لماذا إحياء عاشوراء؟

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

قال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}.

 

تطل علينا وفي بداية هذا العام ذكرى عاشوراء… هذه الذكرى التي تتجدد في كل سنة لتعود بنا الذاكرة إلى كل تلك التضحيات الجسام التي بذلها الحسين وأصحابه وأهل بيته وإلى كل الدماء الزاكيات التي نزفت على أرض كربلاء.. وإلى كل أولئك الذين صدقوا مع الله عهده وبذلوا لأجله أغلى ما عندهم..

 

وفي كل عام يتجدد السؤال لماذا نحيي ذكرى عاشوراء، لماذا كل هذا الجهد الذي يبذل والأوقات التي تصرف والإمكانات التي تقدم في إحياء هذه الذكرى، ولدينا الكثير مما يحتاج إلى أن نبذل جهدنا وأوقاتنا وإمكاناتنا فيه…

 

هل لنعبر عن مشاعرنا وعواطفنا وحبنا للحسين وأصحابه وأهل بيته، فنذرف الدموع عليهم ونبكيهم، أم المسألة هي تعبير عملي عن الوفاء للحسين ولكل ما قدم وأعطى، هل هي إحياء لذكر الحسين وأصحابه وأهل بيته لنكسب الأجر على قيامها بهذا الإحياء، نعم نريد من عاشوراء كل ذلك، نريد منها حباً وعاطفة وتعظيماً وتقديراً وتمجيداً لمن قدم كل تلك التضحيات الجسام، لا لأجل مجد شخص وهدف ذاتي، بل من أجلنا حتى يصل الإسلام إلينا نقياً صافياً ونكون أمة حية فاعلة حاضرة في كل ميادين الحق والعدل.

 

لكن علاقتنا بالإمام الحسين(ع) هي أبعد من كونه ثائراً ومصلحاً ومضحياً ومعطاء، هي علاقة مأمومين بإمام يقتدون به ويأخذون منه أقواله وأفعاله وتطلعاته، ويرون أنفسهم ملزمين كواجب عليهم بأن يتابعوا ما قام به وأن يسعوا بكل ما استطاعوا للأهداف التي عمل لها.

 

فنحن نستعيد عاشوراء حتى نعيشها في أنفسنا، لنرى من خلالها أين نحن من رضا الله ومن الحق والعدل ومن كل ما حرص الحسين عليه في كربلاء…

 

عندما خرج الإمام الحسين(ع) من المدينة في السابع والعشرين من شهر رجب قاصداً ومعه أهله وأخوته وأبنائه وأبناء أخوته وأصحابه، لم يخرج هارباً من والي يزيد في المدينة، خرج منها في وضح النهار بعد أن أعلن لوالي المدينة وبكل وضوح موقعه: "إنّا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله".. ولأن مشروع الثورة هو الغاية من خروجه، فلقد ضمَّن وصيته التي تركها في عهده أخيه محمد بن الحنفية مشروع نهضته وهدفه منها موقفاً حاسماً وواضحاً بعدم القبول بالمبايعة، وكان يعي حجم التحديات التي ستواجهه لكنه كان جاهزا لتحملها…

 

«إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين». هذه وصيتي يا أخي إليك ومن خلالك للمؤمنين. لقد كان الإمام الحسين(ع) على بينة من أمره، عارفاً بأهدافه بعد أن شخص الداء والدواء.. الداء هو وجود حاكم  مثل يزيد وأمة خانعة تقبل بأي حاكم، والدواء هو الإصلاح وأن لا يبقى الواقع الفاسد كما هو.. أن يعمل على تغييره، أن تعود الأمة إلى حضورها وحيويتها وفاعلتها، أما الأداة والوسيلة فهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو بذلك لم يخرج محارباً مقاتلاً وإنما خرج داعياً مغيراً.

 

لقد حرص الحسين على التأكيد على هذا الهدف وكانت وسيلته لذلك التصويب على مواقع الفساد والانحراف وتبيانها للناس، وبقي على ذلك.. وأصر عليه ولم يتراجع عنه حتى عندما دعوه إلى التراجع عن خياره هذا أو الموت، قال لهم: لن أتراجع ولو كلفني ذلك حياتي.. كان الحسين(ع) يريد لأمته أن تخرج عن صمتها ومن هزيمتها ومن خوفتها واتكاليتها، وأن تتحمل مسؤوليتها.. فهي ما دامت ساكتة سيبقى الظالم ظالماً والمظلوم ضحية والفساد مستشرياً.

