كي لا نصدّق كل خبر

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتاب العزيز: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}.

 

تنقل إلينا وسائل الإعلام والتواصل الكثير من الأخبار والمعلومات التي تُكوِّن إن أخذنا بها قناعاتنا وتوجهاتنا في النظر إلى الأشخاص أو الجهات وفي تحديد مسارنا.. فنخضع لمعاييرها عندما نحب أو نبغض، نؤيد أو نعارض، ننتمي أو نرفض، نقاتل أو نسالم، أو عندما نسلم بأخبار، نبني على أساسها قناعاتنا العقدية و الدينية.. وقد يكون كل الخير في ما نسمعه إن كان مصدر هذه المعلومات يهدف إلى تبيان الحقائق وتظهيرها…

 

ولكن هذا الأمر لم يعد – و لعله لم يكن يوما – بهذا الصفاء والوضوح لأن وسائل الإعلام باتت خاضعة بشكل متزايد لأصحاب النفوذ ممن يسعون إلى قلب الحقائق والتلاعب بالعقول والقلوب لكسبها في صراعاتهم ضد الآخرين، أو إلى استثارة المشاعر الطائفية والمذهبية والقومية لخدمة أهدافهم…

 

حيث بات الإعلام علماً يستخدم وسائل التأثير على الرأي العام لا من خلال تقديم الحقائق للناس كما هي، بل عبر توجيهه كما يريد أصحاب النفوذ من قوى سياسية أو اقتصادية أو مالية أو أجهزة مخابرات، وذلك من خلال استخدام آليات سمعية وبصرية تستطيع بالخداع الفني تشويه الحقيقة، وتتمكن بالكلمة المدروسة والصورة المتقنة والموسيقى المؤثرة من التلاعب بالعقول والأدمغة، بحيث تجعل من الوهم واقعاً، وتحوّل الظالم مظلوماً والحق باطلا

 

ولذلك وبالمقابل أصبحت الحاجة ماسة إلى الوعي وامتلاك ثقافة الإعلام وصناعة الخبر وفهم كيف تدار المطابخ الإعلامية كي لا يقع المجتمع في أحابيل من يتقنون التلاعب بالمعلومات والآراء أو اختلاق أخبار وأحداث لا تمت إلى الواقع بصلة..

 

وهذا الاختلاق لا يتوقف على الشأن الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي، بل حتى في الشأن الديني.. فهناك من يتعمد نقل معلومات تتصل بالإيمان والدين لا صحة لها، كأن يشاع عن كرامات ومعجزات هنا وهناك سرعان ما يتقبلها المؤمنون، تتصل بالإيمان والدين من قبيل احتراق جثة فنان أساء للدين في قبره بعد ساعات من دفنه، أو الإعلان عن مشاهد عجيبة في هذا المكان أو ذاك، مما يستدل بها أصحاب هذا الدين أو ذاك على صحة معتقداتهم وهو ما يسبب الإساءة إلى الدين بسبب كذب مثل هذه الأخبار، ويظهر المؤمنين بصورة السذج الذين يتقبلون كل شيء يطرح عليهم حين ينسجم مع مشاعرهم الدينية وعواطفهم.

 

وقد جاء القرآن الكريم ومعه الأحاديث الشريفة، ليساهم في إثارة هذا الوعي وتعميقه في مواجهة كل ما نتلقاه من أخبار وأحداث. وقد اتبع لذلك خطوات وتوجيهات هي ضرورية في هذا العصر أكثر من غيره لكيفية التعامل مع هذا الحجم الكبير من المعلومات التي تضخها وسائل الإعلام والتواصل والمؤثرة في النفوس والعقول..

 

أول التوجيهات هو عدم العجلة في الأخذ بالأخبار وبثها ونقلها.. وقد جاء ذلك من خلال التحذير من العجلة، فالله يقول للإنسان: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.. والعجلة التي تحمل في معانيها الخفة والطيش كانت مدار انتقاد الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي أكدت على التروي والسكينة وهدوء الفكر في التعامل مع الأحداث وفي التثبت من المعلومات وتدبر العواقب قبل أي مبادرة نقوم بها.

 

فعن رسول الله(ص): "إنما أهلك الناس العجلة، ولو أنهم تثبتوا لم يهلك أحد".. وورد عن علي(ع): "مَعَ العَجَلِ يَكْثُرُ الزَّلل".

 

وقد قدم لنا القرآن الكريم أنموذجاً نبوياً نتعلم منه كيفية التعامل مع أي خبر، وهو أنموذج النبي سليمان(ع) في تعامله مع الهدهد عندما جاءه يخبره بأن هناك قوماً يعبدون الشمس من دون الله.. لم يتعجل(ع) بتصديقه بل قال: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.

