قصّة ذي القرنين في القرآن: دروسٌ وعِبر

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً}.

ورد في القرآن الكريم، وفي سورة الكهف، قصّة ذي القرنين، وقد جاء ذلك بناءً على سؤال طرح على رسول الله (ص)، لكثرة ما كان يتداول عنها، ولعلامات الاستفهام العديدة والأساطير التي كانت تثار حولها.

شخصيّة ذي القرنين

وقد تحدّث الله عن معالم هذه الشخصيّة، والدّور الذي قامت به، من دون أن يدخل في تفاصيل الحديث عنها فيما يتعلّق بنسبه وزمان وجوده ومكانه، أو سبب تسميته بهذا الاسم، مما لا شأن للقرآن الكريم به، لأنّ القرآن الكريم ليس كتاباً يؤرِّخ للأشخاص أو المواقع التي عاشوا فيها.

وهو عندما تحدَّث عن قصص الماضين، أشار إلى أنّ هدفه من ذلك العبرة والاستفادة من دروسها، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ…}، وهذا ما نريده من ذكرنا لهذه القصَّة.

لقد أشار القرآن الكريم في هذه القصّة إلى إيمان ذي القرنين بالله الواحد الأحد، وأنّه استفاد من كلّ القدرات والإمكانيّات التي هيّأها الله له، لتحقيق العدل، وإيصال رسالة التّوحيد إلى كلّ مكان قادر على بلوغه، فقد منحه الله العقل الواسع، والعلم الكافي، والإدارة السّليمة، والقوّة والإمكانات الماديّة والبشريّة، وهذا ما أشار إليه الله تعالى عندما قال: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً}.

مسيره إلى المغرب

وقد بيّن القرآن الكريم المواقع الثلاثة الّتي بلغها ذو القرنين، فقال في إشارته إلى الموقع الأوّل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ…}.

فهذا الموقع الذي وصل إليه ذو القرنين بجيشه الجرّار، هو آخر ما ينتهي إليه العمران من جهة الغرب، وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّه كانت فيه مستنقعات مائيّة، وهذا ما تشير إليه كلمة حمئة، بحيث شعر ذو القرنين بأنّ الشّمس كانت تغرب في هذه المستنقعات، تماماً كما يشعر بذلك مسافر البحر وسكّان السّواحل.

وقد امتحنه الله سبحانه وتعالى، عندما وصل إلى القوم الذين كانوا هدف رسالته: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً}، فكان جوابه: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً}.

فقد أعلن ذو القرنين في جوابه بوضوح أنّه سيحكم بالعدل، فيجازي الّذي ظلم بظلمه، ويعاقبه العقاب الذي يستحقّه في الدّنيا، ليواجه بعد ذلك العذاب في الآخرة، أمَّا من آمن وعمل صالحاً، فسيثيبه ويشجّعه على إحسانه، وهذا دأب الحكماء المصلحين.

نحو شرق الأرض

وعندما انتهى من سفره هذا، بعدما أرسى قواعد العدل والتّوحيد لله عزّ وجلّ، توجّه إلى الموقع الثاني في أقاصي شرق الأرض، ليقوم بالدَّور الذي قام به في رحلته إلى الغرب، حيث يقول الله سبحانه في ذلك: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً}، أي استخدم كلّ الوسائل والإمكانات التي كانت بحوزته، ولم يوفّر أيّ جهدٍ للوصول إلى مقصده {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً}، أي وجد هناك قوماً كانوا على بدائيَّتهم لا يملكون ستراً ومساكن تحميهم من الشَّمس. ثم يقول القرآن الكريم: {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً}. فإنَّ ذا القرنين، وهو في عين الله، لم يوفّر جهداً في دعوة هؤلاء القوم إلى دين الله، ورفع مستواهم وقدراتهم ليتطوّروا وفق الإمكانات التي هُيِّئت لهم.

مواجهة يأجوج ومأجوج

وبعد أن انتهى ذو القرنين من رحلته إلى المغرب والمشرق، وأدّى دوراً مهمّاً، انتقل إلى موقع ثالث، وهو موضع بين جبلين، أشار إليه القرآن الكريم بقوله: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً}، في إشارةٍ إلى بساطة هؤلاء وتخلّفهم. وعندما وصل إليهم، استنجدوا به، لما شعروا من اهتمامه الشَّديد بإقامة العدل ومواجهة الظّلم، وطلبوا منه العون على قبيلتي يأجوج ومأجوج اللّتين كانتا تعيشان وراء الجبال، وتعتديان عليهم في كلّ وقت، وأبدوا لذلك استعدادهم لأن يعطوه مالاً على أن يبني سداً يفصل بينهم ويحميهم من عدوانهم، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً}.