 

لم يكن الحسين(ع) في موقفه في كربلاء يستهدف يزيد فقط حتى يقال انتهى يزيد وانتهت معه كربلاء ولم يعد لها حضور في حياتنا الآن، بل استهدف من خلال يزيد كل فاسد ومنحرف وطاغية وظالم وباغ سواء في التاريخ أم الحاضر والمستقبل.. ليكون السؤال هنا عن مسؤولية  الأمة في بقاء الكثيرين ممن يحملون منطق يزيد في مواقع المسؤولية.

 

إننا نريد أن ندخل إلى موسم عاشوراء بعقلية الإمام الحسين(ع) عندما قال: "ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيَّر".. أن ندخل بعقلية المصلحين والتغييرين.. بعقلية الرافضين لكل فساد وانحراف.. بأن نتعلم من عاشوراء أن لا نقبل فساداً وظلماً وانحرافاً وأن لا نجامل الفاسدين والظالمين والمنحرفين، أن لا نؤيدهم  ولا نبرر أفعالهم.. أن لا نشعرهم بالأمان.. وأنهم أمام أمة ترضى بكل واقع يفرض عليها ولكل ظلم تواجهه.. أن ننطلق من قوله: "مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يُغيّر عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه".  

 

أيها الأحبة: الفساد والانحراف والباطل والظلم لا يتجزأ … لا فرق في ذلك بين ظلم التاريخ وظلم الحاضر أو فساد التاريخ وفساد الحاضر.. هو واحد فلا فرق في الظلم والفساد والطغيان، لا فرق بين ظلم الزوج لزوجه ورب العمل لعامله ولظلم المسؤول لمن تحت مسؤوليته.. وظلم يزيد.. ولا فرق بين الفاسد والمنحرف على أي مستوى من المستويات، أن تتم المعاملات على أسس تقريب هذا لأنه قريبه أو من طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي على حساب من يستحق.. فساد هذا الإنسان وفساد يزيد واحد.. ومن يعيش روحية الظلم والفساد والانحراف على مستوى الدائرة الصغيرة سوف يمارس الظلم على المستوى الكبير ان هو وصل إلى الموقع الكبير.

 

… لنبدأ بالتغيير من أنفسنا.. أن نغربل أفكارنا.. كلماتنا… مواقفنا… تعاملنا مع الآخرين.. وليعمل كل واحد منا .. حسب قدراته وظروفه ودوره… أن يبدأ بالإصلاح في بيته، في حيه، في قريته، وأحيائنا وقرانا ومواقع عملنا امتداداً إلى العمل لإصلاح أوطاننا والعالم..  وهذا مدخل الإصلاح وهو {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

 

لقد أدى الحسين(ع) هو وأهل بيته وأصحابه دورهم كأفضل ما يكون، بذلت لأجل ذلك أرواحهم وسبيت لأجله نساءهم.. هم أبقوا على عاتقنا مسؤولية أن نتابع المسيرة.. وقد لا تكون بالطريقة نفسها والأسلوب نفسه.. لكن لن يكتفي منا الحسين(ع) ولا أبيه أمير المؤمنين(ع) ولا أمه الزهراء(ع) ولا جده محمد(ص) ولا الله الذي اخلص له الحسين العمل وترك الخلق كلهم لأجله…لن يكتفوا منا بمجالس نحضرها وبدموع نذرفها وصدور نلطمها هم يريدون باطلاً يسقط وفساداً يتغير وإصلاحاً يتم.

 

ولن نكون أمناء على هذه الذكرى وكل التضحيات فيها إلا عندما تكون عاشوراء صافية نقية من كلّ شائبة، على مستوى السيرة، فلا نزيد عليها مما لم يرد فيها لتبقى سيرة كربلاء صافية من كل إضافة أو مغالاة، فهي لا تحتاج إلى أي زيادة لكي نثير العاطفة فيها أو لنعلي من شأن شخصها.. هي لا تحتاج إلى كل ذلك بل تسيء إليها عندما نخرجها عن أصالتها وصفائها.. والأمر نفسه على مستوى طريقة إحيائها والتعبير عنها.. فلا تشوه صورتها بتعابير لا تمت إليها بصلة أو تسيء إلى قدسيتها وصفائها وحضورها وتشوه معالمها.. بذلك نحفظ أهداف عاشوراء ونوسّع دائرتها، لتكون إسلاميَّة وحتى إنسانيَّة، ولتدخل إلى كلّ الضَّمائر والعقول، لا أن نقزّمها، أو نحبسها في دوائرنا الصّغيرة والضيّقة، ونجهض كلّ أهدافها الكبيرة التي كانت كلّ تلك التضحيات لأجلها.

