قيمة المبادرة وأُثرها على المجتمع

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِأَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}. صدق الله العظيم.

 

إن من أبرز علامات المؤمن والتي شكلت وتشكل الأساس في بنائه لشخصيته هو امتلاكه لروح المبادرة.. فالمؤمن هو من يبادر أينما وجد في أي ميدان سواء في الميدان الديني أو الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، هو يبادر للتعامل مع شؤون الدنيا ويبادر للحصول على الموقع المميز عند الله في الآخرة.. وهو لا يحتاج إلى من يدفعه للقيام بمبادراته، فدافعه إليها ينبع من ذاته من إيمانه وإخلاصه لربه..

 

لذلك تراه لا يهدأ، بل يسارع إلى التحرك والحضور والفاعلية والسبق إن هو سمع بمعاناة إنسان فقير أو يتيم أو معوق أو مسّن أو بظلم تعرض له فرد أو مجتمع أو وطن بعيداً كان أو قريباً. هو لا يمر مرور الكرام على الخلافات التي قد تحصل في عائلته أو حيه أو مجتمعه أو وطنه ويدير لها ظهره.. هو يعيش هموم الناس من حوله وآلامهم وقضاياهم، ولا يقف على التل عندما ينتشر فساد أو منكر أو انحراف أو ينتقص من معروف أو عندما توجد ظواهر تخل بأمن المجتمع وسلامته، فيطلق الكلمة في مواجهة ذلك..

 

إن هذه القيمة التي هي ضمانة بناء الحياة ونموها وتطورها أشار إليها القرآن الكريم لكن لا بلفظ المبادرة، بل ما يعبر عنها، فهو تحدث عنها بالمسارعة والسبق والاستباق والتنافس والاستعجال، فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

 

وقال سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}.. وقال سبحانه: {فِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}..

 

وقد أثنى الله سبحانه على المبادرين وبين مواقعهم عندما قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ}..

 

وقد خلَّد القرآن الكريم في سورة ياسين دور رجل بادر بالدفاع عن أنبياء الله، عندما سمع أنهم يتعرضون لأذى من قومهم رغم وعيه المخاطر التي قد تحصل له من جراء موقفه، فنال من تكريم الله له أن منحه الجنة: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}..

 

وهذا التكريم حصل للنبي إبراهيم(ع)، عندما بادر إلى تحطيم الأصنام التي كان يعبدها قومه وحتى يقدم لهم درساً عملياً بعدم قدرة هذه الأصنام الموجودة في المعبد حتى على حماية نفسها، فضلاً عن حماية الآخرين، فهو قام بتحطيم كل الأصنام الموجودة في المعبد وأبقى الصنم الكبير على حاله بعد أن علق في رقبته الفأس الذي حطم به بقية الأصنام..

 

وعندما جاء قومه لتقديم القرابين لأصنامهم ورأوها محطمة إلا كبيرها وعلموا أن من فعل ذلك هو إبراهيم بعدما سمعوه سابقاً يتندر على أصنامهم ويستهزئ بها.. سارعوا إلى القبض عليه وعندما سألوه عمن فعل هذا، قال(ع) فعله كبيرهم، ليلقي الحجة عليهم ويريهم ضعف حجتهم بعبادة أصنام لا تذر ولا تنفع.. فأُمِر به يومها إلى النار، فجاء التكريم الإلهي له: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.. وكان له الشأن والموقع الذي حظي به عند الله..

 

وقد حظي السابقون في الإسلام بالتكريم في الدنيا، عندما أبقاهم في ذاكرة المسلمين ووجدانهم وفيما وعدهم به في الآخرة.. فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}..

 

وقد قال في آية أخرى في تقديمه لمن بذلوا أموالهم ودماءهم مع الرسول(ص) قبل فتح مكة على من جاؤوا بعده، فقال: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}..

 

وكثيراً ما كان رسول الله(ص) يتحدث عن زوجته السيدة خديجة(رض) ويذكرها من بين زوجاته، وقد بين السبب في ذلك، أنها سبقت وبادرت، فهي آمنت به ووقفت معه في كل شدائده ومصاعبه وبذلت كل مالها في يوم عز الباذلون والمؤمنون والمضحون، فقال للتي اغتاظت من إحدى زوجاته عند ذكره لها، وقالت له: لقد أبدلك الله خيراً منها، فقال لها: "ما أبدلني الله خيراً منها لقد آمنت بي حين كفر بي الناس وصدقتني حين كذبني الناس.. ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها"..
 