هنا، لم يستغلّ ذو القرنين حاجتهم وضعف قدراتهم العقليَّة ليأخذ مالهم، كما نرى تصرّف الدول الكبرى مع الدّول الضّعيفة عندما تحتاج إلى حمايتها، بل قال لهم لا أحتاج إلى مالكم، جلّ ما أريده أن تعينوني بإمكانات بشريّة وموادّ أوّليّة لبناء السدّ {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً}. فسدّ الثّغرة التي كان ينفذ منها يأجوج ومأجوج، مستعملاً لذلك قطعاً كبيرة من الحديد، وأضاف إليها النّحاس المذاب، ليتخلّل بين الحديد ويختلط به، فيزداد قوّة وصلابة.

دروسٌ وعبر

أيّها الأحبّة؛ لقد حملت قصّة ذي القرنين في ثناياها عدّة دروس وعبر لا بدّ من الأخذ بها والاستفادة منها.

أوَّلاً: الأخذ بالأسباب، فقد حرص الله سبحانه في إشارته إلى قصَّة ذي القرنين، للحديث عن هذه النّقطة، فهو لم يكتف لتحقيق أهدافه بالموقع الذي كان له عند الله أو بتوكّله عليه، بل توكّل على الله، لكن بعد الأخذ بالأسباب، وهذا ما حرص الله سبحانه على أن يشير إليه قبل بدئه بأيّ رحلة من رحلاته، عندما قال: {فَأَتْبَعَ سَبَباً}.

وفي ذلك إشارة واضحة لكلّ مؤمن ومؤمنة الذين قد يعتقدون أنّ الله يتدخّل مباشرةً برزق أو بنصر أو بتحقيق العدل وإزالة الظّلم، إلى أنّه لا بدّ من الأخذ بالأسباب لتحقيق أيّ هدف في الحياة، فإذا أراد الإنسان أن يصل إلى العلم، فلا بدّ أن يأخذ بأسبابه، وإذا أراد طريق الغنى، فلا بدّ من العمل بما يوصله إلى الغنى، وإذا أراد تحقيق الانتصار، فلا بدّ أن يعدّ العدة المادية والمعنوية، وكما قال سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، وإذا أراد إزالة الظلم وتحقيق العدل، فلا بد من العمل له، فلا يكفي أن يكون الإنسان مؤمناً أو تقياً حتى تنفتح له أبواب الرزق وتتحقّق الانتصارات، بل لا بدّ من السعي والعمل والاستعداد وبناء القوّة، وأن يكون ذلك بناءً على دراسة وتخطيط وتعمّق، ونحن لو سألنا: لماذا تأخّر المسلمون كثيراً؟ لكان الجواب: حين تركوا الأخذ بالأسباب أو أخذوها كيفما كان.

ثانياً: استثماره للقوّة في سبيل الخير، فرغم أنّ ذا القرنين امتلك الطموح الكبير، وبلغ أقصى الكون، لكنّه لم يستغلّ قوّته وجبروته وما وصل إليه من أجل التسلّط على الناس أو نهب ثرواتهم، رغم أنه كان قادراً على استغلال جهلهم وحاجتهم إليه، بل سخّر كل قدراته من أجل إيصال صوت الحقّ، وتحقيق العدل والانتصار للمظلومين والمضطهدين، ومواجهة المستكبرين والمفسدين والطّغاة، وهذه الرسالة هي التي ينبغي أن يحملها كلّ صاحب جاه أو مال أو موقع أو قوّة في الحياة.

ثالثاً: التّشديد على أنّ كلّ ما ناله لم يكن بجهد شخصيّ أو ذاتيّ، بل هو من الله، لذا نراه بعد كلّ ما تحقّق على يديه من إنجازاتٍ ومن انتصاراتٍ بلغت السيطرة على الأرض المعمورة في حينه، نراه يزداد تواضعاً وانكساراً لله، ويقول: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، وأنَّ كلَّ الأمور تعود إلى الله، ويقول: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}.

