لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}.. صدق الله العظيم

 

جبلت النفوس على حب المال على امتلاكه وجمعه وعلى الإكثار منه، وإلى هذا أشار الله سبحانه عندما قال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً}.. وقال: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.. وقال في آية أخرى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}..

 

وقد ورد في الحديث للدلالة على ذلك: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب"..

وفي حديث آخر: "منهومان لا يشبعان : طالب علم وطالب مال"..

 

والدين لم يقف عقبة أمام هذه الطبيعة الإنسانية، فهو لم يعتبر هذا السعي إلى المال شراً كما يصور البعض الدين، بل اعتبره خيراً كما ورد في الآية الكريمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ}.. فهو عندما ترك مالاً أو أملاكاً أشار إلى ذلك بالخير..

 

وهو لذلك حث الإنسان على السعي للرزق ورفع شعار: {وَقُلِ اعْمَلُوا} ودعاه إلى الهجرة للتوسعة فيه فقال: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}.. وقال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}..

 

وحتى نراه وهو يدعو إلى الزهد لم يعتبر الزهد تركاً للمال ورفضاً له، فقال: "ليس الزهد أن لا تملك شيئاً، بل الزهد ألا يملكك شيء".. فمن مصلحة الإنسان أن يملك استجابة للفطرة المودعة فيه وتلبية حاجاته والتوسعة عليه، ولكن شرط ذلك بأن لا يملكك المال بحيث تكون أسيراً له في قراراتك ومواقفك..

 

ولكن الإسلام لم يشأ لهذا الحب للمال أن يتجاوز حدوده فيصل بالإنسان إلى أن يأخذه من غير حله، أو باباً لإشاعة الفساد والانحراف والرذيلة أو سبباً لإثارة التوترات والفتن وسفك الدماء وإلى القطيعة..

 

وفي ذلك قال رسول الله(ص): "أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ، فواللَّه ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ.. وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا. فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"..

 

وهو لذلك جعل ضوابط وحدوداً تقي الإنسان من أن يتحول هذا الحب إلى مشكلة له وللآخرين..

 

الآية القرآنية التي تلوناها وبدأنا بها حديثنا جاءت في هذا الإطار وهي رسمت منهجاً واضحاً لحركة المال، فهي في البداية توجهت بالخطاب إلى الذين آمنوا.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا}.. مع ولم تتوجه إلى الناس كما في العديد من النداءات، وهذا يعود لكون المؤمنين هم الذين يأخذون بأوامر الله ونواهيه في المال عندما يحركون إيمانهم فيما يسقط الآخرين؟..

 

وفي ذلك دلالة واضحة على أن المال هو محك الإيمان، فالمال فتنة واختبار كما قال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}، وقال: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}..

 

أما الدعوة من الله فهي: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}.. فقد بين الله للمؤمنين أن لا يأكلوا أموال الآخرين بالباطل..

والمقصود بالأكل ليس هو الأكل بالمعنى المادي.. هو التصرف في أموال الناس أو ممتلكاتهم.. وقد أشير إليه بالأكل لأن الأكل هو أكثر ما يصرف المال لأجله..

 

وقد عبر القرآن في حديثه عن أموال الآخرين بأموالكم، فقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} مع أن النهي هو عن أكل أموال الآخرين.. وفي ذلك دعوة واضحة من الله سبحانه للمؤمنين باحترام مال الآخرين واعتباره بمثابة أموالكم بحيث يكون اهتمامكم بمال الآخرين كاهتمامكم بأموالكم، وكما لا تريدون لأحد الإساءة إلى أموالكم لا ينبغي أن تسيئوا إلى أموال الآخرين..

 

وهنا أيضاً إشارة لطيفة إلى أن أموال المجتمع واحدة وإن أسأتم إلى أموال الآخرين فسيؤدي ذلك للإساءة إلى أموالكم..

