش الَّذي يتعرَّض له المسلمون في العالم، أو هي دوافع مذهبيَّة، وردّ على ظلم أو إجحاف يشعر به هذا المذهب أو ذاك؟ وهل هي رد فعل على ظلم موجود في هذه الدّولة أو تلك، أو تعبير عن احتجاجات كبيرة على عدم قدرة القيادات المدنيَّة والسّياسيَّة على تحقيق الطموحات، أو أنّ الأمر يتعلّق بفهم هشّ للإسلام أخذ يسود بفعل ضعف البنى الفكريّة والفقهيّة للعاملين في المؤسَّسات الدينيَّة؟

إنّ الأمر في يد أصحاب القرار الدّيني والسياسيّ، الَّذين ندعوهم إلى عدم إبقاء المواجهة في دائرة البيانات والإعلام والمؤتمرات، بل إلى معالجة جذريَّة لهذه الظّاهرة الخطيرة، الَّتي لن تستطيع الأساليب العسكريَّة أو الحصار الاقتصاديّ أن يلغيها، بل قد تزيدها هذه الإجراءات قوةً وامتداداً، إن لم نبادر إلى معالجتها معالجة جذريَّة وعميقة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 8 جمادي الأولى 1436هـ الموافق: 27 شباط 2015م

Leave A Reply