عليّ (ع).. الإمام الّذي ذاب في الله حبًّا

ألقى السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
 

قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}. صدق الله العظيم.

تصادف في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، ذكرى شهادة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، هذا الاسم الذي عندما نذكره، ترتسم أمامنا كلّ الصّور التي تشير إلى العظمة والتميّز في كلّ الحياة التي عاشها، منذ أن ولد في بيت الله في الكعبة المشرَّفة، إلى أن أغمض عينيه في بيتٍ من بيوت الله في الكوفة.

 

لقد عاش عليّ (ع) حياته كلَّها لله وللإسلام، وهو من عرفته ميادين العلم والعبادة والجهاد والعدل والبذل والتَّضحية والإيثار.

 

منطلق العبادة عند عليّ (ع)

ونحن في هذا المقام، لن نستطيع أن ندخل إلى كلّ تفاصيل هذه الشخصيَّة ومآثرها التي كُتبت عنها الكثير من المجلَّدات والكتب من شتَّى الثقافات والأديان، وسيظلّ ينهل من معينها كلّ باحثٍ عن الحقيقة وتوَّاق إلى العدالة والحريّة والكرامة الإنسانيّة، وسيظلّ يستهدي بها التوّاقون لتجربة ناطقة عن الإسلام.

فتعالوا نتعرَّف على علاقة علي بالله من قولٍ له، هو أروع ما رُسّم ووُصِّف في علاقة العبد بخالقه:

"إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنَّتك، ولكنّي وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".

هو إعلان لنمط العلاقة التي تحكمه بالله، علاقة الحبّ والمعرفة التي لم يبنها عليّ على الخوف من الله، ولا على الطّمع والرّغبة بثوابه.

وإن كان عليّ هو أكثر الناس خشيةً من الله، وأكثرهم رغبةً بما عنده، وهو الذي كان يرتعد ويرتجف من خشية الله، ويقول: "ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنّة"، لكنّه اختار أن يسمو بهذه العلاقة، فلا يخالطها شيء سوى الحبّ الخالص لله.

أيُّها الأحبَّة: إنَّ عبادة الله بناءً على الحبّ، جانبٌ لم يهتمّ به الدعاة والمربّون كثيراً، بل ركَّز البعض منهم على التّخويف من الله ومن ناره وعقابه وغضبه، فاذا قيل لهم إنَّ الله رحمن رحيم، يقولون ولكنَّه شديد العقاب. وفي المقابل، ركّز البعض الآخر على التّرغيب بثوابه، وعلى كسب الحسنات. وكلا المنهجين ضروريّان، ولكنَّهما لا يكفيان لبناء علاقة متينة بالله وثابتة. وعليّ (ع) وصف عبادة الخوف بأنَّها عبادة العبيد، وعبادة الرّغبة في الثّواب بأنّها عبادة التجّار، عندما قال: "إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ".

ومدخل الحبِّ في علاقة الإنسان بربِّه، كفيلٌ بأن يجعل العبادة ثابتةً، عبادة فيها حياة وفيها روح، هي عبادة العاشقين لله، تماماً كما هو الأمر في كلِّ العلاقات، فالفرق كبير بين من يندفع إلى أيِّ عمل بدافع المكافأة أو الخوف من العقاب، وبين من يعمل حبّاً بالعمل وبمن يعمل له.

 

التّربية على أساس الحبّ

وجانب تعزيز الحبّ لله والشّكر له والتربية على أساسه، هو أيضاً منهج قرآني، والمتأمّل في القرآن الكريم يجد كيف يتودَّد الله لعباده، وكيف يدعوهم إلى ملكوته وإلى حبّه والقرب منه، وتفويض الأمر إليه والثّقة به، والتوكّل عليه، بلغة كلّها حنوّ وعاطفة. تأمّلوا بعض هذه الآيات:

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزّمر: 53).

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ}.

{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}…

وهناك الكثير من آيات الودّ والحبّ التي نجدها في مضامين السّور القرآنيّة، وعلينا، أيّها المحبون لله والموالون لعليّ، ونحن مازلنا في شهر القرآن، أن نبحث عنها ونقف عندها ونربّي أنفسنا وغيرنا على أساسها.