وهذا المنطق؛ منطق أنّ الخير كلّه من الله، هو مقابل منطق المستكبرين أمثال فرعون، الّذي عندما راح يستعرض مدى اتّساع ملكه، قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي}، أو قول قارون عندما راح يعدّ أمواله وثرواته: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}.

رابعاً: التنبيه إلى أن مسؤوليّة الإنسان المؤمن في نشر العدل ورفع الظّلم، وفي إيصال رسالة الله، لا تقف عند حدود الأرض التي يعيش عليها، بل تتعدّاها إلى كلّ مدى يستطيع الوصول إليه، بكلماته أو مواقفه أو جهده وعمله، فلا بدّ أن يكون جهده بحجم الوسائل التي تتوفّر لديه، ولا بد من العمل.

رسالة إلى المستضعفين

لقد أراد الله من خلال قصَّة ذي القرنين، أن يشير إلى أنَّ ذا القرنين هو مظهر من مظاهر التّمكين الذي وعد الله به عباده الصّالحين العاملين، عندما قال: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.

وفي ذلك رسالة إلى كلّ المستضعفين الذين يعانون من الطّغاة والمستكبرين، بأنَّ الله سيحقّق وعده لهم، إن هم سلكوا طريقه، وعملوا بهديه، وأخذوا بالأسباب التي تعينهم على دنياهم وآخرتهم.

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام عليّ (ع) واليه مالك الأشتر، عندما عهد إليه ولاية مصر، فقال له: "إيّاك ومساماة الله في عظمته، والتشبّه به في جبروته، فإنّ الله يذلّ كلّ جبّار، ويهين كلّ مختال. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصّة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلا تفعل تظلم! ومن ظلم عباد الله، كان الله خصمه دون عباده.. وليكن أبعد رعيّتك منك، وأشنأهم عندك، أطلبهم لمعائب النّاس، فإنّ في الناس عيوباً، الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت، يستر الله منك ما تحبّ ستره من رعيّتك".

لقد أراد الإمام عليّ (ع) أن يبيّن نظرته إلى الحاكم، فالحاكم عنده هو من يرى الحكم مسؤوليّة، وليس امتيازاً، أو وسيلة للوصول، أو سبباً للتكبّر أو التجبّر والطغيان، بل الحاكم هو من يحرص على الناس كما يحرص على نفسه وأهله ومحبّيه، وهو من يبعد من حوله ممّن يتصيَّدون أخطاء النّاس وعثراتهم ويكشفون عيوبهم، وهو من يصل إلى قلوب الناس بعدله وبحسن سلوكه.

بهذا الحاكم والمسؤول، نستطيع أن نرتقي بواقعنا ونواجه التحدّيات.

ميزانيّة ضدّ الفقراء

والبداية من لبنان، حيث استمع اللّبنانيون في الأيام الماضية إلى الملاحظات التي أبداها النواب على الموازنة التي صدرت عن حكومة تمثّل الأغلبيّة الساحقة لأعضاء المجلس النيابي، وهي أظهرت، وبشكل واضح، عدم رضاهم عنها، عندما عبّروا، وبالأرقام، عن ثغراتها، وعن أنَّ إيراداتها ستؤخذ من جيوب الناس الفقراء وذوي الدّخل المحدود، وأنها لن تمسّ بشكل أساس الطبقة الغنيّة القادرة على تحمّل أعبائها، والَّتي تستطيع أن تنام بعدها مطمئنّة على مصالحها.

وهنا نقول إنّ من حقّ النوّاب أن يعبّروا عن آرائهم بعيداً عن آراء ممثّليهم في الحكومة، لكونهم يعبّرون عن الشّعب ويمثّلونه، ولا بدّ من أن يكونوا معبّرين حقيقيّين عن آلامه ومعاناته، وهذا ما كنّا دعوناهم إليه منذ بدء المناقشات، بأن يكونوا أمناء حقيقيّين على المسؤوليّة التي يحملونها. وحسناً فعلوا، ولكن يبقى السّؤال: هل سيبقى النوّاب المعترضون على الموازنة، والّذين أظهروا هشاشتها وعدم تعبيرها عن الواقع، أو عدم تلبيتها لاحتياجات المؤتمنين، على آرائهم، أم سيعودون إلى ما عبَّرت عنه كتلهم، ويكون ما جرى للاستهلاك المحلّي، لكون الجلسات تبثّ عبر الهواء.