 

وقد اتبع القرآن هذا الأسلوب في تعامله مع الذين كانوا يتحدثون عن النبي(ص) أنه ساحر ومجنون ويعلمه بشر، فهو دعاهم إلى عدم الاستعجال بإطلاق مثل هذه الأحكام بحقه(ص)، ونصحهم بالابتعاد عن الأجواء الانفعالية الضاغطة التي تؤثر على مواقفهم، وطلب منهم أن يجلسوا فرادى أو اثنين اثنين ليفكروا بهدوء وبتأنٍ بشخصية هذا الرسول وبما يطرحه، لكي تكون أحكامهم صائبة: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}.. إذن لا بد من عدم الاستعجال ليكون التثبت والتبين هو المعيار في الحكم.

 

ثاني التوجيهات يتصل بضرورة دراسة مصدر الخبر والخلفية التي ينطلق منها فضلاً عن الأهداف التي يتوخاها…

وقد ورد في ذلك قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، حيث تدعو هذه الآية إلى التثبت من خلفية الذي ينقل الخبر، هل هو فاسق أو متقٍ، وهل أهدافه في نقل الخبر خيّرة أو شريرة.. وقد وردت هذه الآية التي ينبغي أن تشكل لنا منهجاً في التعامل مع مصادر المعلومات، في الوليد بن عقبة عندما أرسله النبي(ص) إلى قبيلة بني المصطلق لجمع الزكاة، فلما وصل إليهم خرجوا لاستقباله.. لكنه ولخلافات سابقة بين قبيلته وبينهم رجع إلى رسول الله(ص) ليخبره أنهم أرادوا قتله وأشهد على ذلك الذين كانوا معه.. ولو تم التسليم بهذا الخبر، وجرى ترتيب الأثر عليه لوقعت الحرب بين المسلمين وهذه القبيلة، لكن رسول الله(ص) ولحساسية الموقف أرسل من يتأكد من صدق حديث الوليد ليتبين له أن القوم خرجوا لاستقباله ولدفع الزكاة لا لقتله..

 

وقد ورد في ذلك قول الشاعر:

كثر الخداع اليومُ في أقوالنا …. فانظر إلى منْ قالَ لا ما قيلا

 

التوجيه الثالث وهو ينطلق من قوله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}.

 

حيث تدعو هذه الآية إلى عدم الأخذ بمن يجيدون فنون الكلام ويزينونه ويتقنون التلاعب بالعواطف والغرائز والحساسيات بما يخدم الدور الذي رسموه لأنفسهم أو رسم لهم في الفساد والإفساد.

 

وما أكثر ما يستخدم في هذه الأيام الكلام المزين بالغيرة على الدين أو المذهب أو الإصلاح والعدل، ويكون الهدف من وراء ذلك لا الدين أو المذهب ولا الإصلاح والعدل بل خلق الفتن وإثارة الناس لتواجه بعضها البعض والتعمية عن المفسدين بغية الوصول إلى مكاسب وأهداف ذاتية وخاصة.

 

أما التوجيه الرابع، وهو أساسي فهو الدعوة إلى دراسة الخبر نفسه ومحاكمته على ضوء معايير العقل و العلم والمنطق والمسار الطبيعي للأمور..

 

فلا بد حتى تأخذ بالخبر أن يكون بالوضوح الكامل لديك في صحته وصدقيته وانسجامه مع معايير المنطق والواقع بحيث تستطيع الدفاع عنه أمام أي قاض عادل وحكيم، وبالطبع أمام الله عز و جل.. فلا تأخذ بالخبر المشكوك أو المظنون.

وقد عبر عن ذلك رسول الله بأفضل تعبير عندما سئل عن كيفية الأخذ بالأخبار، فقال: وكانت الشمس آنذاك في وضح النهار: "على مثل هذه، فاشهد أو دع".

