معنى الإيمان بالملائكة

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}.. صدق الله العظيم

 

لقد جعل الله الإيمان بالملائكة من صفات المؤمنين، وقد أشارت هذه الآية أن الإيمان بها هو مرادفٌ للإيمان بالله وكتبه ورسله، في الوقت الذي اعتبرت من يكفر بالملائكة هو في ضلال بعيد، فقال: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً}..

 

إننا بحاجة إلى بناء هذا الإيمان في نفوسنا، أن نبنيه على ركائز ثابتة صحيحة حتى لا يشوبه أي انحراف أو يدخل إليه أي تحريف كما قد يحصل عند الإيمان بالأمور الغيبية غير المحسوسة حيث قد تختلط الحقيقة بالخيال والخرافات، وهذا يحصل بالعودة إلى المصادر الصحيحة التي جعلت بين أيدينا من كتاب الله وما ثبت من أحاديث رسول الله(ص) والأئمة(ع).. فهي الطريقة الوحيدة للإيمان بها والتعرف إلى خصائصها ومميزاتها.

 

وقد أشارت هذه المصادر إلى أن أبرز ما يتميز به الملائكة هي في علاقتها بالله وعلاقة الله بها.. وقد ورد في الحديث عنها قوله: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}.. وقال في آية أخرى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}..

 

فالملائكة عباد مكرمون عند الله في منازل عالية وهم ليسوا كالبشر يتحركون بإرادتهم واختيارهم، بل بناء على أوامر توجه إليهم وهم فيها يطيعونه ولا يعصونه أبداً..

 

وإلى ذلك أشار الإمام علي(ع): "وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك فليس فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك منك، وأعملهم بطاعتك، لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان.."..

 

ولذلك لا صحة لأحاديث يروج لها البعض عن عدم تنفيذ أحد الملائكة واسمه فطرس أمر  الله به، فغضب عليه وكسر لذلك جناحه ولم يتب عليه حتى تمرغ بفراش الحسين(ع) وهو منذ ذلك الوقت وفاء للإمام الحسين(ع) يحمل إلى الحسين سلام من يسلمون عليه..

 

وميزة أخرى أنها لا تكل عن تسبيح الله وحمده وتقديسه وعبادته، وهي لا تسأم من ذلك، كما بين الله سبحانه ذلك في قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.. وفي ذلك قوله سبحانه: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}..

 

 والملائكة في خصائصهم الذاتية خلقوا من طينة أخرى غير البشر والجن، فهم خلقوا من نور فيما الإنسان من طين والجن من نار.. وقد أشار الله أن لها أجنحة عندما قال: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}..

 

وقد اختلف المفسرون في طبيعة هذه الأجنحة هل هي أجنحة تستعين بها على الحركة والفعالية في تنقلها أم إشارة إلى مراتبها بحيث تتحدد مرتبتها بعدد أجنحتها.

وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): "لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلا وفيها ملك يسبحه ويقدسه، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلا وفيها ملك موكل بها"..

 

والملائكة كما هو واضح لدينا لا تُرى ولا تُحس ولا تُمس.. نعم، قد يتمثلون وبأمر الله على هيئة بشر كما حدث مع السيدة مريم، والذي أشار إليه الله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}..

 

وقد أسند الله سبحانه وتعالى للملائكة أدواراً متعددة في حياة الإنسان منذ أن أوجده الله وفي كل مراحل حياته، فقد لبت الملائكة أمر الله سبحانه وتعالى لهم بالسجود لآدم، فهي لم تتردد ولم تعترض كما فعل إبليس الذي كان من الجن ولم يكن من الملائكة وإن كان ملحقاً بهم، فقد أبى واستكبر {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ}.. وقد أودع الله في الملائكة الود للإنسان عندما أمرها أن تستغفر لأهل الأرض جميعاً..

 

وإلى هذا أشار الله سبحانه: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}..

وهذا الود هو الذي تحمله لرسول الله(ص) والذي أخبرنا به الله عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}..

 

والملائكة لها دور الرقابة، فقد أودع الله لكل إنسان ملكين موكلين من خلال بالرقابة عليه يتوليان كتابة أعماله وهو الذي أشار إليه الله سبحانه: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.. {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}..