إنَّ التربية على أساس الحبّ هي المكسب، وهي التّربية التي تدوم على المدى الطّويل. نعم، إنّ التربية على أساس التَّرهيب والتّرغيب قد تنفع، ولكن لمدى قصير وهشّ أحياناً.

لذا، علينا دوماً عندما نربّي أولادنا، أو في أيّ موقع من مواقع التّربية، أن نربّيهم على حبِّ الله قبل أن نربّيهم على العبادات والصَّلاة والصِّيام والفرائض، ومتى ما أحبّوا الله، كانت الفرائض نتيجة طبيعيَّة وانسيابيَّة، وتدوم حتى يختم الله لهم بخير.

 

العبادة والحبّ

وكذلك مع الحبّ، فإنَّ نوعية العبادة تختلف، فمن يصلّي خوفاً أو رغبةً بهدف أداء الفريضة، فإنّه لا يُقبل عليها بشوق، ويتراخى ويستخفّ بوقتها وبطريقة أدائها، أو يأتي بها كما هي في حدّها الأدنى، لأنّ الإنسان بطبيعته ميّال للكسل.

أمّا عندما تنطلق الصّلاة من حبّ، فستكون لقاء الحبيب بحبيبه الّذي لا يرغب في أن ينقضي اللّقاء، ويرغب في أن يتكرّر، ولن يكون كما هي التّعابير العاميّة التي نستعملها: (حِمْل وبدّي شيله عن ضهري). إنّ الصلاة مسؤوليّة ثقيلة نعم، ولكن ينبغي ألا تكون عبئاً ونريد أن نرتاح منه، بل أنساً وراحةً، ونغادرها مشتاقين للعودة إليها.

لقد كان رسول الله عندما يأتي وقت الصّلاة، ينادي مؤذّنه بلال الحبشي: "أرحنا يا بلال"، وهو يقصد أرحنا بالصَّلاة وليس من الصَّلاة. وعليّ (ع)، تلميذ رسول الله، وباب مدينة علمه، كانت الصّلاة بالنّسبة إليه معراج روحه إلى الله، كانت مبتغاه ومؤنس نفسه، كان يحرص عليها حتى في أشدِّ اللّيالي حراجةً، فقد افتقده يوماً أصحابه في معركة صفّين، وظنّوا أنه حصل له مكروه، وعندما فتّشوا عليه، وجدوه بين الصّفوف يصلّي، والسّهام تنهال بين يديه ومن خلفه.

 

العشق الإلهيّ

أيّ حبّ لله هذا، وأيّ مرتبة من العشق الإلهيّ هو عشق أمير المؤمنين عليّ؟! هو عشق عبّر بنفسه عنه، وقمّته هو ما نقرأه له في دعاء كميل: "فَهَبْنِي يا إلـهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبِّي، صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلى فِراقِك، وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلى كَرامَتِكَ، أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فِى النّارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ. فَبِعِزَّتِكَ يا سَيِّدِي وَمَوْلايَ أُقْسِمُ صادِقاً، لَئِنْ تَرَكْتَنِي ناطِقاً، لِأَضِجَّنَّ إِلَيْكَ بَيْنَ أَهْلِها ضَجيجَ الآمِلينَ، وَلأَصْرُخَنَّ إِلَيْكَ صُراخَ الْمَسْتَصْرِخينَ، وَلأبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بُكاءَ الْفاقِدينَ، وَلأنادِيَنَّكَ أَيْنَ كُنْتَ يا وَلِيَّ الْمُؤْمِنينَ، يا غايَةَ آمالِ الْعارِفينَ، يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، يا حَبيبَ قُلُوبِ الصّادِقينَ، وَيا إلـهَ الْعالَمينَ".

 

الله حبيب قلوب الصّادقين، وإليه كان يتوجّه عليّ بهذا الحبّ، ليقول له: "إلهي كفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً، أنت كما أُحبُّ، فاجعلني كما تحبُّ".

وفي ذكر عليّ والحبّ، لا بدَّ أن نشير إلى الوسام الّذي ناله من رسول الله (ص)، وكان أفضل وسام، عندما قال في معركة خيبر: "لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله"، ويقصد بذلك عليّاً (ع).