 

وقد يحتاج الأمر لمعرفة أبعاد الخبر من العودة إلى من يملكون الخبرة والعلم.. ولذلك ندد الله بأولئك الذين يتسرعون بتقبل الأخبار وإشاعتها قبل التدقيق بها فقال: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

 

أيها الأحبة:

لقد أرادنا الله سبحانه وتعالى أن نملك الأذن الواعية التي تحدث عنها: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}، وإلى التبصر الممتزج بالبصيرة، بأن لا نتعجل تصديق أي خبر وترويجه، وإطلاق المواقف والأحكام بناء على ذلك، لأن كثيراً من الأحكام التي نطلقها هي غير مبنية على حقائق ووقائع، وهذه في نظر الله جريمة عظيمة {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، أن لا نعتمد على الظنون بل على العلم، أن لا نخضع لأهوائنا وغرائزنا…. أن نتحرى الحقيقة دوماً لنكون في أحكامنا قضاة عدل لا جور، لا نشهد إلا بالحق ولو على حساب من نحب، ولا نحكم إلا بالعدل ولو لمصلحة من نبغض.. نعدل مع من نحب ومع من نبغض.. فلا نعطي من نحب أكثر مما يستحق ولا نسلب ممن نبغض ما يستحق…

 

ولنتذكر دائماً قول الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

 

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي في أجواء ذكرى ولادة السيّدة زينب، الّتي مرت علينا في الخامس من شهر جمادى الأولى، بأن نتمثّلها في موقعها أمام يزيد، حين أُدخلت عليه مكبّلةً بقيودها، متعبةً من مشاق الطريق، ورأته منتشياً بالنّصر الَّذي توهمه في كربلاء، وأرادت أن تريه الحقيقة الّتي خفيت عليه، بأن المستقبل لن يكون كما خطّط، وهي في ذلك لم تخش بطشه وجبروته، بل وقفت بكلّ عنفوان الإيمان وصلابته لتقول: "يا يزيد، كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جُهدَك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيَّامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين".

 

لم يكن موقف السيدة زينب طارئاً أو انفعالياً، بل هو موقف انطلق من عمق إيمانها وتربيتها، وينبغي أن يطلقه كل الذين يحملون إيمانها وروحيّتها في مواجهة الطغاة والجبابرة، الذين يظنون أنهم يملكون مقادير الأمور بجبروتهم وطغيانهم وإمكاناتهم.. وأن يتكرّر قولها: "كيد كيدك، واسع سعيك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا".

 

إنَّ هذه الصّورة ينبغي أن نرسمها دائماً في أذهاننا عن السيدة زينب(ع)، حتى لا تبدو، كما يحلو للبعض أن يصورها، مهزومة مكسورة ذليلة. ستبقى السيّدة زينب، كما هي، رمزاً للمجاهدين، وقدوة للأحرار، وعنواناً يقتدى به في مواجهة كل التحديات التي تعصف بنا.
 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي يستمر السجال فيه بين القوى السياسية حول القانون الانتخابي الذي ينبغي السير فيه، وتتعدد الاجتهادات المتعلقة به بين أكثري ونسبي وأرثوذكسي ومختلط إلى ما هناك من تسميات، ونأمل أن ينتج هذا السجال قانوناً عصرياً يلبي رغبة اللبنانيين التوّاقين إلى قانون يضمن لهم صحة التمثيل والعدالة، ويساهم في تحريك الحياة السياسية، ويخرجها من جمودها، لكن المشهد يبدو مختلفاً حين نرى أن كل فريق يسعى إلى أن يأخذ القانون لحسابه، ويجعله على قياسه، ليؤمِّن له الحضور الأكبر في المجلس النيابي على حساب الآخرين من طائفته، أو في مقابل الطوائف الأخرى أو المواقع السياسية الأخرى، وهذا بالطّبع يعزز التناقض في المصالح والغايات بين الطوائف والقوى السياسية، ويعطل إمكانات التوافق حول مثل هذا القانون.

 

ورغم الجو الّذي يعيشه البلد، والَّذي يوحي بأن هناك طريقاً مسدوداً، وأن البلد يسير نحو الفراغ التشريعي، فإننا لا نزال على قناعاتنا بأنّ كلّ ما يُطرحه الأفرقاء السياسيون يدخل في باب الأسقف العالية، ويعرف الجميع أنه لن يتحقّق، وأن منطق التسويات هو الذي سيصل إليه الجميع، وسيفضي إلى حل يرضي كل القوى السياسية الفاعلة، على غرار التسويات التي أدّت إلى انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة، رغم كل التعقيدات التي عاشها البلد من الداخل والخارج.

 

لقد أصبح واضحاً لدى اللبنانيين أنّ التّغيير الذي يريدونه ليكونوا في مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة، لن يحصل ما دامت هذه العقلية ذاتها لدى المسؤولين والممسكين بشؤونه، ولو كانت على حساب الوطن ومستقبل أجياله، وما دام المحكومون لا يخرجون من منطق التبعية والانصياع الأعمى للمواقع السياسية، بحيث يرون ما رأوا، ويقبلون منهم ما يريدون، ولا يخضعونهم للنقد والمحاسبة عندما يأتي الحساب، وكأنهم معصومون.

