لا تكتموا ما أنزل الله

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. صدق الله العظيم.

 

مهمَّة تبليغ الدّين

أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله بالهدى والبيِّنات، لهداية الناس وإخراجهم من ظلمات الجهل والتخلّف، إلى نور الإيمان والهدى.

وقد أدّى رسول الله(ص) هذا الدَّور، فأكمل الدين، وأتمّ النعمة، وبلّغ الرسالة، وذلك رغم كلّ العوائق التي برزت في طريقه والتحدّيات التي واجهها، حتى قال: "ما أوذي نبيّ مثلما أوذيت".

 

ومن بعد رسول الله، جاء الأئمّة(ع)، الذين أدّوا دورهم في حفظ هذا الدّين، وفي إيصاله إلى النّاس، كما جاء به رسول الله(ص) نقيّاً صافياً، وقدّموا لأجل ذلك التضحيات الجسام، وكانوا مدرسة في حمل مسؤوليّة الإرشاد والتوجيه والتبليغ، وبقوا على ذلك حتى الرّمق الأخير من حياتهم، إلى درجة أنّ الإمام عليّاً(ع) كان ينادي بالنّاس حتى وهو على فراش الموت: "سلوني قبل أن تفقدوني، إنَّ ها هنا لعلماً جمّاً لو وجدت له حملة".

 

إذاً، هي مدرسة مستدامة، وستُختتَم بالإمام المهدي(عج)، ليقيم دولة العدل الّتي كانت هدف كلّ الرِّسالات السماويّة.

وبالطبع، لا تقتصر مهمَّة تبليغ الدّين وإيصاله إلى الناس، على رسول الله(ص) والأئمَّة والأولياء، فكلُّ من يملك معرفة وعلماً بهذا الدّين، هو معنيّ بأن يتابع ما جاء به رسول الله(ص)، وما عمل له الأئمَّة(ع)، وأن يقوم بدوره في إيصال صوت الرِّسالة، وألا يكون خائناً للأمانة التي أودعت عنده، أو أن يكون مقصِّراً بحقّ الناس الذين من حقّهم على العلماء والعارفين أن يبلّغوهم ما فيه شفاؤهم، وما فيه دواؤهم، وما يقيهم من الجهل والتخلّف، سواء كانوا أبناءً أو جيراناً أو أصدقاء أو أبناء قرية أو وطن، أو كانوا ممن يمكن التواصل معهم عبر أيّ وسيلة، ولا سيّما اليوم، مع الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والتّواصل.

 

الّذين يكتمون الهدى!

ولهذا، جاءت الآيات والأحاديث لتحذِّر من يكتمون العلم والمعرفة والحقائق عن النّاس، وأن ليس لأحد من هؤلاء عذرٌ أو مبرّرٌ أو سببٌ للتقاعس مع القدرة على إيصال صوت الحقّ. كما تشدّد هذه الآيات على أنّه لا ينبغي التعامي عن هذه المسؤوليّة والاستقالة منها لخوف أو هوى أو مصلحة أو رغبة في البقاء على الحياد في الصّراع الجاري بين الإيمان والكفر، وبين الحقّ والباطل، وبين العدل والظّلم، والخير والشّرّ، والفساد والصلاح، وإلا كانوا، بكلّ بساطة ووضوح، سبباً في شيوع الفساد والانحراف، وظهور البدع وغياب الحقيقة.

 

وقد أشارت الآية القرآنية التي تلوناها إلى ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}، وهذا يبيّن، وبوضوح، أنّ الله سبحانه وتعالى وعباده الصّالحين وملائكته المقرّبين والناس، وحتى الحيوان والنبات، يلعنون من يكتم البيّنات والهدى.

 

المقصود بكتمان البيِّنات

ولكن ما المقصود من كتمان البيّنات والهدى؟

يُراد بالكتمان، ترك إظهار الشَّيء مع الحاجة إليه، وتحقّق الظروف الداعية إلى ظهوره.