 

 

وقد أشار الإمام الصادق(ع) إلى الهدف من وجودهما، فقال: "استعبدهم بذلك، وجعلهم شهوداً على خلقه؛ ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشدّ انقباضاً، وكم من عبد يهمّ بمعصية، فذكر مكانهما؛ فارعوى وكفّ، فيقول: ربّي يراني وحفظتي عليّ بذلك تشهد.. وكلهم بعباده يذبون عنهم مردة الشياطين وهوام الأرض وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله، إلى أن يجيء أمر الله"..

 

وهم خلال وجودهم على كتفي الإنسان كما أشارت الأحاديث يفرحون عندما يفعل الحسنات ويدعون له بالمزيد، فيما يحزنون لفعله السيئات ويتمنون لو لم يفعل ذلك ولم يكتبوها.. ولذلك عندما يفعل الإنسان السيئة يقول صاحب اليمين لصاحب الشمال الذي يكتب السيئات لا تكتب عليه السيئة، فلعله يستغفر فلا يكتبها إلى سبع ساعات فإذا لم يستغفر كتبها.

وهناك حضور للملائكة عند كل عمل خير، وهذا ما أشار إليه أكثر من حديث نشير إلى بعضها..

 

فقد ورد في الحديث: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفِقًا خلفًا، (يعني أبدل الباذلين والمتصدقين خيراً من وراء ذلك) ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".

 

وفي الحديث: "إن العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن فيوكّل اللَّه به ملكين، واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته"..

 

وفي الحديث: "ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلاّ خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح".. "ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي"..

 

وفي الحديث: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول.. فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر"..

 

وقد أشار الله إلى أنه يأمر الملائكة بالوقوف مع الإنسان عند الشدائد وفي الظروف الصعبة وفي المعارك: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}..

 

وعن النبي(ص): "وما من عبد يصلي عليَّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليَّ"..

وفي الحديث: "من بات طاهراً بات معه ملك، فلم يستيقظ إلا قال الملك اللهم اغفر لعبدك، فقد بات طاهراً."..

وفي الحديث: " من دعا لمؤمن بظهر الغيب قال الملك: ولك مثل ذلك".

 

هذا في الحياة وعند الاحتضار أشارت الأحاديث إلى مدى إشفاق الملائكة وحنوها على الإنسان في تلك اللحظات، حيث ورد في الحديث: "إذا احتضر الإنسان جاء ملك الأرزاق مواسياً فيقول له: بحثتُ لك عن رزقٍ، فوجدتُك قد وفيت ما كُتب لك من الرزق، فيمسك الإنسان نهائيّاً عن الطعام متحسراً، ثم يأتيه ملك المياه، ويقول له: بحثت لك عن قطرة ماء، فوجدتك قد وفيت كلَّ ما كتب لك من الماء، فيمنع عنه الماء متحسراً، ثم يأتيه ملك الأنفاس، ويقول له: بحثت لك عن نفس تتنفسه، فوجدتك قد وفيت كلَّ ما كتب لك من أنفاس، فيتوقف عن التنفس ويموت متحسراً عليه"..

 

وعندما يموت الإنسان أشار الله سبحانه إلى دور الملائكة في تلك الحالة للذين أخلصوا الطاعة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}..

 وقد ورد في الحديث: "إذا قبض الله روح المؤمن صعد ملكاه إلى السماء فقالا: يا رب عبدك ونعم العبد، فيقول الجليل الجبار: اهبطا إلى الدنيا فكونا عند قبر عبدي، ومجداني وسبحاني وهللاني وكبراني، واكتبا ذلك لعبدي حتى أبعثه من قبره"..

وفي يوم القيامة حيث الحساب والعقاب وخوف الوعيد، تأتي الملائكة لتصاحب المؤمن {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}..

 

كل هذا الود الذي أودعه الله في ملائكته يستوجب شكرنا لله، فهم بأمره يعملون، ويستوجب منا أن نشكرهم بأن ندخل السرور عليهم بطاعتنا لله وتسبيحنا وحمدنا له وأن ندعو لهم بما كان يدعو الإمام زين العابدين(ع) في دعائه للملائكة: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِكَ الَّذِينَ لَا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ؛ وَلا يَسْأمُونَ مِنْ تَقْديسِكَ؛ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (يكلون) مِنْ عِبادَتِكَ، وَلا يُؤْثِرُونَ التَّقْصيرَ عَلَى الجِدِّ في أمْرِكَ؛ وَلا يَغْفُلُونَ عَنِ الوَلَهِ إليك؛ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ صلَاةً تَزِيدُهُمْ كَرَامَةً عَلَى كَرَامَتِهِمْ وَطَهَارَةً عَلَى طَهَارَتِهِمْ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ..