 

لنجعل من موسم عاشوراء موسماً للوحدة على المستوى الإسلامي والإنساني.. فالحسين بكل ما يرمز هو عنوان للوحدة.. هو إمام المسلمين جميعاً وإمام لكل حر وعزيز.. وشعاراته لم تكن أبداً شعارات مذهبية بل إسلامية وإنسانية…

 

لنؤكد في هذه المرحلة التي يراد فيها للأرض أن تهتز تحت أقدامنا وأن نغرق في ساحة الفتن التي نصنعها نحن أو يصنعها الآخرون أن يكون خطاب عاشوراء هو الخطاب الذي يساهم في وأد الفتن.. لا الخطاب الذي يصب الزيت على نارها.. خطاب الكلمة الأحسن والجدال بالتي هي أحسن.. الخطاب الذي يفتح قلوب الآخرين وعقولهم، لا الذي يغلق قلوب الآخرين.. لذلك نقولها وانطلاقاً من وعينا لمسؤوليتنا التي وعاها الحسين(ع) حين كان يطلق خطابه حتى وهو في قلب المعركة.. كل من لديه كلمة طيبة تنتج حباً وتواصلاً فليقلها ولنغمد سيوف الحقد والعداوة من قلوبنا وكلماتنا وأعمالنا…

 

ولنطفئ النيران في الصدور والعقول.. وإلا فنحن جميعاً منهزمون… لا يظن أحداً أنه منتصر في معركة الفتنة… الكل خاسر… ولن يأتي هذا العالم إلينا ليخفف من نيران هذه الفتنة بل سيبقيها ويعمل على تأجيجها وما يفعله هو أن لا تمتد نارها إليه.

 

إننا نريد لعاشوراء أن تكون مناسبة لتصحيح ما فسد من عقائدنا ومفاهيمنا وفي وعينا لتاريخينا ولما يجري منفي واقعنا.. حيث التحدي الفكري والثقافي وتحدي الوعي وصل إلى أقصاه.. وبذلك ننصر الحسين(ع) وننصر كربلاء، وبذلك نحيي عاشوراء الحسين.. وبذلك تتحول عاشوراء إلى فرصة للأمة، لا أن تنتهي بإنتهائها..

 

إننا نستطيع أن نقول إننا أحيينا عاشوراء عندما نرى أهداف عاشوراء وتطلعاتها حاضرة في ميادين حياتنا.. عندما أطلق الحسين(ع) في آخر نداءاته في كربلاء: "ألا من ناصر ينصرنا".. كان واعياً أنه لن ينصره أحد من جيش عمرو بن سعد أو خارجه، هو كان يتطلع إلى الآتين من بعده أن ينصروا فكره ووعيه وأهدافه.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله(ص)، عندما دعانا إلى أن نقف بين يدي الله في رأس السنة الهجرية، وهي الليلة الأولى من شهر محرم الحرام، ونصلي ركعتين بعدما نتوجّه إلى الله بهذا الدعاء: "اللهم ما عملت في هذه السنة من عملٍ نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، اللهم فإني أستغفرك منه، فاغفر لي، وما عملت من عملٍ يقربني إليك فاقبله مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم".

 

ثم يقول رسول الله(ص) كما ورد في الحديث: "إنّ الشّيطان بعد الدّعاء يندب حظّه ويقول: يا ويلي ما تعبت هذه السنة هدمه أجمع بهذه الكلمات، وشهدت له السنة الماضية أنه قد ختمها بخير".

 

ومن المستحبّ أيضاً في اليوم الأول من محرم، أن يصلي المؤمن ركعتين، ثم يدعو: "اللهم وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشيطان، والقوة على هذه النفس الأمارة بالسوء، والاشتغال بما يقربني إليك، يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام".

 

بمثل هذا الوعي، ننهي سنةً قديمةً، ونبدأ سنة جديدة، وبذلك نجعل سنين حياتنا أكثر طهراً وصفاءً ومسؤوليةً وقرباً إلى الله، ونملك القدرة على مواجهة التحديات والصعوبات…

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي شهد في هذا الأسبوع حراكاً سياسياً أوحى للبنانيين بقرب إنهاء الشغور الرئاسي، وكل التداعيات الذي تركها، بعد أن شلّ عمل المؤسّسات وأضرّ بمصالح المواطنين.

 

إنّنا نقدر أيّ حراك سياسيّ يُخرج البلد من حالة المراوحة التي يعانيها، فالحركة بركة ـ كما يقال ـ آملين أن تفتح كوة أمل لإنجاز هذا الاستحقاق، وهو ما يتطلّب استمرار المشاورات، وإزالة كل العقد الداخلية، بعدما بدا أن لا ضوء أحمر إقليمياً أو دولياً أمام إنجازه، والتوصّل إلى تفاهم حقيقي يضمن مصالح الجميع وحقوقهم، بما يفتح الأبواب أمام الاتفاق على قانون انتخابي يؤمن التمثيل الحقيقي لكل اللبنانيين، ويرضي طموحاتهم، ويحرّك عجلة الدولة التي ينتظرون منها الكثير لسدّ حاجاتهم وتلبية متطلباتهم، ومعالجة مشكلات الفساد الذي يعشعش في قطاعات الدولة كافة، وإيقاف هذا النزيف الاقتصادي والتلوّث البيئي والغذائي.