وقد بلغ علي(ع) الموقع الكبير عند الله ورسوله وعند المسلمين عندما كان أول المبادرين، فهو أول من أسلم وأول من أعلن نصرته لرسول الله وفي وقت عز الناصر، وكان في المقدمة في مقارعة الشرك والكافرين، فقد عرفته ميادين بدر وأحد والأحزاب وخيبر، ومن قال عنه رسول الله(ص): "أعلمكم علي وأقضاكم علي".. وهو من احتاج الجميع إليه بعد رسول الله(ص) ولم يحتج إليه أحد..
 

وكان علي(ع) يوصي أصحابه: "بادروا  بعمل الخير قبل أن تشتغلوا عنه بغيره".. "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"..
 

لذلك أيها الأحبة، لا بد أن نبادر وأن نعزز هذه القيمة في حياتنا بأن يكون لنا حضور وبصمة في كل موقع نكون فيه، وأن نكون دائماً في المقدمة.. فبهذا نبني أوطاننا ومجتمعاتنا ونطور الحياة من حولنا، فالمجتمعات والأوطان لا تبنى ولا تقوم إلا بمبادرات يقوم بها أفراد أو يقوم بها جهات ممن يسهرون لسد حاجاتها ومتطلباتها وتغيير واقعها الفاسد والمنحرف ويعملون على النهوض بها..
 

لقد جاء الدين ليبعث هذه الروح وليقول للمؤمن: أنك عندما تعيش في مجتمع لا بد من أن تكون عنصر خير فيه، عنصر فاعلاً، أن لا يكون على هامشه في العلم أو السلوك أو العمل أو في بذل الخير أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي منطق الإيمان خير الناس من نفع الناس.. والإنسان لن يبلغ القمة في العبادة إلا إذا أصبح مشاء في حوائج الناس، من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"..وفي الحديث: "لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو لَيُوشِكَنَّ الله يبعثُ عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيبُ لكم"..

"الساكت عن الظلم وعن الحق هو شريك للظالم والباطل"..

ودعاؤه الدائم: "اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ المُصْطَفَيْنِ الأخْيارِ، وأَلْحِقْنِي بالصَّالِحِينَ الأَبْرارِ السَّابِقِينَ إِلى المَكْرُماتِ المُسارِعِينَ إِلى الخَيْراتِ العامِلِينَ لِلْباقِياتِ الصَّالِحاتِ الساعِينَ إِلى رَفِيعِ الدَّرَجاتِ"..

 

 

ونحن في عاشوراء نستعيد هذه القيمة، قيمة المبادرة عندما نستعيد ذكرى الحسين(ع)، قيمته أنه لم يقبل بالفساد والظلم والانحراف الذي رآه، بل بادر إلى مواجهته وتقدم الناس رغم قلة العدد وخذلان الناصر.. فراح يستنهض في الناس حميتهم وغيرتهم وكرامتهم عندما قال: ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه"..

 

وقال: "إني سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولاقول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله.. ألا وأن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله"..

 

وقدم لأجلهم حياته وحياة أهل بيته وأصحابه، وهو خطَّ لنا الطريق ودعانا إلى الانضواء في ظل مسيرته..

لذلك أن نكون مع الحسين(ع) أن نكون من المبادرين في مقدمة المصلحين وفي مواجهة الفساد والظلم والانحراف أينما كان ومن أي كان حتى لو كان من أقرب الناس إلينا..

 

فلا نكتفي من الحسين(ع) وكل من معه بواجب حضور أو بدموع نذرفها، هو لن يكتفي منا بذلك، هو يريد المواقف.. فالحسين(ع) ككل أهل البيت(ع) لم يهدف في كل ما قام به وبذله أن يحبه الناس أو أن ينال مجداً شخصياً، هو صاحب رسالة وموقف، والإخلاص له هو بإخلاصنا لله وشعارنا في ذلك:

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}..