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بسيرة الإمام محمد الجواد (ع)؛ هذا الإمام الذي ستمر علينا ذكرى وفاته في التاسع والعشرين من هذا الشهر، شهر ذي القعدة. ونحن سنأخذ اليوم بعضاً من سيرته في الحوار الذي جرى بين الخليفة المأمون وبعض العباسيين، فقد جاؤوا إليه مستنكرين قراره تزويج ابنته أم الفضل من الإمام الجواد (ع)، خوفاً من أن ينتقل الحكم إلى أهل البيت (ع)، وكان الإمام حديث السن آنذاك، فقال لهم: "لقد اخترته لتفوّقه على أهل الفضل كافّةً في العلم والثّقافة مع صغر سنه، وأنا أرجو أن يظهر للنّاس ما قد عرفته منه، فتعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه.. وسيظهر لكم عاجلاً أو أجلاً، وإن شئتم فامتحنوه، وادعوا من رغبتم في مناظرته".

 

عندها، رضخ العباسيون وقالوا: "لقد رضينا بذلك، فخلِّ بيننا وبينه لننصّب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشّريعة"، وأجمعوا على أن يبارزه يحيى بن أكثم، وكان قاضي القضاة، بأعقد المسائل وأكثرها جدلاً.. فأجاب الإمام (ع) عنها بكل دقة وتفصيل وتوسّع في البيان. بعدها، طلب المأمون من الإمام أن يسأل بدوره ابن أكثم، فاحتار في الجواب وعجز معه كل الحاضرين، فأفحم القوم.

 

عندها، أقبل المأمون على كلِّ الحاضرين قائلاً: "ويحكم.. إنَّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل.. إنّه من أهل بيتٍ علمهم من الله، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدّين والأدب عن الرّعايا.. وإن صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله(ص) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو ابن عشر سنين، ولم يدع أحداً في سنّه غيره.. ثم بسط إلى الذين استنكروا عليه: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟".

 

إنَّ ارتباطنا بالإمام الجواد (ع) هو ارتباط بالقيمة التي كان عليها، كما كلّ أهل البيت (ع)، وهي التي يريدوننا أن نكون عليها.. أن نكون مميزين، أينما كنا.. هم لا يرضون منا أن نكون عاديين، بل علامة فارقة في كلِّ مجتمع نكون فيه.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث لم يعد أمر تأليف الحكومة فيها هو الشغل الشاغل للبنانيين، بعدما ملّوا الانتظار، فلا تبدو هناك رغبة حتى الآن لدى أي من القوى السياسية التي تطرح شروطها بأنّها على استعداد لتقديم تنازلات في هذه المرحلة، إضافةً إلى الكباش الخارجي الذي يزيد الأمور تعقيداً.

 

إنَّنا أمام ذلك، نعيد دعوة القوى السياسيّة هذه إلى أن تخرج من رهاناتها، وأن تأخذ بالاعتبار دروس التاريخ والحاضر، وأنَّ لبنان بطبيعة تكوينه كان وسيبقى محكوماً بالتوافق بين مكوناته، وإن الإخلال بالتوازن هو مشروع فتنة وحرب لم يستفد ولن يستفيد منه أحد، بل عانى اللبنانيون منه جميعاً من دون استثناء.

 

إن على هذه القوى أن تأخذ بعين الاعتبار مسؤوليتها تجاه مواطنيها الَّذين ائتمنوها على القيام بشؤونهم ومصالحهم، وهم ليسوا أحراراً في إهمالها أو عدم القيام بها.

 

لقد أصبح واضحاً مدى معاناة اللبنانيين التي تزداد يوماً بعد يوم، وعلى كل الصعد، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والمعيشي أو الصحي وغير ذلك، من دون أن تبدو في الأفق بارقة أمل، سوى وعود من الخارج وشروط لم تتضح معالمها بعد.