 

وصيَّة عليّ (ع)

أيّها الأحبَّة: لقد كانت الصلاة وصيّة عليّ (ع) وهو على فراش الموت ينازع قبل استشهاده: فقال موصياً أولاده ومَن حوله: "تعاهدوا أمر الصّلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقرَّبوا بها، فإنَّها كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا".

هذا هو عليّ (ع) في علاقته بالله، هذا سرّ عليّ، هو ما عبَّر به عن عمق شخصيَّته، وهو سرّ كلّ التّمييز الذي نراه فيه.

وإخلاصنا لعليّ وللنبيّ وللإسلام، لن يكون إلا عندما تمتلئ قلوبنا بحبّ الله، ويكون الله هو الهدف والغاية والمرتجى، كما كان الله عند عليّ (ع).

 

"رَحِمَكَ اللهُ يا أَبَا الْحَسَنِ، كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلاماً، وَأَخْلَصَهُمْ إِيْماناً، وَأَشدَّهُم يَقِيناً، وَأَخْوَفَهُمْ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَعْظَمَهُمْ عَناءً، وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ (ص) وَآمَنَهُمْ عَلَى أَصْحابِهِ، وَأَفْضَلَهُمْ مَناقِبَ، وَأَكْرَمَهُمْ سَوابِقَ. فَجَزاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلامِ وَعَنْ رَسُولِ اللهِ (ص) خَيْراً…"، لَنْ يُصابَ الْمُسْلِمُونَ بفجيعة مثل فجيعتنا بك أَبَداً، وإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

والسَّلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به عليّ (ع) ولده الحسن (ع) قبل أن يغادر هذه الحياة، عندما قال: "أُوصيك يا حسن، وجميع أهل بيتي، وولدي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ربّكم، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعتُ رسول الله (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام".

ثم قال(ع): "الله الله في الأيتام! لا يضيعوا بحضرتكم. الله الله في القرآن! فلا يسبقنّكم إلى العلم به غيركم. الله الله في جيرانكم! فإنّ رسول الله (ص) مازال يوصي بهم حتى ظننّا أنه سيورثهم. الله الله في بيت ربّكم! فلا يخلو منكم ما بقيتم.. الله الله في الصّلاة! إنها عماد دينكم. الله الله في الزّكاة! فإنها تطفئ غضب ربّكم. الله الله في صيام شهر رمضان! فإنّ صيامه جُنّة من النار. الله الله في الفقراء والمساكين! فشاركوهم في معائشكم. الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم! قولوا للنّاس حسناً كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّي الله أمرَكم شرارَكم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم. عليكم بالتّواصل والتّبادل والتبادر، وإيَّاكم والتَّقاطع والتَّدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

هذه هي وصيّة عليّ (ع) فينا، هي زادنا في هذه الحياة، فلنحفظها ولنعمل بها، حتى نثبت حقيقة ولائنا ومحبّتنا لهذا الإمام العظيم، ونكون أقدر على مواجهة التحدّيات.

الموازنة على حساب الشّعب

والبداية من لبنان، الذي لايزال اللّبنانيّون فيه ينتظرون موازنة لم تخرج بعد، ونأمل أن تنتهي في أقرب وقت، وأن لا تكون قد دخلت في التجاذبات والصراعات السياسية، ولكننا نستطيع القول، وبناءً على ما خرج إلى العلن من أرقام وقراءات، إنها بعيدة كلّ البعد عن كل الآمال التي عُقدت عليها.

لقد اكتشف اللّبنانيون ــ وبعد كل هذه السجالات داخل مجلس الوزراء وخارجه ــ أن علاج العجز إن تمّ، فمن "كيس" اللبنانيّين، وعبر ضرائب التفافيّة ستنعكس على الطبقات الفقيرة، من دون الذهاب الفوري إلى مزاريب الهدر والفساد. كما اكتشفوا مجدّداً أنّ الوضع اللبناني العام لايزال محكوماً ومرهوناً بالتسويات والاتفاقيات الخلفيّة التي تُبرَم خارج مجلس الوزراء، وأن الخلاف حول بنود الموازنة يعكس في كثير من مظاهره صراع مواقع داخل المجلس وخارجه، صراعاً يحمل أكثر من بعد طائفيّ وسياسيّ، وهو الذي مازال يؤخر الانتهاء من الموازنة، لكنّه، كما جرت العادة، سوف ينتهي عند التسويات التي تحفظ للأفرقاء امتيازاتهم، وتُبقي النسبة الكبيرة من الشّعب تحت خطّ الفقر.