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالدعاء الذي دعا به الإمام الحسين(ع) في كربلاء حيث تذكر السيرة أنه في صبيحة اليوم العاشر صلى الحسين(ع) الصبح بأصحابه بعدها جهز صفوفهم للحرب وأناط بكل قائد منهم مهمة.. وفي الطرف الآخر كان عمرو بن سعد ينظم صفوفه ويوزع المسؤوليات على رؤوس جنده.. ولما نظر الحسين(ع) إلى جمعهم كأنه السيل، فيما ليس معه إلا العشرات من خلص أصحابه وأهل بيته، لم يضعفه ذلك ولم يوهن من عزيمته وإرادته.. اكتفى بأن توجه إلى الله وقال:

"اللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْبٍ وَرَجائِي في كُلِّ شِدَّة وَأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بي ثِقَةٌ وَعُدَّة كَمْ مِن هَمٍ يَضْعُفُ مِنهُ الفُؤاد وَتقِلُّ فِيهِ الحِيَلة وَيَخْذُلُ فِيهِ الصَّديق وَيَشمَتُ فِيهِ العَدوُّ أَنْزَلتُهُ بِك وَشَكَوتُهُ إِلَيْك رَغبَةً مِنّي إِلَيْك عَمَّنْ سِواكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفتَهُ وَأَنْتَ وَليُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهىٍّ كُلِّ رَغبَة"..

 

لقد عاش الإمام الحسين(ع) في كل حياته وهو يثق بالله، يثق به في أيام الشدة والبلاء كما يثق به في أيام النعم والرخاء..

لم يطلب من الله أمراً يتعلق بما كان عليه، فهو لم يطلب منه نصراً أو تأييداً، بل قال له أترك الأمر لك، فأنا أثق بتدبيرك، فأنت فيك الخير ولا يصدر منك إلا الخير..

 

وكان الله في موضع الثقة، فهذا هو الحسين(ع) وكل من معه من أصحابه وأهل بيته لا يزالون حاضرين في القلوب وفي ساحات الحياة فيما أعداؤهم أصبحوا لعنة التاريخ وسيبقون لعنة في المستقبل.

 

بهذه الثقة أيضاً نقوى ونشتد ونواجه التحديات وما أكثرها..

 

لبنان

والبداية من لبنان الذي يستمر فيه الوضع الحكومي على حاله من المراوحة، ولا جديد على هذا الصعيد بعدما عبرت كل القوى السياسية عن مواقفها واعتبر كل منها أن ما قدمه هو أقصى ما يمكن أن يقدمه في هذه المرحلة، وأن الكرة ليست في ملعبه، بل هي في ملعب الآخرين الذين يرفضون طرحه.

 

إننا أمام هذا الواقع لا نريد أن نضع المسؤولية على أي من هذه القوى، وإن كنا نرى أن هناك من يبالغ في مطالبه، فمن حق أي من القوى السياسية أن تسعى لتعزيز موقعها في الحكومة القادمة التي يعتبرها الجميع أنها تمثل حكومة العهد والتي ستواجه استحقاقات مصيرية في المرحلة القادمة سواء على الصعيد الداخلي وما أكثر استحقاقات الداخل أو على صعيد الموقف من المحيط أو ما قد يطرح من قضايا على مستوى المنطقة..

 

ولكن يبقى السؤال الذي لا بد من أن يجيب الكل عنه، إذا كانت كل القوى السياسية ستبقى على مواقفها فكيف السبيل للخروج من عنق الزجاجة، بعدما ثبت بالوقائع وبما بات لا يقبل الشك مدى التداعيات التي يتركها الفراغ الحكومي على الصعيد الاقتصادي أو المالي أو المعيشي، حيث تتعالى صرخات المواطنين على هذا الصعيد بعدما تفاقمت أزمات الماء والكهرباء والأقساط المدرسية والسكن وعدم توافر فرص العمل والخدمات، وليس بعيداً ما جرى عند أول شتاء في هذا الشهر، وأن أمر الحل هو بيد هذه القوى فلن تأتي الحلول من الخارج، فالخارج مشغول عنا بقضايا يراها أكبر من لبنان أو لا يريد ذلك لحساب الصراع الجاري في المنطقة ولبنان إحدى ساحاته..

 

إن على القوى أن تبادر إلى الخروج بصيغة حل، هذه مسؤوليتها، وهي لن تأتي إن لم يعِ الجميع ضرورة تقديم تنازلات متبادلة ليس فيها خاسر ويكون الرابح فيها الوطن الذي ينبغي أن يكون هدف الجميع ما دام الكل ينادي كلنا للوطن..