والبيّنات والهدى تعني كلّ ما جاء به رسول الله(ص) من أحكام شرعيّة أو عقائد أو مفاهيم، غايتها إيقاظ النّاس وإنقاذهم من جهلهم وتخلّفهم للحفاظ على فطرتهم السّليمة.

فمعنى كتمان البيّنات والهدى، هو السكوت عنها وعدم إبدائها للنّاس، وتركهم في جهلهم وضلالهم، في وقت هم أحوج ما يكونون للخروج مما هم فيه.

أمّا اللَّعن الذي توعَّد الله به، فهو خطير وخطير جدّاً، فهو يعني الطّرد من رحمة الله، لا بل هو الطّرد والإبعاد الممزوج بالرّفض والغضب، وهو أقسى عقابٍ يبلغه إنسان، ويكفي أن عُوقب به إبليس، وسيكون هذا العقاب لكلّ من يكتم الهدى والأدلّة والبراهين.

ولزيادة تأكيد أهميّة تبيان الحقائق وعدم كتمانها، بيَّن الله لنا أنَّ التوبة من هذا الذنب لا يُكتفى فيها بالنَّدم والاستغفار كما بقيّة الذنوب، بل لا بدّ مع التوبة من إصلاح الأمر، وتبيان الحقائق التي كُتِمت وإظهارها في موردها، ولذلك قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. فالتّوبة إلى الله لا تكفي للرّجوع عن الذّنب، بل لا بدَّ من رفع المفاعيل والآثار والتَّداعيات التي أدّى إليها الكتمان من التّضليل أو التّجهيل.

وفي آية أخرى، يحدِّثنا الله عمَّن يكتم البيّنات والهدى لأجل المصلحة والمال، فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}.

وقد جاءت الأحاديث لتوضح هذه الصّورة، فقد روي عن رسول الله(ص): "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ". وسئل أمير المؤمنين عليّ(ع): من هم شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون؟ قال: "العلماء إذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل، الكاتمون للحقائق". وفيهم قال الله عزّ وجلّ: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.

 

واجب نصرة الحقيقة

أيّها الإخوة.. أيّتها الأخوات:

إنّ كتمان الحقائق هي من المسائل التي عانت منها المجتمعات البشريّة على مرّ التاريخ. ولذلك، نجد القرآن الكريم لم يهدّد أحداً ولم يذمّه كما هدّد كاتمي الحقائق وذمّهم، ذلك أنهم بكتمانهم وتركهم مسؤوليّاتهم، جرّوا أجيالاً متعاقبة إلى طريق الضّلال والفساد، في الوقت الذي كانت تنعم بالواعين والمصلحين والموضحين الحقائق.

ونحن، أيّها الأحبَّة، في مرحلةٍ أحوج ما نكون إلى الصّادحين بالحقّ والحقيقة، الموضحين لرسالة الله كما هي، الشّارحين للأحكام والمفاهيم، المتصدّين للانحرافات العقيديّة والأخلاقيّة، وانحرافات السّلوك والمفاهيم، وما أكثرها! ما أحوجنا إلى باعثي الوعي الدّيني والرّوحي والإيماني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمواجهة ظواهر الفساد والانحراف أو البدع التي تدخل إلى فكرنا وحياتنا، وخصوصاً تلك التي تأتي تحت عنوان الدّين، وتحت عنوان ما جاء عن رسول الله(ص) والأئمّة(ع)، بحيث تتمّ الدعوة إلى الخرافة أو الغلوّ والتطرّف باسم الأصالة والمشهور والسّائد، أو يجري التّرويج لقبول الظلم والهيمنة وتسويق التبعيَّة للآخر تحت عنوان الواقعيَّة أو المصلحة أو المرحلة، وما إلى هنالك.