أما الذي يريده الله من النهي والتحذير عنه في الآية الكريمة، فهو الباطل، والمقصود به هو المال الذي يؤخذ بغير وجه حق، بأن يؤخذ باستخدام القوة أو الحيلة والخداع، أو الاختلاس أو الغش أو الرشوة والربا أو التزوير كما يحدث في تزوير تاريخ السلعة أو في مصدرها أو نوعها أو أن يستغل أحد موقعه والثقة به أو جهل الآخرين للإيقاع بهم، كما يحصل مثلاً عندما يجري الطبيب عملية لا يحتاج إليها المريض أو يطلب إجراء فحوصات غير ضرورية أو يعطي دواء لأنه يتعامل مع شركة أدوية أو أن يتبنى المحامي دعوة هي خاسرة ويوهم من يريد إقامتها بأنه سيكسب وبعد ذلك يقدم أعذاراً واهية عندما يفشل.. أو عندما يستغل الأقوياء للضعفاء بنهب أموالهم والسيطرة على مواردهم، وغير ذلك من الأعمال الباطلة أو التعامل بما لا يحل التعامل به..

 

فلا يحق لفرد أو جماعة أو سلطة أن تأخذ مالاً من إنسان آخر أو جماعة إلا بإذنها وبرضاها وبوعي كامل، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه، وفي ذلك احترام للإنسان والمجتمع..

 

ولذلك يقول الله: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}..

 

ثم يبين الله النتيجة المريعة التي يصل إليها المجتمع، عندما يتم تداول المال فيه بعيداً عن جادة الصواب وخاضعاً لمنطق الباطل، فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}.. حيث اعتبر أن أكل المال بالباطل يدخل المجتمع في أتون النزاعات الداخلية وإلى ألوان من المشكلات التي قد تؤدي إلى القتل..

 

وهناك معنى آخر لقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وهو قطع التواصل مع الله، على خلفية أن الحياة الحقيقية للإنسان هي تلك المرتبطة بالله، وهي المرهونة بالكسب الحلال..

 

فقد ورد في الحديث: "إذا أراد أحدكم أن يستجاب له فليطيب كسبه وليخرج من مظالم الناس وإن الله لا يرفع إليه دعاء عبد وفي بطنه حرام أو عنده مظلمة لأحد من خلقه"..

 

بعد ذلك يتوعد الله سبحانه وتعالى بالعذاب الأليم من يقدم على أخذ المال من غير وجه حق، فضلاً عن تداعيات ذلك على مصيره في الآخرة.. فقال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً}..

 

ثم يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}.. فالله في كل أحكامه هو لا يريد شيئاً له، هو يريد صالح الناس وأمانهم وأن لا يدخلوا إلى بطونهم إلا حلالاً..

 

إن الكثير من الأخطار التي تتعرض لها المجتمعات وحالات عدم الاستقرار والحروب إن درسناها تعود في أحيان كثيرة إلى هذا اللون من السطو على أموال الناس والذي يحصل من خلال استغباء الناس أو باستغلال الأقوياء للضعفاء..

 

إننا أحوج ما نكون في عالم منطقه التنافس على المال والصراع لبلوغه ومن أي طريق وحتى لا نغرق في هذا المستنقع كما غرق الآخرون.. أن نعمق وعينا للحقيقة التي لطالما نغفل عنها وأن ندعو إليها، وهي أن الرزق بيد الله، وهو وعد المتقين بقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، وهو توعد الظالمين بقوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}..

 

نعم نحن نستعجل الحرام، ولذا ورد عن رسول الله(ص) في خطبة الوداع: "ألا إنَّ الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله قسَّم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسِّمها حراماً، فمن اتقى وصبر آتاه الله رزقه من حلِّه، ومن هتك حجاب الستر وعجَّل وأخذه من غير حلِّه قصّ به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة..

 

وننهي حديثنا بقصة وردت عن أن أمير المؤمنين(ع) أنه دخل يوماً إلى المسجد وقال لرجل: أمسك عليَّ بغلتي فأخذ الرجل لجامها ومضى وترك البغلة، فخرج أمير المؤمنين وفي يده درهمان ليكافي الرجل على إمساك دابته، فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى ودفع لغلامه الدرهمين يشتري بهما لجاماً، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال(ع): "إنَّ العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدِّر له"..

وليكن دعاؤنا دعاء رسول الله(ص): "اللهم ارزقني من فضلك الواسع الحلال الطيب"..