إنكم، أيّها اللّبنانيّون، أمام الخيار الذي تعرفونه: موازنة فيها نكهة إصلاحيّة وألوان تقشّفية، ولكنها بعيدة عن المضمون الإصلاحي الفعلي، وهي جاءت على وقع الضغوط الخارجية لتمرير القروض القادمة، وأخذ الضمانات لسدادها.

إننا نعيد التأكيد على اللّبنانيين، أنهم لن يصلوا إلى دولة حقيقيّة ماداموا عاجزين عن التخفف من ثقل الطائفيّة التي حوّلت الدّولة، ولاتزال، إلى ساحة للتنازع والتقاسم والتجاذب حول طريقة توزيع الحصص على أفرقاء السلطة والزعامات الطائفيّة، ومادامت القيادات السياسية لا تستشعر أيّ ضغط حقيقيّ من المواطنين لمحاسبتها على سياستها ومواقفها من الإصلاح، لذلك قلناها ونقولها دائماً، إنّ الإصلاح لن يتمّ إلا بتغيير عقلية الحاكم والمحكوم.

صفقةٌ لإنهاء القضيّة

وإلى المسألة الفلسطينيّة التي يُراد اختصارها بحفنة من المليارات ومغريات ماليّة مؤقتة، على أن ينسى الجميع القدس وحقّ العودة وجزءاً كبيراً من الضفّة الغربيّة، تحت عنوان تحقيق الازدهار ورفع مستوى المعيشة للشّعب الفلسطيني، وذلك من خلال باكورة المؤتمرات لصفقة القرن المقرَّر عقدها في البحرين، كملهاة جديدة تقدَّم للفلسطينيين على مذبح القضية التي يُراد إسقاطها بالكامل.

إنّنا نعرف أنّ الشعب الفلسطيني قال كلمته سلفاً، وكذلك الشعوب العربية والإسلامية التي تعرف مسبقاً أنّ أيّ حلّ لا يحمل العنوان السياسي الذي تُعاد فيه الحقوق الوطنيّة، هو أمرٌ مصيره الفشل في نهاية المطاف.

ولكننا نقول للعرب على مستوى الدول: لقد عضّ الشعب الفلسطيني على جرحه طويلاً، ووضع حجر المجاعة على بطنه، ولم يرض الذلّ والهوان، وعليكم ألا تتعاملوا معه كشعب يبحث عن الطّعام، فهو لا يريد إلا حرّيته وعزّته وتحقيق حقوقه الكاملة في أرضه ووطنه.

ذكرى التّحرير

وأخيراً، نلتقي في هذه الأيام بذكرى التّحرير؛ هذه الذكرى التي عبّرت عن حقيقة لا بدّ من أن يحافظ عليها اللّبنانيون، وهي قوّة لبنان؛ هذا البلد الصغير الذي أصبح كبيراً وأنموذجاً وقدوةً، عندما هزم العدوّ الصهيوني بكلّ جبروته، ورغم كلّ التغطية التي تؤمَّن له، وأجبره على الرحيل عن هذا الوطن من دون قيد وشرط، ولأوّل مرّة في تاريخ الصراع مع هذا العدوّ، من خلال وحدة اللّبنانيّين ومساندتهم لجيشهم ومقاومتهم.

إننا نرى، وبعد تسعة عشر عاماً، أنّ التحرير في آفاقه الكبرى يحتاج إلى رعاية حقيقية، لأن العدوّ لن يكفّ عن الكيد للّبنانيين واستهدافهم في مواقع قوتهم، للثّأر من هزيمته، وذلك يكون بالحفاظ على الوحدة الداخليّة وتثبيت الأرض في هذا البلد، من خلال مقاومة الفساد والمفسدين الذين يجعلون البلد رهينةً للخارج، ومن خلال عمليّة إنماء حقيقيّ، وفي كلّ المجالات، ما يجعل الإنسان فيه أكثر حرصاً على التثبّت بأرضه وبقائه فيها.

 

Leave A Reply