 

هنا تقع مسؤوليَّة كبرى على النّخب من علماء الدّين الواعين والعارفين بالحقّ، والدّارسين لكتاب الله، والمطَّلعين والمشتغلين، أن يكشفوا للنَّاس واقع الفساد والانحراف والظّلم، ويفضحوا كلّ المتستّرين بالدّين، الذين يعملون على إعطاء الشرعيَّة لهذا الواقع، وأن يثبتوا أمام ردود الفعل التي قد تواجههم، والاتهامات التي سيتعرّضون لها، وأن تكون قدوتهم في ذلك الأنبياء والرّسل والأئمة، وكلّ الذي ثاروا عبر التاريخ في وجه سطوة الجهل والتخلّف.

فقد عانى الكثيرون على درب الرّسالة؛ عانوا السّجن والقتل وتشويه الصّورة، وقيل عنهم كما قيل عن نبيّنا، ساحر ومجنون ويعلّمه بشر وأساطير الأوّلين تتلى عليه… ولكنّهم صبروا وثبتوا، واستطاعوا أن يستقيموا على طريق الحقّ، فاستحقّوا بذلك أن يكونوا سادة العالم.

 

الخاذلون للحقّ

إنّ مشاكل المجتمعات السابقة والحاليّة تكمن في الصّامتين، الذين يعتقدون أنهم بصمتهم لا يؤيّدون انحرافاً، ولا يسندون جهلاً أو بدعاً، وأنّهم على الحياد لا يتدخَّلون، مع أنهم يدركون ويميِّزون.

"اذا سكت أهل الحقّ، ظنَّ أهل الباطل أنهم على صواب"؛ اختصرها أمير الحكمة عليّ(ع). فأنت إن وقفت على الحياد ساكتاً، كاتماً للموقف والرأي، فأنت لست حيادياً أبداً، بل أنت شريك للباطل والانحراف والبدع، أنت تقوّي كلّ ذلك بصمتك. وعندما سئل أمير المؤمنين(ع) عن حال بعض أصحابه ممن لم يشاركوا معه في إحدى معاركه، وفضَّلوا أن يبقوا على الحياد، قال عنهم كلمته المعبِّرة التي وصف فيها حالهم: "هم لم ينصروا الباطل، ولكنَّهم خذلوا الحقّ".

مبرِّرات غير مقبولة

 

أيّها الإخوة والأخوات.. أيّها المؤمنون والمؤمنات:

يتلبّس الكتمان وعدم إظهار الحقائق مرّات بلبوس قد يصعب على المرء تمييزها إلا بمحاسبة النفس ومكابدتها. فتحت حجّة التعقّل وعدم إثارة الجوّ، وحرصاً على مقولة "على مسافة واحدة من الجميع"، وضرورة عدم الاستعداء وخسارة الأصدقاء، أو تجنّب إثارة حفيظة فلان أو فلان، أو حفيظة المجتمع الفلاني أو الأفكار الفلانيّة… مبرّرات كثيرة قد تودي بالإنسان، ويصبح معها من دون أن يدري، من الكاتمين الملعونين.

لقد علّمنا الله ورسوله أنّه في تبليغ الرسالة وأحكام الشّريعة وإيصال الحقائق والمعارف، يجب أن لا تأخذنا في الله لومة لائم أبداً، وتحت أيّ ظرف.

نعم، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن لا أن تتحوَّل المسألة إلى تراخ واستهتار خشية ردود فعل أو عدم قبول، بل أن نكون ممن قال الله عنهم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيب}.

وقال مخاطباً نبيّه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ}.

ويبقى دعاؤنا: "اللَّهمّ اجعلنا من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك في نشر الحقائق، لإبقاء الدين نقياً صافياً، وارزقنا خير الدّنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين".

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين واليه مالك الأشتر عندما ولاه مصر، حين قال له: "ولا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ ويَعِدُكَ الْفَقْرَ، ولا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ، ولا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ… إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ، فَلا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأثَمَةِ، وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ…".

 

لقد أراد الإمام عليّ(ع) من خلال ذلك، أن يبيّن أن لا مكان في مواقع الحكم للبخلاء، ولا الجبناء، ولا الحريصين، ولا أصحاب السَّوابق، ممن هم أعوان الظّالمين والفاسدين، بل للأصفياء الأطهار الذين تمتلئ قلوبهم حبّاً للناس.