 

وبانتظار ذلك، ستُبَحّ أصوات مزارعي التفاح الذين لن يجدوا متنفساً لتصريف منتجاتهم، وأصوات سائقي السيارات العمومية، الذين يأنّون من المتطلبات الإضافية للميكانيك، وستبقى النفايات على الطرقات، ويبقى التلوّث في المياه، ولن تقرّ سلسلة الرتب والرواتب وغير ذلك من القضايا.

 

سوريا

وننتقل إلى سوريا، حيث بات واضحاً أنّ الكلمة فيها للميدان، في ظل استمرار التجاذب الدولي والإقليمي على هذا البلد، والانهيار شبه الكامل لتسويات كانت تجري بين المواقع المؤثرة فيه، إذ يصرّ الكثيرون على استثمار دماء أبنائه لحساباتهم الداخلية والخارجية على حساب مصلحة إنسانه واستقراره وقوّته.

 

ونحن في الوقت الّذي لا نبرِّئ البعض من الاستثمار بالشأن الإنساني، فلا نريد أن يتحوّل الناس، سواء في سوريا أو في اليمن أو العراق، إلى وقود لهذا الصراع، ومكتوين بناره، وندعو إلى إبقاء البعد الأخلاقي والإنساني حاضراً في ساحة المواجهة.

 

سنة هجرية جديدة

في هذا الجوّ، تطلّ سنة هجريّة جديدة، وهي السنة 1438؛ هذه السنة التي تربطنا بقيمة الهجرة التي شهدتها الدّعوة الإسلاميّة، حين قرّر المسلمون بقيادة رسول الله أن لا يرضخوا للواقع الذي فرضته عليهم قريش، حين مارست طغيانها عليهم، وعملت على كمّ أفواههم، ومنعتهم من إيصال رسالتهم وفكرهم إلى كل الناس، فهاجروا تاركين الأرض والمال والأهل والأولاد، إلى أرضٍ يملكون فيها قرارهم وحريتهم، فكان لهم ما أرادوا، وبدأوا من المدينة فجراً جديداً ساد فيه الإسلام في أنحاء العالم.

 

إنَّ استحضارنا لهذه القيمة يدعونا إلى التّساؤل: إذا كانت هذه النّماذج القدوة من المسلمين لم تستكن للواقع الذي فُرِض عليها وهاجرت، فأين هي هجرتنا نحن اليوم؟ ليس من الضروري أن تكون الهجرة من المكان، بل أن نهجر أزماتنا المتمثلة بالتمزّق والتخلّف والجمود، وننتقل إلى مساحات تملأها الوحدة والتطور، لبلوغ ركب الحضارة.

 

إننا نأمل، ونحن نودع سنةً ونستقبل سنة جديدة، أن يكون مستقبلنا خيراً من ماضينا، بحيث تزول كل هذه الغيوم السوداء التي تلفّ واقعنا، بوعينا ووحدتنا ورصّ صفوفنا.

 

أول صلاة جمعة في مسجد الحسنين(ع)

وأخيراً، نستعيد في هذا اليوم ذكرى أول جمعة أقيمت في هذا المسجد في العام 1996، والتي شكّلت لنا خيراً وبركةً، لما لصلاة الجمعة من فضلٍ، فيكفي أنها استجابة لدعوة حثّ الله عليها، وجعل فيها الأجر الكثير حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، فقد ورد أنها حجّ المساكين، وأن الشخص الذي يصليها يقترب من ساحة المغفرة الإلهية، حتى يُقال له استأنف العمل، هذا إلى جانب كونها مظهر عزة وقوة للمسلمين.

 

إن مسؤوليتنا تجاه هذه الصلاة أن نواظب عليها، فالحضور إليها واجب، ولأجلها ينبغي أن نذر كل شيء، ويجب أن ندعو إليها أولادنا، وأن نحرص عليها، ونحثّ عليها مجتمعنا، لا لتكون مصدر ترويج لأحد، بل لتكون قوةً لإيماننا ومظهر عزّة لنا. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا للحفاظ عليها، وأن لا يحرمنا من بركاتها.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 29ذو الحجة 1437هـ الموافق :30أيلول 2016م

 

Leave A Reply