 

في هذا الوقت، تستمرّ معاناة اللبنانيين على المستوى الاقتصاديّ والمعيشيّ والخدماتيّ، فلا تبدو هناك حلول في الأفق لأزمات الماء والكهرباء والنفايات والظروف المعيشية للمواطن. وكلّ ما يتبيّن هو المزيد من الضّرائب التي يراد منها سدّ عجز الإنفاق، والّذي يظهر، مع الأسف، أنه إنفاق الهدر، لا الإنفاق لأجل تطوير البلد والنهوض به، ما يعني أنَّ على اللبنانيين الصّبر والانتظار والبقاء على ما اعتادوا عليه من قلع أشواكهم بأيديهم، وإن وُجدت حلول، فهي من قبيل المسكّنات والمهدئات.

 

وفي هذا المجال، لا بدَّ من التوقف عند قانون الإجارات، لنؤكّد ضرورة أخذ الظروف الصعبة التي يعانيها المستأجرون بعين الاعتبار، بفعل الزيادات التي ستلاحقهم، ما يحتّم على الدولة الإسراع بالوفاء بما وعدتهم في إنشاء صندوق لمساعدة المستأجرين، لمواجهة الأعباء الإضافية، ريثما تقوم الدولة بمعالجة جذرية لأزمة السكن المتفاقمة.

 

قرارات الرئيس الأميركي

ومن لبنان إلى العالم، الَّذي يحبس في هذه الأيام أنفاسه بفعل القرارات الَّتي يتّخذها الرئيس الأميركي ترامب، ويُخشى من تداعياتها على السّلم العالميّ، رغم التبريرات القائلة إنّها تتعلق بأمن أميركا الدّاخليّ وبمصالح شعبها.

 

ومن ذلك، تهديد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران بشنّ عمل عسكري عليها، بسبب التجارب الصاروخية التي أجرتها، على الرغم من أنها أكدت أن الهدف منها هو تعزيز المنظومة الدفاعية، ومن حقها تأمين كل السبل للدفاع عن نفسها في مواجهة أعدائها الذين يهددونها، ولا سيما العدو الصهيوني، وأشارت إلى أنّها لا تمسّ بالاتفاق النووي، كما أكدت دول عدة مشاركة في صناعة هذا الاتفاق، الذي تشدد إيران على احترامه، وتدعو أميركا والعالم إلى ذلك، نظراً إلى أثره الإيجابي في استقرار العالم.

 

وتأتي في هذا الاتجاه الإجراءات القاضية بمنع رعايا سبع دول عربية وإسلامية من الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية، بحجة منع دخول إرهابيين إليها. نعم، قد يكون من حق أي دولة أن تمنع من يسيء إلى أمنها، ونحن لا نمانع ذلك، لكنّ الإشكاليّة في ذلك، أنّ هذا القرار يمثّل عقاباً جماعياً لمواطني هذه الدول، ويوحي بأنهم جميعاً إرهابيون، من دون أخذ تنوعاتهم الثقافية والفكرية ومواقفهم بعين الاعتبار، وفي ذلك إدانة واضحة للمسلمين عندما يُستثنى من هذه الدول المنتمون إلى ديانات أخرى غير الإسلام، ما يجعل المسلمين في خانة الإرهاب، ويشوّه صورتهم وصورة الإسلام، ويؤدي إلى تنامي مشاعر الحقد والكراهية تجاههم، كما أنّه يفتقد إلى العدالة حين يقتصر على هذه الدول، وكأن لا إرهاب خارجها، أو كأنّ أميركا نفسها بعيدة عن هذا الإرهاب وعن صناعته!

 

إنَّنا في الوقت الّذي ندين هذا القرار، ونحذّر من تداعياته ونتائجه، لكونه يساهم في تشجيع الإرهاب لا في ردعه، نقدّر كل المواقف الصادرة عن الدول الغربية وغير الغربية في إدانة هذا القرار، وفي اعتباره عنصرياً ومخالفاً لحقوق الإنسان، وفي تأكيدها أنّ الإرهاب، إن وُجِدَ، لا يُعالج بهذه الطريقة، بل بمعالجة مسبباته، كما نحيّي المواقف الشعبية وغير الشّعبيّة التي انطلقت في أميركا، ودعت إلى إعادة النظر بهذا القرار، وأكّدت مبدأ التعايش بين كل الأعراق والأجناس والتنوعات داخل هذا البلد وخارجه.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 6جمادى الأولى 1438هـ الموافق: 3 شباط 2017م

 

Leave A Reply