لقد راهن الإمام عليّ(ع) على هؤلاء لبناء مجتمع العدل بالإحسان، وبهؤلاء نواجه التحدّيات.

 

هل تنفّذ الحكومة وعودها؟!

والبداية من لبنان، حيث يتطلَّع اللّبنانيون مع بدء اجتماعات الحكومة، للالتزام بما وعدت به في بيانها الوزاري من مواجهة الفساد والهدر، والتخفيف من المشكلات الاقتصادية والمالية، والمعالجات الجديّة للقضايا الملحّة معيشياً واجتماعياً وصحياً وبيئياً، ولا سيّما ملفّ الكهرباء.

في الواقع، فإنّ التّشاؤم يغلب على الكثيرين الَّذين لا يرون أنَّ هذه الحكومة قادرة على إحداث نقلة نوعيّة في حياة اللّبنانيّين ومعالجة مشكلاتهم، باعتبار أنَّ مكوّنات هذه الحكومة هي المكوّنات نفسها التي تشكَّلت منها الحكومات السابقة، والتي أوصلت البلد إلى هذه الدّرجة من الانهيار. وما يعزّز هذا المنطق، هو ظروف تشكيلها، وتركيبتها المبنيّة على التناقضات، وانعدام الثقة بين أعضائها، بحيث يجعل منها حكومة مناكفات.

إننا، وعلى الرّغم من هذه الصورة التشاؤميّة التي تبدو في جانب منها واقعيّة، نرى أجواء توحي بالتفاؤل، حين نجد رغبة جدية لدى القوى السياسيّة في معالجة الوضع الحالي، حيث لم يشهد لبنان طوال السنوات الماضية إجماعاً من هذه القوى، رغم تناقضاتها السياسيّة الحادّة، كما هو حاصل اليوم، في مقاربة ملفّات الفساد، ووقف الهدر، والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، ونرى فيما جرى من معالجة سريعة لمأساة مستشفى الفنار، وفي فتح الملفّات الحيوية، وآخرها ملفّ التوظيف غير القانوني، مؤشّرات على هذا الجوّ التفاؤلي.

لكننا نريد لكلِّ ذلك أن لا يكون مبادرات يتيمة ومحدودة، بقدر ما نريده أن يعبّر عن نفس جديد في التعامل مع الملفات التي يعانيها المواطنون في الصحّة والكهرباء والنفايات والتلوّث وكلّ الملفات الحيوية.

 

معركة مواجهة الفساد

ونحن في هذا المجال، ندعو إلى أن لا ينتظر الوزراء إخباريّات من وسائل إعلام عن فساد يحصل في وزاراتهم، بل أن يوجدوا الآليّات التي تمنع حصوله أو تكشفه قبل أن ينمو ويكبر ويصبح من الصّعب معالجته.

إننا نريد من كلِّ وزير في الحكومة، أن يكون وزير مكافحة الفساد في وزارته، ليعالج ما فيها من فساد وهدر، ويطهّرها من الفاسدين والمتلاعبين بها.. أن لا ينتظر قرارات تأتيه من هنا وهناك، وأن يتحرّك وفق ما تمليه المصلحة العامّة في طريقة إدارته للوزارة.

 

وفي هذا السّياق، فإننا ندعو الحكومة التي طرحت عناوين في بيانها الوزاريّ، إلى تحمّل مسؤوليّتها في هذا البيان، فلا يكون، كما اعتدنا في البيانات الوزارية، حبراً على ورق، أو أمنيات وأحلاماً تقدَّم للمواطنين. إننا نريده أن يكون مشروع عملها، وأن تحاسب على أساسه، سواء من قبل المجلس النّيابي، أو من قبل الشّعب اللّبناني.