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستوصي بوصية الإمام زين العابدين (ع) عندما قال: "وأمّا حقّ مالك، فأن لا تأخذه إلا من حلّه، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به، فتبوء بالحسرة والنّدامة".

 

ومتى فعلنا ذلك، فإنّنا سوف نكون من الآمنين الواثقين عند الوقوف بين يدي الله، حيث سنسأل يوم ينادى بنا: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}.. عن مالنا من أين اكتسبناه، وفيما أنفقناه، ومتى فعلنا ذلك، سنتوخى أيضاً الوقوع في فخ تسويلات الشيطان الّذي توعّدنا بقوله: "ما أعياني في ابن آدم، فلن يُعييني منه واحدة من ثلاثة: أخذُ مالٍ من غير حلّه، أو مَنعه من حقه، أو وضعه في غير وجهه".

 

وقد ورد في الحديث: "إنّ الشيطان يدبّر ابن آدم في كلّ شيءٍ، فإذا أعياه جثم له عند المال، فأخذ برقبته".. فما أكثر الَّذين يسقطون عند المال، ولأجله يبيعون دينهم وقيمهم ومبادئهم، وقد يبيعون حياتهم وحياة الآخرين!

 

ولكن ماذا بعد ذلك؟ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}..

 

فلنتق الله في أموالنا، حتى نكون أكثر استقامةً ووعياً وقدرةً على مواجهات التحديات.

 

لبنان

 

والبداية من لبنان، الذي طوى الأزمة التي نشأت قبل حوالى أسبوعين، وكادت أن تودي بالاستقرار الداخلي، وتعيد البلد إلى مرحلة سوداء من تاريخه، وذلك من خلال الإجراءات التي جرت على الأرض، ومنعت من تفاقم الأزمة، وتوّجت باللقاء الذي جرى بين الرؤساء الثلاثة في بعبدا.

 

ونحن في هذا المجال، في الوقت الذي نقدّر وعي القيادات السياسيّة، وكلّ الجهود الّتي بذلت لإعادة وصل ما انقطع على المستوى السياسي وعلى أرض الواقع، فإننا نأمل أن يكون هذا اللقاء قد رسّخ قاعدة للتعامل مع الأزمات، تمنع تكرار ما حصل، وتؤسس لمرحلة جديدة من التعامل بين القوى السياسية، عنوانها سرعة التلاقي فيما بينها لحل أي خلاف، وتتجنب الخطاب الذي سرعان ما يأخذ بعداً طائفياً أو مذهبياً، حتى لا تنزل الخلافات إلى الشارع، كما حدث، رغم كل التداعيات التي تترتب عليها، وخصوصاً عندما لا تكون ثمة ضوابط تحكمها، وحتى لو وضعت لها الضوابط، فما أكثر الذين يدخلون على خطها!

 

إننا نريد لهذا اللقاء أن يُبعد اللبنانيين عن أية هزات هم بالغنى عنها، فيكفيهم ما يعانون جراء التردي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وجراء الوضع الأمني، في ظل التهديد الصهيوني المستمر، وانعكاس ما يجري في المنطقة عليهم.

 

إن من الطبيعي أن يحدث اختلاف في البلد، ولا سيما وسط كل هذا التنوع السياسي والطائفي، وسعي كل زعماء الطوائف لتحسين مواقعهم على حساب المواقع الأخرى.. ولكن من غير الطبيعي أن يستعاد الخطاب الطائفي بالشكل الذي حصل، سواء في النادي السياسي أو عبر مواقع التواصل أو الشاشات.

 

إننا لا نريد أن تكتفي القيادات السياسية باللقاء على مسكن أو مهدئ أو مبرد يهدئ الساحة لضرورات المرحلة أو للظروف الطارئة، بل على الآلية الأفضل لمعالجة أي خلاف سياسي حدث أو سيحدث، كما عبرت القيادات عندما التقت، وأكدت أن يكون كل خلاف تحت سقف المؤسسات الدستورية التي تجمع الجميع، كما كنا دعونا سابقاً.