إننا نستطيع القول، ورغم المصداقية التي أبداها بعض النواب الذين يتطلَّعون إلى تغيير هذا الواقع البائس، إنَّ الصورة لن تكون أفضل، وسيتكرّر ما كنا نشهده سابقاً: كلام كثير وكبير أمام وسائل الإعلام وفي الخطب، ولكن لا مواقف حاسمة. ومع حدّة المواقف وتصاعدها، وكلّ الملاحظات التي تناولت الموازنة، فإنَّ الطريق لإقرارها ممهَّد، والتبرير في ذلك جاهز بأنّه أفضل الممكن، مع نشر الوعود بأنَّ المستقبل سيكون خيراً من ماضيه، وما لا يمكن الوصول إليه في موازنة العام 2019 سيكون في العام 2020.

لا أمل في التّغيير

إننا، ومن خلال كلّ ما عهدناه في أغلب الواقع السياسيّ، نرى أنَّ التّغيير لو أريد له أن يحصل، لحصل في هذا الظرف الصّعب والمصيريّ على المستوى الاقتصادي، ولكانت عشرات الجلسات كافية لتحقيق ذلك، ولكن ذلك لن يحصل مادامت العقلية التي حكمت البلد طوال المرحلة السابقة لاتزال هي الحاكمة، وإنّ المبرّرات التي أدّت إلى عدم المسّ بالعديد من القطاعات، كالأملاك البحرية، أو سدّ المنافذ غير الشرعيّة، أو التهرب الضريبيّ، أو سدّ منافذ الهدر والفساد، لاتزال موجودة، وسيبقى الأسلوب الأسهل هو مدّ اليد إلى جيوب المواطنين كلّما دعت الحاجة.

ويكفي دلالةً على ذلك، عدم الالتفات إلى أصوات من خدموا الوطن، وضحّوا في سبيله، وقدَّموا حياتهم من أجله، وأصوات الكثيرين الَّذين عبّروا عن احتجاجهم على ما سيلحقهم من مسّ بحقوقهم.

إننا رغم كلّ هذا الواقع، سنبقى نراهن على وعي إنسان هذا البلد، بأن يرفع الصوت عالياً في وجه كل المتلاعبين بلقمة عيشه ومصيره، وأن لا يتوقّف عن الضَّغط بكلّ الوسائل على نوّابه، لإشعار كلّ من لديه إحساس بآلامهم بضرورة تحمّل مسؤوليّاته.

معاناة الفلسطينيّين!

في هذا الوقت، تعود إلى الواجهة معاناة الشعب الفلسطيني، بعد طرح وزارة العمل في لبنان تطبيق القانون المرعي على هذا الشّعب، ما يزيد من معاناته الموجودة أساساً في عيشه في مخيّمات تفتقد الحدّ الأدنى من العيش الكريم.

إننا أمام ذلك، نعيد التأكيد على ضرورة المراجعة الجادّة لكلّ القوانين التي تؤثّر في حياة الفلسطينيّين، بأن تأخذ بعين الاعتبار خصوصيّتهم، وأن لا يُقاسوا بالعمالة الأجنبيّة الوافدة، وأن تحترم إنسانيّتهم، وتدعم صمودهم، وتحصّنهم بالعيش الكريم، ولا داعي لطرح هواجس التوطين وصفقة القرن، بعد أن أكَّد هذا الشعب، وبالفم الملآن، خياره في رفض صفقة القرن وتبعاتها وإصراره على عودته إلى وطنه.

إنَّنا نؤكّد أنَّ الحوار اللبناني الفلسطيني هو السّبيل لحلّ هذه القضيّة، حفظاً لمصالح الشعبين، ومنعاً لأيّ فتنة قد يسعى إليها البعض من وراء ما جرى.

ملفّ الحضانة!

وأخيراً، يعود في هذه الأيام الحديث عن حقّ الأمّ في الحضانة، بعد ما جرى في الأسبوع الماضي، ونحن نعيد التّأكيد على ضرورة معالجة هذا الأمر، مما لا يتمّ إلا عبر الاستفادة من الآراء الفقهيّة المتعدّدة حول هذه القضيّة، وأن يؤخذ بعين الاعتبار مصلحة الولد، والطّرف الأكثر أهليّة وقدرة على تربيته ورعايته، حتى لا يقع كبش محرقة في الخلافات التي قد تنتج من الطلاق ومفاعيله.

 

Leave A Reply