 

وقد شهدنا في الأسبوع الماضي عودة أزمة الكهرباء إلى الواجهة، من خلال الخلاف المستمر حول أسلوب علاج هذه الأزمة، والسجال الحاصل بين من يرى البواخر حلاً لها، ولو مؤقتاً، ومن يرى أنَّ المعامل هي الحل، أو من خلال زيادة ساعات التقنين التي تعانيها العديد من المناطق اللبنانية، ولا سيما الجنوب اللبناني، أو عدم التزام أصحاب المولدات بالتسعيرة المعتمدة من البلديات وعدم موافقتهم حتى الآن على تركيب عدادات، ما يثقل كاهل المواطنين.

 

إنَّنا أمام ما جرى، ندعو إلى معالجة جذرية لمعضلة الكهرباء، وإن لم يمكن معالجتها، فلا بد من النظر جدياً في التخفيف من وقعها على كاهل المواطنين وعدم تركهم فريسة أصحاب المولدات، الذين أصبحوا يمثلون موقعاً مؤثراً له شروطه غير المبررة.

 

ونقف أمام ما جرى من سجالات حادة في مواقع التواصل في الأيام السابقة، لندعو كل من هو في موقع المسؤولية إلى النظر بعين الاعتبار إلى معاناة المواطنين، والإصغاء إليهم بكل مسؤولية، وإلى الإجابة على الكثير من التساؤلات التي طرحت من قبلهم، والتي تتصل بقضايا وممارسات قد تشتم منها رائحة الفساد.

 

إنّنا لن نحكم على كل ما يقال، ولا ينبغي إطلاق الاتهامات جزافاً، لكن لا بد لكل من هم في مواقع المسؤولية أن يجيبوا الناس على تساؤلاتهم، وأن يظهروا شفافية أمام هؤلاء الناس الذين لم يبخلوا عليهم عندما منحوهم أصواتهم أو في مواقفهم البطولية وتضحياتهم، وهم الحاضرون في الذود عن الوطن وتقديم التضحيات في سبيله.

 

إنّ مسؤولية كلّ من هو في موقع المسؤولية أن يجيب الناس عندما يرون تضخماً في قدراته وإمكاناته! أن يجيبهم عن سؤال: من أين لك هذا؟ هذه هي القاعدة التي ندعو إلى أن تحكم واقعنا السياسي، كما نريدها أن تحكم كل من يتصدى للشأن العام، ونراها مدخلاً لسد أبواب الفساد، إن طبقت بالشكل الصحيح.

 

ايران

ونصل إلى مرحلة البدء بتنفيذ العقوبات الأميركية على إيران، والتي حظيت بمباركة رئيس الوزراء الصهيوني، الذي سارع إلى تهنئة الرئيس الأميركي على قراره بهذا الخصوص. إننا نرى أن هذا القرار الأميركي يحكمه منطق الغاب، حيث يفرض القوي منطقه المتوحّش على من لا يرضخ له، بالحصار وتجويع الشعوب، وهو منطق نرفضه، ولا نرى له مشروعية في العلاقات السياسية بين الدول.. وهنا، نسأل عن موقف الأمم المتحدة التي تؤكد التزام الدول بالاتفاقات التي تعقدها فيما بينها، والتي تأسست على حفظ حقوق دول وشعوب هذا العالم، والالتزام بالقوانين الدولية والشرائع الأخلاقية والإنسانية.

 

اليمن

وإلى اليمن، التي تستمرّ معاناتها، وكان آخرها المجزرة التي استهدفت الأطفال في صعدة، والتي لا تحتمل أي تأويل في بشاعتها وآثارها.

إننا ندين هذه المجزرة، وندعو إلى الإسراع بإيقاف الحرب المدمرة التي يستفيد منها الذين أوقدوها، ولن يكون فيها رابح، إلا الذين يبيعون الأسلحة ومن يريد استنزاف العالم العربي والإسلامي وإضعافه.

 

غزة

وإلى غزة المحاصرة، التي توالت عليها الغارات العدوانية من المحتل الصهيوني الذي لا يتوانى عن قتل النساء والأطفال وملاحقة المدنيين، سعياً لفرض إملاءاته وتغيير قواعد اللعبة، بعد فشل كل أساليبه في تطويع الشعب الفلسطيني وتركيعه.

إننا في الوقت الذي نرصد صمت العالم عن مجازر العدو المتكررة وعدوانه الدائم على الشعب الفلسطيني في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى التعبير عن أوسع عملية تضامن مع هذا الشعب، وعلى مختلف الأصعدة.

 

Leave A Reply