 

ويبقى لنا في هذا المجال أن نصرّ مجدداً على هذه اللقاءات بين القيادات الفاعلة، وأن تركز على إيلاء القضايا المعيشية والحياتية أهمية كبرى، وأن تشدد على مواجهة الهدر والفساد الذي بات ينخر في مفاصل الدولة، وأن تؤكد حلّ معضلة العجز المتزايد في الخزينة.

 

إن على القيادات أن تخلق أماناً وطمأنينة في نفوس اللبنانيين، وخصوصاً أنهم لا يشعرون بذلك حين يرون الحكومة من حولهم تصرف بدون موازنة، أو تتهيأ لصرف أكثر من نصف مليار دولار في أمور قابلة للتأجيل، وفي ظرف اقتصادي صعب ومأزوم.. لا يمكن أن نعوِّل خلاله على موارد تأتينا من مؤتمرات الخارج، بل من جيوب المواطنين.

 

في هذا الوقت، تعلو حرارة الانتخابات التي يبدي الكثير من اللبنانيين إحباطهم وعدم ثقتهم بأنها قد تحدث تغييراً وازناً في الحياة السياسية.. ولكننا نريد لهم أن لا يحبطوا، وأن يشعروا القيادات السياسية بأنها أمام اختبار حقيقي، وأن عليها أن تخشى الاختبار في هذا الاستحقاق.. ونريد للبرامج أن تكون هي الحاكمة في هذه الانتخابات والانتخابات القادمة، بحيث تكون محطة للحساب وللتقويم.. فالشعب أصبح أكثر وعياً ومسؤولية عن صوته وعن مستقبل وطنه..

 

 وفي مجال آخر ليس ببعيد عن الواقع السياسي، لا بد من التوقف عند التقارير الطبية التي أشارت إلى تضاعف نسبة الإصابة بالسرطان خلال السنوات الأخيرة إلى ثلاثة أضعاف، وبينت أسباباً عديدة لهذا الأمر، أبرزها إحراق النفايات في الهواء الطلق، ما يستدعي عملاً جاداً من قبل المسؤولين عن البيئة والصحة وحقوق الإنسان وكل القيادات.

 

في هذا الوقت، تستمرّ التهديدات الصهيونية فيما يتعلق بالثروة النفطية أو بإقامة الجدار الإسمنتي على الحدود مع فلسطين المحتلة، في محاولة لتحقيق أطماع الصهاينة، وفرض أمر واقع جديد، مع ما يواكب ذلك من حركة دبلوماسية أمريكية نخشى أن تسعى إلى جرّ لبنان إلى مفاوضات مباشرة مع العدو الصهيوني، وفرض شروط تمس بسيادة لبنان، كثمن لإزالة كل هذه العوائق والتعديات.

 

وفي هذا الإطار، لا بد من أن نثمن وحدة الموقف اللبناني الرسمي في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الفاضح على السيادة اللبنانية، وعدم القبول بأية مفاوضات معه، ومن ذلك القرار الذي صدر عن المجلس الأعلى للدفاع، الذي منح الصلاحية للجيش اللبناني في مواجهة أي عدوان صهيوني.

 

انتصار الثورة الاسلامية 

وأخيراً، وفي ذكرى انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، نتوجّه بالتبريك إلى قيادة الجمهورية الإسلامية وشعبها على نجاح الإنجاز الذي ساهم في إمساك الشعب الإيراني بقراره، وأخرج إيران من الهيمنة الاستكبارية، وأعاد للأمة حيويتها وحضورها وعنفوانها، وجعل القضية الفلسطينية أم القضايا.

 

وتبقى المسؤولية كبيرة على الشعب الإيراني بالحفاظ على وحدته، وعدم السماح للعابثين بأمنه واستقراره بأن يجدوا مجالاً رحباً لهم، مستفيدين من ظرف تعيشه إيران، بسبب الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها.. في الوقت الذي ندعو كل الذين يرون في إيران خطراً عليهم، إلى أن لا يستجيبوا لمخاوف تصنع لهم، وأن يعوا أن الحوار هو وحده الكفيل بإزالة الهواجس والمخاوف.. وبذلك، لن يقعوا فريسة الاستكبار الذي يريدهم بقرة حلوباً له.

 

Leave A Reply