 

ولا بد قبل إنهاء الملف اللبناني من التوقف عند ظاهرة لا سابق لها على الحياة السياسية اللبنانية، وهي انتقال الصراع السياسي الجاري حالياً بين القوى السياسية إلى الموظفين في الدوائر العامة.. حيث راح كل فريق سياسي في الوزارة المحسوبة عليه يصفي حساباته الخاصة مع من هم محسوبون على الفريق الآخر ويتوعده بالمزيد، ممن لا ذنب لهم سوى أنهم محسوبون على هذا الفريق أو ذاك.. وهذا خطير جداً، لأنه ينهي منطق الدولة ويجعل الوزارات إقطاعيات خاصة هي بعيدة عن القانون والنظام الذي ينبغي أن يحكم الجميع..

إن المطلوب أن يسارع الجميع لعدم استمرار ما يجري حرصاً على هذا الوطن ومستقبله علاقة الطوائف بعضها ببعض..

 

فلسطين

وبالانتقال إلى ما يجري في فلسطين المحتلة، حيث تتوالى القرارات الصادرة عن الإدارة الأميركية بحق الشعب الفلسطيني والتي لا نرى فيها إلا مزيداً من العمل لتصفية القضية الفلسطينية حيث لم يمر أسبوع على قرار إيقاف المساعدات الأميركية للأونروا حتى جاء القرار بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والذي نرى فيه ضغطاً متصاعداً على السلطة الفلسطينية للقبول بما يعد له من صفقة القرن.

 

إن الرد على هذه الضغوط المستمرة والمتسارعة لن يكون إلا بوحدة الشعب الفلسطيني.. وهنا ندعو القوى الفلسطينية أن تخرج من حساباتها الخاصة ومن صراعاتها لمواجهة ما يعد للقضية الفلسطينية حيث الرهان على هذا الشعب في ظل الترهل والضعف العربي والإسلامي إذ لم تعد القضية الفلسطينية من أولى اهتماماتهم..

 

إننا نعتقد أن الشعب الفلسطيني بقدراته الإبداعية وبثباته يستطيع الصمود وبوحدته يملك أن يرد على كل ما يواجهه ويمنع المشاريع التي تستهدفه..

 

لقد أظهرت مسيرات العودة وغيرها من الأساليب الجهادية والنضالية الطاقة الكامنة في هذا الشعب للرد على هذه القرارات التي تستهدف إنهاء القضية الفلسطينية بالكامل تحت عنوان "صفقة القرن" أو غيرها.. وينبغي على شعوب العالم الإسلامي ودوله أن تقف معه وتدعمه بكل الوسائل.

 

وفي هذا المجال لقد كنا نأمل من الجامعة العربية أن تسد كل العجز في موازنة الأونروا، فتؤدي الدور المطلوب منها في الحفاظ على صمود الشعب الفلسطيني في الداخل، ولكن قراراتها جاءت دون الآمال والتوقعات..

 

سوريا

أما سوريا فنلاحظ ارتفاع وتيرة الضغوط السياسية والإعلامية والنفسية عليه وتمركز التناقضات الدولية والإقليمية الحادة في ساحتها بما يؤدي إلى إبقائها في دائرة الاستنزاف، ويمنعها من استعادة السيطرة على بقية أراضيها، تحت عناوين متعددة..

 

إننا في هذا المجال نؤكد على ضرورة استكمال الجهود التي بدأت لإيجاد حل لقضية إدلب بما يؤدي إلى نزع فتيل  انفجار كبير في المنطقة، ويحول دون فتنة واسعة، ويبعد شبح الإرهاب وموجات القتل، على أن يأخذ بالاعتبار البعد الإنساني، لكن بما لا يؤدي إلى تبرير إبقاء الواقع على حاله وعدم عودة سوريا لعافيتها..

 

العراق

وإلى العراق، الذي استطاع أن يخرج من القطوع الذي كان يعد له والذي كان يهدف إلى جر العراق إلى صراع داخلي حاد ومع حواره من خلال استهداف القنصلية الإيراني يودي بكل ما تحقق فيه..

 

إننا نرى الحاجة في هذه المرحلة إلى توحيد جهود كل القوى السياسية لمنع تكرار ما جرى والعمل لإخراج العراق من أزماته..

ونحن في هذا المجال نقف مع أي جهد يساهم في تحريك عجلة المؤسسات الدستورية من الرئاسة إلى المجلس النيابي والحكومة ليتفرغ بعدها الجميع لمواجهة الأزمات التي يعاني منها الشعب العراقي بعيداً عن الفساد والعمل إلى المحاصصة والهدر..

 

 

Leave A Reply