 

ومن هنا، فإننا ندعو الحكومة وهي تبدأ عملها، إلى أن تحوّل هذا البيان إلى خطط واقعيّة، وإلى مشاريع وقوانين ومراسيم، وفق آليّات محدَّدة ودقيقة، تأتي بعد دراسة عميقة للملفّات التي نعلم أن هناك رؤى متعارضة لكيفيّة معالجتها أو التّعامل معها، على أن ينطلق البحث والتشاور حولها من موقع الحرص على المصلحة الوطنيّة الجامعة، لا من مصالح طائفيّة أو مذهبيّة أو فئويّة أو محاصصات.

 

مع عودة النّازحين

وعلى ضوء ذلك، نعيد ونؤكِّد أنّه لا يجوز لملفّ النازحين السوريين أن يكون، كما حصل بالأمس داخل مجلس الوزراء، معرض خلاف كبير بين القوى السياسية التي عليها جميعاً أن تتعاطى بحكمة، وبروح وطنيّة مسؤولة، وبموضوعيّة، في معالجته، بعيداً من كل الحسابات الداخلية والخارجية والمصالح الخاصّة، بعد أن بات واضحاً أن الجميع يُسلِّم بالأثقال الضّخمة والأعباء الكبيرة التي يلقيها هذا الملفّ على البلد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً، فالكلّ يعرف أن مماطلة الدول الكبرى في معالجة هذا الملفّ في الغالب، تعود إلى أسباب سياسية، لا إلى أسباب إنسانيّة. ونحن لا نرى حجة لعدم توافق الجميع على عودة النازحين بشكل آمن إلى المناطق الآمنة، بدل انتظار الحلّ السياسي الذي يبدو أنه لايزال بعيداً.

 

لطيِّ صفحة الزَّواج المدنيّ

وفي مجال آخر، نتوقّف عند قضية الزواج المدني التي أثيرت في الفترة الأخيرة، وأدّت إلى انقسامات أخذت أبعاداً دينية وسياسية، لنعلن بوضوح وقوفنا إلى جانب كلّ الذين دعوا إلى طيّ هذا الملف، ولا سيّما في هذه المرحلة العصيبة التي يمرّ بها البلد، ولنقول إن قضيّة تحمل مثل هذه الحساسية الدينية والاجتماعية والطائفية، لا يمكن أن تعالج بالسجالات الحادّة، وبعقلية تسجيل النقاط، بل تحتاج إلى دراسة معمّقة وموضوعية، تأخذ بعين الاعتبار موقع الدين وتأثيره في هذا البلد وانتظام الأسرة، وأن لا يكون موقعاً للجدل حول مشروعيّة تكوينها.

 

العدوّ يستفرد بفلسطين!

وننتقل إلى ما يجري في فلسطين المحتلّة من ضغط صهيوني مستمرّ على الشعب الفلسطيني الذي يمرّ بمرحلة هي من أصعب المراحل وأخطرها، بالنّظر إلى استفراد العدوّ بهذه القضيّة بعد انفتاح العرب عليه، وإدارة ظهرهم للقضيّة الفلسطينيّة، وعدم تأمين مقوّمات صمود شعبها، وهو ما يشجع العدوّ على التمادي في سياساته العدوانيّة، والتي كان آخرها قرار المضيّ في تهويد مدينة القدس، وإقفال بعض أبواب المسجد الأقصى، واعتداءاته على المصلّين، ومصادرته لأموال عوائل الشّهداء والأسرى.

 

إننا في الوقت الذي ندين إجراءات العدوّ وممارساته الإرهابيّة وضغوطه وحصاره المستمرّ للشعب الفلسطيني، نحيّي صمود هذا الشعب وتضحياته، ونجدّد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية لتقديم الدعم له بكلّ الوسائل، كما ندعو الفصائل الفلسطينيّة إلى الوحدة والتضامن والتماسك، بدلاً من السياسات التي تزيد من الانقسام لحساب العدوّ، وعلى حساب مصلحة الشعب الفلسطيني وتطلّعاته التحرّرية.

 

Leave A Reply